توقع تقرير “التوقعات الاقتصادية لإفريقيا” الصادر في يناير 2020، أن يرتفع معدل النمو الاقتصادي في القارة الإفريقية إلى 3.9% عام 2020، و4.1% في عام 2021، ولكن لم يتوقع أحد حينها حجم الاضطرابات التي قد يسببها “كوفيد-19” للاقتصاد الإفريقي، حيث كان لكل من الوباء وتدابير الاحتواء التي وضعتها الحكومات للحد من انتشار الفيروس آثار اقتصادية مهمة على المشهد الاقتصادي والصحي والسياسي في إفريقيا. وفي محاولة لإظهار تأثير الوباء على المشهد الاجتماعي والاقتصادي لإفريقيا، وإعادة تقييم الوضع بعد أخذ المعطيات الجديدة في الحسبان، أصدر بنك التنمية الإفريقي في السابع من يوليو 2020، مُلحق “التوقعات الاقتصادية لإفريقيا 2020 وسط كوفيد-19″، والذي يُظهر أنه للمرة الأولى في نصف القرن الماضي، ستواجه إفريقيا ركودًا اقتصاديًا نتيجة لتداعيات وباء كوفيد-19، وسيؤثر ذلك على المكاسب التي حققتها القارة بشق الأنفس في مجالات التنمية المختلفة.
ومع زيادة حالة عدم اليقين المحيطة بالفيروس وسياسات الاحتواء المختلفة التي تتبناها الحكومات الإفريقية، وضع بنك التنمية الإفريقي توقعاته للاقتصاد الإفريقي في ملحق التقرير بناء على سيناريوهين محتملين؛ أحدهما يسمى “سيناريو حالة الأساس”، وهو سيناريو يفترض وجود تأثير كبير لفيروس كورونا ولكنه قصير المدى، على أن يبدأ الوباء في الانحسار بحلول يوليو 2020، أما ثانيهما فهو (السيناريو الأسوأ) ويفترض تأثيرًا شديدًا للفيروس على مدى أطول مع استمرار الوباء إلى ما بعد النصف الأول من عام 2020. وبناء على هذين السيناريوهين تمثلت أبرز توقعات بنك التنمية الإفريقي فيما يلي:
1- انكماش الناتج المحلي الإجمالي:
أشار التقرير إلى أنه من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في إفريقيا بنسبة 1.7% في عام 2020، في (حالة سيناريو الأساس)، وتصل هذه النسبة إلى 3.4% في ظل السيناريو الأسوأ، منخفضًا بذلك عن توقعات يناير 2020 بنحو 5.6 نقاط مئوية، وفق السيناريو الأول و7.3 نقاط مئوية وفق السيناريو الثاني (انظر الشكل رقم 1). ومع تقلص النمو المتوقع، قد تعاني إفريقيا من خسائر في الناتج المحلي الإجمالي تتراوح بين 173.1 مليار دولار و236.7 مليار دولار في 2020-2021.

بالإضافة لذلك، على المستوى الإقليمي، من المتوقع أن تكون منطقة جنوب إفريقيا هي الأكثر تضررًا، حيث يُتوقع أن يبلغ معدل النمو -4.9% في منطقة الجنوب، وفق سيناريو الأساس، مدفوعًا بشكل رئيسي بالركود العميق في دولة جنوب إفريقيا، بينما من المتوقع أن يكون أداء شرق إفريقيا هو الأكثر مرونة في ظل الوباء، حيث من المتوقع أن يصل معدل النمو وفق سيناريو الأساس إلى 1.2٪ في عام 2020، وينخفض في حالة السيناريو الأسوأ إلى 0.2% (انظر شكل 2)

وبالرغم من ذلك، يتوقع التقرير أن يشهد عام 2021 انتعاشة في النمو مرة ثانية في كل أقاليم القارة، بشرط أن تدير الحكومات معدل الإصابة بـ COVID-19 بشكل جيد.
2- ارتفاع معدل التضخم وزيادة العجز المالي:
تسبب الوباء بالفعل في زيادة التضخم في القارة، في بعض الحالات بأكثر من 5% في الربع الأول من عام 2020 (أنغولا، وإثيوبيا، وزامبيا). وينجم ذلك بشكل رئيسي عن انقطاع إمدادات الغذاء والطاقة، والتي يتم استيراد معظمها. ولكن بالنسبة للعديد من البلدان الأخرى، أدى الانخفاض الكبير في الطلب الإجمالي بسبب الإغلاق وإجراءات الاحتواء الأخرى إلى تخفيف الضغوط التضخمية.
وعلى جانب آخر، يتوقع التقرير أن يزيد العجز المالي في القارة في عام 2020 بما يتراوح بين الضعف، إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، في سيناريو الأساس، وأن يرتفع إلى 9% في السيناريو الأسوأ. مما يعني أن الوباء سيخلق فجوة تمويلية إضافية في القطاع العام بقيمة 122 مليار دولار.
3- اتساع نطاق الفقر وزيادة البطالة:
أضاف التقرير أن الآثار المترتبة على وباء “كوفيد-19” قد تدفع ما بين 28.2 و49.2 مليون إفريقي إضافي إلى الفقر المدقع، وستسجل نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، أكبر الزيادات في عدد الفقراء، 8.5 و2.7 مليون على التوالي في سيناريو الأساس في عام 2020، و11.5 و3.4 ملايين في السيناريو الأسوأ. وسوف تستأثر منطقتا وسط وغرب إفريقيا بحوالي 60% من الفقراء الجدد في عام 2020، مع أقل من 1% في شمال إفريقيا.

فيما يتعلق بالبطالة، يشير التقرير إلى أنه يمكن فقدان حوالي 24.6 مليون وظيفة في حالة سيناريو الأساس وحوالي 30 مليون وظيفة في حالة السيناريو الأسوأ. وستؤثر الأزمة أيضًا على طبيعة الوظائف الباقية، حيث يمكن تخفيض أجور وساعات العمل للعاملين في القطاع الرسمي، ويمكن أن يزداد عدد العمال الذين يتحولون إلى وظائف في القطاع غير الرسمي كاستراتيجية للبقاء للحفاظ على الدخل في مواجهة عمليات الإغلاق والقيود.
4- زيادة أعباء الديون:
دخلت العديد من البلدان الإفريقية في أزمة ديون واسعة النطاق حتى قبل ظهور وباء كوفيد-19، حيث بلغت نسبة الديون حوالي 60% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى ما يزيد على 70% في عامي 2020 و2021 تحت تأثير كوفيد-19. ويحذر التقرير من أن الوباء قد يزيد من احتمالات حدوث أزمة ديون سيادية واسعة النطاق وبعيدة المدى إذا لم تتم إدارة الديون بشكل صحيح.

5- انخفاض التحويلات والاستثمار الأجنبي المباشر:
شهدت التحويلات الخارجية زيادة في عام 2018 بنسبة 7% عن عام 2017، لتصل إلى 82.8 مليار دولار، واستمرت هذه الزيادة خلال عام 2019 لتصل إلى ما يزيد على 86.2 مليار دولار، على خلفية انتعاش النمو الاقتصادي العالمي وارتفاع معدل الهجرة. ومن المتوقع أن تنخفض تحويلات العاملين بالخارج خلال عام 2020، حيث تكون وظائف المهاجرين ودخولهم مهددة في ظل كوفيد-19.
ومن المتوقع أيضًا أن ينخفض الاستثمار الأجنبي المباشر الذي وصل في عام 2018 إلى 45.9 مليار دولار واستمر في التحسن إلى ما يقدر بنحو 49 مليار دولار في عام 2019 مع قيام المستثمرين بتخفيض أو تأجيل استثماراتهم في ظل ظروف عدم اليقين المحيطة بالفيروس الجديد. وكذلك تتوقع التنبؤات أن تنخفض المساعدات الإنمائية الرسمية بأكثر من 50% في عام 2020، بسبب تأثير الأزمة على الاقتصادات المتقدمة.
6- التدخلات العاجلة المطلوبة للخروج من أزمة كوفيد:
بعد استعراض تأثير كوفيد-19على التوقعات على القارة الإفريقية، دعا التقرير إلى تطبيق تدخلات عاجلة للتخفيف من تأثير الوباء في جميع أنحاء إفريقيا، مع ضرورة أن تكون الاستجابة متسلسلة ومتعددة الجوانب، تتضمن: (1) إجراءات صحية بهدف احتواء انتشار الفيروس وتقليل الوفيات. (2) إجراءات نقدية بهدف تخفيف قيود السيولة ومخاطر الملاءة. (3) إجراءات مالية لتخفيف الآثار الاقتصادية للفيروس وحماية الفئات الاجتماعية ذات الأوضاع الهشة. (4) سياسات تتعلق بسوق العمل لحماية العمال ووظائفهم. (5) سياسات هيكلية للتحضير لعالم ما بعد COVID-19 وبناء القدرة على الصمود أمام الصدمات المستقبلية.
كما أكد التقرير أنه لإعادة فتح الاقتصادات فإن صانعي السياسات يحتاجون إلى اتّباع نهج تدريجي ومتزايد يقيِّم بعناية المقايضات بين إعادة تشغيل النشاط الاقتصادي بسرعة كبيرة والحفاظ على صحة السكان.
في النهاية، حذر الملحق من أن توقعات النمو لعام 2021 وما بعده ستعتمد إلى حد كبير على فعالية سياسات الحكومات الإفريقية في إدارة الأزمة بشكل جيد، وقدرتها على تسطيح منحنى التفشي وسياسات إعادة فتح الاقتصادات، ولا تزال هناك مخاطر ناشئة عن العوامل الخارجية والمحلية، تؤدي إلى زيادة عدم اليقين بشأن هذه التقديرات. على سبيل المثال، لا يزال هناك خطر لا يستهان به لموجة ثانية من عدوى COVID-19، كما يجب ألا ننسى الكوارث الطبيعية التي تعاني منها القارة، مثل أسراب الجراد في شرق إفريقيا، بالإضافة لعوامل أخرى كلها قد تؤدي إلى توقعات مختلفة ربما للأسوأ إن لم يتم تداركها سريعًا.