في 14 يوليو 2022، عقد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” ورئيس الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” ورئيس الوزراء الإسرائيلي “يائير لابيد” القمة الافتراضية الأولى لمجموعة (I2U2)؛ التي تم وضع التصور الخاص بها خلال اجتماع لوزراء خارجية الدول الأربع في أكتوبر2021. وقد اعتبرت بعض التحليلات أن تشكل هذا الكيان يُمكن وصفه باعتباره “كواد” جديد، لكنه لا يركز على أبعاد عسكرية واستراتيجية تقليدية على شاكلة “كواد” الذي يضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، وإنما يركز على ما يعرف بــ”الأمن غير التقليدي”، حيث يهدف إلى زيادة الاستثمار المشترك بين دوله في ستة مجالات رئيسية هي: المياه، والطاقة، والنقل، والفضاء، والصحة، والأمن الغذائي. الأمر الذي يثير التساؤل بشأن دلالة توقيت تدشين هذا التكتل، وكذا الأهداف والدوافع من ورائه.
القمة الأولى بين الأمن الغذائي والطاقة
يُعرف التجمع باسم (I2U2) حيث يشير حرف “U” إلى الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، بينما يشير حرف “I” إلى الهند وإسرائيل. ويهدف إلى تسخير الجهود لمواجهة بعض أكبر التحديات التي باتت تواجه العالم، مع التركيز بشكل خاص على الاستثمارات المشتركة والمبادرات الجديدة في مجالات المياه والطاقة والنقل والفضاء والصحة والغذاء الأمان.
وفقًا للبيان الصادر عن البيت الأبيض بشأن القمة، يدعم التجمع الاتفاقات الإبراهيمية وغيرها من ترتيبات السلام والتطبيع مع إسرائيل. كما يعبر عن ترحيبه بالفرص الاقتصادية التي تنبع من هذه التطورات، بما في ذلك تعزيز التعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وعبّر التجمع كذلك عن ترحيبه بالتكتلات الجديدة الآخذة في التشكل، مثل منتدى النقب للتعاون الإقليمي، الذي يعزز من المساهمات الفريدة لكل دولة شريكة، بما في ذلك قدرة إسرائيل على العمل كمركز ابتكار للتصدي بشكل استراتيجي للتحديات الهائلة.
ركز الاجتماع الأول لقادة التجمع (I2U2) على أزمة الأمن الغذائي والطاقة النظيفة؛ إذ ناقشوا طرقًا مبتكرة لضمان إنتاج غذاء أطول أجلًا وأكثر تنوعًا. ورحب القادة باهتمام الهند بالانضمام إلى الولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل في مهمة الابتكار الزراعي لمبادرة المناخ (AIM for Climate). وفي هذا السياق، سلط الاجتماع الضوء على المبادرتين التاليتين:
- الأمن الغذائي: ستستثمر دولة الإمارات 2 مليار دولار في الهند لتطوير سلسلة من المجمعات الغذائية المتكاملة التي ستعتمد على أحدث التقنيات للحد من هدر الطعام وفساده، والحفاظ على المياه العذبة، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة. وستتم دعوة القطاع الخاص في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل لتقديم حلولهم المبتكرة التي تساهم في الاستدامة الشاملة للمشروع. ومن ثم سيساعد هذا المشروع في معالجة انعدام الأمن الغذائي في جنوب آسيا والشرق الأوسط.
- الطاقة النظيفة: سيعمل التجمع على تطوير مشروع طاقة متجددة في ولاية “جوجارات” الهندية يتكون من 300 ميجاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وقد قامت وكالة التجارة والتنمية الأمريكية بتمويل دراسة جدوى للمشروع بقيمة 330 مليون دولار؛ كما تستكشف الشركات الموجودة في الإمارات فرص العمل كشركاء في المعرفة والاستثمار. وتعتزم الدول الأربع العمل معًا لتسليط الضوء على فرص القطاع الخاص.
دلالات التوقيت وتباين الدوافع
يمكن النظر إلى تجمع (I2U2) والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها بالاستناد إلى التحولات التي طرأت على مفهوم “الأمن” منذ نهاية الحرب الباردة، والتي عملت على تجاوز التهديدات العسكرية إلى استيعاب التهديدات غير العسكرية، أو “غير التقليدية”؛ التي تشمل تغير المناخ ونقص وانعدام الغذاء وأزمات الطاقة والأمراض المعدية والكوارث الطبيعية والجريمة عبر الوطنية والاتجار بالبشر والمخدرات والهجرة الجماعية.
هذا، ويأتي تدشين تجمع (I2U2) بالتوازي مع اقتراب الحرب الروسية – الأوكرانية من إتمام شهرها الخامس، وبما تحمله من تداعيات واسعة النطاق، طالت أغلب –إن لم يكن كل– دول العالم، وأدت إلى أزمات عالمية ارتبطت بالغذاء والطاقة والمناخ.
ومن ناحية أخرى، يمكن النظر إلى تشكيل هذا التجمع في إطار الرؤية الأمريكية التي تقوم على اعتبار الصين تهديدًا؛ إذ يواصل الرئيس “بايدن” سياسة سلفه “دونالد ترامب” المتشددة حيال الصين، التي تهدف إلى كبح نفوذ بكين إقليميًا ودوليًا على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
علاوة على ذلك، قد تمثل التطورات التي تجري في الشرق الأوسط مدخلًا لتفسير أسباب تدشين هذا التكتل. فسلوك إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة من جانب، والمساعي الكثيفة لتطبيع علاقة إسرائيل بالدول العربية، سيما دول الخليج من جانب آخر، يتطلب تدشين كيانات تعزز وتكثف من التعاون بين إسرائيل والدول العربية.
واستنادًا إلى ذلك، يبدو أن كل طرف من الأطراف الأربعة لديه دوافع محفزة وراء دخوله ضمن هذا التجمع انطلاقًا من رؤيته لكيفية تحقيق مصالحه ومواجهة التهديدات، وهو ما يمكن تفكيكه على النحو التالي:
بالنسبة للولايات المتحدة: يعكس تدشين تجمع (I2U2) رغبة أمريكية في تطوير علاقاتها الخارجية بالمناطق المختلفة من العالم، مع العمل على تطوير الشراكات والتحالفات التي كانت قد تضررت خلال فترة الرئيس “ترامب”. ناهيك عن الرغبة الأمريكية في إعادة تعزيز صورتها في الشرق الأوسط، والعمل على ربط ساحة الشرق الأوسط بالساحة الآسيوية بما يخدم في النهاية الرؤية الأمريكية التي تهدف إلى تحجيم نفوذ الصين عالميًا.
بالنسبة للإمارات: تطل أبوظبي باعتبارها الدولة العربية الوحيدة في تجمع (I2U2)، مما يعزز من دورها الإقليمي وصورتها كمنصة للابتكار في المنطقة. علاوة على ذلك، يمثل تدشين هذا الكيان نجاحًا للرؤية الإماراتية التي تؤمن بأن الاقتصاد يوفر أفضل طريق لتحقيق السلام والأمن والتقدم؛ وهو ما أكدت عليه القيادة الإماراتية خلال القمة.
بالنسبة للهند: لدى نيودلهي أسباب مقنعة لدعم تجمع (I2U2)؛ فهي تسعى للعب دور عالمي أكبر دون المساس باستقلاليتها الاستراتيجية، وهو ما يُمكن تحقيقه عبر توسيع التعاون بين نيودلهي وواشنطن ليس فقط داخل آسيا وإنما خارجها أيضًا. ومن ناحية أخرى، فإن من مصلحة الهند تعميق تعاونها مع منطقة الشرق الأوسط التي تعتبرها ذات أهمية استراتيجية بسبب الطاقة والاقتصاد والتواجد الكبير للجاليات الهندية.
بالنسبة لإسرائيل: يساعد تدشين هذا التكتل إسرائيل على مزيد من الانخراط في المنطقة، وربما تبييض صورتها عبر بلورة ما تقدمه من خبرة أو حلول مبتكرة لمشكلات ذات طابع عالمي. كما يعني في الوقت ذاته دفع الاتفاقات الإبراهيمية قدمًا، والتأكيد على نجاح مسارها.
ملاحظات ختامية
يمثل تدشين تجمع (I2U2) حلقة ضمن سلسلة التكتلات التي تقوم واشنطن بتشكيلها خلال الفترة الأخيرة لدعم دورها، والتأكيد مجددًا على استمرارها في قيادة العالم. يقوم هذا التجمع على تشجيع الاستثمارات المشتركة في ستة مجالات غير أمنية: الطاقة، والأمن الغذائي، والصحة، والفضاء، والنقل، والمياه؛ مع التزام الصمت بشأن القضايا الأكثر حساسية المتعلقة بالأمن أو الأهداف الاستراتيجية. إلا أن هذا لا يعني بالضرورة عدم وجود أهداف سياسية خلف تدشينه.
إذ يبدو أن الهدف الصريح من التجمع يستند إلى أزمة الغذاء العالمية التي تسببت فيها الحرب الروسية الأوكرانية؛ فقد تم اعتبار الأمن الغذائي أولوية قصوى للقمة. إلا أن تدشين هذا التجمع يؤشر في الوقت ذاته على وجود أهداف أخرى ذات طابع سياسي؛ من أبرزها:
- الاستمرار في سياسة بناء التحالفات التي تعزز من دور وصورة واشنطن.
- جعل الصين محاصرة وسط عدد من التكتلات والكيانات التي تجمع واشنطن وحلفاءها بطريقة تعرقل من التحركات الصينية.
- ناهيك عن أن تعميق التعاون بين الدول الأربع في هذه المجالات قد يساهم في تراجع جاذبية التعاون مع الصين في ذات المجالات.
- محاولة إيجاد حلول جماعية للمشكلات التي تسببت فيها الحرب الروسية – الأوكرانية بطريقة تعزز من صورة روسيا كدولة معزولة خارجة على القواعد.
- تعزيز محاولات واشنطن في ربط الساحة الآسيوية بدوائر اهتمامها الأخرى كالشرق الأوسط.
- دفع عملية التطبيع ودمج إسرائيل في المنطقة قدمًا.
- التركيز على تهديدات أمنية غير تقليدية باتت أكثر تأثيرًا وإلحاحًا بطريقة تتطلب مواجهتها عبر جهود جماعية.
- تُمهد مسألة تعزيز التعاون وتعميق الروابط في المجالات المختلفة الطريق أمام المزيد من التفاهمات السياسية التي قد تتحول فيما بعد لترتيبات أمنية واستراتيجية.
رئيس وحدة الدراسات الأمريكية