توازنات الفيدرالية: مستقبل ولاية شمال شرق الصومال
شهد البناء الفيدرالي في الصومال تحولًا محوريًا مع إعلان ولاية شمال الشرق كعضو سادس في الاتحاد الفيدرالي، بعد مسار ممتد منذ 2009 شمل اعترافًا مؤقتًا في 2004 وانتهى باعتماد دستور الولاية وانتخاب قيادتها في أغسطس 2025. وبينما تباينت مواقف بونتلاند وأرض الصومال المجاورتين للولاية الجديدة بين الرفض والمرونة التكتيكية، تراهن مقديشو على هذا التطور لتعزيز مسار الفيدرالية وتحقيق توازن يضمن استقرار المشهد السياسي تمهيدًا لانتخابات 2026.
أولًا: مسار تأسيس ولاية شمال شرق
بدأت محاولات تأسيس ولاية شمال الشرق عام 2007 عبر مؤتمرات ضمّت زعماء قبائل وشخصيات سياسية، وانتهت في يناير 2012 بإعلانها ولاية جديدة عاصمتها تليح في إقليم سول، قبل أن تنهار مؤسساتها بحلول 2015 بسبب ضعف الأداء وفقدان الدعم الشعبي. وعاد الملف للواجهة أواخر 2022 مع احتجاجات في مدينة لاسعانود أدت إلى انسحاب قوات أرض الصومال، وأعلن شيوخ عشيرة دولبهنتي في 6 فبراير 2023 نيتهم لتشكيل حكومة ولائية جديدة. وبعد مواجهات مسلحة استمرت شهورًا، اعترفت الحكومة الفيدرالية في 19 أكتوبر 2023 بالولاية الجديدة كولاية اتحادية سادسة مكتملة العضوية تحت اسم ولاية خاتمة. ومنذ ذلك الحين، اتخذ ملف ولاية خاتمة عدد من المسارات حتى الإعلان النهائي عن تأسيس ولاية شمال شرق الصومال، يمكن إيرادها على النحو التالي:
- زيارة رئيس الوزراء الصومالي لمدينة لاسعانود
بدأت ملامح الاعتراف بخاتمة منذ فبراير 2023 بقرارات زعماء العشائر، ثم كرّسته الحكومة الفيدرالية في أبريل 2024 باعتبارها إدارة إقليمية مؤقتة. وتطور المسار مع زيارة رئيس الوزراء حمزة بري إلى لاسعانود بين 12 و16 أبريل 2025؛ حيث دشّن مشاريع استراتيجية أبرزها القصر الرئاسي لحكومة الولاية ومقرات حكومية وأمنية وطريق يربط سماكاب وبوهودلي. وخلال احتفال جماهيري بعنوان “ليلة رئيس الوزراء حمزة وشعب خاتمة”، أعلن بري أن خاتمة ولاية فيدرالية شرعية وليست محل نزاع. ثم جاء لقاء الرئيس حسن شيخ محمود مع رئيس الولاية عبد القادر أحمد فرديه في 17 مايو 2025 ليؤكد دعم الحوكمة الفيدرالية، ويشدد على أهمية مشاركة الولاية في المجلس الاستشاري الوطني، بما يعزز موقعها داخل مؤسسات الدولة.
- تعيين اللجنة الفنية وعقد مؤتمر استكمال ولاية خاتمة
في 5 يوليو 2025، أعلنت وزارة الشئون الداخلية والمصالحة والفيدرالية عن تشكيل لجنة فنية من ثمانية أعضاء للإشراف على تأسيس ولاية خاتمة، وذلك عقب الاعتراف الرسمي بها إثر زيارة رئيس الوزراء إلى لاسعانود في أبريل 2025. وبعد أيام، وتحديدًا في 13 يوليو 2025، عُقد مؤتمر موسع في لاسعانود بمشاركة قيادات سياسية مثل عضو مجلس الشيوخ عبد الله تمعدي، ووزير الداخلية الفيدرالي علي يوسف علي، ورئيس الإدارة المحلية المؤقتة عبد القادر أحمد فرديه، إلى جانب شيوخ وممثلين عن المجتمع المدني. ناقش المؤتمر الأطر السياسية والإدارية للولاية وأقر دستورها، كما اعتمد علمها وشعارها الرسمي بحضور 417 مندوبًا من سول وسناغ وبوهودلي، مع التأكيد على التشاور مع بونتلاند وصوماليلاند المعترضتين على الحدود. وفي أواخر يوليو 2025، صادقت الحكومة الفيدرالية على دستور مؤقت للولاية وثبتت لاسعانود عاصمة لها، لتصبح شمال شرق أحدث ولاية في النظام الفيدرالي، مع الشروع في التحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية ترسخ بنيتها المؤسسية وفق دستور 2012 المؤقت.
- انتخاب القيادة المحلية
في 30 أغسطس 2025، انتُخب عبد القادر أحمد فرديه، الزعيم السابق لإدارة خاتمة الانتقالية، رئيسًا لولاية شمال شرق الصومال، فيما فاز عبد الرشيد يوسف جبريل بمنصب نائب الرئيس بعد حصوله على 65 صوتًا من أصل 83، عقب انسحاب أربعة مرشحين. وجاء هذا التطور تتويجًا لمسار دستوري انطلق مع الجلسة الأولى لبرلمان الولاية في 18 أغسطس 2025، بمشاركة 77 نائبًا من سول (30)، سناغ (37)، وبوهودلي (16)؛ حيث أدى الأعضاء اليمين وانتُخب رئيس مؤقت للبرلمان، كما شُكلت لجنة للإشراف على الانتخابات، وأعلنت لجنة الانتخابات في 19 أغسطس قواعد الترشيح ورسومه لضمان الشفافية. وفي ختام العملية، جرى التوقيع على دستور الولاية ليكون الإطار القانوني المنظم للمؤسسات والانتخابات وتقديم الخدمات وحماية الهوية الثقافية، فيما أكد الرئيس فرديه أنه يمثل قاعدة للحكم الرشيد، ورحبت الحكومة الفيدرالية بهذه الخطوة باعتبارها دعمًا استراتيجيًا لمسار الفيدرالية، كما اعترفت حكومة مقديشو رسميًا بخاتمة كعضو جديد في الاتحاد الصومالي تحت اسم ولاية شمال الشرق، رغم اعتراضات بونتلاند وأرض الصومال.
ثانيًا: مواقف الأطراف من تشكيل الولاية
مثل الاعتراف الرسمي بولاية خاتمة خطوة نوعية في تطور الاتحاد الفيدرالي الصومالي؛ حيث أكد زعيم الولاية عبد القادر أحمد فرديه انتقالها من التهميش إلى المشاركة الفاعلة في النظام الوطني، وشدد رئيس الوزراء حمزة عبدي بري على إدماج احتياجاتها ضمن أولويات الحكومة الفيدرالية. وقد لاقى القرار ترحيبًا شعبيًا تجلّى في رفع الأعلام الفيدرالية وتحسين الخدمات الأساسية، من تعليم وصحة وبنية تحتية، بما في ذلك افتتاح مستشفى جديد. ورغم هذا التقدم، تبقى هناك مواقف متباينة بشأن تشكيل الولاية ومستقبل دورها السياسي.
- موقف بونتلاند
أدى الاعتراف الفيدرالي بولاية خاتمة إلى توترات مع بونتلاند، التي اعتبرت مقاطعتي سول وعين جزءًا من أراضيها ورفضت مشاركة خاتمة في المجلس الاستشاري الوطني. وتصاعد الخلاف بعد زيارة رئيس الوزراء حمزة عبدي بري إلى لاسعانود في أبريل 2025 وإعلانه الاعتراف بخاتمة كولاية اتحادية؛ مما دفع بونتلاند لإصدار بيان رسمي أكدت فيه سيطرة مناطق سول وسناغ وبوهودلي تحت نفوذها لحين انعقاد مؤتمر وطني، متهمة مقديشو بمحاولة تقويض النظام الفيدرالي. ورغم ذلك، تبنى رئيس بونتلاند سعيد عبد الله ديني موقفًا براجماتيًا لتجنب الصدام المباشر مع الحكومة الفيدرالية، مستفيدًا من الروابط الاجتماعية والانتخابية مع سكان شمال شرق الصومال، معتمدًا استراتيجية المناورة.
لكن ميدانيًا، تجلى التوتر في يوليو 2025 باشتباكات في مديرية دهر وحينغلول وعيل بوه، بين قوات بونتلاند ومليشيات موالية لحكومة الولاية الجديدة، أسفرت عن أربعة قتلى وعشرة جرحى؛ مما دفع الحكومة الفيدرالية لمطالبة بونتلاند بسحب قواتها وعدم استخدام وحدات مكافحة الإرهاب في النزاعات الداخلية. وتفاقمت الأزمة لاحقًا بدخول قوات ولاية شمال الشرق من تليح إلى منطقة شحدا؛ مما استدعى تعزيزات عسكرية من بونتلاند واتهامات متبادلة بالاستفزاز ومحاولة الاستيلاء على الأراضي؛ مما حول الخلاف السياسي بعد الاعتراف الفيدرالي إلى نزاع ميداني على الأرض يهدد بمزيد من التصعيد.
- موقف أرض الصومال
لم تقتصر المعارضة لإدارة خاتمة الانتقالية اعلى بونتلاند، بل شملت أيضًا موقف حكومة أرض الصومال الانفصالية، التي اعتبرت الاعتراف بولاية خاتمة في لاسعانود تهديدًا مباشرًا لاستقرار القرن الأفريقي. وأصدرت سلطات هرجيسا برئاسة عبد الرحمن محمد عبد الله (عرو) وبتعاون مع قادة الأحزاب بيانًا اتهمت فيه الحكومة الصومالية الفيدرالية بـشن هجوم سياسي على وحدة أراضيها، متزامنًا مع تحذيرات بونتلاند لقادة خاتمة واتّهامات وزير إعلام أرض الصومال لمقديشو بتأجيج الاضطرابات في سناغ.
وقد رأت هرجيسا زيارة رئيس الوزراء حمزة عبدي بري إلى لاسعانود في 12 أبريل 2025 انتهاكًا للسيادة وتعليقًا للحوار مع الحكومة الفيدرالية، مع تقديم أكثر من ثلاثين نائبًا مقترحًا لتجميد أي مفاوضات مستقبلية؛ مما أوقف المسار التفاوضي الذي بدأ منذ 2012 بعد إعلان الانفصال عام 1991. وأكد وزير خارجية أرض الصومال، عبد الرحمن ضاهر عدنان، أن خطوة الحكومة الفيدرالية كانت “مناورة يائسة” لتشريع تدخلها، مؤكدًا أن “حدود أرض الصومال غير قابلة للتفاوض”.
مع ذلك، ترى التقديرات أن هرجيسا تتبنى خطابًا سياسيًا تصعيديًا، ليس بالضرورة أن تصاحبه خطوات على الأرض. وتستند هذه التقديرات إلى ميل عدد من العشائر المحلية المعترضة على تشكيل الولاية الجديدة نحو بونتلاند والتي رفضت في السابق الانضمام لأرض الصوما؛ مما يجعل بونتلاند في صدارة المواجهة العشائرية مع رئاسة الولاية الجديدة. حيث لم تترتب خسائر إضافية على أرض الصومال من إعلان الولاية الجديدة، في ظل تقلص سيطرة أرض الصومال إلى نحو 45% من مساحتها التاريخية، والتي شملت أقاليم سول وسناغ وبوهودهلي، باعتبارها مناطق رمزية في مقاومة الاستعمار البريطاني خلال ثورة الدراويش (1899–1920)، وذلك بعد خسارتها السيطرة على لاسعانود عام 2023 وتراجع نفوذها العسكري في سول وسناغ.
- مواقف العشائر بالولاية الجديدة
يمثل العامل القبلي مفتاحًا لفهم المشهد في شمال شرق الصومال؛ حيث ارتبطت نشأة الكيانات السياسية بالصراعات والهويات العشائرية. وتتسم البنية القبلية في سول وعين بتركيز قبيلة الدولبهنتي، الركيزة الاجتماعية لإدارة خاتمة، بينما تنقسم سناغ بين الورسنغلي شرقًا المرتبطين ببونتلاند، والإسحاق غربًا الأقرب لهرجيسا؛ مما يجعل التوازن القبلي عاملًا حساسًا لاستقرار الولاية. ومنذ 2007، شهدت مناطق انتشار عشيرة دولبهنتي تهميشًا من إدارة أرض الصومال، وتصاعدت المواجهات المسلحة بين فبراير وأغسطس 2023، لتتوج بمعركة لاسعانود مطلع 2023، التي شهدت انسحاب قوات هرجيسا وظهور إدارة خاتمة الإقليمية الانتقالية، التي تحولت لاحقًا إلى حكومة ولاية شمال شرق. وتقليديًا اتسمت هذه المنطقة الواقعة في الشمال الأوسط بتعدد قبلي؛ مما أثار مخاوف بونتلاند من فقدان رصيدها الاجتماعي والجغرافي. ورغم المشاورات مع شيوخ العشائر، أثارت محاولة الحكومة الفيدرالية لضم مناطق مثل سناغ وحيلان اعتراضات، ذروتها مع اتهامات من مرشحين رئاسيين على رئاسة الولاية، للجنة المنظمة للمؤتمر بارتكاب مخالفات إجرائية لصالح الرئيس عبد القادر أحمد فرديه، أبرزها استبعاد ممثلين شرعيين من قبيلة الورسنغلي، معتبرين أن العملية تفتقر للشفافية والشمول.
ثالثًا: مستقبل ولاية شمال شرق
يواجه مستقبل ولاية شمال شرق تحديات تتجاوز الاعتراف السياسي، لتشمل بسط السيطرة الميدانية ودمج القوى المحلية في هيكل موحد قادر على احتواء الانقسامات القبلية ومنع تجدد الصراع. ورغم استعداد الحكومة الفيدرالية لتقديم دعم لوجستي وعسكري محدود، فإن أي تصعيد قد يفتح لحرب أهلية متداخلة؛ إذ يزيد التعقيد القبلي من خطورة أي مواجهة محتملة مع بونتلاند أو أرض الصومال، خاصة مع اقتراب الانتخابات العامة في مايو 2026، التي قد تعكس اتجاهات التهدئة أو التصعيد. في هذا الإطار، يمكن تحديد ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
- التصعيد العسكري والسياسي بين بونتلاند وولاية شمال الشرق
يشير المشهد الراهن إلى تداخل البعد العسكري مع البعد السياسي؛ حيث ترفض بونتلاند أي محاولات لضم مناطق تحت سيطرتها، فضلًا عن التحفّظ على مسار الفيدرالية وإجراءات الانتخابات. وتعزز هذا الاحتمال عدة مؤشرات، بينها الانقسامات العشائرية المتصاعدة وحضور بونتلاند العسكري المكثف في أقاليم سول وسناغ وعين، لا سيما في بوعمي وفالاريالي (8 سبتمبر 2025)، بدعم من نائب رئيسها إلياس عثمان لوغاتور الرافض لنظام “الصوت الواحد للشخص الواحد”، مع إقدام ولاية شمال الشرق على تسجيل الناخبين في المناطق التي تزعم بونتلاند تبعيتها. وقد اعتمدت هذه التحركات على حشد القوى العشائرية المحلية وإطلاق مشروعات تنموية لتعزيز تبعية المناطق لبونتلاند. وجاء التصعيد عقب مواجهات 5 يوليو 2025 في سناغ بين قوات بونتلاند ومسلحين موالين للرئيس السابق عبد الرشيد يوسف جبريل، وسط مؤشرات رغبة بعض السكان بالانضمام للولاية الجديدة؛ مما استدعى تدخل وزير التجارة الفيدرالي محمد آدم غيسود لتجنّب تفاقم الصدام. ورغم ذلك، واصلت سلطات ولاية شمال الشرق المدعومة من مقديشو مسارها الانتخابي لتعزيز شرعيتها الاتحادية، في حين اعتبرت بونتلاند ذلك انتهاكًا لسيادتها على سناغ. ويزيد الانقسام القبلي من احتمال تجدد المواجهات؛ إذ تنقسم سناغ بين مؤيدين لبونتلاند، خصوصًا من الورسنغلي، وبين داعمين للولاية الجديدة من الدولبهنتي؛ مما يجعل المنطقة محور الصراع العشائري والسياسي. وتستمر بونتلاند في التصعيد، مع تحذير نائب الولاية لوغاتور (22 سبتمبر 2025) من عودة الحرب الأهلية، متهمًا رئيس الجمهورية حسن شيخ محمود بانتهاك الاتفاقيات الفيدرالية، لكن الحسابات السياسية لرئيس بونتلاند المرتبطة بترشحه للانتخابات 2026 قد تكبح المواجهة المباشرة؛ مما يحوّل ملف الولاية الجديدة إلى جزء من خلافات أوسع حول بنية النظام الفيدرالي والدستوري مع الاكتفاء بتوافقات مرحلية.
- الصعيد العسكري والسياسي بين أرض الصومال وولاية شمال الشرق
يشهد إقليما سول وسناغ استمرار التوتر بين مشروع انفصال أرض الصومال ومساعي الحكومة الفيدرالية لترسيخ نفوذها. ففي 8 أغسطس 2025، أعلنت هرجيسا رفضها الاعتراف بولاية شمال الشرق، واعتبرتها كيانًا مفروضًا، بينما صرح أحمد فهمي المسئول عن سول من جانب أرض الصومال، بعزمه “استعادة كل شبر من الأرض”. كذلك صعدت هرجيسا ميدانيًا؛ إذ اندلعت مواجهات عنيفة في 31 مايو 2025 بمدينة عيرجابو بإقليم سناغ بين قوات أرض الصومال ومجموعات موالية لولاية شمال الشرق، وذلك بعد خسارتها لاسعانود في أغسطس 2023؛ مما دفع الصراع للتوسع نحو سناغ. وفي 2 أغسطس 2025، جدد مجلس وزراء أرض الصومال رفضه الاعتراف بالولاية الجديدة، مؤكّدًا أن سول وسناغ وتغدير “جزء لا يتجزأ” من الإقليم. ورغم احتمالية انخراط بونتلاند إلى جانب هرجيسا ضد مقديشو، فإن التنافس التاريخي بينهما يجعل التحالف هشًا. كما أن سعي هرجيسا لنيل اعتراف دولي يقيّد اندفاعها نحو مواجهة عسكرية شاملة، فضلًا عن الانقسامات العشائرية التي تحول الصراع إلى نزاع محلي مع إدارة خاتمة، قد يضيف مزيدًا من الخسائر في سناغ بعد تلك التي منيت بها في سول. لذلك، يُرجَّح أن يبقى التصعيد محدودًا بالضغط السياسي والدبلوماسي، مع تعليق العودة للمفاوضات وتجنّب حرب مفتوحة.
- احتواء التصعيد العسكري واستمرار التوتر السياسي
يستند هذا السيناريو المرجح إلى تفضيل الأطراف المعنية بالنزاع تجنّب الحرب المفتوحة، مع إبقاء مستوى التصعيد سياسيًا ودبلوماسيًا. بعد خسارة هرجيسا لاسعانود في أغسطس 2023 وتراجع نفوذها في سول وسناغ، حيث تبنّت القيادة الجديدة برئاسة عبد الرحمن محمد عبد الله (عرو) سياسة حذرة ترتكز على الضغط السياسي بدل المخاطرة العسكرية، كما تجلّى في تعليق الحوار مع الحكومة الفيدرالية في سبتمبر 2025 لاستعادة موقعها السياسي. كذلك، أعادت بونتلاند ترتيب وضعها الميداني عبر تقليص وجودها العسكري في مناطق مثل بوعمي وفالاريالي خلال سبتمبر 2025، مع التركيز على أدوات سياسية وعشائرية، بما يتماشى مع استعداد رئيسها سعيد ديني لانتخابات 2026 وتجنّبه استنزافًا عسكريًا، إلى جانب معارك داعش بونتلاند، على نحوٍ قد يضعف موقفه التنافسي.
كذلك، لجأت الحكومة الفيدرالية إلى خفض وتيرة التصعيد، مع اقتراب انتخابات مايو 2026؛ حيث أكد وزير الدفاع أحمد معلم فقي عدم إرسال قوات فيدرالية إلى سول وسناغ، مكتفيًا بتقديم دعم سياسي ولوجستي محدود للإدارة الوليدة. وفي المقابل، اعتمدت إدارة عبد القادر أحمد فرديه خطابًا سلميًا، مؤكدًا في 8 أغسطس 2025 أن تأسيس الولاية يعكس إرادة شعبية لتحقيق السلام والتنمية. ومع ذلك، استمرت اعتراضات هرجيسا، التي صعّدت سياسيًا عبر تعليق الحوار مع مقديشو؛ مما يجعل السيناريو الأرجح هو إبقاء النزاع في حالة توازن هش؛ لا حرب شاملة ولا تسوية مستدامة، بل إدارة مؤقتة للأزمة. وقد يؤدي ذلك إلى الاعتراف الجزئي بالولاية في مناطق مثل لاسعانود وأجزاء من سول، مقابل إبقاء مناطق مثل عين ودهر في وضع إداري معلق، مع بقاء هذا التوازن مهددًا بفعل الهشاشة العشائرية وضغوط الانتخابات المقبلة.
ختامًا، يمثل تأسيس ولاية شمال شرق الصومال تحولًا جديدًا في مسار الفيدرالية الصومالية؛ إذ يعكس صراعًا بين القوى الاتحادية والإقليمية والقبلية. ورغم الاعتراف الرسمي والدعم الشعبي، يبقى استقرار الولاية هشًا، مع تصاعد التوترات السياسية والعشائرية؛ مما يجعل إدارة الأزمة والتوازن بين الأطراف مطلبًا عاجلًا لضمان عدم انزلاق الصراع نحو مواجهة مفتوحة قبل انتخابات 2026.