أصبح العالم أكثر اهتمامًا بالعوامل البيئية التي تؤثر بشكل مباشر على الإنسان، سواء صحيًا أو اقتصاديًا أو حتى سياسيًا، فزيادة الانبعاثات الكربونية وغازات الاحتباس الحراري، فضلًا عن باقي الملوثات الأخرى لها تأثيرات سلبية خطيرة تهدد الحياة على الكوكب كله، وتنذر بأخطار كبيرة على البيئة والنظم الإيكولوجية وعلى صحة الإنسان. ومن هذه العوامل البيئية جودة الهواء والتي تعني درجة نقاء الهواء حولنا وخلوه من الملوثات والشوائب مثل الدخان والغبار وغيرها، حيث تعتمد جودة الهواء على ثلاثة عوامل رئيسية هي: كمية الملوثات، ومعدل إطلاقها في الغلاف الجوي، ومدة احتجازها في منطقة ما. وتبذل مصر جهودًا كبيرة لتحسين جودة الهواء، وقد حققت نجاحات مهمة في هذا المجال، وإن كان ما زال علينا بذل المزيد من الجهد، خاصة في ظل الاتجاه العالمي للأخذ بمعايير أكثر تشددًا تناسب التقدم في الدراسات العلمية، وإدراكنا للمخاطر المتزايدة الناتجة عن التلوث.
ملوثات الهواء
تتدهور جودة الهواء بسبب الانبعاثات اليومية من مصادر تلوث الهواء الطبيعية، مثل الانفجارات البركانية وغبار العواصف، أو مصادر من صنع الإنسان مثل محطات الطاقة والمصانع والمحركات وحرق الأخشاب والفحم ومدافن النفايات، أو العوادم التي تطلقها وسائل النقل المختلفة مثل الطائرات والسيارات.
وقد تم اختيار مجموعة من الملوثات البيئية ذات التأثير المباشر على الصحة العامة والمنشآت، ليتم رصدها بواسطة برنامج المعلومات والرصد البيئي التابع لوزارة البيئة المصرية، حيث يمكن تقييم نوعية الهواء في المناطق التي يتم فيها القياس من خلال متابعة تركيزاتها ومعدل تصرفها في الهواء، وتشمل هذه الملوثات: الجسيمات الدقيقة العالقة في الهواء، ثاني أكسيد الكبريت، أكاسيد النيتروجين، أول أكسيد الكربون، كلوريد الهيدروجين وغيرها.
التأثير الصحي لتلوث الهواء
أشارت تقديرات منظمة الصحة العالمية WHO لعام 2018، وفقًا لتقييم أجرته لأمراض القلب والأوعية الدموية، وأمراض الجهاز التنفسي، إلى أن أكثر من 90% من الوفيات من أصل 7 ملايين حالة سنوية تقع جراء التعرض للجسيمات الدقيقة في الهواء الملوث.
وطبقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية فإن 9 من كل 10 أشخاص يتنفسون هواء يتجاوز الحدود الإرشادية للمنظمة، كما صنفت إقليم شرق المتوسط من أشد مناطق العالم في تلوث الهواء خلال الفترة من 2005 إلى 2018.
شكل (1): نسب الوفيات جراء الإصابة بالأمراض الناتجة عن تلوث الهواء وفقًا لمنظمة الصحة العالمية
جودة الهواء في القاهرة الكبرى
نتيجة لتأثير الجسيمات الدقيقة العالقة في الهواء على صحة الإنسان، فقد حددت منظمة الصحة العالمية متوسط تركيزًا سنويًا من تلك الجسيمات بنحو 10 ميكروجرام/م3 من نوع PM2.5، وهي مواد جسيمية صغيره جدًا لا تتجاوز بحجمها 2.5 ميكرو متر، ومنها الأمونيا، الكربون، الرصاص، السلفيت، والنيتريت.
وقد بلغ المتوسط السنوي لتركيز هذه الجسيمات بالقاهرة الكبرى خلال فترة 18 عاما نحو 84 ميكروجرام/م3، بحد أدنى 66 ميكروجراما/م3 في 2016، متخطيًا تلك التركيزات، مما تسبب في ارتفاع متوسط الوفيات السنوية بنحو 12600 حالة وفاة.
ومن الجدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية أصدرت مؤخرًا دليل المعايير الجديدة لجودة الهواء أكثر صرامة، وهي تمثل تحديثًا للمعايير الصادرة عام 2005، حيث خفضت التركيز المسموح لوجود الجسيمات الدقيقة من النوع PM2.5 إلى النصف، ليصل المعيار الجديد إلى 5 ميكروجرام/م3 من الهواء، بينما يسمح القانون المصري بمتوسط تركيز سنوي يصل إلى 50 ميكروجرام/م3 للجسيمات الدقيقة PM2.5، وهو ما يعادل 10 أضعاف التركيز المسموح به في التوصيات الجديدة لمنظمة الصحة العالمية 2021، مما يستوجب مضاعفة الجهود المبذولة لتحسين جودة الهواء وخفض الملوثات العالقة.
التأثير الاقتصادي لتلوث الهواء
بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على الصحة وزيادة الإصابة بالأمراض المختلفة وزيادة معدلات الوفاة نتيجة ملوثات الهواء، فإنها تسبب تداعيات على النظم الصحية في الدولة وتزيد من العبء على المستشفيات والمراكز الطبية، كما تتراجع إنتاجية العمال نتيجة المرض أو الغياب، فقد تسبب الهواء الملوث بالجسيمات الدقيقة العالقة من نوع PM2.5 في القاهرة الكبرى في قضاء العاملين نحو 250 مليون يوم في المرض خلال عام 2017، بالإضافة إلى ارتباط تلوث الهواء ببعض الأمراض. ويمثل مرض السكري من النوع الثاني أكبر نسبة من هذه الأمراض بنحو 60% من عدد أيام المرض، يليه مرض الانسداد الرئوي المزمن بنسبة %32.
وطبقًا للأبحاث التي أجرتها كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس، فقد أسهم التلوث في حدوث 3.2 ملايين حالة داء سكري جديدة على مستوى العالم في عام 2016، أي حوالي 14% من جميع حالات السكري الجديدة على مستوى العالم في ذلك العام. وقد قدرت التكلفة السنوية لتلك التأثيرات الصحية في القاهرة الكبرى بنحو 47 مليار جنيه في 2016 – 2017 بما يعادل 1.35% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر في العام نفسه.
الجهود المصرية لتحسين جودة الهواء
عملت مصر في استراتيجية مصر 2030 على مراعاة البعد البيئي في كل الخطط والبرامج الاقتصادية، وتضمنت الاستراتيجية عدة برامج قومية في مجال تحسين نوعية الهواء، حيث تهدف الحكومة إلى خفض تلوث الهواء بنسبة 50% بنهاية عام 2030، وبالفعل انخفضت درجة تركز الجسيمات الدقيقة العالقة الملوثة للهواء في القاهرة بنحو 25% على مدى العقد الماضي.
رصد جودة الهواء
يهـدف رصـد جـودة الهـواء إلـى رصـد مسـتويات ملوثـات الهـواء وكذلـك انبعاثـات المنشـآت وعـوادم المركبـات بهـدف تحديد أنـواع التلــوث المرصودة وأســبابه ومصــادره والمناطــق الأكثــر تأثــرًا بــه لوضــع الخطط والبرامـج اللازمـة للحـد مـن مصـادر التلـوث.
الشبكة القومية لرصد ملوثات الهواء المحيط
تمت زيادة عدد محطات الشــبكة لتبلــغ 108 محطات رصد عــام 2020 موزعة في أنحاء الجمهوريــة، لتوفيــر بيانات الرصد الصحيحة لمتخذي القرار لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتحســين جــودة الهــواء.
الشبكة القومية لرصد الانبعاثات الصناعية
تهدف إلى الرصـد اللحظـي لحيــود انبعاثـات مداخـن المنشـآت الصناعية عــن الحــدود المســموح بهــا باللوائح التنفيذيــة، وتـمت زيـادة عـدد المنشـآت الصناعيـة المرتبطـة بالشـبكة القوميـة لرصــد الانبعاثــات الصناعيــة عــام 2020 إلــى 76 منشــأة صناعيـة بعـدد 352 نقطـة رصـد تشـمل العديـد مـن القطاعـات الصناعية.
تطوير منظومة مكامير الفحم النباتي
قامـت الـحكومة المصرية بالانتهـاء مـن وضـع الاشـتراطات والضوابـط البيئيـة للنمـاذج المطـورة لإنتـاج الفحـم النباتـي، وأهمها الصوب الحرارية؛ حيث تحافظ على الشكل التقليدي للمكامير بجودة أعلى مع التغلب على السحابة الدخانية الصادرة منها، كما أصدرت الإجراءات اللازمـة لتوفيـق الأوضـاع البيئيـة للمكاميـر الحاليـة، كما تم تطويــر آليــة تمويليــة مــن جهــاز تنميــة المشــروعات المتوســطة والصغيــرة ومتناهيــة الصغــر عــن طريــق إتاحــة قــروض ميسـرة بمنحـة 20 % مقدمـة مـن وزارة البيئـة لمسـاعدة أصحـاب المكاميـر في أعمـال التطوير.
الإنذار المبكر لملوثات الهواء
تهدف منظومــة الإنــذار المبكــر إلى التنبؤ بتأثيــر العوامــل الجويــة علــى جــودة الهــواء لمــدة ثلاثة أيــام مقبلــة وتحديثهــا يوميًــا مــن خلال صفحــة الإنــذار المبكــر بموقــع وزارة البيئــة، وتم زيــادة القطاعــات الجغرافيــة التــي يتــم دراســتها مـن ستة إلى ثمانية قطاعــات لتشــمل كافــة أنحاء الجمهورية، بالإضافة إلى زيـادة نقـاط الدراسـة داخـل القطاعـات السـابقة والجديـدة لتعزيـز نتائـج التنبـؤ بنوعيـة الهـواء من 34 إلــى 58 نقطــة دراســة.
مشروع إدارة التلوث وصحة البيئة
قدم البنك الدولي دعمًا لمصر بقيمة 700 ألف دولار، ليسهم فـي وضـع استراتيجية وخطـط لإدارة تلـوث الهـواء بمنطقـة القاهــرة الكبــرى، من خلال مجموعــة مــن الدراســات لتنســيب الملوثــات لمصادرهــا، وهــي تقنيــة حديثــة يجــري حاليًا إضافتهــا لمنظومــة الرصــد والتحليــل والإدارة فــي الهــواء المحيــط، مما يساهم في خفـض حقيقـي لنسـب وتركيـز الجسـيمات الصلبـة العالقـة فـي هـواء القاهـرة.
مشروع تحسين جودة الهواء ومكافحة تغير المناخ بالقاهرة الكبرى
يهـدف المشـروع إلـى وضـع خطـة تنفيذيـة لإدارة جـودة الهـواء والتغيـرات المناخيـة في القاهـرة، مـن خـلال تحديـث نظـام رصـد جـودة الهـواء، وتدعيـم قـدرة السـكان فـي منطقـة القاهـرة الكبـرى علـى مواجهـة حـالات ارتفـاع التلـوث، عـلاوة علـى المسـاهمة فـي تقليـل انبعاثـات المركبـات بدعـم تجربـة النقـل الكهربـي فـي القطـاع العـام، والبنيـة التحتيـة لـه، وذلــك بتكلفة 200 مليــون دولار.
جودة الهواء المصري عالميًا
أحرزت مصر تقدمًا خلال السنوات العشر الماضية في تصنيف مؤشر الأداء البيئي العالمي EPI، الذي أطلقته الأمم المتحدة عام 2008 لترتيب الدول من حيث أدائها في الموضوعات والقضايا البيئية ذات الأولوية، حيث احتلت مصر المركز 94 لعام 2020 من إجمالي 180 دولة بمجموع 43.3 نقطة من 100، متقدمة في ذلك على المغرب 42.3، وجنوب إفريقيا 43.1، كما تسبقها في ذلك من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: تونس 46.7، ولبنان .45.4، رغم تضمن دليل الأداء البيئي لعام 2020، 32 مؤشرًا بيئيًا من بينها عدد 12 مؤشرًا يستخدم للمرة الأولى، ويغطي 11 مجالًا بيئيًا، مما زاد من القيود الموضوعة عند تصنيف الدول وفقًا للمؤشر.
كما انعكست جهود الحكومة المصرية في إصلاح سياسات الطاقة والتوسع في استخدامات الطاقة المتجددة، على تحسن مؤشرات جودة الهواء وانخفاض معدل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في القاهرة، وقد أثبتت مقارنة نتائج دراستي البنك الدولي تحسن جودة الهواء بالقاهرة بين عامي 1999 و2017، كما هو موضح في الشكل التالي:
المصادر:
- https://www.eeaa.gov.eg
- https://www.greengrowthknowledge.org/sites/default/files/downloads/policydatabase/Egypt_Vision_2030__arabic.pdf
- https://www.unep.org/ar/alakhbar-walqss/alnshrat-alshfyt/yftqr-bld-mn-kl-thlatht-bldan-fy-alalm-aly-ay-mn-almayyr-almfrwdt
- https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/household-air-pollution-and-health
- https://www.un.org/ar/observances/clean-air-day
- https://www.unep.org/explore-topics/air/what-we-do/monitoring-air-quality/urban-air-action-platform
- https://wedocs.unep.org/xmlui/bitstream/handle/20.500.11822/34917/AR20AR.pdf?sequence=5&isAllowed=y