يطرح استهداف المنشآت النووية في الصراع الإسرائيلي – الإيراني عدة أسئلة حول مشروعية هذه الضربات وحدود القوة في ظل قواعد القانون الدولي الإنساني؟
وكذلك هل تمثل الضربات الإسرائيلية والأمريكية ضد المنشآت النووية الإيرانية انتهاكًا لمبدأ عدم استخدام القوة المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة؟ فهل يُبرر امتلاك إيران لمنشآت نووية ضرب تلك المنشآت وخرق قواعد القانون الدولي؟
وهل يمكن اعتبار الضربات الموجهة نحو منشآت نووية في إيران جريمة عدوان؟
وهل يُمكن القبول بتطبيق انتقائي للقانون من قبل قوى عظمى؟
وما مدى إمكانية تحقيق أمن عالمي مستدام في ظل مجتمع دولي يكيل بمكيالين؟ وهو ما نحاول الإجابة عنه فيما يلي:
استهداف المنشآت النووية خلال النزاع المسلح يعد تصرفًا غير مشروع قانونيًا وأخلاقيًا، ويرتب المسئولية الدولية عن ذلك العدوان؛ إذ إن إقدام الولايات المتحدة وإسرائيل على استهداف المنشآت النووية في دولة ذات سيادة يُعد خرقًا لحظر استخدام القوة، وتهديدًا مباشرًا للسلامة الإقليمية للدولة، وكارثة عابرة للحدود، وينتهك حق إيران في السيادة على إقليمها والدفاع عنه. وبين دول تبادر في كل مناسبة إلى تأييد حظر امتلاك السلاح النووي تسارع دول أخرى إلى المبررات السياسية لحقها في استخدام وامتلاك السلاح النووي.
الاختراقات الإسرائيلية والأمريكية باستهداف المنشآت النووية للقانون الدولي:
- ينص ميثاق الأمم المتحدة في المادة ( 2/4 ) على حظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، وهي من القواعد الآمرة للقانون الدولي التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها. وهو ما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في كثير من القرارات أهمها القرار رقم (2625/1970) الذي فرض بموجبه التزامًا على عاتق الدول بالامتناع عن الأعمال الانتقامية التي تنطوي على استعمال القوة في العلاقات الدولية.
- تخترق الضربات كذلك مبدأ السيادة في القانون الدولي، وهو مبدأ حاكم لأي دولة معترف بها دوليًا ويكون لها السلطة العليا على إقليمها وممارسة سلطاتها بشكل كامل داخل حدودها بعيدًا عن أي تدخل خارجي. وتعد السيادة من أهم مقومات وجود الدولة، وأهم ما يميز الدولة عن غيرها، وهي من المبادئ الرئيسية التي تحكم المجتمع الدولي وترتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الدولة؛ فعناصر وجود الدولة (شعب – إقليم – سلطة سياسية) وهو ما تمارس عليه الدولة سيادتها في مواجهة المجتمع الدولي.
- لا ينطبق مبدأ الدفاع الشرعي المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة بالمادة (51) على حالة استهداف الولايات المتحدة للمنشآت النووية الإيرانية؛ لأن الولايات المتحدة لم تكن في حالة خطر مباشر وشيك الوقوع، كذلك لم يكن النزاع المسلح معها وإنما كان مع حليفتها إسرائيل وذلك في ظل غياب تهديد وشيك مثبت، ولم يكن الاستهداف بقرار من مجلس الأمن الدولي إعمالًا للفصل السابع من الميثاق. فتضمنت المادة (51) حق الدول أعضاء الأمم المتحدة في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة عليهم وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، كما أن إسرائيل لم تتعرض لهجوم مسلح مباشر من إيران قبيل هذه الضربات؛ مما ينفي عنها أي استناد قانوني إلى المادة 51 من الميثاق؛ مما يجعل أفعالها غير مشروعة وتشكل عدوانًا صريحًا، كذلك لم يصدر عن مجلس الأمن أي تفويض يجيز لإسرائيل أو الولايات المتحدة استخدام القوة ضد إيران، كما أن الهجمات لم تُبلغ بها الأمم المتحدة بصفتها “دفاعًا شرعيًا”؛ مما يُسقط عنها هذا الادعاء وما يعكسه ذلك من انتهاك واضح لنظام الأمن الجماعي الذي ينظمه ميثاق الأمم المتحدة.
ويعني التطور النوعي في الضربات الإسرائيلية باستهدافها مقر الأمن الداخلي للحرس الثوري والسجون وساحة رئيسية في طهران الرغبة في استهداف النظام الحاكم واستهداف الاستقرار السياسي لإيران. وهو ما حذر منه الأمين العام للأمم المتحدة في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن من أن الضربة الأمريكية للمنشآت النووية الإيرانية تمثل منعطفًا خطيرًا قد يجرّ المنطقة إلى دوامة لا تُحتمل من الانتقام المتبادل والمعاناة، ودعا إلى وقف فوري للتصعيد والعودة إلى مفاوضات جادة تضمن احترام معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لما تشكله من حجر الزاوية في السلم والأمن الدوليين، وأنه يجب على جميع الدول الأعضاء التصرف وفقًا لالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي الأخرى، مؤكدًا أن السلام لا يمكن فرضه بل يجب اختياره.
- انتهاكات قصف المنشآت النووية للقانون الدولي الانساني؛ حيث تضمنت المادة 56 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (1977) حماية الأشغال والمنشآت التي تحتوي على قوى خطرة تحظى بحماية خاصة من الهجوم ومنها محطات الطاقة النووية لأن تدميرها كليًا أو جزئيًا يؤدي إلى عواقب إنسانية كارثية وخسائر فادحة بين السكان، حتى لو كانت المنشأة تستخدم لأغراض عسكرية فتظل الحماية قائمة، ما لم تُستخدم للهجوم الفعلي. إلا في حال كان الهجوم الوسيلة الوحيدة لوقف هذا الدعم -وهو ما لا يسري على حالة المفاعلات النووية الإيرانية كونها لم تدخل في النزاع ولم تستخدم للهجوم.
وذلك ما أكده المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي بأن نظام منع الانتشار النووي الذي شكّل أساس الأمن الدولي لأكثر من نصف قرن “على المحك” وأكد أنه لا ينبغي أبدًا وقوع هجمات مسلحة على المنشآت النووية، والتي قد تؤدي إلى انبعاثات إشعاعية ذات عواقب وخيمة داخل حدود الدولة التي تعرضت للهجوم وخارجها، وحذر من أن الخطر حقيقي، فأي ضربة على المواقع النووية يمكن أن تؤدي إلى إطلاق إشعاعي هائل في جميع أنحاء المنطقة.
- قرار مجلس الأمن رقم 2231/2015 فاستهداف الولايات المتحدة للمنشآت النووية الإيرانية ينتهك القرار المتضمن إنهاء العمل بأحكام قرارات مجلس الأمن السابقة بشأن المسألة النووية الإيرانية، ووضع القيود المحددة التي تسري على جميع الدول دون استثناء.
وأكد أن إبرام خطة العمل يشكل منعطفًا رئيسًا على مسار نظره في المسألة النووية الإيرانية، والدول الأعضاء ملزمة بموجب المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها. - كذلك تضمن البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (1977) مبادئ التمييز والتناسب والضرورة العسكرية في القانون الدولي الإنساني والتي تفرض على أطراف النزاع التمييز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية، وبموجبه لا يجوز استهداف المنشآت النووية المدنية التي لا تُستخدم لأغراض عسكرية، ويعد كل ذلك هجوم عشوائي. ويأتي مبدأ التناسب ليضمن أنه حتى لو كانت هناك قيمة عسكرية ما فإن الهجوم يُعد غير قانوني إذا كانت الأضرار الجانبية بالمدنيين والبيئة مفرطة بالنسبة للمكسب العسكري. ومن شأن استهداف منشأة نووية أن يؤدي إلى تلوث إشعاعي واسع النطاق أو نزوح جماعي أو كارثة بيئية، وهو ما يجعل تطبيق هذا المبدأ أمرًا حاسمًا في التقييم القانوني لأي هجوم محتمل ويُعد الهجوم انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي.
المواقف الدولية المماثلة
قصف إسرائيل للمفاعل النووي العراقي سنة 1981؛ حيث أدانت الجمعية العامة ومجلس الأمن بالقرار رقم 487 /1981 ذلك الهجوم باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي، مؤكدين على عدم مشروعيته في ظل غياب تهديد وشيك مثبت. وأدان القرار إسرائيل على عملها العدواني المتعمد والذي يشكل انتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة وقواعد السلوك الدولي، ويشكل تصعيدًا جديدًا وخطيرًا في التهديد للسلم والأمن الدوليين؛ ووجّه تحذيرًا رسميًا إلى إسرائيل لوقف تهديداتها بشن مثل هذه الهجمات المسلحة ضد المنشآت النووية.
- كذلك فإن المعرفة المسبقة لدى الولايات المتحدة بطبيعة الهدف النووي والمشاركة في تقديم الدعم، يُرتب مسئولية قانونية كاملة، وهو ما يتأكد معه علم الولايات المتحدة الأمريكية أن الضربة تستهدف منشأة محمية بموجب القانون ومساعدتها في ذلك، فهي مسئولة دوليًا؛ حيث تضمن المادة 16 من مشروع لجنة القانون الدولي بشأن مسئولية الدول على أن: تكون الدولة مسئولة دوليًا إذا ساعدت أو شجعت دولة أخرى على ارتكاب فعل غير مشروع، وكانت تعلم بظروف هذا الفعل.
- معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية 1970: وهي تُعد حجر الزاوية في نظام منع انتشار الأسلحة النووية دوليًا وتقوم على منع الانتشار النووي، ونزع السلاح النووي، وحق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية. فالهجمات على منشآت خاضعة لتفتيش الوكالة تعرّض سلامة المواد النووية للخطر،
وقد تؤدي إلى كوارث بيئية أو إشعاعية، وهو ما يثير أيضًا مسئولية بموجب القانون الدولي الإنساني، فاستهداف منشآت مدنية نووية لدولة عضو في المعاهدة وتخضع لضمانات الوكالة يمثل انتهاكًا للحق في الاستخدام السلمي للطاقة النووية ويشكل سابقة خطيرة في تقويض نظام عدم الانتشار ذاته. وهو ما يطرح إشكالية ازدواجية المعايير كون إيران طرفًا في المعاهدة منذ عام 1970، وأبرمت اتفاقية ضمانات شاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وخضعت طواعية لنظام التفتيش، بينما إسرائيل ليست طرفًا في معاهدة ولم تخضع منشآتها النووية لأي تفتيش ومع ذلك تستهدف إسرائيل -إيران وهي دولة طرف بالمعاهدة؛ مما يُشكّل تمييزًا وازدواجية معايير غير مبررة في التطبيق وخرقًا لمبدأ المساواة بين الدول في التعامل مع إيران مقارنة بإسرائيل؛ مما يُقوض من شرعية النظام القانوني الدولي بأكمله. - جريمة عدوان: فالاستهداف الأمريكي والاسرائيلي لإيران خارج إطار مجلس الأمن وبدون مبرر دفاع شرعي حقيقي كما وضحناه سابقًا يُعد انتهاكًا صارخًا للقرار 3314 ويقع ضمن نطاق جريمة العدوان بموجب القانون الدولي؛ حيث تضمن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314 لسنة 1974 تعريف جريمة العدوان أنها استعمال القوة المسلحة بواسطة دولة ضد سيادة أو وحدة الأراضي أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى أو بأي طريقة لا تتفق مع ميثاق الأمم المتحدة. ومن أمثلة الأفعال العدوانية:
- قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه.
- قيام القوات المسلحة لدولة ما بقصف إقليم دولة أخرى بالقنابل أو استعمال دولة ما أي أسلحة ضد إقليم دولة أخرى.
- قيام دولة باستعمال قواتها المسلحة الموجودة داخل إقليم دولة أخرى بموافقة الدولة المضيفة.
- سماح دولة ما وضعت إقليمها تحت تصرف دولة أخرى بأن تستخدمه هذه الدولة الأخرى لارتكاب عمل عدواني ضد دولة ثالثة.
ونلاحظ أن القرار أكد أن قائمة الأفعال الواردة ليست حصرية، وأنه لا يجوز تبرير العدوان بذريعة الدفاع الوقائي أو الضربات الاستباقية، وهو ما تتمسك به دولة الاحتلال الإسرائيلي دائمًا عند إقدامها على أي فعل عدواني. كذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية باشتراكها المباشر في استهداف المنشآت النووية الإيرانية فذلك يجعلها شريكًا مباشرًا في ارتكاب جريمة العدوان، وهو ما يُعرف في القانون الدولي بنظرية العدوان المشترك ( shared responsibility in aggression)،
وهي نظرية طُبقت في محاكمات نورمبرج ولاحقًا في بعض أعمال المحكمة الجنائية الدولية.
- جريمة حرب وفقًا لميثاق روما الأساسي؛ حيث نصت المادة
( 8 ب /4) من ميثاق روما الأساسي 1998 أن تعمد شن هجوم مع العلم أن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات أو إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد ويكون إفراطه واضحًا بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة. فالهجوم على منشأة نووية ذات آثار إشعاعية يعد جريمة حرب بالنظر إلى أن الهجوم قد يُشكل جريمة حرب (استهداف بيئة مدنية محمية، إحداث أضرار بيئية جسيمة، تعريض
المدنيين للخطر). وهو ما يؤدي إلى تقويض جهود نزع السلاح النووي والتفتيش الدولي وجرّ المنطقة إلى دوامة صراعات لا يمكن احتواؤها قانونيًا أو سياسيًا.
وختامًا، يمكن القول إن استهداف المنشآت النووية الإيرانية سواء عبر إسرائيل أو بدعم أمريكي، لا يوجد له سند قانوني في قواعد القانون الدولي، بل يُعد انتهاكًا للمواثيق الدولية، وضربًا لمبادئ حماية المدنيين، وخرقًا لحظر استخدام القوة؛ مما يؤسس لأعمال المسئولية الدولية في مواجهة إسرائيل وأمريكا؛ حيث إن من المبادئ المستقرة في القانون الدولي أن كل إخلال يقع من أي دولة بأحد تعهداتها يستتبع الالتزام بالتعويض الملائم، وهو ما أخلت به الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في انتهاكها للسيادة الإيرانية واستهدافها للمنشآت النووية وإتيانها جرائم دولية كما وضحنا من قبل وهو ما ذهبت إليه لجنة القانون الدولي التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة في مبدأ مسئولية الدولة عن الأضرار التي تلحق بالآخرين ومؤداها الالتزام بتعويض هذه الأضرار متى كانت نتيجة أفعال منافية للالتزامات الدولية، وتعني المسئولية الدولية عمومًا وجوب تحمل الشخص تبعة عمله الإجرامي بخضوعه للجزاء المقرر لهذا الجرم في القانون وهو ما يعني إمكانية مساءلة الولايات المتحدة وإسرائيل عن ارتكابهما أفعالًا تشكل انتهاكًا للأعراف الدولية ولأحكام القانون الدولي الجنائي والقانون الدولي الإنساني، فعناصر قيام المسئولية الدولية تجاههما موجودة وهي:
الفعل الدولي غير المشروع: وهو مخالفة قاعدة قانونية دولية أيًا كان مصدرها سواء اتفاق أو عرف أو مبادئ القانون التي أقرتها الدول المتمدينة وهو المتمثل في ضرب الأراضي الإيرانية واستهداف المنشآت النووية بها؛ مما يمثل جريمة عدوان.
نسبة الفعل لشخص دولي: وتسأل الدولة في جميع الأحوال عن تصرفات سلطاتها والشخص الدولي هنا هي دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية.
الضرر: وهو العنصر الجوهري من عناصر المسئولية الدولية فلا تثار المسئولية الدولية ما لم يتوفر عنصر الإضرار بالغير.
واشتراط تحقق الضرر لقيام المسئولية الدولية أمر منطقي؛ لأن الضرر الذي أصاب دولة إيران هو مناط طلب تحريك المسئولية الدولية تجاه إسرائيل، فالضرر يعد هو الشرط الذي يتيح للدولة أن تحرك الدعوى وتطالب الدول الأخرى بالتعويض لإصلاح ما أصابها من أضرار.
ويترتب على إسناد المسئولية الدولية لأحد أشخاص القانون الدولي عدة آثار من أهمها توقيع الجزاء الدولي المناسب على من يقع في حقه المسئولية الدولية وقد يكون ذلك الجزاء الدولي ذات طابع مدني مثل التعويض عن الأضرار التي لحقت بدولة إيران من جراء العداون عليها.
وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات قانونية تتعلق بالالتزامات الدولية وحدود تسوية النزاعات بين أطراف المجتمع الدولي، وتبرز أهمية التمسك بالمؤسسات القضائية الدولية، وعلى رأسها محكمة العدل الدولية كإطار حضاري وشرعي لمعالجة الخلافات؛ مما يطرح تساؤلًا جوهريًا؛ هل تتجه إيران إلى رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية على خلفية الاستهداف الأمريكي الإسرائيلي لمنشآتها النووية؟
فالنزاع الإسرائيلي الإيراني في الأصل هو نزاع سياسي ويندرج النزاع السياسي تحت اختصاصات مجلس الأمن وهو ما يؤكد استحالة صدور قرار من مجلس الأمن يدين العدوان الإسرائيلي – الأمريكي على إيران كون الولايات المتحدة عضوًا دائمًا بمجلس الأمن وصاحبة لحق الفيتو.
إلا أن النزاع لا يقتصر على أبعاده السياسية، بل يتضمن جوانب قانونية تتعلق بسيادة الدول، واستخدام القوة وحماية المنشآت ذات الطابع المدني بموجب القانون الدولي الإنساني.
مما يؤكد أن النزاع لا يُعد أساسيًا فقط، بل هو نزاع متعدد الأبعاد.
وقد سبق للمحكمة أن أكدت في أحكامها أن وجود عناصر سياسية في النزاع لا يمنعها من ممارسة اختصاصها طالما وُجدت مسائل قانونية موضوعية تستدعي الفصل القضائي.
وما لم يرتبط النظام الدولي بمبدأ المساواة في تطبيق القانون، فإن هذا النهج الانتقائي يقوّض مشروعية النظام القانوني الدولي، ويُعيد إنتاج ممارسات العدالة الانتقائية، ويضرب بمبدأ المساواة في السيادة عرض الحائط؛ مما يفقد القواعد الدولية شرعيتها ويضعف الثقه فيها ويعزز فكرة أن القانون لا يطبق حسب العدالة وإنما يطبق حسب القوة والنفوذ الدولي؛ فهذه الضربات لا تعكس سوى منطق القوة لا قوة القانون حين تصبح القواعد الدولية تطبق بالمزاج وليس العدل.
دكتور القانون الدولي العام