شهدت العاصمة الكينية نيروبي عقد الاجتماع التنسيقي الخامس لمنتصف العام للاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية والآليات الإقليمية والدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي يوم الأحد 16 يوليو 2023، تحت شعار الاتحاد الأفريقي لعام 2023 “تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية”، بهدف تقييم التقدم المحرز في عملية التكامل الأفريقي، باعتباره القوة الدافعة للاقتصادات الأفريقية، في ظل وضع اقتصادي عالمي مضطرب، وسط تحديات معقدة ومتداخلة تعاني منها الدول الأفريقية، تضاعفها الصراعات والتغيرات المناخية، فضلًا عن تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعيات وباء كوفيد على القارة.
وانعقدت القمة بحضور رئيس الاتحاد الأفريقي “العثماني الغزالي”، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي “موسى فكي”، ورؤساء التجمعات الإقليمية المختلفة، وبحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي بصفته رئيسًا لوكالة التنمية التابعة للاتحاد الأفريقي “نيباد”، ورئيسًا للمؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27)، إلى جانب عدد من رؤساء وممثلي حكومات الدول الأفريقية.
وقد سبق انطلاق القمة بأيام اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي، الذي انعقد يومي 13 و14 يوليو، وناقش الاجتماع الوزاري تقييم التقدم المحرز في تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)، وهو موضوع الاتحاد الأفريقي لعام 2023. ونظر في مسائل الميزانية، والترشيحات الأفريقية للهيئات الدولية؛ بالإضافة إلى التقدم المحرز في الإصلاحات المؤسسية للاتحاد الأفريقي وأجندة 2063، وكذلك موضوع الاتحاد الأفريقي لعام 2024، من بين أمور أخرى، فضلًا عن تعيين بعض الأعضاء في اللجان الفرعية التابعة للاتحاد الأفريقي. وقدم المجلس تقريره بشأن القضايا المطروحة للنقاش إلى اجتماع القمة للنظر فيه والتصديق عليه.
أولويات القمة
في محاولة للتغلب على التحديات التي تواجه التكامل الاقتصادي للقارة الأفريقية، وتحديدًا التحدي المتعلق بعدم تنسيق الجهود القارية والإقليمية، واتصالًا بجهود الإصلاح المؤسسي للاتحاد الأفريقي، وفي إطار محور تقسيم العمل والمهام، قرر الاتحاد الأفريقي في عام 2017 استحداث “الاجتماع التنسيقي النصف سنوي” الذي يجمع الاتحاد الأفريقي إلى جانب المجموعات الاقتصادية الإقليمية في أفريقيا، ليصبح بديلًا عن قمة يونيو/ يوليو لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي، لضمان التنسيق ومواءمة العمل بين الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، وذلك بمشاركة رؤساء المجموعات الاقتصادية الإقليمية، ومفوضية الاتحاد الأفريقي والآليات الإقليمية المختلفة.
ومنذ إطلاق الاجتماع التنسيقي النصف سنوي الأول في يوليو 2019، تحت رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، تم تحديد عددٍ من الموضوعات ذات الأولوية في عملية التكامل الاقتصادي الأفريقي، يتم مناقشة التقدم المحرز بها في كل اجتماع، على رأسها: تقييم حالة التكامل الإقليمي والقاري في أفريقيا، وبحث تقسيم واضح وفعال للعمل بين الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية المختلفة، وبين هذه المجموعات وبعضها بعضًا، فضلًا عن تنسيق ومواءمة سياسات الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية، بما في ذلك، تخطيط وتبني وتنفيذ السياسات والمتابعة والتقييم وتعبئة الموارد والشراكات، بهدف تسريع عملية التكامل، إلى جانب مناقشة الموازنة السنوية للاتحاد الأفريقي وبحث سبل تمويل مشروعات أجندة أفريقيا 2063 والبرامج ذات الأولوية. وهي ذاتها الموضوعات الرئيسية التي تناولها الاجتماع النصف سنوي الخامس الذي عقد في نيروبي يوم الأحد 16 يوليو، والمناقشات والورش والاجتماعات الجانبية التابعة له التي بدأت منذ 13 يوليو.
في غضون ذلك، نظرت القمة في الخطوات التي اتخذت لتسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية التي أطلقت عام 2019، بما يتماشى مع شعار الاتحاد الأفريقي لعام 2023 “تسريع منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقي”، والذي يعد ذاته شعار الاجتماع التنسيقي الخامس. وقد وضع الرئيس عبد الفتاح السيسي بصفته رئيس وكالة التنمية التابعة للاتحاد الأفريقي – نيباد، هذا الهدف كإحدى أولويات رئاسة مصر للنيباد. وفي هذا الصدد، ناقشت القمة الخطوات المتعلقة بتعزيز “حرية الحركة”، خاصة وأن البروتوكول المتعلق بها لم تصدق عليه سوى 4 دول فقط من أصل 46 دولة صدقت على اتفاقية التجارة الأفريقية، وكذا حاز “جواز السفر الأفريقي الموحد” على جزء من المناقشات، إلى جانب “سبل ربط الأسواق المالية”، و”البنية التحتية” لدول القارة. وأشادت القمة بالتقدم المرضي في تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، والذي تجلى، من بين أمور أخرى، في الاختتام الناجح للمفاوضات المتعلقة بقواعد المنشأ، وإبرام بروتوكولات الاستثمار والمنافسة وحقوق الملكية الفكرية، وإشراك القطاع الخاص.
قضايا مُلحة
بالإضافة إلى الموضوعات المحددة من قبل، ناقشت القمة عدة موضوعات فرضتها ظروف البيئة المحلية والإقليمية والعالمية المحيطة، أبرزها:
- الوساطة الأفريقية بين روسيا وأوكرانيا: عانت الدول الأفريقية ولا تزال تعاني من تبعات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصادات الأفريقية، ونظرًا لما تتمتع به بعض دول القارة من علاقات جيدة مع أحد أطراف الحرب أو كليهما، بادرت سبع دول أفريقية (جنوب أفريقيا، مصر، جزر القمر، السنغال، زامبيا، الكونغو الديمقراطية، وأوغندا) في شهر يونيو 2023، بطرح مبادرة لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تضمنت عشر نقاط لوقف تصعيد الحرب، وهي المبادرة الثانية بعد محاولة رئيس السنغال ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي التوسط في النزاع في يونيو 2022.
- التعافي الاقتصادي للقارة الأفريقية: كان هذا بندًا مهمًا آخر في جدول أعمال القمة في سياق الآثار السلبية لوباء كوفيد على اقتصادات القارة، فعلى الرغم من التقدم المحرز في الاستجابة للوباء، لا تزال الدول الأعضاء تواجه تحديات تؤثر سلبًا على اقتصاداتها التي لم تكد تتعافى حتى ارتطمت بالحرب الروسية الأوكرانية، ومن ثم ناقش الاجتماع سبل تعافي الدول الأفريقية من هذه الأزمات المتلاحقة. بالإضافة إلى التركيز على الانتعاش الاقتصادي لأفريقيا وتنفيذ المبادرات لمواجهة التحديات في الزراعة والبنية التحتية والديون وتغير المناخ والأمن والطاقة والصحة.
- إعداد الخطة العشرية الثانية لأجندة أفريقيا 2063: تنتهي الخطة العشرية الأولى لأجندة أفريقيا 2063 بنهاية عام 2023، وقد ناقشت القمة الأفريقية الـ36 للاتحاد الأفريقي التي عقدت في أديس أبابا فبراير 2023 التقدم المحرز في الخطة العشرية الأولى، بينما ناقشت قمة نيروبي الخطة العشرية الثانية التي تقوم “النيباد” بإعدادها، حيث حددت الرئاسة المصرية للنيباد عدة أولويات على رأسها سرعة الانتهاء من الخطة العشرية الثانية لتنفيذ أجندة التنمية الأفريقية (2024-2034)، مع الأخذ في الاعتبار الدروس المستفادة من الخطة الأولى، ومن المنتظر أن يتم اعتمادها في القمة الاتحاد الأفريقي القادمة.
- البيئة والتغيرات المناخية: نالت قضية التغيرات المناخية اهتمامًا خاصًا خلال قمة نيروبي، وتم تخصيص جلسة لها، حيث تناولت المناقشات استعراض جهود مواجهة التغيرات المناخية وسبل التكيف، كما تمت مناقشة القضية الأبرز في هذا الشأن المتعلقة بتمويل المناخ. وفي هذا الصدد، ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمة بصفته الرئيس الحالي لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ أمام جلسة البيئة والتغيرات المناخية لاستعراض الجهود المصرية في مواجهة تأثيرات التغيرات المناخية، والتي كان آخرها إطلاق المبادرة الأفريقية للتكيف مع تغير المناخ الهادفة لتمكين الدول الأفريقية من الحصول على التمويل اللازم لتنفيذ إجراءات التكيف والتخفيف من آثار المناخ، فضلًا عن إنشاء صندوق “الخسائر والأضرار” لدعم الدول النامية والفقيرة المتضررة من تغير المناخ، ومبادرة “حياة كريمة لأفريقيا”، ومبادرة “المنتدى العالمي للهيدروجين المتجدد”. وشهدت قمة نيروبي الاتفاق على ترتيبات خاصة بقمة المناخ الأفريقية الأولى التي ستعقد في نيروبي سبتمبر 2023، بهدف توحيد المواقف الأفريقية تجاه قضايا المناخ، خاصة أمام مؤتمر المناخ cop28 بالإمارات.
- صياغة رؤية أفريقية مشتركة للأزمة السودانية: حازت الأزمة السودانية على جزء من المناقشات بعد المحاولات المستمرة لوقف الصراع التي كان آخرها قمة القاهرة لدول جوار السودان التي حازت على قبول طرفي الصراع، وفي ظل هذه المنابر المتعددة، وانطلاقًا من مبدأ الحلول الأفريقية، حاول الاتحاد الأفريقي خلال قمة نيروبي مناقشة صياغة رؤية أفريقية مشتركة للأزمة السودانية تدعو إلى وقف لإطلاق النار وصولًا إلى حل شامل للأزمة.
في الختام، على الرغم من الجهود التي تبذلها الدول الأفريقية لتسريع ودفع عملية التكامل الاقتصادي للقارة إلا أن التحديات الكبيرة التي تواجهها تهدد هذه الجهود في ظل استمرار الصراعات وعدم كفاية الموارد المالية، الأمر الذي يتطلب من الدول الأفريقية بذل مزيد من الجهد لإسكات البنادق، والإسراع في تنفيذ منطقة التجارة الأفريقية لتكون حجر الأساس لعملية التكامل المنشودة، كما يتطلب من المجتمع الدولي القيام بواجباته والوفاء بالتزاماته تجاه الدول الأقل نموًا.