لن أتوقف عن أن أثير تساؤلاً أراه مشروعاً طوال الوقت ومفاده كيف تفكر إسرائيل فى مستقبلها السياسى فى منطقة الشرق الأوسط وتحديداً بالنسبة للقضية الفلسطينية، وفى رأيى أن إسرائيل مازالت تتبنى– مخطئة -ما يمكن أن أسميه الأوهام الخمسة الكبرى باعتبارها أساس رؤيتها تجاه القضية الفلسطينية وتتمثل فيما يلى : –
أولاً: أن احتلالها الأراضى الفلسطينية سوف يدوم إلى مالا نهاية، وأنها قادرة على مواصلة التحكم فى مصير ملايين الفلسطينيين فى الضفة الغربية والقدس وحتى فى قطاع غزة.
ثانياً: أن سياسة الاستيطان والتهويد وإسقاط أجندة السلام سوف تؤدى إلى الحيلولة دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ثالثاً: أن الإجراءات المتكررة التى تقوم بها فى المسجد الأقصى والسماح للجماعات المتطرفة وللشخصيات الرسمية باقتحام ساحة المسجد بشكل دورى من أجل تثبيت مبدأ التقسيم الزمانى والمكانى يمكن أن تمر مرور الكرام ودون أن تواجه بردود فعل فلسطينية وعربية وإسلامية دفاعاً عن قدسية المسجد الأقصى .
رابعاً: أن اندماج إسرائيل فى المنظومة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية فى المنطقة يعد أمراً حتمياً وسوف يتحقق دون حل القضية الفلسطينية.
خامساً: أن التطبيع مع الدول العربية يعُد العامل الرئيسى الذى سوف يمنح إسرائيل الأمن والاستقرار والتقدم الذى تنشده.
وبالرغم من هذه الأوهام الإسرائيلية فإن حكومة «نيتانياهو» مطالبة فى المقابل أن تفكر ولو قليلاً فى المحددات الرئيسية التالية : –
أن الدولة الفلسطينية المستقلة سوف تقام فى النهاية مهما أثيرت العقبات أمامها،ولن تنجح إسرائيل فى مواصلة قهر الشعب الفلسطينى والاستمرار فى تحدى العالم إلى مالانهاية مهما أوتيت من قوة.
أن قدسية المسجد الأقصى سوف تكون سيفاً مسلطاً على رقاب كل من يحاول المساس به وبمايمثله من قيمة دينية للعالم الإسلامى. أن الاندماج فى المنطقة بالصورة التى تأمل فيها إسرائيل لن يتحقق مطلقاً إلا بالحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية .
أن التطبيع العربى مهما توسع لن يمنح الشعب الإسرائيلى الأمن والاستقرار، والسؤال الذى أوجهه إلى إسرائيل فى هذا المجال هو هل نجح هذا التطبيع فى أن يحول دون إطلاق الصواريخ عليها من قطاع غزة أومن جنوب لبنان أو يمنع عمليات الدهس والطعن التى تتم فى القدس وتل أبيب.
إذن فإن رؤية إسرائيل لكيفية حل القضية الفلسطينية ارتباطاً بالأوهام الخمسة الكبرى التى تؤمن بها سوف تظل رؤية منقوصة ومصيرها الفشل ولن تساعدها على أن تحيا فى أمن واستقرار بالرغم من التقدم العسكرى والتكنولوجى الذى تتميز به، حيث إن هذا التقدم لن يكون كافياً بمفرده أن يمنح المواطن الإسرائيلى الأمن والأمان.
ولاشك فى أن التطورات التى شهدتها الساحتان الإسرائيلية والفلسطينية مؤخراً والعمليات التى تعرضت لها إسرائيل انطلاقاً من نحو خمس جبهات فى وقت واحد يعد ظاهرة كاشفة تؤكد أن استمرار السياسات الإسرائيلية الراهنة تجاه القضية الفلسطينية لن تؤدى إلا إلى مزيد من العنف وزيادة كل موبقات التطرف والعنصرية والكراهية التى تبثها الإجراءات الإسرائيلية والتى سيتم توريثها للأجيال القادمة.
وارتباطاً بهذه العمليات الأخيرة لابد لى أن أؤكد إدانتى الكاملة كل عمليات قتل المواطنين الأبرياء سواء كانت فى فلسطين أو إسرائيل أو أى مكان فى العالم، إلا أنه من الضرورى لكل من يهمه الأمر داخل إسرائيل أن يحاول التفكير فى أسباب هذه العمليات ولماذا تتزايد وكيف يمكن وضع حد لها، وفى رأيى أن الإجراءات الأمنية مهما تكن طبيعتها فإنها لن تؤدى بمفردها إلى وقف نزيف الدماء، ومن ثم لابد من البحث عن بدائل أخرى وأعنى بها الحلول السياسية التى يمكن أن تكون حلولاً فعالة ودائمة . ومن الواضح أن الحكومة الإسرائيلية الحالية مازالت غير عابئة بأى حلول سياسية للقضية الفلسطينية بل تقوم بتكثيف إجراءاتها فى الضفة الغربية والقدس من قتل واعتقال واقتحام وأصبحت أولويتها تتمثل فى كيفية تثبيت سيطرتها على السلطة لأطول فترة ممكنة مهما تكن الاعتراضات الداخلية ولنا فى تعامل نيتانياهو مع قضية الإصلاحات القضائية خير مثال على ذلك .
ومن ناحية أخرى تشير كل المعطيات إلى أن حكومة نيتانياهو لن تتجه طواعية إلى تغيير سياساتها الحالية تجاه القضية الفلسطينية بل على العكس فإنها تحشد كل قواها بزعامة بن غفير وسموتريش فى اتجاه دعم سياسات الاستيطان وتأصيل العنف تجاه الفلسطينيين وهو ماسوف يؤدى بدوره إلى ردود فعل فلسطينية فى المقابل دفاعاً عن أراضيهم .
وقد اتخذ نيتانياهو خلال الفترة الأخيرة مجموعة من القرارات أهمها استدعاء الاحتياط خاصة من القوات الجوية وهو ما ينبئ بأنه قد يسعى إلى مزيد من التصعيد خلال المرحلة القادمة سواء تجاه الأراضى الفلسطينية أو خارجها وقد يكون من بينها عمليات قصف مكثف لمواقع محددة أو عمليات اغتيال الأمر الذى سوف يكون له تداعيات سلبية على الاستقرار فى المنطقة كلها فى حالة حدوثه. وسوف يظل السؤال الأهم المطروح دوماً كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة التى تتزايد تعقيداتها، وفى رأيى أنه رغم كل العقبات الراهنة فإن المخرج الوحيد يظل هو الحل السياسى الذى من المؤكد أنه أصبح صعباً ولكنه ليس مستحيلاً بشرط البدء فى ترتيباته من الآن، ومازالت مصر هى الدولة المؤهلة لتحريك المسار السياسى المجمد منذ نحو عشر سنوات بالتنسيق مع الأردن والولايات المتحدة بهدف بدء عملية تفاوضية بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، ومن المهم للغاية أن تبدأ هذه المفاوضات من أجل بث الأمل للشعب الفلسطينى تجاه إقامة دولته المستقلة حيث إن عامل الوقت لم يعد فى مصلحة الجميع خاصة إسرائيل.