بدأت اشتباكات واسعة بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة في السودان في الساعات الأولى من صباح يوم السبت الموافق 15 أبريل 2023. وكان واضحًا مع بداية هذه الاشتباكات أن الجانب الإعلامي يحظى بحيز مهم منها، لا سيّما وأن عنصر المفاجأة الذي كان حاضرًا في الشق العسكري، من جانب قوات الدعم السريع على ما يبدو، كان حاضرًا بقوة كذلك من جانب قوات الدعم السريع إعلاميًا، استطاعت به هذه القوات الاستحواذ على المشهد الإعلامي تمامًا في الساعات الأولى من الاشتباكات، قبل أن تبدأ الرواية الأخرى للقوات المسلحة السودانية في الظهور والتداول. ويمكن الإشارة في هذا الإطار إلى مجموعة من الملاحظات:
1 – مفأجاة قوات الدعم السريع: بدأت مواقع التواصل الاجتماعي في الساعات الأولى من صباح يوم 15 أبريل 2023 في تداول أنباء عن سماع دوي انفجارات وأعيرة نارية في شوارع العاصمة السودانية الخرطوم، مع تداول صور ومقاطع مصورة تظهر هذه الاشتباكات، ولم يتسن لأحد معرفة حقيقة هذه الأنباء أو الوسائط المتداولة. وكان البيان الرسمي الأول حول هذه الأنباء من جانب قوات الدعم السريع في تمام العاشرة صباحًا بأنها تفاجأت بقوة كبيرة من القوات المسلحة تدخل إلى مقر وجود قواتها في أرض المعسكرات سوبا بالخرطوم وفرض حصار على قواتها، وشن هجوم كاسح عليها بكافة أنواع الأسلحة، وأنها ردًا على ذلك شنت هجومًا لمحاولة السيطرة على مقر القيادة العامة للقوات المسلحة ومقر وزارة الدفاع بالخرطوم.
وقد أدى صدور هذا البيان في هذا التوقيت وعدم وجود رد مقابل من جانب القوات المسلحة في تداول بيان قوات الدعم السريع على نطاق واسع ووصفه بكونه معبرًا عن حقيقة ما يجري على الأرض، لا سيّما وأن بيان القوات المسلحة السودانية لم يصدر إلا بعد نحو ساعة في تمام الساعة 10:45 صباحًا أوضح أن قوات الدعم السريع واصلت مسيرتها في الغدر والخيانة وحاولت مهاجمة القوات المسلحة في المدينة الرياضية ومواقع أخرى، وتتصدى لها القوات المسلحة.
2 – الحرب النفسية: لجأ كلا طرفي الصراع إلى ممارسة نوع من الحرب النفسية ضد قوات الطرف الآخر لإضعاف الروح المعنوية وإنهاكهم وإيصال رسائل بأن السيطرة الميدانية في طريقها إلى التحقق لكل طرف على حساب الآخر. وقد مارست قوات الدعم السريع هذا النوع من الحرب بشكل أكبر من خلال إصدار بيانات متتالية وسريعة على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي بسيطرتها على بعض المواقع.
وساهم ذلك في تأكيد رواية قوات الدعم السريع لدى قطاعات من الشعب السوداني والمتابعين في العالم العربي بالإضافة إلى وسائل الإعلام الإقليمية والدولية التي بدأت في تداول هذه البيانات والفيديوهات بصورة موسعة بوصفها المادة الوحيدة المتاحة للوضع في السودان، حتى أن بيانات القوات المسلحة اقتصرت في البداية على رد الفعل بنفي ما تصدره قوات الدعم السريع من بيانات ومعلومات. حتى استعادت المبادرة مع ظهيرة اليوم بإعلانها السيطرة على عدد من المواقع وإلحاقها خسائر بقوات الدعم السريع وبدء بعض قادة قوات الدعم السريع في تسليم نفسها وعتادها إلى القوات المسلحة، مما أعاد كفة المعركة الإعلامية إلى التوازن من جديد، وبدأت تميل إلى صالح القوات المسلحة، خاصة بعدما تأكد أن بعض بيانات قوات الدعم السريع بالسيطرة على بعض المواقع منها مقر سلاح المهندسين غير صحيحة، وتم إثبات نفيها.
3 – الخيارات الإعلامية: تعاملت جُل وسائل الإعلام العربية مع المشهد في السودان بحيادية تامة، وحرصت على تناول كلا الطرفين لشرح الوضع على الأرض وأسباب اندلاع الاشتباكات ومساراتها.. إلخ. وظهر في الخطاب الإعلامي لكلا الطرفين أن القوات المسلحة السودانية حرصت على الظهور في شكل أكثر مؤسسية ونظامية تشير من خلالها إلى أنها تعبر عن دولة وليس عن أفرد، ولذلك خرج للحديث عن موقفها على القنوات التليفزيونية أكثر من شخص، منهم الفريق عبد الفتاح البرهان، واللواء ياسر عطا عضو مجلس السيادة، والناطق باسم القوات المسلحة.. إلخ. فيما كان المشهد لدى قوات الدعم السريع مناقضًا تمامًا، بدا معه الأمر متعلقًا بشخص قائد القوات الفريق محمد حمدان دقلو والذي حرص على الظهور بنفسه دون سواه في عدد كبير من وسائل الإعلام، وهو ما استمر طيلة يوم 15 أبريل تقريبًا، حتى بدأت شخصية في الظهور مع الساعات الأخيرة من يوم 15 أبريل وصباح يوم 16 أبريل وهي محمد المختار النور بمنصب المستشار القانوني لقائد قوات الدعم السريع.
4 – عدم الحسم: لم تحقق الأذرع الإعلامية لأي من القوى السودانية المتصارعة حسمًا لأهدافها النوعية في معركة التأثير الإعلامي، وكذلك الشعبي على الأرجح. وتحولت الحالة الجدلية إلى حالة صراع وتراشق إعلامي، ولا سيما بمواقع التواصل الاجتماعي. ومن المرجح استمرار هذه الحالة طوال مدة استمرار الاشتباكات من خلال استمرار إصدار البيانات الإعلامية من كلا الطرفين التي تحاول إضفاء طابعًا انتصاريًا على تحركات كل طرف للتأثير في الرأي العام السوداني والعربي والعالمي.