شهد الاقتصاد المصري خلال النصف الأول من عام 2025 تحولات اقتصادية ومالية لافتة، تعكس الأثر المتكامل للسياسات الحكومية والإصلاحات النقدية والهيكلية التي بدأت منذ عام 2024. ففي ظل بيئة دولية متقلبة ومحفوفة بالمخاطر الجيوسياسية، استمرت الدولة في جهودها الدءوبة لتحقيق الاستقرار الكلي ودفع عجلة النمو.
وقد تجلت هذه الجهود في مؤشرات إيجابية عديدة، أبرزها تحسن ملحوظ في معدلات النمو الاقتصادي، وتراجع ملموس في مستويات التضخم، بالإضافة إلى ارتفاع الاحتياطيات الدولية، وتزايد ثقة المستثمرين الأجانب. هذه المؤشرات مجتمعة تُعد دليلًا واضحًا على أن الاقتصاد المصري بدأ يجني ثمار السياسات الإصلاحية التي تبنتها الحكومة.
تأتي هذه التطورات في الوقت الذي تواصل فيه المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، مراقبة وتقييم الأداء الاقتصادي المصري. ومع أن توقعاتهم تتسم بإيجابية حذرة، فإن الإجماع يشير إلى مسار واعد للاقتصاد المصري في الفترة المقبلة.
يتناول هذا المقال تحليلًا مفصلًا لأداء الاقتصاد المصري خلال النصف الأول من عام 2025. وسنستعرض أبرز المؤشرات الاقتصادية التي تشكل الصورة الكلية لهذا التحول، ومنها معدل النمو الاقتصادي، التضخم، البطالة، احتياطيات النقد الأجنبي، التجارة الخارجية، الاستثمار الأجنبي المباشر، وأداء الموازنة العامة للدولة.
تطور معدل النمو الاقتصادي لمصر
شكل (1) تطور معدل النمو الاقتصادي
خلال الفترة (الربع الثالث 2023/ 2024- الربع الثالث (2024/ 2025) (%)
المصدر: وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي
سجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمصر نموًا سنويًا بلغ 4.8% خلال الربع الثالث من العام المالي 2024/2025 (يناير – مارس 2025)، وهو أعلى معدل نمو ربع سنوي تحققه البلاد منذ ثلاث سنوات. ويأتي هذا الأداء اللافت بعد تسارع في النمو خلال الربع الثاني (يوليو – سبتمبر 2024)، والذي بلغ 4.3%، مقارنة بـ 2.2% فقط خلال الفترة نفسها من العام المالي السابق. ويعكس هذا التحسن الواضح تعافيًا ملحوظًا في قطاعات حيوية مثل الصناعة التحويلية والسياحة والإنشاءات، إلى جانب زيادة ملحوظة في الاستثمارات العامة والخاصة؛ مما يدل على بدء جني ثمار الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية.
وقد حرصت الحكومة المصرية، بالتعاون مع وزارة المالية، على تبني سياسات متكاملة لدعم النشاط الاقتصادي، من خلال تسريع إقرار حوافز وإجراءات تستهدف تحفيز بيئة الأعمال، مع تعزيز الحماية الاجتماعية عبر تحسين الأجور والمعاشات، وتوسيع قاعدة الدعم الموجه للفئات الأكثر احتياجًا.
وفي هذا السياق، تواصل الدولة تنفيذ برنامج إصلاحات هيكلية والذي يهدف إلى تعميق التصنيع المحلي، وتقليل الاعتماد على الواردات، وتشجيع الاستثمارات التنموية لا سيما في المشروعات الخضراء. كما تسعى الحكومة إلى خلق مليون فرصة عمل سنويًا، إلى جانب تفعيل “وثيقة سياسة ملكية الدولة” التي تسهم في تعزيز جاذبية السوق المصري أمام الاستثمارات الأجنبية، بما يدعم مسار التنمية المستدامة ويرتقي بجودة حياة المواطنين والخدمات المقدمة لهم.
ويأتي هذا التحسن في الأداء الاقتصادي مدعومًا كذلك بتوقعات إيجابية من المؤسسات الدولية، فقد رفع صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في يوليو 2025 توقعاته لنمو الاقتصاد المصري للعام المالي 2024/2025 لنحو 4%، بزيادة عن تقديراته السابقة البالغة 3.8% الواردة في تقرير أبريل 2025. كما قام الصندوق بتعديل توقعاته للنمو المستقبلي للعام المالي 2025/2026 إلى 4.1%، مقارنة بـ 4.3% في تقديراته السابقة. ورغم أن هذا التعديل الأخير يُعد طفيفًا في التوقعات طويلة المدى، فإن هذه الأرقام مجتمعة تُبرز ثقة متزايدة في مرونة الاقتصاد المصري وقدرته على التعافي، ويأتي ذلك في سياق إقليمي ودولي يتسم بالديناميكية والتحديات المستمرة؛ حيث يواصل صندوق النقد الدولي رصد التطورات الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ظل المتغيرات العالمية الراهنة.
تطور معدلات التضخم الشهري
شكل (2) تطور معدل التضخم الشهري للفترة (يناير 2025- يونيو 2025) (%)
المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
شهدت معدلات التضخم في مصر تراجعًا تدريجيًا وملموسًا خلال النصف الأول من عام 2025، نتيجة لتضافر عدة عوامل؛ في المقام الأول، لعبت إجراءات السياسة النقدية التقييدية للبنك المركزي دورًا حاسمًا، فقد اتخذ البنك قرارًا برفع أسعار الفائدة بواقع 600 نقطة أساس في مارس 2024، في خطوة استباقية لكبح جماح التضخم، هذه السياسة لم تسهم فقط في تثبيت التوقعات التضخمية واحتوائها، بل أدت أيضًا إلى سحب السيولة من السوق؛ مما تسبب في تراجع الاستهلاك المحلي وتقليل الطلب الكلي، وبالتالي تخفيف الضغوط التضخمية.
بالإضافة إلى ذلك، كان تحسن استقرار سعر الصرف عاملًا محوريًا في هذا التراجع، فقد شهد سعر الصرف تحسنًا نسبيًا واستقرارًا تدريجيًا، هذا الاستقرار المدعوم بتحسن المعروض من العملات الأجنبية في السوق بفضل تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الكبيرة وارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي.
كما أسهمت عوامل جانب العرض في تخفيض التضخم؛ حيث شهدت أسعار بعض السلع الأساسية مثل الخضروات، البن، والشاي تراجعًا ملحوظًا. إلى جانب ذلك، أدى تحسن سلاسل الإمداد العالمية إلى تقليل تكاليف الاستيراد، وهو ما انعكس إيجابًا على الأسعار المحلية. ولا يمكن إغفال تأثير سنة الأساس (Base Effect)، الذي أسهم في تراجع معدلات التضخم السنوية بشكل كبير؛ مما يجعل أي زيادة معتدلة في الأسعار خلال 2025 تبدو كأنها انخفاض كبير عند مقارنتها بسنة الأساس.
وفي المقابل، ومع بدء انخفاض الضغوط التضخمية، بدأ البنك المركزي في تخفيف قبضته النقدية تدريجيًا. ففي مايو 2025، خُفضت أسعار الفائدة بواقع 100 نقطة أساس، وهي خطوة أعقبتها تثبيت الأسعار في يوليو 2025؛ مما يعكس توازنًا دقيقًا بين استهداف استقرار الأسعار ودفع النمو الاقتصادي في المرحلة المقبلة. وقد أشار تقرير السياسة النقدية الصادر عن البنك المركزي للربع الأول من عام 2025 إلى أن معدلات التضخم تتجه نحو مستهدف البنك البالغ 7% بنهاية 2026، رغم استمرار بعض المخاطر التضخمية المرتبطة بالسلع غير الغذائية والتوترات الجيوسياسية.
تطور معدلات البطالة
شكل (3) تطور معدل البطالة في مصر خلال الفترة (الربع الأول 2024- الربع الأول 2025) (%)
المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
تُشير بيانات معدل البطالة إلى تسجيل أدنى مستوياته خلال الربع الأول من عام 2025؛ حيث بلغ 6.3% من إجمالي قوة العمل، ويُعد هذا التراجع امتدادًا لاتجاه نزولي بدأ منذ الربع الأول من عام 2024، كما يتضح من الشكل البياني الذي يعرض التغيرات الفصلية؛ حيث انخفض المعدل تدريجيًا من 6.7% في الربعين الأول والثالث من 2024، إلى 6.4% في الربع الرابع، ثم إلى 6.3% في الربع الأول من 2025. كما يعكس هذا التحسن زيادة في حجم المشتغلين بنحو 342 ألف فرد، مقابل انخفاض في أعداد المتعطلين بمقدار 19 ألف فرد؛ مما أسهم في رفع إجمالي قوة العمل بنسبة 1% خلال الفترة نفسها.
تطورات سعر صرف الجنيه المصري: اتجاه نحو الاستقرار النسبي
شكل (4) تطور سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه
خلال الفترة (فبراير 2024- يونيو 2025)
المصدر: البنك المركز المصري.
شهد سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري تقلبات حادة خلال الفترة من مارس 2024 إلى يونيو 2025؛ حيث بدأ التحول الكبير مع قرار البنك المركزي المصري في مارس 2024 بتحرير قيمة الجنيه أمام الدولار؛ مما أدى إلى انخفاض قيمته من نحو 30.85 جنيهًا للدولار إلى ما يقارب 50 جنيهًا، في خطوة استهدفت معالجة أزمة نقص العملة الأجنبية وجذب تدفقات رأسمالية جديدة، والقضاء على السوق الموازي، ليبلغ الدولار ذروته في أبريل 2025 مسجلا 51.0 جنيهًا، قبل أن يشهد الجنيه تحسنًا طفيفًا خلال مايو ويونيو، ليستقر السعر عند 49.9 جنيهًا. هذا التراجع النسبي يعكس بعض المؤشرات الإيجابية على صعيد السياسة النقدية وتحسن المعروض من العملات الأجنبية.
وفي سياق متصل، أشار تقرير صادر عن بنك جولدمان ساكس في يوليو 2025 إلى تحسن واضح في آفاق الجنيه المصري، موصيًا بفتح مراكز شراء على العملة المحلية. وأكد التقرير أن استقرار سعر الصرف الفوري للجنيه منذ التعويم، واختفاء الفجوة بين السعر الرسمي والموازي، يعكسان تحسنًا ملموسًا في ثقة الأسواق. كما أبرز التقرير تعافي صافي الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفي وتحسن الاحتياطيات الدولية، وهي عوامل تعزز من قدرة الجنيه على الصمود وربما التحسن التدريجي في الفترة المقبلة.
احتياطي النقد الأجنبي
شكل (5) تطور احتياطي النقد الأجنبي لمصر خلال الفترة (يناير – يونيو) 2025 (مليار دولار)
المصدر: البنك المركزي المصري.
سجل صافي الاحتياطيات الدولية لمصر تطورًا ملحوظًا خلال النصف الأول من عام 2025، ليبلغ نحو 48.7 مليار دولار أمريكي بنهاية يونيو 2025، وهو أعلى مستوى تاريخي للاحتياطي، ويعكس هذا الأداء القوي استمرار التحسن في موارد الدولة من النقد الأجنبي.
جاء هذا الارتفاع مدفوعًا بعدة عوامل؛ أبرزها: زيادة إيرادات الصادرات في القطاعات الصناعية والغذائية، والانتعاش المستمر في قطاع السياحة، وتحسن تحويلات المصريين بالخارج، كما أسهمت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة في دعم هذا المسار التصاعدي، وسط بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا بفضل تطبيق إصلاحات نقدية ومالية متوازنة، بالإضافة إلى ذلك، أدى تراجع فاتورة الاستيراد، نتيجة جهود ترشيد الإنفاق، إلى تخفيف الضغط على العملة الأجنبية.
ويمنح هذا المستوى المرتفع من الاحتياطي البنك المركزي المصري هامش أمان واسعًا لمواجهة أي تقلبات خارجية أو التزامات تمويلية، ويعزز من استقرار السوق النقدي والمالي.
التجارة الخارجية
شهدت التجارة الخارجية غير البترولية لمصر تحسنًا ملحوظًا خلال النصف الأول من عام 2025؛ حيث ارتفع إجمالي حجمها بنسبة 9.79% ليصل إلى 63.33 مليار دولار مقارنة بـ 57.68 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2024. ويعكس هذا النمو تزايد الصادرات بوتيرة أسرع من الواردات؛ إذ ارتفعت قيمة الصادرات بنسبة 21.87% لتسجل 24.54 مليار دولار، بينما سجلت الواردات ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 3.30% فقط لتصل إلى 38.79 مليار دولار.
أسفر هذا الأداء عن تحسن كبير في الميزان التجاري بنسبة 18.18% ليصل إلى 14.24 مليار دولار؛ حيث ارتفعت نسبة تغطية الصادرات للواردات إلى 63.28% مقارنة بـ 53.64% في الفترة المماثلة من العام السابق.
وتُظهر البيانات أن هناك تركزًا واضحًا في الأسواق التصديرية الرئيسية؛ حيث شكلت الصادرات أهم 15 سوقًا حوالي 65.82% من إجمالي الصادرات المصرية؛ وعلى رأسها: الإمارات، تركيا، السعودية، الولايات المتحدة، وإيطاليا. كما تركزت الصادرات السلعية غير البترولية في مجموعة من المنتجات، يتصدرها الذهب بنسبة 15.99%، يليه الأسمدة الأزوتية، الحمضيات، والأسلاك والكابلات المعزولة.
شكل (6) الأسواق التصديرية الأكثر أهمية نسبية خلال الفترة يناير/يونيو 2025
من ناحية أخرى، أظهر جانب الواردات تركّزًا مشابهًا؛ حيث أسهمت أهم 15 دولة مصدّرة لمصر بنسبة 73.62% من إجمالي الواردات، وجاءت الصين في الصدارة تليها روسيا، الولايات المتحدة، بلجيكا، والبرازيل. كما شكّلت واردات أهم 15 سلعة نحو 32.35% من إجمالي الواردات، تصدّرتها الحبوب (القمح والذرة)، السيارات، الأدوية، وفول الصويا.
تطور الاستثمار الأجنبي المباشر
شكل (7) تطور الاستثمار الأجنبي المباشر (مليار دولار)
المصدر: البنك المركزي المصري.
شهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر مسارًا تصاعديًا إلى مصر خلال العام المالي 2024/2025؛ حيث ارتفعت من 2.7 مليار دولار في الربع الأول إلى 3.3 مليار دولار في الربع الثاني، ثم بلغت 3.7 مليار دولار في الربع الثالث، مسجلة بذلك أعلى مستوى فصلي خلال الفترة.
يعكس هذا النمو المستمر زيادة ثقة المستثمرين الأجانب في بيئة الأعمال المصرية، في ظل تنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة، وتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي، فضلًا عن الجهود المبذولة لتسهيل إجراءات الاستثمار وتعزيز الشراكات الدولية. ومن المتوقع أن يواصل هذا الاتجاه الإيجابي زخمه في ظل الاستقرار النقدي.
ومن الجدير بالذكر أنه ضمن مؤشرات الأداء الإيجابي للاقتصاد المصري خلال عام 2024، سجلت مصر قفزة نوعية في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر(FDI)؛ حيث تصدرت قائمة الدول الأفريقية واحتلت المرتبة التاسعة عالميًا من حيث حجم التدفقات الاستثمارية، وفقًا لتقرير الاستثمار العالمي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) لعام 2025. وبلغت قيمة التدفقات نحو 47 مليار دولار، وهو رقم قياسي يعكس جاذبية السوق المصري في ظل مشروعات كبرى تحويلية، أبرزها صفقة “رأس الحكمة” التي بلغت وحدها 35 مليار دولار، وتُعد من أكبر الاستثمارات المُعلنة عالميًا خلال العام.
ويعكس هذا الإنجاز ثمار جهود الحكومة في تهيئة بيئة استثمارية أكثر تنافسية، من خلال تطوير البنية التحتية، وتحسين الإطار التشريعي والتنظيمي، إلى جانب التوسع في القطاعات الواعدة مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر. كما أسهم الموقع الجغرافي الاستراتيجي لمصر وتوقيع اتفاقيات كبرى مع شركاء دوليين في تعزيز موقعها كمركز إقليمي جاذب لرءوس الأموال العالمية.
الأداء المالي للموازنة العامة: تحقيق فائض أولي
شهد أداء الموازنة العامة للدولة خلال الفترة من يوليو إلى مايو من العام المالي 2024/2025 تطورات لافتة، فقد سجلت الإيرادات العامة للدولة خلال الفترة من يوليو حتى مايو من العام المالي 2024/2025 نحو 2246.6 مليار جنيه، بزيادة قدرها 28.4 مليار جنيه مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وبمعدل نمو بلغ 1.3%. وجاءت هذه الزيادة مدفوعة بشكل رئيسي بارتفاع المتحصلات الضريبية، التي مثلت نحو 86.9% من إجمالي الإيرادات، في حين أسهمت الإيرادات غير الضريبية بنسبة 13.1%، وهو ما يعكس استمرار اعتماد المالية العامة على الموارد الضريبية كمصدر رئيسي للتمويل.
في المقابل، ارتفع إجمالي المصروفات العامة ليصل إلى 3408.7 مليار جنيه خلال الفترة نفسها، مقارنة بـ 2.723.1 مليار جنيه في العام المالي السابق، بزيادة قدرها 685.7 مليار جنيه، وبمعدل نمو بلغ 25.2%. ويعكس هذا الارتفاع التوسع في الإنفاق العام خاصة في بنود دعم الخدمات الاجتماعية والتنمية البشرية، وهو ما يتماشى مع توجه الحكومة نحو إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام.
ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من ارتفاع الإنفاق، فقد نجحت الدولة في تحقيق فائض أولي بنسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من يوليو إلى أبريل. هذا الإنجاز، إلى جانب تسجيل انخفاض في نسبة الدين إلى الناتج المحلي، يُعد مؤشرًا إيجابيًا على التقدم في مسار الانضباط المالي. كما أكد وزير المالية على التزام الحكومة بتعزيز برامج الحماية الاجتماعية وتوفير حيز مالي مرن لتوجيه الاستثمارات إلى القطاعات ذات الأولوية كالصحة والتعليم؛ مما يدعم التنمية الاقتصادية المستدامة ويعزز الاستقرار المالي على المدى المتوسط.
في الختام، تشير المؤشرات الاقتصادية خلال النصف الأول من عام 2025 إلى أن الاقتصاد المصري يسير في مسار إيجابي وواعد نحو التعافي والاستقرار. لقد تجلت جهود الإصلاح في تحقيق إنجازات ملموسة؛ أبرزها تحسن معدل النمو إلى 4.8%، وتراجع معدلات التضخم بشكل كبير، إلى جانب ارتفاع صافي الاحتياطي الأجنبي إلى أعلى مستوى تاريخي عند 48.7 مليار دولار. هذه المؤشرات، مدعومةً بـاستقرار نسبي لسعر الصرف وتحسن الميزان التجاري، تعكس نجاح السياسات النقدية والمالية التي تبنتها الحكومة.
كما أن التقدم المحرز على صعيد الاستثمار يؤكد على تعزيز ثقة المجتمع الدولي في الاقتصاد المصري؛ حيث احتلت مصر المرتبة الأولى أفريقيًا والتاسعة عالميًا في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر. كما أن قدرة الحكومة على تحقيق فائض أولي في الموازنة وخفض الدين العام، بالتوازي مع التزامها بالحماية الاجتماعية، تعطي مؤشرات قوية على أن مصر تسير في الاتجاه الصحيح.
وبناءً على تقييمات المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والأونكتاد، يمكن القول إن الحفاظ على هذا الزخم الإيجابي يتطلب مواصلة تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية، وفتح آفاق أوسع للقطاع الخاص؛ مما يضمن تحقيق نمو اقتصادي أكثر شمولًا واستدامة في المستقبل.
الدراسات الاقتصادية وقضايا الطاقة
