مع تخطي أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، حاجز الثلاثة ملايين إصابة؛ نستطيع أن نرى الاختلافات الكبيرة بين تعامل الحكومات حول العالم مع أزمة تفشي الفيروس. ومن أبرز تلك التباينات، التي عكست قدرًا كبيرًا من التنوع في الاستجابة الدولية لهذا الوباء، سياسات التعامل مع اختبارات الكشف عن هذا الفيروس القاتل. وتثير تلك الاستجابات المختلفة العديد من التساؤلات حول ماهية أنواع الاختبارات المتاحة للكشف عن الإصابة بالفيروس، والسبب وراء اختلاف الدول في إجراء هذه الاختبارات، وهو ما سنحاول الإجابة عنه في هذا المقال.
كيف يتم تشخيص الإصابة بفيروس (كوفيد-19)؟
تتشابه أعراض الإصابة بفيروس (كوفيد-19) مع أعراض الإصابة بمرض الأنفلونزا العادية، فيشعر المريض بالحمى، أو السعال، أو احتقان الحلق، وبالتالي يلجأ الأطباء إلى استخدام الأجهزة المختبرية لتأكيد إصابة المريض بالفيروس. ووفقًا للتقنية التي يعتمد عليها الجهاز المستخدم في تحليل عينات المرضى، يمكن تقسيم الاختبارات إلى نوعين، كما هو موضح بالرسم التوضيحي التالي.
1- اختبار Polymerase Chain Reaction PCR
النوع الأول من تلك الاختبارات هو اختبار تفاعل البوليمريز المتسلسل، أو ما يُعرف باسم PCR. يستطيع هذا الاختبار أن يُشخّص إصابة المرضى بفيروس (كوفيد-19) من خلال تحليل العينات التي يتم سحبها من الأنف أو مؤخرة الحلق، ومن ثم يقوم الفنيون داخل المعمل باستخدام معدات تشخيصية معينة (COVID-19 PCR kits) تتضمن المواد الكيماوية اللازمة لإجراء التحليل للعينة.
خلال التحليل تتم مضاعفة الحمض النووي الخاص بالفيروس، أو ما يُعرف بالجينوم الفيروسي RNA، لكي تتمكن المجسات الموجودة داخل الجهاز من كشف وجودها داخل العينة. ويُكلف هذا الاختبار في المعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة والسكان حوالي 1050 جنيهًا مصريًّا، ويتم إعادة اختبار PCR للمرضى المصابين بفيروس (كوفيد-19) خلال فترة العلاج، وبعد تحسن الأعراض عدة مرات، للتأكد من شفائهم بشكل كامل من الفيروس.
لكن على الرغم من أن نتائج جهاز PCR تُعتبر موثوقة؛ إلا أنه بسبب الضغوط المتزايدة لإجراء المزيد من الفحوصات، تتأثر في بعض الأحيان جودة العينات التي يتم سحبها من المرضى، وقد لا تتواجد كمية كافية من الفيروس داخل العينة ليتم رصدها، وتظهر النتائج سلبية على الرغم من إصابة المريض بالفيروس، أو ما يُعرف بالنتائج السلبية الكاذبة. ووفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز”، نشر علماء صينيون دارسة في شهر فبراير الماضي حول نسبة النتائج السلبية الكاذبة لجهاز PCR في مستشفى Third people’s، في مدينة شنتشن بجنوب الصين، خلال الفترة بين 11 يناير إلى 3 فبراير، بلغت 40%. كما أدت تلك الضغوط أيضًا إلى اعتماد كمٍّ هائل من العدد التشخيصية اللازمة للكشف عن الفيروس في العديد من البلدان كالولايات المتحدة الأمريكية، والتي خففت بها إدارة الغذاء والدواء (FDA) العديد من المعايير اللازمة للموافقة على اعتماد تلك العدد التشخيصية، وهو ما أدى في النهاية إلى انخفاض جودتها، وبالتالي عدم دقة نتائج تحاليل جهاز PCR.
2- اختبار الأجسام المضادة أو أجهزة الكواشف السريعة
النوع الثاني من الاختبارات هو اختبار الكشف عن الأجسام المضادة في دم المرضى. فعند الإصابة بأي نوع من الفيروسات، يبدأ الجهاز المناعي في الجسم بإفراز أجسام لمحاربة هذا الفيروس يُطلق عليها اسم الأجسام المضادة أو antibodies، ويمكن تعريفها بأنها بروتينات تحمي الجسم من الأجسام الغريبة (مثل: الجراثيم، أو الفيروسات)، ويتغير شكلها وفقًا لنوع الفيروس المستهدف. ويوجد عدّة أنواع من الأجسام المضادة، وتسمّى كل مجموعة منها بحرف لاتيني كبير. فالأجسام المضادة من نوع IgM تطلق في الجسم بعد التقاط أي عدوى، موفرة حماية فورية للجسم بعد الإصابة المباشرة. بينما الأجسام المضادة من النوع IgG يرتفع عددها في الدم بعد وقت متأخر نسبيًّا من الإصابة؛ فهي تُفرز في الجسم مستهدفة هذا الفيروس خصوصًا، وإفرازها في جسم المريض يعني قدرته على مكافحة هذا الفيروس، وبدء مرحلة التعافي منه. وتظل الأجسام المضادة من النوع IgG في الجسم مدة طويلة، ويؤكد وجودها في الجسم حدوث إصابة سابقة بهذا النوع من الفيروسات كما هو موضح بالرسم التالي.
ويتم رصد الأجسام المضادة في دم المريض من خلال استخدام الكواشف السريعة، والتي يستغرق ظهور النتيجة بها عادةً دقائق معدودة. وتتراوح تكلفة الكاشف السريع لتشخيص الإصابة بفيروس (كوفيد-19) من 180-550 جنيهًا للكاشف الواحد وفقًا للمدة الزمنية التي يستغرقها الاختبار. لكن يجب أن يتم إجراء الاختبار بعد التقاط العدوى بفترة، وبدء الجسم في إفراز الأجسام المضادة حتى يستطيع الكاشف رصدها.
ويأمل الباحثون في أن تُكسب الأجسام المضادة من النوع IgG المرضى مناعةً ضد الإصابة مرة أخرى بفيروس (كوفيد-19). وبدأت العديد من البلدان بالفعل، ومنها مصر، في إجراء تجارب سريرية لاختبار هذه النظرية من خلال استخدام البلازما المستخلصة من دم المتعافين من فيروس (كوفيد-19)، والتي تتوفر بها أجسام مضادة ضد الفيروس، وحقنها للمرضى ذوي الحالات الحرجة كأحد سبل العلاج. ولكن حتى كتابة هذا المقال، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، لا يمكن تأكيد أن التعافي من فيروس (كوفيد-19) يمنح مناعة ضد العدوى بهذا الفيروس مرة أخرى.
لماذا لا يمكن إجراء الفحص للجميع؟
لا يوجد حتى الآن علاج أو لقاح لفيروس (كوفيد-19)، وقد يستغرق إنتاج اللقاح مدة تتراوح بين 12-18 شهرًا، من أجل إتمام كافة الاختبارات المعملية والسريرية للقاح وبدء إنتاجه بكميات كبيرة. لذا فإن إجراء عدد كبير من الاختبارات للكشف عن أكبر عدد ممكن من المصابين بالفيروس هو السبيل الوحيد المتوفر في الوقت الحالي لتخفيف وتيرة انتشار الفيروس من خلال عزل المصابين بالفيروس عن الأصحاء.
لكنّ المؤسسات الطبية والمختبرات، حتى في أكثر البلدان تقدمًا في المجال الصحي، عندما يتعلق الأمر بتفشي عدوى ووصولها إلى مستوى الجائحة، تصطدم سريعًا بمحدودية الطاقة الاستيعابية، فمن المستحيل أن يتم إجراء الاختبارات على ملايين الأشخاص في وقت واحد. وقد أوصت منظمة الصحة العالمية بإجراء أكبر عدد ممكن من الاختبارات، ولكن للمشتبه في إصابتهم؛ نظرًا لمحدودية إنتاج تلك الكواشف، وصعوبة تلبية احتياجات كل دول العالم في الوقت نفسه. ولكن بالطبع كلما زادت أعداد اختبارات الفحص التي يتم إجراؤها على المواطنين، يزداد عدد الحالات التي يتم كشف إصابتها بالفيروس.
تتبع الدول نهجًا مختلفًا في إجراء تلك الفحوصات، فمثلًا في الولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة أعلى عدد إصابات بفيروس (كوفيد-19)، تم إجراء ما يزيد على 6 ملايين اختبار حتى كتابة هذا المقال، وبالرغم من ذلك لا يتم عمل الاختبارات إلا للأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض المرض فقط، فعندما يشعر الشخص بأعراض الفيروس يتوجه إلى المستشفى لتوقيع الكشف الطبي عليه، ومن ثم يتم إجراء تحليل فيروس (كوفيد-19) لتأكيد الإصابة من عدمه، فيما تتاح إمكانية إجراء التحاليل في المعامل والعيادات الخاصة على نفقة الشخص في حال أراد أن يطمئن على نفسه دون ظهور أعراض.
على العكس من ذلك، فإن هناك دولًا أخرى تستهدف الكشف عن أكبر عدد من المصابين بالفيروس، ومن ثم فإنها توقع الكشف على الأفراد مجانًا، حتى في حالة عدم وجود أعراض ظاهرة؛ للكشف المبكر عن الإصابات وعزلها سريعًا عن الحالات غير المصابة، فهناك بعض الأفراد الذين يكونون حاملين للفيروس دون ظهور أي أعراض عليهم، ويجب الكشف عليهم بشكل أسرع. وتأتي الإمارات العربية المتحدة في المقدمة بأعلى عددٍ من الاختبارات تم إجراؤه مقارنةً مع عدد السكان بحوالي 113 ألف اختبار لكل مليون نسمة، كما هو موضح بالرسم البياني التالي.

وفي مصر، ووفقًا لتصريحات المكتب القطري لمنظمة الصحة العالمية في القاهرة، يتم إجراء حوالي 2000 اختبار لفيروس كورونا يوميًّا، ويبلغ إجمالي عدد الاختبارات التي تم إجراؤها -حتى كتابة هذا المقال- 90 ألف اختبار. وقد يبدو هذا الرقم منخفضًا بالمقارنة مع الدول الأخرى، ولكن مصر تتبع سياسة مختلفة فيما يتعلق بإجراء اختبارات فيروس (كوفيد-19)؛ فلا يتاح إجراء الاختبار إلا بعد ظهور الأعراض على المريض، ويتم سحب عينة منه وإرسالها للمعامل المركزية لإجراء التحليل، فيما يُمنع تمامًا إجراء التحاليل في المعامل أو العيادات الخاصة، أو حتى أن يتوجه الفرد بنفسه للمعامل المركزية لإجراء التحليل على نفقته الخاصة. ولم يتم الإعلان عن مبررات هذا المنع بشكل واضح، ولكن لربما ارتأت وزارة الصحة والسكان المصرية أن السماح بإجراء تحاليل فيروس (كوفيد-19) في المعامل الخاصة قد يزيد الطلب على إجراء التحاليل، وبالتالي ارتفاع ثمنها، خصوصًا مع صعوبة فرض السيطرة والرقابة على العدد الهائل من المعامل الخاصة الموجودة في مصر، وكذلك لمنع الإهدار في المعدات التشخيصية الخاصة بالفيروس (COVID-19 PCR kits)، والمتوفرة بكميات محدودة، وترشيد استهلاكها لمن هم حقًّا أكثر احتياجًا لها.
في النهاية، يمكن القول إن العالم اليوم أصبح في حاجة ماسة للتعاون بشكل حقيقي للسيطرة على هذا الفيروس. فيجب أن تتحد الحكومات من خلال المراكز البحثية الطبية ومصانع إنتاج المعدات والمستلزمات الطبية، لزيادة الإنتاج العالمي من المعدات التشخيصية للتمكن من إجراء المزيد والمزيد من اختبارات الكشف عن فيروس (كوفيد-19). كما يقترح بعض الخبراء أيضًا أن يتم استحداث منظمة دولية جديدة، على غرار منظمة الصحة العالمية، تكون مُتخصصة فقط في الأوبئة؛ وأن يكون أساس عمل المنظمة هو تطوير اختبارات للكشف عن الفيروسات، وبالأخص الفيروسات ذات المصدر الحيواني التي تتسبب في حدوث أوبئة، والتأكد من صحة نتائج هذه الاختبارات، وجعلها متاحة بشكل سريع لكافة دول العالم.