استضافت بغداد في 27 مايو 2023 مؤتمر “طريق التنمية” بحضور وزراء النقل في (إيران وتركيا والسعودية والأردن وقطر وعمان والكويت والإمارات وسوريا وممثلين عن البنك الدولي والاتحاد الأوروبي) للتشاور والشروع في الخطوات التنفيذية حول مشروع قديم وأعيد الحديث عنه مجدداً، وتم الإعلان عنه من قبل رئيس الوزراء العراقي” محمد شياع السوداني” خلال زيارته إلى تركيا في مارس 2023، وخلص المؤتمر إلى تشكيل لجان فنية لوضع تصور عن مشاركة الدول الصديقة في هذا المشروع الحيوي والاستراتيجي (طريق التنمية أو القناة الجافة) وهو عبارة مشروع مقترح لربط التجارة بين شرق وغرب العالم، وبين الموانئ العراقية مع الموانئ التركية بحيث يتضمن خطوطاً للنقل من آسيا إلى أوروبا، ويبدأ المشروع من ميناء الفاو الكبير في مدينة البصرة في العراق ويمر بعشر محافظات عراقية عبر الديوانية والنجف وكربلاء وبغداد والموصل، ويصل إلى ميناء مرسين في تركيا ثم إلى أوروبا. ومن المحتمل أن يربط الطريق دول الخليج والأردن وحتى إيران بأوروبا.
أولاً-نبذة عن المشروع
يتضمن مشروع “طريق التنمية” خط سكك حديد وخط برى بحيث يوفر طرقاً سريعة تمر عبرها شاحنات نقل البضائع وفي الوقت ذاته خط سكك حديدية بطول 1200 كم لنقل السلع والمسافرين، فضلاً عن توفير نحو 100 ألف فرصة عمل للعراقيين، وبتكلفة حوالي 17 مليار دولار، وتعمل شركة PEG الإيطالية على دراسة جدوى لمشروع طريق التنمية، وقد تم عرضها خلال مؤتمر وزراء النقل. بينما الشركة المسؤولة عن خط السكك الحديدية هي شركة “ألستوم” الفرنسية. ويشمل المشروع مناطق صناعية وسكنية وأخرى سياحية. ومن المتوقع أن يحقق أرباحاً بقيمة 4 مليار دولار سنوياً، على أن تنتهي المرحلة الأولى في عام 2028، والمرحلة الثانية في عام 2038، والثالثة في 2050.
بينما تشير بيانات أخرى إلى أن طول الطريق السريع بين جنوب العراق والحدود التركية نحو1190 كم، ويبلغ طول السكك الحديد نحو 1175كم. وبوسع الطريق نقل 3.5 مليون حاوية من البضائع في المرحلة الأولى بما يعادل 22 مليون طن سنوياً بحلول عام 2028، على أن تزيد الطاقة الاستيعابية لتصل 7.5 مليون حاوية بحلول عام 2038فى المرحلة الثانية، ويخطط أن تكون السكك الحديدية ثنائية المسار لتستوعب 80-90 قطاراً يومياً تشغل بالكهرباء. ومن المخطط أن تنشئ الحكومة العراقية مدناً صناعية ومنشآت خدمية على طول الطريق، ويبلغ طول المشروع نحو 2200 كيلومتر.
ويعد مشروع الفاو جزءاً ضمن طريق التنمية وكان مشروع الفاو مقترحاً في عام 2010، وستكون له القدرة على احتواء 20-45 مليون طن سنوياً من البضائع. وتوفر القناة الجافة اتصالاً برياً بالحدود التركية عبر الطرق والسكك الحديدية خاصة في مرسين وإسطنبول، ويمكن للفاو الاستفادة من القناة الجافة واتصالها مع تركيا وسوريا ليصبح محطة حاويات رائدة وأحد أكبر الموانئ في العالم. وتشير بعض التقديرات إلى أن نسبة إنجاز أرصفة ميناء الفاو وصلت إلى 40% في يناير 2023. وتبلغ مساحة ميناء الفاو 54 كيلومتراً مربعاً في أقصى جنوب مدينة الفاو. وتقدر تكلفة ميناء الفاو 7 مليارات دولار. تقوم بتنفيذ مشروع الفاو شركة دايو الكورية، وقد تم توقيع عقد بين بغداد والشركة بقيمة 2.625 مليار دولار. اكتملت المرحلة الأولى في عام 2021 وتم بناء خمسة أرصفة رئيسية، ومن المتوقع أن تنتهي المرحلة الثانية في منتصف 2025 والميناء مصمماً ليشمل 50 رصيفاً.
وفيما يتعلق بتمويل مشروع طريق التنمية، تشير التقديرات إلى تقديم تركيا والإمارات دعماً مالياً لجزء من المشروع، ومع اكتمال خط الفاو يتولى العراق التعامل مع معظم حركة السكك الحديدية بين الخليج وأوروبا. وهناك مسار آخر مقترح ليمر خط السكك الحديدية عبر الموصل إلى مدينة ربيعة في نينوى ثم إلى سوريا وتركيا، لكن تشترط سوريا تكلفة باهظة للترانزيت بنحو 8 مليار دولار.
ثانياً-الدوافع
تتعدد الدوافع العراقية وراء الإعلان عن مشروع طريق التنمية أو إحياء ما سمى قديماً بمشروع البصرة -برلين نذكر منها على النحو الآتي:
• تعزيز مكانة العراق: يتمتع العراق بموقع جيوسياسي وموارد طبيعية مثل ثروات الطاقة وموارد بشرية يمكن استغلالها ضمن نطاق هذا المشروع بما يعزز مكانتها الاقتصادية الإقليمية والدولية في مسار سلاسل التوريد والتجارة والنقل العالمي. والترويج لأهمية المشروع باعتباره خطوة مكملة للزيادة المحتملة في التجارة الدولية والتي تقدر بـ 10-15% بين آسيا وأوروبا. إذ يعزز هذا المشروع من كون العراق محطة رئيسية لحركة التجارة والنقل بين آسيا وأوروبا، وبما يخفض من وقت حركة نقل التجارة بين شرق آسيا وشمال أوروبا من 33 إلى 15 يوم. باستخدام قطارات بسرعة تصل إلى 300 كيلو متر في الساعة. كما أن هناك دوافع أخرى تهدف إلي ربط مشروع ميناء الفاو والقناة الجافة بمبادرة الحزام والطريق الصينية، خاصة أن العراق شريك مهم للصين فقد وقعت الأخيرة صفقات مع بغداد بقيمة 10.5 مليار دولار في عام 2021، وأبرمت الشركات الصينية عقود لتطوير وتشغيل العديد من أصول النفط والغاز بما في ذلك حقلي الرميلة وحلفاية.
وتُشير التقديرات إلى أن مدة شحن البضائع من ميناء شنغهاي الصيني إلى ميناء روتردام الهولندي تستغرق نحو 33 يوماً، في حين ستستغرق 15 يوماً فقط عندما تنتقل البضائع من ميناء شنغهاي الصيني إلى ميناء جوادر الباكستاني ثم إلى ميناء الفاو في جنوب العراق، ومنه عبر القناة الجافة العراقية إلى موانئ البحر المتوسط في تركيا ثم إلى ميناء روتردام الهولندي.
يوفر مشروع “طريق التنمية” فرص إنشاء مصانع ومعامل ومخازن، بما يسهم في تنويع مصادر الدخل العراقية. إذ يشمل هذا المشروع ميناء الفاو وطرق النقل ومدينة صناعية. ويمر المشروع بمحافظات البصرة ثم ذي قار والقادسية وواسط باتجاه العاصمة بغداد، ومنها إلى صلاح الدين وكركوك ونينوى، وصولاً إلى المثلث العراقي التركي السوري من جهة منطقة فيشخابور، ويتضمن المشروع نحو 15 محطة يمر بها القطار.
• مجابهة الأزمات: يستهدف مشروع طريق التنمية معالجة الأزمات الاقتصادية من خلال تنويع أنشطة الاقتصاد العراقي وخفض الاعتماد على النفط، وخلق فرص عمل جديدة بهدف خفض البطالة من خلال توفير فرص عمل للشباب وتنويع مصادر الدخل، وتحقيق تنمية اقتصادية في المحافظات التي يمر بها المشروع، وإحياء دور القطاع الخاص وخفض الطلب على التوظيف الحكومي، خاصة أن العراق يعاني من بعض التحديات في معظم القطاعات.
ثالثاً- التحديات
بالرغم من التعويل على أهمية المشروع في تحقيق نقلة لكافة الدول المتوقع تضمينها فى إطاره، إلا أن هناك بعض التحديات أو العقبات التي تقف أمام المشروع نذكرها على النحو التالي:
• موقف القوى السياسية: هناك اتجاه لبعض القوى السياسية تعبر عن رفض المشروع وتبين ذلك في حديث النائب عن ائتلاف دولة القانون “محمد الشمري” بأن المشروع يجعل من السعودية الممر الرئيسي وليس العراق، واعتبر النائب “حسن سالم” من كتلة الصادقون أن المشروع يمثل فاتورة يدفعها الشعب العراقي بسبب فساد الطبقة السياسية، كذلك اعتبر نواب آخرين بأن المشروع هو محاولة لإفشال ربط العراق بمبادرة الحزام والطريق. وجدير بالإشارة إلى صراع سابق بين عصائب أهل الحق والتي كانت تحفز دور الشركات الصينية في مشروع ميناء الفاو، وبين التيار الصدري الذي فضل شركة دايو للهندسة والإنشاءات وهي شركة تابعة لـكوريا الجنوبية.
• الموقف الإقليمي: قد يواجه المشروع اعتراضات من جانب القوى الإقليمية، إذ يمثل تطوير ميناء الفاو تحدياً لتطلعات إيران، كما ينافس المشروع موانئ وخطوط للعبور الدولي مثل خط عبادان الإيراني وقناة السويس. فعندما يربط الفاو بين السكك الحديدية العراقية، بتلك السكك في تركيا في الشمال مما يخلق ممر بديل من المحتمل أن يكون له تأثير سلبي على حركة مرور إيران العابرة إلى تركيا، من ناحية ثانية هناك بعض التقديرات التي تشير إلى أن المشروع لا يمتلك الطاقة الاستيعابية لقناة السويس والتي يقدر عدد الحاويات بها 88 مليون حاوية سنوياً مقارنة بـ العدد المقترح للمشروع بنحو 3.5 مليون حاوية في المرحلة الأولى و7.5 مليون حاوية في المرحلة الثانية، من ناحية أخرى قد تكون إحدى العقبات في استخدام هذا الطريق هو ارتفاع تكلفته نظراً لتعدد وسائط النقل به براً وبحراً مقارنة بالتكلفة في قناة السويس.
من ناحية أخري؛ تهدف إيران من خلال الربط السككي بين مدينة الشلامجة الإيرانية ومدينة البصرة العراقية واللاذقية في سوريا، توسيع تجارتها عبر العراق لتكون ترانزيت للتجارة ونقل البضائع من ميناء الخميني الإيراني، وعبور المسافرين، وعليه قد تكون هناك عقبات من قبل إيران لعدم نجاح واستكمال ميناء الفاو الكبير باعتباره يمثل تهديداً لموانئها، إذ تتخوف طهران من أن يتفوق العراق كلاعب إقليمي في النقل البحري.
ارتباطاً بذات السياق؛ كشف مؤتمر وزراء النقل للدول المتوقع مشاركتها ضمن مشروع “طريق التنمية” عن تباين في الرؤى بين هذه الدول حول المشروع على سبيل المثال دعي وزير النقل السوري إلى ربط الطريق بسوريا بدلاً من تركيا لقربها جغرافياً ومنفذاً بديلاً للمتوسط، بينما طرحت السعودية الربط السككي بين السعودية والعراق بما يربط الأخيرة بموانئها على البحر الأحمر.
• البيئة الأمنية: يمثل عدم الاستقرار السياسى والأمني عائقاً أمام المشروع وكذلك التوترات بين بغداد وأربيل، إذ تخضع حدود تركيا مع العراق لسيطرة حكومة إقليم كردستان، ومن المتوقع أن يمتد المشروع إلى منطقة فيش خابور عند تقاطع الحدود العراقية التركية السورية، لذا يمكن أن تؤثر الصراعات القائمة بين بغداد وأربيل على تنفيذ المشروع، ومن ثم يعتمد نجاحه على الظروف الأمنية في المنطقة، خاصة أن داعش لايزال نشطاً في بعض المناطق مما قد يهاجم طريق التنمية، بالإضافة أن المشروع يمر بالمحافظات التي يسيطر عليها الميليشيات المسلحة خاصة أنه يمر من الجنوب إلى الأجزاء الشمالية في الدولة، ومن ثم فإن أي تهديد أمنى يمثل عائق أمام تنفيذ المشروع. فقد يعرقل حزب العمال الكردستاني والميليشيات الموالية لايران بناء الممر حتى لا يصل إلى تركيا في ضوء المنافسة السياسية بين إيران وتركيا في شمال العراق لاسيما في الموصل حيث يهاجم حزب العمال الكردستاني بشكل دوري خطوط أنابيب النفط التي تمتد إلى تركيا من العراق، وتهاجم الميليشيات الموالية لإيران الوجود العسكري التركى في العراق.
• إقليم كردستان: يمثل موقف الإقليم عاملاً هاماً في ضمان تنفيذ المشروع واستمراره، إذ رفض الإقليم مد شبكة سكك حديدية بمسافة 4 كيلومتر عبر دهوك وصولاً للحدود التركية، لما لها من تداعيات على معبر إبراهيم الخليل الحدودي، لأنه البوابة الرئيسية بين إقليم كردستان وتركيا والدول الأوروبية. فضلاً عن أن الطبيعة الجبلية للمنطقة الحدودية بين إقليم كردستان وتركيا تتنافى مع ما يحتاجه طريق التنمية من أراض مستوية لإنشاء خطوط السكك الحديدية، فقد تساهم الطبيعة الجبلية في إطالة أمد المشروع والفترة المحددة لإنجازه وكذلك من التكلفة من 17 إلى 20 مليار دولار.
ختاماً؛ يمثل مشروع طريق التنمية خطوة طموحة في استراتيجية العراق للتنمية، لكن تظل بعض التحديات التي تتطلب المعالجة خاصة أن العراق يعاني من الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، ومن ثم قد يمثل المشروع مصدر ثراء للأحزاب والسياسيين الفاسدين وعدم تحقيق الهدف المرجو منه، إضافة إلى عدم تحديد مصادر تمويل المشروع، إذ تشير تقديرات أولية بأن الحكومة ترغب في امتلاك البنى التحتية من الطرق والسكك الحديدية بما يقدر بميزانية 12 مليار دولار وهي ميزانية كبيرة تتطلب موافقة كافة الأطراف السياسية عليها. من ناحية ثانية تعاني العراق من أزمة في قطاع الكهرباء بما يعرقل عمل القطارات المستهدف العمل بها ضمن طريق التنمية، ومازالت موانئ العراق تعاني من إشكالية فى البنية التحتية واستخدام تكنولوجيا متطورة ولديها طاقة استيعابية صغيرة. خاصة أن العراق عانى خلال السنوات الماضية منذ الغزو الأمريكي في 2003 من تهالك البنية التحتية.