متابعة الانتخابات الرئاسية الأمريكية له متعة خاصة، ليس فقط لأنها تحتوي على قدر من الإثارة يزداد مع صعوبة التنبؤ بنتائجها، ولكن لأنها تتضمن أيضًا متعة ذهنية ترتبط بالخطط والاستراتيجيات التي يضعها متخصصون فى الحملات الانتخابية لمساعدة المرشح على الفوز. وقد تطورت الحملات الانتخابية وخاصة فى الولايات المتحدة بحيث أصبحت علمًا يُدرس فى الجامعات، واجتذبت مجموعة من أفضل العقول التى تقوم بوضع خططها واستراتيجيتها.
والمتابع لحملة الانتخابات الدائرة الآن بين الرئيس ترامب ومنافسه بايدن، سوف يجد أن تصرفات كل منهما لا تتم بشكل عشوائي، بل هي نتاج لجهد عقلي من الطراز الأول، صاغه خبراء في الحملات الانتخابية.
فالبعض قد يستغرب أن المرشح الديمقراطي بايدن لا يظهر كثيرًا ولا يزاحم ترامب في وسائل الإعلام كما هو متوقع، بل أحيانًا يتجنب الظهور، وتفسير ذلك أن خطة بايدن تقوم على فكرة أن ترامب لديه قدرة هائلة على التدمير الذاتي، وأنه يكتب نعيه بنفسه، ويحفر قبره بيديه، وبالتالي لا داعى للوقوف فى طريقه، أو كما يقول أحد الخبراء «عندما يحفر رجل قبره الخاص، فلا تقاتله من أجل الجروف»، في هذا الإطار، فإن حملة بايدن تفضل أن تكون معركة ترامب ضد ترامب وليس ضد بايدن، وأن تكون الانتخابات القادمة استفتاءً على ترامب، أي يكون ترامب هو القضية، وألا تتحول الحملة الانتخابية إلى خيار بين بديلين تتم المقارنة بينهما، وهما ترامب وبايدن، لأن فرص الأخير سوف تضعف فى هذه الحالة.
أما ترامب، وفى ظل الانتكاسات المرتبطة بتراجع إنجازه الاقتصادي واستمرار أزمة كورونا، فيشير أحد المحللين إلى أن حملته الانتخابية تركز على ثلاث قضايا: الأولى هي الحديث عن اتجاه الاقتصاد وليس حالته، بمعنى أن الاقتصاد وصل إلى القاع بعد جائحة كورونا، ولكنه بدأ في التعافي الآن، وأن ترامب قاد البلاد بالفعل نحو اقتصاد قوى، وليس مسؤولًا عن انهياره، ويقود الآن عملية صعوده. ويستفيد ترامب من استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن الناخبين يفضلونه على بايدن في التعامل مع الاقتصاد. القضية الثانية هي انتقاد الصين، وتحميلها المسؤولية عن انتشار فيروس كورونا للتغطية على سوء أداء ترامب فى التعامل مع الجائحة، وهو يتوافق أيضًا مع استطلاعات الرأي التي تشير إلى تزايد المشاعر السلبية لدى المواطنين الأمريكيين تجاه الصين. والقضية الثالثة هي ترويج ترامب لنفسه على أنه مرشح القانون والنظام، فنتيجة للاضطرابات العنصرية التى انتشرت في البلاد منذ مقتل جورج فلويد، فإن استراتيجية ترامب التي عبر عنها في أكثر من تغريدة هي «القانون والنظام»، حيث يخاطب الناخبين الذين يعتقدون أنه الرجل القوى، والشخص الذي يمكنه إعادة السيطرة على الأمور (حزب الكنبة الأمريكي).
ويذكر مستشارو ترامب أن هناك ما يربط هذه القضايا المتباينة، وهو أن المؤسسات القديمة قد فشلت، وأن ترامب لا يزال هو القادر على إحداث التغيير، وليس منافسه جو بايدن بسبب تشابكه مع المؤسسات القديمة، باعتباره كان نائبًا لمدة ثمان سنوات للرئيس السابق أوباما، وكما نقلت صحيفة أمريكية عن أحد مستشاري حملة ترامب «من المستحيل على جو بايدن أن يطرح نفسه كمرشح للتغيير».
باختصار، يريد بايدن أن يجعل سباق الرئاسة استفتاءً، في حين يسعى ترامب لأن يجعله خيارًا بين مرشحين، وسنرى أيهما سوف ينجح في تحقيق هدفه.
نقلا عن جريدة المصري اليوم، الإثنين 22 يونيو 2020.