اتخذت وزارة التربية والتعليم عددًا من الإجراءات ضمن الخطة الشاملة للحد من انتشار فيروس كورونا، والذي أثر على الدراسة بالنسبة لتسعين بالمائة من الطلاب حول العالم. كانت البداية بتعليق الدراسة لمدة أسبوعين منذ منتصف مارس الماضي، ثم تبع هذا القرار حزمة من الإجراءات التي تؤكد استكمال الفصل الدراسي الثاني بنظام التعليم عن بعد، سواء عن طريق بنك المعرفة المصري أو القنوات التعليمية. وفيما يخص اختبارات نهاية العام، قررت الوزارة أن يقدم تلاميذ الصفوف من الثالث الابتدائي وحتى الثالث الإعدادي “مشاريع” أو “بحوثًا” يتحدد بناءً عليها نجاح الطالب وانتقاله للمرحلة التالية. أما الصف الثالث الثانوي، فقد تقرر أن تتم الاختبارات بالشكل التقليدي في مواعيدها دون تعديل. وبالنسبة لطلاب الصفين الأول والثاني الثانوي، فسوف يؤدون الاختبارات من المنزل في “بنك المعرفة المصري”. لكن في ظل التطورات المتسارعة، قررت الوزارة ما يلي:
1- أن يتم الاكتفاء بما درسه الطالب في الفصل الدراسي الثاني حتى يوم 15 مارس 2020 (بداية تعليق الدراسة)، وسيتم مراعاة ذلك في المشروع البحثي.
2- استكمال أجزاء المناهج المتبقية (والتي كان من المقرر تدريسها بعد تعليق الدراسة لجميع المراحل التعليمية) في العام الدراسي التالي. أما بالنسبة لطلبة الصف الثالث الثانوي فقد تم الاتفاق مع وزارة التعليم العالي على أن يتم تدريسها في السنة التمهيدية لكل الكليات.
ليكون هذا القرار هو الحل الذي رأت فيه الوزارة الحل الأمثل للخروج من الأزمة؛ فهل كان هذا الحل هو الأنسب للتعامل مع الأزمة؟
الوضع الحالي
استمرت الدراسة لمدة خمسة أسابيع فقط من عمر الفصل الدراسي الثاني. ووفقًا للخطة الزمنية، كان من المقرر أن تبدأ اختبارات نهاية العام في بداية شهر مايو، أي إن مدة الدراسة للفصل الدراسي الثاني كاملًا تصل إلى اثني عشر أسبوعًا، وبذلك تكون الفترة التي تم تعليق الدراسة بها هذا العام سبعة أسابيع، ما يعني أن ما تم تأجيله من المناهج الدراسية للعام القادم يزيد على نصف ما كان مقررًا تدريسه في الفصل الدراسي الثاني.
مع بدء تعليق الدراسة، ومن أجل ضمان استمرار الدراسة حتى نهاية الفصل الدراسي الثاني، أطلقت الوزارة منصتي المذاكرة الإلكترونية والتواصل مع المعلمين “Edmodo”، اللتين تمت إتاحتهما على بنك المعرفة المصري. وبعد أقل من أسبوعين على قرار تعليق الدراسة، أعلنت الوزارة أن الطلاب مسئولون فقط عما تمت دراسته حتى منتصف مارس. وبالرغم من تفعيل منصتي المذاكرة الإلكترونية والتواصل مع المعلمين، وانتظام عرض المواد التعليمية على القنوات التليفزيونية المخصصة لذلك؛ إلا أن الوزارة لم تعلن عن أسباب الاكتفاء بالمقررات الدراسية حتى منتصف مارس، وقد يرجع ذلك إلى مراعاة تكافؤ الفرص بين الطلاب، حيث إن عددًا من الطلاب لا يتمتعون بخدمات الإنترنت التي تُمكّنهم من الدخول إلى بنك المعرفة ومتابعة الدراسة كغيرهم، أو بسبب مقاومة بعض فئات المجتمع لمثل هذا النوع من التعليم.
أما فيما يخص آلية انتقال الطلاب من صف دراسي إلى الصف الذي يليه في السلم التعليمي، فقد قررت الوزارة أن يقدم الطلاب من الصف الثالث الابتدائي وحتى الثالث الإعدادي بحثًا أو مشروعًا فيما درسوه حتى منتصف مارس، وسمحت للطلاب أن يقدموا المشروع فرديًا أو في مجموعات مكونة من خمسة أفراد، ورقيًّا أو إلكترونيًّا. أما طلاب الصفين الأول والثاني الثانوي فسيؤدون الاختبارات إلكترونيًّا في موعدها المقرر خلال شهر مايو القادم؛ على أن يتم تعويض أجزاء المناهج التي لم يتم دراستها لهذا العام في العام الدراسي القادم.
إغلاق المدارس لفترة طويلة يستوجب إجراءات جديدة
يرى العلماء أن استحداث مصل مضاد لفيروس (كوفيد-19) يحتاج لفترة تصل إلى 18 شهرًا، ما يعني أن المصل يمكن أن يكون جاهزًا في شهر يونيو 2021 بافتراض أن العلماء بدءوا العمل على إنتاجه منذ بداية عام 2020، ما يعني أن الاستمرار في اتخاذ الإجراءات نفسها قد يكون سببًا في خسارة العام الدراسي القادم بأكمله، وهو ما ستكون له تكلفة باهظة.
في دراسة قام بها فريق بحثي من “University College London” للأسباب التي من أجلها قامت الحكومات بإغلاق المدارس لمنع انتشار فيروس كورونا، أشارت النتائج إلى أن أدلة الحكومات في هذا الشأن “ضعيفة جدًّا”، واستدلت الدراسة على هذه النتيجة بأن إحصاءات انتشار “الإنفلونزا” توضح أن إغلاق المدارس يمكن أن يكون له تأثير ضئيل على فيروس كورونا، حيث إنه يتصف بقابليته العالية للانتشار وتأثيره الضعيف على الأطفال. وقد استعرضت الدراسة 16 دراسة سابقة حول انتشار فيروسات كورونا الأخرى، ومنها “وباء سارس” في عام 2003، ووجدت أن إغلاق المدارس لم يساعد في السيطرة على انتشار الوباء.
ويقول “راسل فاينر” “Russell Viner”، مدير الكلية الملكية لطب الأطفال وصحة الطفل في لندن “Royal College of Pediatrics and Child Health”، إنه تجب الموازنة بين المكاسب من وراء إغلاق المدارس في مقابل التكاليف، فقد تأثر تعليم الأطفال، وقد تتأثر صحتهم العقلية، وقد تتأثر الموارد المالية للأسرة، وقد يحتاج العاملون إلى البقاء في المنزل لرعاية الأطفال، ما يعني أن تكلفة إغلاق المدارس قد تكون أعلى من المكاسب المتحققة من ورائه. وأوصت الدراسة في النهاية بضرورة إعادة فتح المدارس في المملكة المتحدة بعد انتهاء الموجة الأولى من انتشار الفيروس. لكن المتحدث باسم الحكومة هناك قال إن قرار إغلاق المدارس كان على أساس نصائح علمية للحد من انتشار الفيروس، ولن يُعاد فتحها مرة أخرى إلا بناء على نصائح علمية تؤكد توفر عامل الأمان لفعل ذلك.
ومن الضروري لنا في مصر إعادة فتح النقاش حول هذه القضية بين متخصصين، وبطريقة علمية منظمة، خاصة أن الانتقال من الإبقاء على المدارس مفتوحة، إلى إغلاق المدارس مع مواصلة الدراسة عن بعد، ثم التخلي عن فكرة الدراسة عن بعد؛ كل هذه التغيرات تمت بدون حوار حقيقي، اللهم إلا ما يجري على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي لا يمكن اعتباره حوارًا بأي معنى.
ربما ساعد استمرار إغلاق المدارس في مصر على الحد من انتشار فيروس كورونا في ظل الكثافات المرتفعة للفصول، ونقص أدوات التعقيم للمدارس، وضعف التزام الطلاب بتعليمات النظافة؛ لكن يجب أن تضع الوزارة في الاعتبار الأضرار النفسية الناجمة عن إغلاق المدارس لفترة طويلة على الأطفال، وانخفاض مستواهم التعليمي بسبب التوقف التام عن الدراسة، وعلى الأقل فإنه لا بد من التخطيط للعام الدراسي القادم في ضوء جميع السيناريوهات المحتملة للأزمة الراهنة.
إعادة النظر في مدة العام الدراسي قد تُمثل حلًّا أفضل
أعلنت وزارة التربية والتعليم قبل بدء العام الدراسي الحالي 2019/2020 أن إجمالي عدد أيام الدراسة الفعلية يبلغ 205 أيام لمرحلة رياض الأطفال والصفين الأول والثاني الابتدائي، بينما يبلغ 200 يوم فقط لتلاميذ الصفوف من الثالث الابتدائي حتى الثالث الثانوي، وذلك بعد حذف أيام الجمعة والإجازات الرسمية. وبهذا المعدل يكون العام الدراسي في مصر أطول من متوسط مدة الأعوام الدراسية حول العالم، حيث يصل طول العام الدراسي في كوريا الجنوبية إلى 220 يومًا دراسيًا، وفي الدنمارك يصل إلى مائتي يوم، وأستراليا 198 يومًا، وألمانيا 193 يومًا، ونيوزلندا وإنجلترا والنرويج 190 يومًا، وفنلندا 187 يومًا.
لكن هذه الأرقام تحتاج إلى إعادة قراءة، فالوزارة حذفت من مدة العام الدراسي أيام الجمع والإجازات الرسمية فقط، في حين أن معظم المدارس في مصر لا تعمل يوم السبت أيضًا، ما يعني أن هذا الرقم يقل عن 205 أيام إلى 168 يومًا في رياض الأطفال والصفين الأول والثاني الابتدائي، ومن 200 يوم إلى 165 يومًا في الصفوف الأعلى. فالمدارس التي تعمل أيام السبت هي المدارس التي تعمل بنظام الفترتين، ويبلغ عددها (1503) مدارس فقط وفق الكتاب الإحصائي السنوي لوزارة التربية والتعليم لعام 2019/2020، وباستبعاد فترة الامتحانات للفصلين الدراسيين، تصل أيام الدراسة الفعلية إلى 153 يومًا فقط.
وفي حال أرادت الوزارة استكمال المناهج الدراسية التي تم تأجيلها لهذا العام في العام الدراسي القادم، ونجحت في التغلب على الضغوط المجتمعية التي لا تكف عن المطالبة بالتخفيف عن الطلاب، فيتوجب على الوزارة أن تعيد النظر في مدة العام الدراسي القادم، بحيث توازن بين أيام الدراسة الفعلية وأيام الإجازات، فالمناهج المؤجلة للعام القادم تحتاج سبعة أسابيع إضافية، أي أن يصل العام الدراسي إلى 44 أسبوعًا بدلًا من 37 أسبوعًا لرياض الأطفال والصفين الأول والثاني الابتدائي، وأن يصل إلى 42 أسبوعًا للمراحل الأعلى.
وقد يكون العمل بنظام (ثلاثة فصول دراسية) أفضل من نظام الفصلين الدراسيين للتغلب على آثار هذه الأزمة في العام القادم، على أن يُخصص الفصل الأول منها لاستكمال المناهج التي تم تأجيلها، ويقوم الطلاب بتنفيذ مشروع أو أكثر كأداة تقييم عوضًا عن الاختبارات التقليدية؛ وذلك لسببين: الأول، أن يتم ترسيخ فكرة التعليم القائم على المشروعات التي بدأ الطلاب في تنفيذها بالفعل بسبب الأزمة الحالية؛ والثاني يتمثل في اختصار الوقت حيث تحتاج عملية خوض اختبارات نهاية كل فصل دراسي أسبوعين على الأقل. ويمكن تقسيم العام الدراسي إلى ثلاثة فصول دراسية مدة كل منها أربعة عشر أسبوعًا، ليبدأ العام الدراسي قبل نهاية أغسطس 2020، وينتهي في منتصف يونيو 2021. وتجدر الإشارة إلى أن كل ذلك يظل مرهونًا بقرار عودة المدارس في العام القادم، سواء انتهت أزمة الفيروس المستجد أم لم تنتهِ.
رئيس وحدة دراسات القضايا الاجتماعية