مما لا شك فيه أن أفضل ما في بنود إعلان القاهرة، التي صدرت في مطلع هذا الأسبوع بشأن الأزمة الليبية، أنها قدمت خارطة طريق مفصلة ودقيقة وواضحة وموقوتة لكل ما يتعلق بالمسارات الثلاثة الأهم، (السياسية، والأمنية، والاقتصادية)، التي ارتكزت على عدم إغفال الجهود السابقة في هذا الشأن شديد الأهمية، والتي كان مسرحها في كل من: باريس، وروما، وأبو ظبى، وبرلين، ومسار اللجنة العسكرية 5+5 بجنيف، وبما يضمن، حال الالتزام بها من قبل جميع الأطراف المتصارعة في الداخل الليبي، حدوث الاستقرار التام في أقاليمها الثلاثة، طرابلس، وبرقة، وفزان، فيما لا يزيد على عامين على أبعد تقدير، وهو ما جاء متوافقاً مع ثوابت السياسة الخارجية المصرية تجاه هذه الأزمة منذ بدايتها، والتي هدفت دوماً إلى إرساء دعائم الأمن والاستقرار في أنحاء ليبيا كافة، من خلال السعي نحو تسوية سلمية للأزمة، تضمن وحدة المؤسسات الوطنية، والتوزيع العادل للثروات الليبية، ومنع التدخلات الخارجية بها. وهنا يبرز سؤال مهم للغاية: ما نسبة فرص نجاح تنفيذ بنود إعلان القاهرة على الأرض، وما التحديات الحقيقية التي تواجهه؟
إن تحليل الوضع الليبي الحالي بمنتهى الأمانة والموضوعية يدلنا بصورة مباشرة على أن “إعلان القاهرة” قد يواجه العديد من التحديات بالنظر إلى العوامل التالية:
1- وجود حكومة الوفاق العميلة التي يتزعمها فايز السراج، والتي تخدم مصالح التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية بدعم مباشر من تركيا الاستعمارية، التي تسعى بكل السبل إلى تحقيق مصالحها الاقتصادية غير المشروعة ولو على حساب جثث كل الشعب الليبي.
2- حالة الضعف الشديد التي يعاني منها كل من الشرطة الليبية، والجيش الوطني الليبي في الوقت الحالي، نظراً للعديد من العوامل التراكمية التي أعقبت الثورة الليبية عام 2011، وهو ما يجعل الحدود البحرية والجوية والبرية للدولة مستباحة، وينتج عن ذلك استمرار تدفق العناصر الإرهابية المسلحة إلى الأراضي الليبية على مدار الساعة.
3- وجود العديد من الميليشيات المسلحة متضاربة المصالح على الأرض، التي تحظى بدعم مستتر من قبل بعض الأنظمة الأجنبية، التي من مصلحتها استمرار حالة الصراع في الداخل الليبي، نظراً للمكاسب الاقتصادية والسياسية التي تحققها من تأجيج واستدامة هذا الصراع.
4- أن الصراع الدائر في ليبيا يعتمد بشكل أساسي على مدى انحياز القبائل إلى طرف من أطراف النزاع؛ فالتنسيق والتفاهم مع القبائل يعد مفتاحاً رئيسياً لسيطرة طرف ما على الأرض. غير أن الواقع يشير أيضاً إلى انقسامات في المواقف السياسية حتى بين أبناء القبيلة الواحدة. وهناك العديد من أبناء القبائل ممن يقاتلون في صفوف فريقي الصراع، سواء إلى جانب الجيش أو إلى جانب حكومة الوفاق. هذا الانقسام هو مرآة للواقع الليبي منذ عام 2011 وما جرى خلاله من أحداث أدت إلى تفكيك ليبيا سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً.. فبغياب الدولة ظهرت مجموعات المصالح. ولا يمكن إسناد انحياز قبيلة أو مجموعة إلى طرف من أطراف الصراع إلى الموقف السياسي فحسب، ولكن توازنات المصالح والسيطرة على مفاتيح الثروة ومناطق النفوذ، تلعب دوراً مهماً في الانحياز القبلي مع طرف أو ضد الآخر. لهذا فمن المهم هنا أن أشير إلى الخطأ التاريخي الفادح الذي ارتكبته الجامعة العربية من وجهة نظري عندما دعت في شهر مارس عام 2011 مجلس الأمن إلى فرض منطقة حظر جوى على ليبيا، وهو ما أدى بعد ذلك مباشرة إلى قيام حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بقصف ليبيا، وتركها في حالة فوضى عارمة دون أي تخطيط مسبق للترتيبات السياسية والأمنية الواجب اتباعها بعد القضاء على نظام القذافي.
لذلك فإن تحقيق السلام في ليبيا يحتاج أولًا قبل حث أطراف الصراع على التوافق والتقارب والتصالح، إلى قوة شرعية وطنية تفرضه وتكون قادرة على حمايته على المدى الطويل، لذا فإن عقدة الحل من وجهة نظري تكمن في رفع الحظر المفروض دوليًا على تسليح الجيش الليبي، مع إعادة سرعة بنائه بمساعدة جميع الدول العربية على أساس قوى ومتين.
نقلا عن جريدة الوطن، 09 يونيو 2020.