بمناسبة المفاوضات الحكومية الدولية بشأن مسألة التمثيل العادل وزيادة عضوية مجلس الأمن ومسائل أخرى ذات صلة بالمجلس، أوصى الأمين العام للأمم المتحدة بالحاجة إلى إرادة سياسية قوية لتنفيذ التوصيات التي وردت في مـيثاق المستقبل الذي يقر بأن مجلس الأمن يجب أن يعكس عالم اليوم، وليس عالم ما قبل 80 عاما، وأنه يجب إعادة بناء شرعية وفاعلية مجلس الأمن وشدد الأمين العام على أن التضامن والحلول على المستوى العالمي، مطلوبان أكثر من أي وقت مضى، حيث يواجه العالم تحديات متعددة تستدعي حلولا متعددة الأطراف. وأضاف الأمين العام انه يجب توسيع هذا المجلس وجعله أكثر تمثيلا لحقائق اليوم الجيوسياسية ويجب الاستمرار في تحسين أساليب عمل هذا المجلس لجعله أكثر شمولا وشفافية وكفاءة وديمقراطية ومساءلة.
وفي 17 ابريل 2025 قدم مندوب دولة الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة، بوصفه رئيسا لـلمفاوضات الحكومية الدولية بشأن مسألة التمثيل العادل وزيادة عضوية مجلس الأمن ومسائل أخرى ذات صلة بالمجلس، تقريرا استعرض خلاله التقدم المحرز في المفاوضات وآخر الجهود التي تبذلها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بشأن إصلاح مجلس الأمن الدولي وحدد ثلاثة إجراءات رئيسية يتضمنها ميثاق المستقبل لدفع عملية الإصلاح وهي:
أ- معالجة تحسين تمثيل المناطق والمجموعات الممثلة تمثيلا ناقصا وغير الممثلة، بما فيها آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وتكثيف الجهود للتوصل إلى اتفاق بشأن فئات العضوية.
ب- تشجيع تقديم نماذج إضافية لعملية المفاوضات بهدف تطوير نموذج موحد للإصلاح في المستقبل.
ج- تدابير مؤقتة ملموسة و اقتراح إجراءات عملية لتعزيز قدرة المجلس على صون السلام والأمن الدوليين، بما في ذلك الالتزام الكامل بالمادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بعمليات صنع القرار.
تضمنت المادة (24) من ميثاق الأمم المتحدة انه رغبة في أن يكون العمل الذي تقوم به الأمم المتحدة سريعا فعالا يعهد أعضاء الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدولي ويعمل مجلس الأمن في أداء هذه الواجبات وفقا لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها.
وكذلك تضمنت المادة (27) انه يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد وتصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه.
وتصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقا لأحكام الفصل السادس والخاص ب حل المنازعات حلا سلميا يمتنع من كان طرفا في النزاع عن التصويت.
غير أنه ومنذ تأسيس الأمم المتحدة، شكّل حق النقض (الفيتو) الممنوح للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، عاملًا رئيسيًا في إعاقة وتعطيل أداء المجلس، مما حال دون تحقيق الغاية الأساسية من إنشائه والمتمثلة في حفظ السلم والأمن الدوليين فبموجب هذا الحق يكفي اعتراض دولة واحدة من الدول دائمة العضوية لعرقلة صدور أي قرار حتى وإن حظي بتأييد غالبية الأعضاء، وهو ما يمنح هذه الدول سلطة منفردة لتعطيل مسار العمل الدولي.
وتقوم الدول الكبرى وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية بتوظيف حق الفيتو لخدمة مصالحها الاستراتيجية وحماية حلفائها، دون مراعاة لحقوق الشعوب أو احترام إرادة المجتمع الدولي.
ففي عالمنا الحالي إعطاء حق الفيتو للدول دائمة العضوية دون غيرها يعد اخلالا بمبدأ المساواة بين الدول وهو من اهم المباديء التي تقوم عليها منظمة الأمم المتحدة حيث ان استخدام تلك السلطة يؤدي في كثير من الحالات الى تعطيل قرارات هامة تمس السلم والامن الدوليين وتوقف الجرائم الدولية او الاعمال العدائية فإن استخدام حق الفيتو ما هو الا اخلال بمبدأ المساواة بين الدول المنصوص عليه بميثاق الأمم المتحدة بالمادة (2) المتضمنه ان تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها.
كما يُكرّس استخدام الفيتو بشكل انتقائي مبدأ ازدواجية المعايير في العلاقات الدولية، إذ ليس من المنطقي أن تشارك دولة كبرى تتمتع بالفيتو في إصدار قرارات ضد خصومها، بينما تعرقل صدور أي قرار ضد حلفائها، ويتجلى ذلك بوضوح في المواقف المتكررة
التي تُستخدم فيها الولايات المتحدة الأمريكية الفيتو لمنع صدور قرارات تدين ممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلي بما في ذلك العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني وقطاع غزة، وضم أجزاء من الضفة الغربية، وانتهاك اتفاقيات فض الاشتباك، والاعتداءات المتكررة على لبنان، إلى جانب مخالفة قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
في وقت تُعزز فيه الولايات المتحدة صدور قرارات دولية ضد دول أخرى مثل روسيا في حالات مماثلة ما يؤكد على الازدواجية الواضحة في تطبيق القانون الدولي داخل مجلس الأمن.
فقد استخدمت الولايات المتحدة منذ 7 أكتوبر 2023 حق الفيتو لصالح إسرائيل وضد فلسطين 6 مرات منهم ثلاث مرات ضد قرارات وقف إطلاق النار في غزة والسماح بدخول مساعدات إنسانية وفك الحصار عليها لصالح قوات الاحتلال الإسرائيلي
ومن هذه القرارات استخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو ضد قرار يوصي الجمعية العامة للأمم المتحدة بقبول دولة فلسطين عضوا في المنظمة ، الذي حال دون اعتماد مشروع القرار رغم تصويت غالبية أعضاء المجلس لصالحه مما يعكس انحيازا سياسيا يتناقض مع المباديء الأساسية للقانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها .
ونطرح هنا سؤال جوهري هل الجرائم الدولية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني والمستخدم ضدها حق الفيتو اقل جسامة او خطورة من جرائم دولية أخرى وتهدد الأمن والسلم الدوليين ام انها ازدواجية المعايير داخل أروقة مجلس الامن ؟
ففي سبيل حماية دولة الاحتلال الإسرائيلي او تمرير مشروع معين يُمارس العقاب الجماعي ضد المدنيين الفلسطينيين ويستخدم ضد قضيتهم حق الفيتو كأداة لأدامة معاناتهم
ومنع أي تدخل دولي لحمايتهم في ظل تجاهل متكرر لقرارات الشرعية الدولية ومباديء القانون الدولي.
كما ان الاستخدام المتكرر للفيتو يقوض مبدأ حسن النية في الوفاء بالالتزامات الدولية وهو ما يجب ان يحكم تصرفات كافة اشخاص القانون الدولي وقد غاب ذلك المبدأ عن ذهن الدول الكبرى نتيجة مراعاتها للأعتبارات السياسية وعلاقتها الاستراتيجية على الاعتبارات القانونية والإنسانية.
وقد أدى هذا التوجه الى إصابة مجلس الامن بعجز تام عن القيام بوظائفة الاساسية في حفظ السلم والامن حتي في حالة قطاع غزة يتحرك مجلس الامن من وازع سياسي وليس قانوني مستهدفا مصلحة فئة مسيطرة على المجلس والمجتمع الدولي مما أدى لتحويل مجلس الامن إلى مسرح صراعات بين الدول الكبرى بدلا من كونه أداة لضمان العدالة الدولية.
ومع استمرار الخلافات وتباين وجهات النظر ورفض الدول الخمس أي مقترح حول إصلاح الفيتو سواء بتوسيع نطاقه أو تقييده نظرا لما يمثله ذلك من تهديد لمصالحها وهيمنتها على النظام الدولي مما صعب كثيرا في سير تلك المفاوضات وتجميد كل مقترحات إصلاح الفيتو وكثير من مقترحات إصلاح مجلس الأمن بشكل عام ،
فكان لابد من رؤية جديدة تعكس المتغيرات الدولية وتوزيع القوى في عالم اليوم واكثر تحقيقا لمشاركة مختلف الحضارات والثقافات في صنع القرار الدولي وهو ما أدى الي المفاوضات الحكومية الدولية بشأن مسألة التمثيل العادل وزيادة عضوية مجلس الأمن ومسائل أخرى ذات صلة بالمجلس حيث بدأت الجمعية العامة هذه المفاوضات الحكومية الدولية عام 2008، ونتج عنها ميثاق المستقبل الذي تم اعتماده في سبتمبر 2024 وهو ما أوصى به الامين العام
للأمم المتحدة وشدد على أن هناك حاجة إلى إرادة سياسية قوية لتنفيذ التوصيات التي وردت في مـيثاق المستقبل، وإعادة بناء شرعية وفعالية مجلس الأمن.
ويُعد ميثاق المستقبل قوة دافعة في تعزيز التعددية الدولية واستعادة الثقة في الحوكمة العالمية، حيث يلتزام بضرورة إصلاح مجلس الامن ليصبح اكثر تمثيلا وشمولا وكفاءة ضمن ميثاق المستقبل والذي يحتوي على عدة إجراءات ومنها الاجراء (39) الذي ينص على القيام بأصلاح مجلس الامن وادراك الحاجه الملحة لجعلة اكثر تمثيلا وشمولا وشفافية وكفاءة وفاعلية وديمقراطية وخضوعا للمساءلة.
وكذلك يضع الميثاق مسألة حق النقض عنصر أساسي في اصلاح مجلس الامن و تكثيف الجهود للتواصل الي اتفاق بشأن مستقبل حق النقض بما في ذلك المناقشات التي تتناول الحد من نطاق حق النقض واستخدامه.
ان إلغاء حق الفيتو في الوقت الحاضر يعد أمرا شبه مستحيل لذلك تبقى العديد من المقترحات لضرورة الحد من استخدامه ونرى انا هناك عدة نقاط ممكن الاخذ بها للحد من غلواء حق النقض ( الفيتو) ومنها :
- جعل قبول دولة جديدة في منظمة الأمم المتحدة من المسائل الإجرائية والتي يكتفي لصدور قرار بشانها موافقة تسعة من أعضاء مجلس الأمن ايا كانوا دون اشتراط موافقة الدول دائمة العضوية مجتمعة حتي لا تقف عائق امام انضمام أي دولة لمنظمة الأمم المتحدة.
- حظر استخدام حق النقض في التصويت على ادخال المساعدات الإنسانية او التدخل الإنساني في أي نزاع لحماية المدنين.
- حظر استخدامه في حالات التدخل لمنع الجرائم الدولية والاعتداء على سيادة الدول والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان
- يقتصر استخدامه على المسائل المتعلقة بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وختاما ان الإبقاء على حق الفيتو بصيغته الحالية يعكس اختلالا في مفهوم العدالة الدولية في ظل السعي نحو نظام دولي اكثر توازنا وانصافا، فيستطيع صوت واحد ان يُجهض إرادة جماعية ، وهكذا باتت مصائر أنظمة حاكمة وشعوب معلقة في يد الفئة المسيطرة على العالم وهي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن والتي تملك حق الفيتو
حيث تستمد الشرعية من القوة لا من العدالة والحق ، وتبقى العدالة الدولية حلما مؤجلا لا واقع يُحتكم اليه.
دكتور القانون الدولي العام