ترك فيروس كورونا (COVID-19) أثره على جميع أوجه الحياة على سطح الأرض، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي، الذي أُرغِم في بادئ الأمر على تأجيل جميع اجتماعاته التي كان مقررًا عقدها في منتصف مارس من العام الجاري، كإجراء احترازي ضد الفيروس شديد العدوى. لقد تأخر مجلس الأمن في تناول جائحة كورونا كثيرًا، فلم يعقد اجتماعًا لمناقشة الأمر حتى السابع من أبريل، عندما سعت الولايات المتحدة لتوظيف المجلس للضغط على الصين، عبر الإشارة إليها كمصدر الوباء، وتحميلها مسئولية ضمنية عن انتشاره، بسبب إخفاقها في الإعلان عنه في الوقت المناسب، وهو ما رفضته الصين بما لها من حق الفيتو.
لكورونا آثار محتملة كثيرة على السلم والأمن الدوليين، وهي الآثار التي أخفق مجلس الأمن في التعامل معها بسبب الصراع بين القوى الكبرى، خاصة بين الصين والولايات المتحدة، الأمر الذي حوّل المجلس إلى ساحة للصراع، وليس أداة لحله.
“كورونا” والتحديات الإنسانية وأجندة مجلس الأمن
يضم جدول أعمال مجلس الأمن خططًا للاستجابات الإنسانية في الأماكن التي تعاني من أنظمة رعاية صحية ضعيفة أو شبه منعدمة، كما هو الحال في مخيمات اللاجئين أو النازحين بجنوب السودان وسوريا وبنجلاديش وغيرها؛ إلا أنه وبسبب الجائحة تم تأجيل الإحاطة الشهرية حول الوضع الإنساني في سوريا، والتي كان من المقرر إجراؤها في 25 مارس 2020.
وفي قطاع غزة، وعلى الرغم من التعاون الإسرائيلي الفلسطيني للتصدي لتفشي كورونا؛ فإن القطاع ما يزال معرضًا بشكل خاص لخطر تفشي المرض نظرًا لنظام الرعاية الصحية الضعيف في واحدة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية. وقد أشاد أعضاء مجلس الأمن بالتعاون الإسرائيلي الفلسطيني في معالجة جائحة (COVID-19)، وطالب مندوب جنوب إفريقيا المجلسَ بأن يولي اهتمامًا بتداعيات الجائحة على الشعب الفلسطيني، من خلال وقف عمليات هدم منازل الفلسطينيين لتنفيذ إجراءات الحجر الذاتي بالبقاء في المنزل. بينما أكد ممثل بلجيكا على أهمية تسهيل دخول الإمدادات والمعدات الحيوية إلى قطاع غزة.
أما في اليمن فقد تعرّضت الجهود الإنسانية للإعاقة نتيجة تعطل حركة الأشخاص والبضائع والإمدادات الطبية عبر الحدود، وذلك بعد قرار الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين بتعليق الرحلات الجوية من وإلى البلاد في محاولة لمكافحة الجائحة.
مصير العقوبات الدولية في ظل جائحة كورونا
يمكن أن يُتيح اعتبار جائحة (COVID-19) تهديدًا للسلم والأمن الدوليين فرصًا جيدة للدول التي تسعى إلى التفاوض لتخفيف العقوبات الدولية. ولما كانت العقوبات أداة طويلة الأمد للإكراه الاقتصادي، فمن المحتمل أن يجري إعادة النظر في العقوبات الدولية خلال الأزمة، خاصة إذا طالت لفترة أطول ووصلت الخسائر الناتجة عنها إلى مستويات يصعب احتمالها. في هذا السياق، قامت بريطانيا بحثّ الولايات المتحدة على تخفيف عقوباتها على طهران لمساعدة الأخيرة في مكافحة الجائحة التي تفشت فيها بشدة؛ فإيران تعاني من عدم القدرة على شراء السلع الطبية، ونقص الأدوية الأساسية، بسبب العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة، مما دفع إيران إلى طلب الحصول على 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لتنفيذ خطة إنقاذ طارئة. ويظهر صندوق النقد الدولي ترددًا في التجاوب مع هذا الطلب بسبب العقوبات المفروضة على طهران.
وقد اقترح الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” فيما يخص تعليق العقوبات “إنشاء ممرات خضراء آمنة من الحروب التجارية والعقوبات”، وذلك لتمرير السلع الغذائية والأدوية وغيرها في ظل أزمة كورونا، وأكد سعي موسكو لتخفيف العقوبات على إيران. جاء ذلك في خطابه أمام قادة قمة مجموعة العشرين. وعلى الرغم من مطالبة ودعوات دول عدة للأمين العام للأمم المتحدة لرفع وتخفيف العقوبات؛ إلا أن ذلك يقع خارج نطاق سلطات المسئول الأممي.
ولم يختلف وضع كوريا الشمالية كثيرًا عن إيران، بل إن مجلس الأمن قام في 30 مارس 2020، بتمديد تفويض مساعدة لجنة الخبراء المشرفة على العقوبات ضد جمهورية كوريا الشمالية حتى 30 أبريل 2021، فيما يمكن اعتباره أحد القرارات القليلة التي اتخذها مجلس الأمن منذ بدأت جائحة كورونا. وفي هذا القرار، حث مجلس الأمن جميع الدول وهيئات الأمم المتحدة ذات الصلة والأطراف المهتمة الأخرى على التعاون مع اللجنة، وتزويدها بأي معلومات عن تنفيذ تدابير العقوبات المفروضة بموجب القرارات ذات الصلة، حيث تفرض عقوبات الأمم المتحدة حظرًا على تصدير العديد من السلع الكورية الشمالية -مثل الفحم- وتحد من وارداتها من الوقود، دون أن تأخذ في الاعتبار تأثير جائحة كورونا (COVID-19) على الوضع الاقتصادي في كوريا الشمالية. وبالرغم من عدم امتثال كوريا الشمالية -وفق العديد من التقارير- لتنفيذ عقوبات مجلس الأمن، فقد جاءت الجائحة لترغمها على وقف الصادرات والواردات للمواد الخاضعة للعقوبات، فالعديد من السفن التجارية الكورية الشمالية التي كانت تحمل مواد خاضعة للعقوبات من وإلى الصين، باتت الآن معطلة في موانئها الأصلية، وذلك بعد أن سعت كوريا الشمالية إلى عزل نفسها عن الصين للحد من تفشي الفيروس، وبهذا أصبحت الجائحة الأداة الأكثر فاعلية لإحكام تنفيذ العقوبات
.في الختام، يمكن القول إن أزمة كورونا جاءت في لحظة انفجرت فيها صراعات القوى الكبرى، الأمر الذي منع مجلس الأمن من أن يوظف طاقاته للمساهمة في محاربة الجائحة. على العكس من ذلك فقد أدت صراعات القوى الكبرى للفشل في استصدار قرار أممي لوقف إطلاق النار في الصراعات الإقليمية الجارية، كما أدت هذه الصراعات إلى فشل المجلس في إصدار أي بيان يعتبر فيه وباء كورونا تهديدًا للأمن والسلم الدوليين، رغم أن قرارًا مشابهًا كان قد صدر قبل ذلك إبان تفشي فيروس إيبولا؛ أما الفارق بين الأزمتين فيتعلق بالانغماس الشديد للقوى الكبرى في أزمة كورونا، فيما انحسر تأثير إيبولا في نطاق إقليمي ضيق في غرب إفريقيا، الأمر الذي يطعن في قدرة مجلس الأمن على التعامل مع الأزمات الدولية المستجدة.