تمتلك القارة السمراء من إمكانات الطاقات المتجددة الكثير، فتشير التقارير الدولية إلى أن إمكانات الطاقة الشمسـية فـي أفريقيا تبلــغ حوالي %40 مــن الإجمالــي العالــمي، (665,000 تيــراوات ســاعة/ الســنة)، وحوالي %32 من إجمالــي طاقــة الريــاح فــي العالــم ( 67,000 تيــراوات ســاعة/ الســنة، وتقريبًا %12 مــن إجمالــي الطاقــة الكهرومائيــة بقدرات بلغت 330جيجــاوات. وتعد منطقة استراتيجية للطاقة عالميًا، ومع ذلك لم تساهم أفريقيا إلا قليلًا في تغير المناخ ولم تنتج سوى جزء ضئيل من الانبعاثات العالمية، لكنها قد تكون المنطقة الأكثر عرضة في العالم لمخاطر وتهديدات تغير المناخ، وتداعياته السلبية على البنية التحتية والصحة والاقتصاد. وبينما لا يتبقى سوى ست سنوات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، فلا تزال أفريقيا تعاني من ضعف الاستثمارات في مشروعات الطاقة المتجددة وحلول تغير المناخ، وتقف في مفترق طرق حاسم بين وفرة الموارد المتجددة وبين نقص التمويل والاستثمارات، التي جعلت القارة بأكملها على مدار عقدين لم تتلقَ سوى 2% من إجمالي الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة.
أفريقيا الأقل تأثيرًا والأكثر تضررًا
لم تسهم القارة الأفريقية مجتمعة سوى بحوالي 3.5% من إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية، بينما وصلت الانبعاثات الكربونية لعدد سبع دول فقط من العالم ما يتجاوز 60%، على رأسها الصين التي باتت تسهم عالميًا بنحو 30%، وتليها الولايات المتحدة بنسبة 11% والاتحاد الأوروبي بنسبة 7%، والهند بنسبة 7%، وسجلت الانبعاثات لدول مجموعة العشرين وهم (الأرجنتين، أستراليا، البرازيل، كندا، الصين، الاتحاد الأوروبي، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا، اليابان، المكسيك، روسيا، المملكة العربية السعودية، جنوب أفريقيا، كوريا الجنوبية، تركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) أكثر من 76% من الإجمالي العالمي، وذلك وفقًا لتقرير فجوة الانبعاثات العالمية 2023.
بينما تقع البلدان العشر الأكثر عرضة لخطر التغيرات المناخية عالميًا في قارة أفريقيا، بواقع 20% من إجمالي سكان القارة. وبالمقارنة على أساس متوسط نصيب الفرد في الانبعاثات، فإن أفريقيا لديها أقل متوسط للانبعاثات من بين جميع القارات، بمعدل طن واحد من ثاني أكسيد الكربون المنبعث سنويًا لكل فرد. بمعنى أن البصمة الكربونية للشخص الأمريكي أو الأسترالي (وهو مقدار ما يطلقه الفرد من ثاني أكسيد الكربون) تعادل في الشهر الواحد ما يطلقه الفرد في أفريقيا خلال عام كامل. فكيف تتحمل أفريقيا أثر التغيرات المناخية دون التزام الدول المتقدمة؟!
تأثيرات مناخية حرجة
تعاني أفريقيا من ارتفاع درجات الحرارة بمعدل أسرع من المتوسط العالمي، ومن المتوقع أن تستمر في الارتفاع خلال بقية القرن الحادي والعشرين. ووفقًا لتقرير حالة المناخ في أفريقيا 2022، فهي تعد أكثر مناطق العالم تضررًا من الجفاف وثاني أكثر المناطق تضررًا من الفيضانات، إذ تأثر أكثر من 110 مليون شخص بشكل مباشر بالمخاطر المرتبطة بتغير المناخ عام 2022، وهو ما أدى إلى أضرار اقتصادية تزيد قيمتها عن 8.5 مليارات دولار، وأكثر من 5 آلاف حالة وفاة، منها 48% مرتبطة بالجفاف و43% مرتبطة بالفيضانات.
وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن خسائر الناتج المحلي الإجمالي في البلدان الأفريقية ستتزايد بسبب تغيّر المناخ، ومع زيادة الاحترار العالمي بمقدار درجتين مئويتين يتعرض أكثر من نصف سكان القارة لخطر سوء التغذية، نتيجة نقص المياه ونوبات الحرارة والجفاف وضعف الإنتاجية الزراعية. فضلًا عن التأثيرات الأخرى المرتبطة بتغير المناخ والتي تتمثل في نزوح حوالي 4.3 ملايين نازح جديد في أفريقيا من جرّاء أحداث الكوارث الطبيعية وتغير المناخ، أو التهديدات الأمنية والصراعات المرتبطة في أغلب الأحيان بالموارد الطبيعية وموارد المياه والتي زادت بنحو 40 ضعف منذ عام 2010.
شكل (1): مساهمة الدول والمناطق في الانبعاثات الكربونية العالمية 2021-2022
الوضع الحالي للطاقة في أفريقيا
بلغت قدرة توليد الكهرباء في القارة الأفريقية 256 جيجاوات عام 2023-2024، ويمثل هذا حصة متواضعة من القدرة العالمية، حيث لا تتجاوز( 4% – 5%). وتشكل الطاقة المتجددة 23% من إجمالي قدرة الطاقة في أفريقيا وتتكون إلى حد كبير من الطاقة الكهرومائية، والتي كانت مصدرًا رئيسيًا للكهرباء في العديد من البلدان في القارة. على مدى العقد الماضي نمت الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح البرية بقوة في أفريقيا، بمعدل نمو سنوي بلغ 44% و12% على التوالي.
شكل(2): تطور قدرة الطاقة المتجددة في أفريقيا خلال العقد الماضي
بلغ إجمالي قدرة الطاقة المتجددة في أفريقيا حوالي 62 جيجاوات فقط اعتبًارا من عام 2023، وهو ما يمثل 1.6٪ من الحصة المضافة عالميًا، بقدرات بلغت حوالي 2.7 جيجاوات لعام 2023. ولعل الفجوة الواضحة في التقدم في نشر قدرات الطاقة المتجددة تتعلق أيضًا بالبنية التحتية للنقل والتوزيع، سواء من حيث الجودة أو الحجم، والتي تشكل أيضًا قيودًا كبيرة على إضافة القدرات المتجددة بوتيرة أسرع.
هل يمكن أن تحقق أفريقيا انتقال الطاقة
القارة السمراء هي ثاني أكبر قارة في العالم وتضم 54 دولة ويبلغ عدد سكانها ما يقدر بأكثر من 1.2 مليار نسمة، حسب بيانات البنك الدولي، ومن المتوقع أن تشهد القارة زيادة سكانية أعلى من المتوسط العالمي بحلول عام 2050؛ مما يؤدي إلى زيادة الطلب على الطاقة نتيجة التأثير المشترك للنمو السكاني وزيادة الوصول إلى الطاقة ومسارات تأمين مصادر الطاقة من خلال الطاقة النظيفة والمتجددة تحقيقًا للاتجاه العالمي والاتفاقيات الدولية وتماشيًا مع أجندة أفريقيا 2063 للتنمية المستدامة، والتركيز على هدف توفير مصادر طاقة ميسورة ومنخفضة التكلفة وقليلة الانبعاثات.
تتمتع أفريقيا بإمكانات وفيرة من الطاقات المتجددة المتنوعة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الكهرومائية)، أكبر بمقدار ألف مرة من الطلب المتوقع على الكهرباء في عام 2040، وفقًا لتوقعات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) وهذه المصادر موزعة بشكل معقول على دول القارة، مع توفر العديد من المعادن والمكونات المرتبطة بصناعات الطاقة المتجددة مثل النحاس والبلاتين والليثيوم والجرافيت؛ مما يجعل القارة بأكملها قادرة على الاستفادة من فرص تحول الطاقة.
ورغم تلك الإمكانات الهائلة والفرص التي يمكن أن تقدمها للدول الأفريقية من توفير في البنية التحتية المناسبة وتحسين في مستوى المعيشة وتوفير فرص عمل لأبناء القارة؛ حيث تشير التوقعات إلى إمكانية توفير حوالي 8 ملايين وظيفة جديدة في مجالات الطاقة المتجددة في أفريقيا بحلول عام 2050، فضلًا عن تحسن جودة الهواء والصحة، إلا أن مسار التحول نحو الطاقات المتجددة في أفريقيا يواجه العديد من التحديات؛ على رأسها القدرة على تحمل التكاليف المالية وتوفير التمويل اللازم، وتطوير البنية الأساسية لاستيعاب إضافة القدرات من الطاقة المتجددة وتوفيرها لسكان القارة بشكل عادل وشامل.
طموح قاري لتحقيق تنمية مستدامة
لدى القارة خطط ومبادرات قائمة بالفعل للتحول في مجال الطاقة، والعديد من البلدان في طريقها إلى تبني مصادر الطاقة المتجددة لتمكين نظام طاقة أكثر استدامة يمكنه توفير الوصول الشامل والتنمية الاقتصادية المستدامة. ولعل الهدف الأكثر طموحًا هو تعزيز قدرة أفريقيا في مجالات الطاقة المتجددة من 62 جيجاوات في عام 2023 إلى 300 جيجاوات بحلول عام 2030. وهو الهدف الذي تم اعتماده والإعلان عنه في قمة المناخ الأفريقي “إعلان نيروبي“، والذي أكد أيضًا على ضرورة اتخاذ إجراءات لإزالة الكربون من الاقتصاد العالمي مع حث المجتمع الدولي على المساهمة في تحقيق رؤية القارة للتحول إلى اقتصاد قادر على مواجهة التغيرات المناخية.
وعلى المستوى الدولي؛ لدى العديد من الدول والحكومات الأفريقية خطط واستراتيجيات لقطاع الطاقة، لتوجيه سياسات الطاقة طويلة المدى وتعمل أيضًا كدليل لخطط الاستثمار قصيرة المدى في هذا القطاع. في حين أن هذه الخطط الرئيسية قد لا يتم تنسيقها دائمًا بشكل فعال مع التخطيط الوطني للمناخ، رغم أن عددًا من الدول الأفريقية حددت المساهمات الوطنية (NDCs) وفقًا للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، والتي غالبًا ما تحدد أهدافًا كمية محددة وحجم التمويل والمبادرات المستهدفة والمساعدات الفنية والمالية التي يمكن للمجتمع الدولي تقديمها في هذه المجالات.
توقعات الطاقة في أفريقيا
تم الإعلان عن مبادرة أفريقية للقارة بأكملها عام 2019،[Continental Power Systems Masterplan (CMP)]، لتحقيق أجندة أفريقيا 2063، وتكون دليلًا لانتقال الطاقة في أفريقيا، والدخول في حقبة جديدة من التطوير في البنية التحتية واستدامة قطاع الطاقة ومواجهة تغير المناخ. وبعد الزيادة المتوقعة في الطلب على الكهرباء ثلاث مرات بحلول عام 2040، من 165 جيجاوات إلى 550 جيجاوات، حسب سيناريو الخطة القارية (CMP)، من المتوقع أن تتضاعف احتياجات القدرة الإجمالية في القارة بأكثر من أربعة أضعاف من حوالي 260 جيجاوات إلى ما يقرب من 1200 جيجاوات في عام 2040. بالإضافة إلى أن الاستثمارات في الطاقة المتجددة هي إلى حد بعيد الفرصة المهيمنة من حيث التكلفة، حيث تنمو قدرة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة بأكثر من 10 أضعاف في أفريقيا في أقل من عقدين من الزمن، ومن المحتمل أن تصل إلى ما يقرب من 750 جيجاوات، أي ما يقرب من 65٪من إجمالي القدرة في عام 2040. واستمرارًا للاتجاه السائد في العقد الماضي، تقود الطاقة الشمسية وطاقة الرياح هذا النمو، ومن المتوقع أن تصبح معًا أكبر مصدر للطاقة في القارة بزيادة 20 ضعفًا عما هي الآن.
ووفقًا للخطة فهناك 10 دول أفريقية ستهيمن على أسواق الطاقة الشمسية الكهروضوئية، على رأسها ( جنوب أفريقيا- نيجيريا- مصر- ليبيا )، وكذلك الحال بالنسبة لطاقة الرياح، وتسيطر عليها مصر – نيجيريا- جنوب أفريقيا – إثيوبيا – ليبيا ). وتتركز أكبر مصادر الطاقة الكهرومائية في مناطق غرب ووسط وشرق أفريقيا. ومع هذا فإن التأكيد على وجود بنية تحتية قوية وشبكة نقل حديثة يمكن أن يزيد من فرص تجارة الكهرباء بين الدول الأفريقية المجاورة لأكثر من 10 أضعاف، ويفتح مجالات لتكامل المصادر وزيادة الاعتماد عليها.
أما بخصوص الاستثمارات المطلوبة فتقدر بنحو 1.3 تريليون دولار أمريكي، بواقع 72 مليار دولار سنويًا وصولًا لعام 2040. وعلى الرغم أن حجم الاستثمارات في الطاقة المتجددة في القارة خلال عقدين كاملين من (2000- 2020 ) بلغ 60 مليار دولار فقط. فكيف ستوفر القارة السمراء التمويل المطلوب أو حتى نصفه.
التحديات التي تواجه القارة لتحقيق طموحها الطاقوي
سيظل التحدي الأول والأهم هو التدفق المالي وتوفير التمويل الازم، في حين نمت الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة بسرعة لتصل إلى إجمالي 2.8 تريليون دولار أمريكي بين عامي ( 2000- 2020)، ذهبت 2٪ فقط من هذه الاستثمارات إلى أفريقيا، وانخفضت هذه النسبة أيضًا في عام 2021 إلى أقل من 1٪، حيث اجتذبت القارة 3 مليارات دولار أمريكي فقط من 461 مليار دولار أمريكي مستثمرة عالميًا، نتيجة الأزمات العالمية وجائحة كورونا، ولكنها سرعان ما تعافت لاحقًا لتصل إلى 12 مليار دولار خلال عام 2023، ولكنها تظل أقل كثيرًا من احتياجات وإمكانات القارة للتحول للطاقة المتجددة. ولكن المثير للاهتمام أن أربع دول تصدرن قائمة المستفيدين من الاستثمارات والتدفقات المالية في أفريقيا بواقع 75% من إجمالي الاستثمارات هي؛ مصر – كينيا – المغرب – جنوب أفريقيا.
وتأتي التحديات القائمة على تطوير البنية التحتية والشبكات وإدماج الشبكات الذكية والتحول الرقمي لاستيعاب القدرات المتجددة المضافة على أولويات الخطة الأفريقية لضمان وصول أمن وفعال للطاقة.
وأخيرًا؛ إن ما تشهده القارة الأفريقية اليوم من عقبات اقتصادية واضطرابات جيوسياسية فضلًا عن الأزمات والكوارث الطبيعية الناتجة عن تغير المناخ الذي لا دخل لها فيه، يؤكد الحاجة إلى تفعيل وتسريع العمل بصندوق الخسائر والأضرار الذي تم إقراره في قمم المناخ (COP27-COP28) ويجب مضاعفة التمويل المخصص له والمقدر بـ 100 مليار دولار والذي لم يتم جمعهم حتى الآن، لمعاونة القارة الفقيرة على تحقيق الانتقال للطاقة المتجددة، وحسن استخدام وإدارة مواردها الطبيعية المتاحة بشكل يعود بالنفع على الكوكب كله وليست الدول الأفريقية فحسب.
المصادر: