بعد حوالي أكثر من شهر على بدء اتخاذ روسيا إجراءات واسعة النطاق لمواجهة انتشار فيروس كورونا، أقر الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، في كلمة موجهة للشعب، بأن انتشار الفيروس في البلاد لم يصل بعد إلى ذروته. وأكد أنه قد تمت “فرملة” الوباء، ولكن لا توجد بعد ضمانات بعدم انتشاره في الأقاليم الروسية الأخرى التي لم يصل إليها بشكل واسع.
لقد أعلنت السلطات الروسية في نهاية مارس الماضي أنها ستمنح العاملين في مؤسسات الدولة إجازة مدفوعة الأجر حتى الخامس من أبريل. وبمجرد حلول أبريل، أعلنت الحكومة أنها ستمدد هذا الأسبوع حتى نهاية أبريل. وفي الثامن من أبريل أعلنت عن الحظر العام الطوعي في العاصمة موسكو التي تعاني بنسبة أكبر من كل الأقاليم الروسية، وتضم نصف عدد المصابين، وأكثر من نصف عدد الضحايا. وفي الثاني عشر من أبريل أعلنت البلاد حظرًا طوعيًّا كاملًا مع إقرار قيود غير مسبوقة على حركة المواطنين، وعلى رأسها نظام الحصول على تصاريح مختلفة الدرجات للخروج من البيوت، وفرض غرامات باهظة على المخالفين. وقد وقّع الرئيس الروسي على تشريعات تُشدد العقوبات على مخالفي الحجر الصحي، تقضي بفرض غرامات مالية تصل إلى مليون روبل (حوالي 13 ألف دولار) على مخالفي القواعد الصحية، أو عقوبة السجن لمدة تصل إلى 3 سنوات. وفي حال أسفرت المخالفة عن وفاة شخص، تصل الغرامات إلى مليوني روبل (حوالي 26 ألف دولار) والعقوبة بالسجن لمدة 5 سنوات، وفي حال وفاة شخصين أو أكثر، سيواجه المخالف السجن لمدة قد تصل إلى 7 سنوات.
إجراءات اقتصادية بجانب استحضار المؤسسة العسكرية
في بداية أبريل، أعلنت الحكومة الروسية عن تخصيص أكثر من أربعة مليارات دولار لدعم الاقتصاد تماشيًا مع الخطوات المستمرة لمواجهة تفشي فيروس كورونا، وانخفاض أسعار النفط الذي يعتمد عليه الاقتصاد الروسي بشكل رئيسي. كما خصصت حوالي 50 مليار روبل (حوالي 675 مليون دولار) لدعم القطاع الصحي والأطباء الذين يعملون على مواجهة الفيروس. وبدأ تنفيذ أول إجراءات دعم قطاع الأعمال في روسيا، حيث تم الإعلان عن تقديم قروض بفوائد صفرية للشركات الصغيرة والمتوسطة، خاصة المتضررة من تداعيات انتشار فيروس كورونا. ووفقًا للبنك المركزي الروسي، تم تخصيص 150 مليار روبل (حوالي 1.97 مليار دولار) لهذه القروض. ويمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة الحصول على القروض من المصارف الروسية الكبرى، مثل: “سبيربنك”، و”في تي بي”، و”ألفا بنك”. وتخصيص القروض للشركات بهدف دفع رواتب العاملين والموظفين. وستُقدم القروض لمدة 6 أشهر وبفوائد صفرية.
وعلى الجانب اللوجستي، أوعز الرئيس الروسي للحكومة بضرورة إجراء سلسلة تسهيلات ضريبية وبيروقراطية. من بينها: تعطيل فوائد القروض الشخصية والسكنية في حال هبوط الدخل الشهري للفرد إلى أكثر من 30%، وتأجيل دفع الضرائب، باستثناء ضريبة القيمة المضافة، لقطاعي الأعمال الصغيرة والمتوسطة لمدة 6 أشهر، وتجميد عمليات إفلاس الشركات، التي تواجه صعوبات خلال فترة 6 أشهر، وفرض ضريبة بنسبة 15% على أرباح وعائدات الشركات التي يتم تحويلها إلى خارج البلاد، وفرض ضريبة 13% على فوائد الودائع المصرفية.
وبعد أسبوع تقريبًا من بدء اتخاذ الإجراءات الصارمة، وعقب ظهور أعداد ضخمة من المصابين في عموم روسيا، وفي العاصمة موسكو تحديدًا، أعلن الرئيس الروسي أن وضع فيروس كورونا في روسيا يزداد صعوبة، وأن الوضع في بعض مناطق البلاد أكثر خطورة مما هو عليه في المناطق الأخرى، مقرًّا بأن السلطات الروسية لم تتمكن بعد من إحداث تغير جذري في وضع انتشار الفيروس في العاصمة موسكو. وبالتالي، وَقَّع “بوتين” على قانون يمنح الحكومة صلاحيات إعلان حالة الطوارئ أو حالة التأهب القصوى على كامل الأراضي الروسية أو في أي جزء منها لمواجهة التحديات المتعلقة بانتشار الفيروس. وذهب إلى منح الحق القانوني للحكومة بفرض قيود على تجارة مستلزمات طبية معينة لمدة تصل إلى 90 يومًا، وتعليق فتح ملفات الإفلاس أمام المحاكم، بالإضافة إلى صلاحيات أخرى متعلقة بالعقود بين الدولة والشركات، وتبني إجراءات دعم شركات الخدمات السياحية.
وفي تصريحٍ آخر أشد وطأة، أعلن “بوتين” أن ذروة وباء فيروس كورونا لم يتم اجتيازها بعد، وأن “المخاطر المرتبطة بانتشار الوباء لا تزال مرتفعة للغاية، ولم يتم تجاوز الذروة بعد”، مشيرًا إلى أن عدد الإصابات آخذ في الازدياد، ليس فقط في موسكو، بل في الأقاليم الروسية الأخرى. ودعا إلى ضرورة أن تكون جميع المستشفيات المتخصصة في مكافحة فيروس كورونا مجهزة بكامل المعدات الطبية اللازمة، والكوادر الطبية المزودة بوسائل الحماية، إضافة إلى المراقبة المستمرة. وأكد “بوتين” البدء بإنشاء صندوق خاص لدعم مكافحة الوباء، على أن يكون جاهزًا بحلول 28 أبريل. هذا إضافة إلى “تخصيص 95 ألف سرير متخصص في تقديم العلاج لمرضى كورونا في الأقاليم”.
أما عمدة موسكو “سيرجي سوبيانين” فقد اعترف بأن الوضع حول تفشي فيروس كورونا في العاصمة الروسية أصبح صعبًا للغاية، لكنه ألمح إلى وجود قدرات لدى منظومة الرعاية الصحية لم يتم اللجوء إليها بعد. ويبدو أنه كان يلمح إلى تصريحات أدلى بها “بوتين” في وقت سابق بضرورة استخدام إمكانيات وزارة الدفاع الروسية في مواجهة الوباء.
ومن أجل توسيع رقعة المواجهة مع الوباء، أوعز “بوتين” رسميًّا لوزارة الدفاع بإعداد خطة بشأن إمكانية استخدام ما لديها من وسائل في مواجهة انتشار الوباء. وأمر بإعداد حزمة اقتراحات حتى 22 أبريل بشأن إمكانية إشراك القوات والوسائل الخاصة التابعة للجيش الروسي في عملية المكافحة. وعلى الفور، أعلن وزير الدفاع الروسي “سيرجي شويجو” عن إنشاء مجموعة مكونة من 10 آلاف عسكري و0035 قطعة من المعدات لمساعدة الأقاليم والمناطق في مكافحة الوباء. وأكد أنها في انتظار الأوامر لتنفذ المهام، بل ومستعدة لاستقبال 4900 مريض في المستشفيات العسكرية لمساعدة المدنيين، وأنه بحلول 15 مايو ستكون القوات المسلحة جاهزة لتوفير 7500 مكان مجهز و5200 طبيب عسكري لرعاية المواطنين.
تفاؤل مُفرِط في ظل أوضاع اقتصادية معقدة
رغم التفاؤل المحيط بكل هذه الإجراءات؛ إلا أن غالبيتها لم يُنفذ بسبب مشاكل اقتصادية ومالية وبيروقراطية، وبسبب تدهور أسعار النفط، وكذلك انعدام ثقة البنوك في الوضعين المالي والاقتصادي خلال الفترة المقبلة. لكن المسئولين الروس ظلوا يواصلون الإعلانات والتصريحات بأن بلادهم قادرة على تجاوز أزمتي فيروس كورونا وتدهور أسعار النفط، في وقت تتزايد فيه أعداد الإصابات بشكل لافت. وفي الحقيقة، فقد ظلت روسيا طوال شهر مارس تنكر تمامًا وجود إصابات، ثم بدأت تعلن على استحياء عن وجود إصابات بسيطة لا تجاوز عدة عشرات. وفي الوقت نفسه تدافع عن الصين، وتتهم الديمقراطيات الغربية بأنها سبب تفشي كورونا في الغرب وفشله في مواجهتها. بمعنى آخر، بدأت حملات دعائية روسية واسعة النطاق على غرار البروباجندا السوفيتية السابقة، وعملية “تسييس” غير مسبوقة لتجييش المجتمع الروسي من جهة، ومحاولة لرص الصفوف من جهة أخرى، خاصة أنه كان من المقرر، في 22 أبريل، إجراء استفتاء على تعديلات دستورية تتيح للرئيس “بوتين” الاستمرار في السلطة بعد “تصفير” كل فتراته الرئاسية السابقة. ولكن تم تأجيل الاستفتاء إلى شهر يونيو.
بحلول نهاية أبريل بدأ تظهر العديد من المشاكل الخاصة بالفساد، وببعض الاحتجاجات، وبرفض البنوك والمؤسسات توجيهات الحكومة، بينما الحكومة نفسها لا تريد الصرف على قطاعات معينة، لأنها تخشى هي الأخرى تداعيات فيروس كورونا من جهة، وتداعيات انخفاض أسعار النفط من جهة أخرى، أخذًا في الاعتبار أن العقوبات الاقتصادية الغربية مستمرة على روسيا.
في هذا السياق، يجب التطرق إلى بعض المعلومات والأرقام المهمة. في بداية أزمة كورونا رصدت الحكومة الروسية ما يعادل 4 مليارات دولار لدعم الاقتصاد، على أن يذهب جزء من هذا المبلغ للمواطنين. ولكن لم يتم صرف أي شيء للمواطنين إلا للمتقاعدين (فوق 65 عامًا) بواقع 2000 روبل لمدة شهرين (حوالي 30 دولارًا). إضافة إلى صرف مبالغ ضئيلة للغاية للأسر التي تعول أكثر من طفلين. ومع كل ذلك، كان الفساد والمعوقات البيروقراطية يقفان حائلًا أمام صرف هذه المبالغ في الأوجه المخصصة لها، وهو ما انطبق أيضًا على مبلغ الـ50 مليار روبل (حوالي 675 مليون دولار) التي تم تخصيصها لقطاع الصحة والأطباء، الأمر الذي أثار موجة احتجاجات واستقالات بين الأطباء، نظرًا لوفاة أعداد كبيرة منهم بسبب العدوى وعدم صرف مستحقاتهم المالية.
وكانت روسيا، سيرًا على خطى بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا مثلًا، قد بدأت منذ عامين في موجة إصلاحات واسعة في قطاع الصحة، وتمت إحالة أعداد ضخمة منهم إلى التقاعد المبكر، ورحيل أعداد كبيرة إلى القطاع الخاص (وهو قطاع طبي متوحش في روسيا)، وطرد أعداد غير قليلة مع منحهم تعويضات مالية. وخرج الأطباء في الأقاليم الروسية في موجات مظاهرات متتالية تم قمعها. وبالتالي، عندما جاء وباء كورونا لم يكن القطاع الصحي في روسيا مستعدًّا، ولم تكن الحكومة تعرف ماذا تفعل، فاعتمدت في الأسابيع الأولى منهج “البروباجندا” السوفيتية القديمة لإقناع العالم بأن الأمور بخير في روسيا والصين، بينما الغرب ينهار، وأمريكا تسقط، والاتحاد الأوروبي يتفكك. بل ووصلت الدعاية في الداخل إلى المقارنة بين النظام الصحي في الغرب وبين النظام الصحي في الاتحاد السوفيتي، على الرغم من أن الاتحاد السوفيتي انهار وتفكك منذ 30 عامًا. وبدأت الصحافة العربية تأخذ هذه الدعاية لتنفخ فيها وتقارن بين الرأسمالية والاشتراكية، وبين فشل الغرب الرأسمالي، ونجاح الاتحاد السوفيتي الاشتراكي.
من جهة أخرى، تمتلك روسيا حوالي 520 مليار دولار كاحتياطي نقدي، و125 تريليون روبل (حوالي 1.7 تريليون دولار) في صندوق الرفاه الوطنية (أو السادة الوطنية). لكن الحكومة الروسية لا تريد أن تصرف شيئًا منها في ظل كل هذه الظروف الصعبة، الأمر الذي يكلفها أكثر بشأن حفظ الأمن والصرف على الأجهزة الأمنية لمواجهة الاضطرابات. وبينما رصدت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، حوالي 25% من الناتج المحلي الإجمالي للصرف على مواجهة كورونا، ورصدت أوروبا 12% من الناتج المحلي الإجمالي لنفس الغرض، فقد رصدت روسيا 1.5% فقط!
الآلة الدعائية الروسية على خُطى البروباجندا السوفيتية
لا تقتصر الآلة الدعائية الروسية على “تسييس” أزمة كورونا، والسعي إلى أنها الدولة الوحيدة -بجانب الصين وفنزويلا وإيران- الأكثر نجاحًا في مواجهة وباء كورونا، وأنها مع هذه الدول أكثر نظافة وقوة واستقرارًا، بل ذهبت “البروباجندا” الروسية إلى أن روسيا لديها أدوية وأمصال، وفي طريقها لقهر الوباء. هذه التصريحات باتت تملأ وسائل الإعلام الداخلية بشكل يثير غضب المعارضة، ويضع جهود الحكومة نفسها موضع الشك. لكن منظمة الصحة العالمية خرجت لتعلن أنه لا يوجد أي دواء حتى الآن لفيروس كورونا، وذلك بعد أن اتسعت رقعة التضليل من جانب العديد من الدول ومن وسائل إعلامها. وأكدت المنظمة أنه لا الولايات المتحدة ولا ألمانيا ولا روسيا ولا الصين ولا أي دولة قدمت علاجًا أو مصلًا.
وعلى الرغم من ذلك، تتواصل “البروباجندا” الروسية، حيث أكدت وزارة الصحة الروسية أنها لا ترى أي عراقيل أمام استخدام دواء “هيدروكسي كلوروكين” المضاد للملاريا في علاج فيروس كورونا رغم أن هذا العقار غير مسجل في روسيا. ووجه رئيس الوزراء الروسي “ميخائيل ميشوستين” مركز الأبحاث الطبية الوطني بتسليم دواء “هيدروكسي كلوروكين” من صنع صيني للمؤسسات الخاصة بعلاج المصابين بفيروس كورونا. ومن المقرر أن تستفيد المنشآت الطبية الروسية من 68600 علبة من دواء “هيدروكسي كلوروكين”، الذي قدمته شركة “شنجهاي فارماسيوتيكالز هولدينج” الصينية كمساعدات لروسيا. وفي واقع الأمر، توقفت الأمور عند التصريحات والإعلانات. وتبتعها تصريحات وإعلانات أخرى لتغطي على تلك التي سبقتها، وهكذا. والمعروف أن روسيا ليست متقدمة في إنتاج الأدوية. إذ إن غالبية الأدوية فيها مستوردة من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبولندا وسلوفينيا واليابان ودول كثيرة أخرى. كما أن الأدوية الي يتم إنتاجها داخل روسيا، غالبيتها بتوكيلات عالمية. إلا أن الجانب الدعائي و”تسييس” الأزمات يشكل أحد أهم المحاور التي تتحرك عليها موسكو لكسب المزيد من النقاط، ورفع أسهمها ولو حتى إعلاميًا أمام بعض الدول التي ترى فيها مُنقِذًا على غرار الاتحاد السوفيتي السابق.
التفكير في رفع الحظر تدريجيًّا
في نهاية أبريل، أعلن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” عن تمديد نظام العزل الصحي المفروض في البلاد حتى 11 مايو. وتم تأجيل الاحتفالات بالذكرى 75 لأعياد النصر على النازية من 9 مايو إلى أجل غير مسمى. وكانت روسيا تعد وتجهز لهذه الأعياد بشكل غير مسبوق في ظل العقوبات الغربية ضدها من جهة، ولاستعراض عضلاتها العسكرية من جهة أخرى. لكن وباء كورونا وانخفاض أسعار النفط وَقَفَا عائقين أمام كل هذه الجهود. والمعروف أن 50% من إيرادات ميزانية الدولة الروسية تعتمد على عوائد صادرات النفط والغاز، وأن أكثر من 70% من الصادرات الروسية هي أصلًا مواد خام ومواد أولية، وبالذات النفط والغاز.
من جهة أخرى، قال “بوتين” إنه “بعد أن تتجاوز البلاد ذروة الوباء، قد يبقى الوضع متوترًا في بعض المناطق، ولن يزول الخطر في كل مكان دفعة واحدة، وبالتالي فإن الحديث عن إلغاء القيود في لحظة واحدة غير جائز، بل وغير مقبول”. وحذَّر من أن “الطريق طويل وصعب وشديد التعقيد، ويتطلب منا الاستعداد لكل المخاطر المحتملة، والتحلي بالمنطق السليم والصبر، كي لا نخسر ما أنجزناه خلال الأسابيع الأخيرة”. ولكنه في الوقت نفسه، ورغم كل تلك التحذيرات، قال إنه وجه رئاسة الوزراء بإعداد معايير البدء بالخروج من نظام القيود اعتبارًا من 12 مايو، مشيرًا إلى ضرورة إطلاق برنامج وطني لإنعاش الاقتصاد وإعادة مداخيل المواطنين إلى مستواها السابق بالتزامن مع البدء في الرفع التدريجي للقيود المفروضة.
في نهاية المطاف، يتضح أن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، أكثر شفافية عندما أعلنت عن الأعداد الحقيقية للمصابين. ولا شك أن هذه الدول تفاجأت أيضًا بالوباء الذي كشف عن مشاكل خطيرة في أنظمتها الصحية، لا من حيث التقدم التكنولوجي أو من حيث شكل الخدمات، وإنما من حيث موجة الاستغلال والتوحش النيوليبرالي الذي دفع العديد من حكومات هذه الدول لإجراء إصلاحات جذرية وحشية في القطاعات الصحية، وتسليم شركات التأمين الصحي الجشعة زمام المبادرة، وهو ما ظهرت نتائجه عندما فاجأها الوباء.
أما روسيا والصين فلديهما مشاكل في القطاعات الصحية من حيث الصرف عليها، ومن حيث التخلف التكنولوجي، ورداءة الخدمات وتدهور مستواها. إضافة إلى حالة الإنكار التي لا تضر فقط بشعبي الدولتين، وإنما بالعديد من شعوب العالم، وكذلك تسييس تلك الأزمة الإنسانية، ومحاولة خداع الدول الأخرى في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وإفريقيا بأن النظامين السياسيين في كل من روسيا والصين أفضل بكثير من تلك الأنظمة الديمقراطية الغربية التي لديها مشاكل في كل شيء، لدرجة أنها قاب قوسين أو أدنى من الانهيار والتلاشي، بينما تسعى بكين وموسكو إلى التقليل من عمليات المسح والتحليل وأعداد الوفيات والتلاعب بالأرقام والإحصائيات.