يشهد المجتمع المصري في الآونة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا لظاهرة “التسول الإلكتروني” عبر منصات التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها منصة “تيك توك”، التي تجاوزت دورها الترفيهي التقليدي لتتحول إلى قناة للكسب غير المشروع والاستغلال الرقمي. ويعزز من انتشار هذه الظاهرة اتساع قاعدة مستخدمي المنصة التي تجاوزت 41 مليون مستخدم في عام 2025، إلى جانب تصاعد ثقافة “الثراء السريع” التي تروّج لها بصورة ضمنية، بما يحد من جهود الدولة في ترسيخ نماذج علمية ومهنية قائمة على الاجتهاد والمعرفة، فضلًا عن انعكاساتها السلبية على الصورة الذهنية لمصر خارجيًا. ويتزامن ذلك مع حملة حكومية لمواجهة الاستخدامات غير المشروعة على منصات التواصل، والتي شهدت ضبط عدد من مقدمي المحتوى على منصة التيك توك بتهم تتراوح بين خدش الحياء العام وغسل الأموال.
وفي هذا السياق، يبرز مفهوم “التسول الإلكتروني” أو ما يُعرف بـ “E-Begging”، باعتباره سلوكًا يقوم خلاله الأفراد بطلب الدعم المالي عبر منصات رقمية مثل وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع التمويل الجماعي وتطبيقات المراسلة المباشرة. وعلى خلاف التسول التقليدي الذي يتم في الأماكن العامة، فإن التسول الإلكتروني يندمج في البيئة الرقمية بما يتيح وصولًا أوسع وأكثر فورية إلى المتبرعين المحتملين، وهو ما يمنحه سمات مختلفة تتطلب دراسة معمقة لأبعاده الاجتماعية والنفسية والتكنولوجية. ومن هنا، يسعى التقرير إلى تحليل هذه الظاهرة وفهم السياقات الاقتصادية والثقافية التي أسهمت في انتشارها، بالإضافة إلى استعراض الاستراتيجيات التي يوظفها الأفراد لتوظيف المنصات الرقمية كوسيلة للتسول المعاصر.
أولًا: حجم استخدام منصة تيك توك في مصر
شهد عدد مستخدمي منصة “تيك توك” في مصر نموًا متسارعًا بين عامي 2020 و2025؛ حيث تحولت المنصة من تطبيق ترفيهي محدود الاستخدام إلى واحدة من أكثر منصات التواصل الاجتماعي تأثيرًا وانتشارًا، خاصة بين الفئات العمرية الشابة. ففي عام 2020، وبالتزامن مع جائحة كوفيد-19 وفترات الإغلاق العام، ارتفعت معدلات استخدام المنصة في مصر بنسبة تجاوزت 194% وفقًا لتقارير الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، دون أن تتوفر حينها أرقام دقيقة عن عدد المستخدمين. وبحلول عام 2021، قدَرت بعض الدراسات عدد المستخدمين بما يتراوح بين 15 إلى 18 مليون مستخدم فوق 18 عامًا.
ثم واصل العدد ارتفاعه ليصل في بداية عام 2022 إلى نحو 23.7 مليون مستخدم، بزيادة ملحوظة عن الأعوام السابقة. وفي بداية عام 2024، سجلت منصة “تيك توك” في مصر 32.94 مليون مستخدم فوق سن 18 عامًا؛ مما يعكس معدل نمو سنوي يناهز 38.8% مقارنة بالعام السابق، في حين بلغ عدد المستخدمين في بداية عام 2025 نحو 41.3 مليون مستخدم، بنسبة نمو بلغت 25.4% خلال عام واحد فقط. هذا النمو اللافت في حجم الجمهور المصري على “تيك توك” يعكس حجم التأثير المتزايد للمنصة على القيم والسلوكيات، ويؤشر إلى الحاجة لمراجعة سياسات التنظيم والمحتوى بما يتلاءم مع هذا الواقع الرقمي المتغير.

شكل رقم (1) من اعداد الباحثة استنادا إلى موقع DataReportal – Global Digital Insights.
ثانيًا: أسباب انتشار التسول الإلكتروني على منصة تيك توك
أصبحت منصة تيك توك بجانب كونها منصة ترفيهية، هي أيضًا واجهة اقتصادية بديلة للفئات الهشة والمهمشة، أو حتى لأولئك الذين يرغبون في تحقيق “الثراء السريع” دون الالتزام بمعايير العمل التقليدي أو الضوابط الأخلاقية، ويُعزى تصاعد هذه الظاهرة إلى التقاء عدة عوامل منها ما يلي:
- اتساع قاعدة المستخدمين: يُعَدُّ اتساع قاعدة المستخدمين في مصر، أحد أهم العوامل التي أسهمت في انتشار المحتوى الهابط، وعلى رأسه التسول الرقمي. فكلما زاد حجم المشاهدة، زادت فرص الاستغلال عبر محتوى قائم على العاطفة والإثارة، في ظل غياب الرقابة الذاتية أو التوجيه القيمي المنضبط.
- استخدام خواريزمات تعتمد على فهم المستخدم: اعتمدت منصة تيك توك على بناء خواريزمات تستند إلى إشارات الاهتمام باستخدام صيغة الفيديو القصير لتقوم بتتبع التغيرات في تفضيلات المستخدمين واهتماماتهم بمرور الوقت، بدقة متناهية. كذلك تعمل منصة تيك توك من خلال تلك الخوارزميات على التفاعل لتُعطي الأولوية للمحتوى ذي التأثير العاطفي. ونتيجةً لذلك، تكتسب سرديات المعاناة أو الضعف -عند صياغتها بشكل صحيح- ميزةً خوارزمية؛ مما يزيد من فرص الحصول على الدعم المالي.
- الرغبة في الشهرة والثراء السريع: يمثل الشباب والمراهقين غالبية متابعي منصة تيك توك والذين يسعون في المقام الأول إلى تحقيق الشهرة والثراء السريع في ظل الافتقار لوجود نموذج وقدوة مجتمعية لجيلهم.
- انهيار منظومة العمل التقليدي: على الرغم من انخفاض معدل البطالة ووصول أدنى مستوياته عام 2025 إلى 6.3%، فإن اللجوء لتلك المنصات كبديل رقمي للعمل يشير إلى وجود خلل في منظومة العمل التقليدي التي تتسم بضعف الدخل وطول ساعات العمل في مقابل عمل آخر سهل بأرباح طائلة؛ مما يضع الدولة أمام تحديات حادة في الحفاظ على كوادرها الحقيقية المهنية.
ثالثًا: استراتيجيات التسول عن طريق البث المباشر لتطبيق تيك توك
يفهم باستراتيجيات التسول الالكتروني أنها ” الأساليب والتقنيات التي يستخدمها الأفراد والجماعات عبر الإنترنت للحصول على الأموال، وتستخدم هذه الاستراتيجيات مجموعة من الأساليب المقنعة والعاطفية لاستدرار عطف المتابعين ودفعهم إلى الاستجابة الإيجابية بتوجيه الدعم المالي ومن أهم تلك الاستراتيجيات ما يلي:
- التسول من خلال جولات التحدي: هي استراتيجية للتسول تتوارى خلف فكرة “السباق أو التحدي بين اثنين أو أكثر من أصحاب الحسابات”، تتضمن تلك الجولات ” عبارات سب المتنافسين بعضهم لبعض – مدح الداعمين لحثهم على الدفع أو إرسال الهدايا”؛ لذلك يسعى المتنافسون خلال الجولة إلى لفت الانتباه من خلال بث مشاهد غريبة – خادشة – مزعجة، تضر احترامهم لذاتهم وتتجاهل مصالح الجمهور لرفع نسبة المشاهدة للجولة وحصد أكبر عدد من الهدايا الرقمية التي تتحول فيما بعد لنقود.
شكل (2) أمثلة لجولات التحدي على منصة تيك توك
- استغلال كبار السن والأطفال لجمع المكاسب المادية: استخدام كبار السن والأطفال خلال البث المباشر لاستجداء المتابعين لإرسال مساعدات مالية لتحسين مستوى معيشتهم مستخدمين ” عبارات الاستجداء المهينة- النحب والبكاء- انتقاد الدولة أحيانًا والتمجيد في الجنسيات الأخرى لانتشالهم من الفقر المدقع.
- استخدام “الإشارات والمشاهد الإباحية الخادشة للحياء: وهي أبرز استراتيجيات التسول الإلكتروني المنتشرة على منصة تيك توك، بهدف جذب التبرعات عبر البث المباشر؛ حيث يلجأ بعض المستخدمين إلى تقديم محتوى يوحي بالإغراء أو يحمل إشارات جنسية مبطنة؛ مما يدفع المتابعين للتفاعل المادي تحت غطاء الهدايا الرقمية. وتُعد هذه الممارسات أحد مظاهر التفكك القيمي التي تُهدد البنية الأخلاقية للمجتمع، خاصة مع انتشار هذا النوع من المحتوى بين الفئات العمرية الصغيرة التي لا تمتلك مناعة ثقافية كافية للتمييز بين المحتوى الترفيهي والاستغلالي.
رابعًا: آثار استخدام التيك توك كمنصة للتسول الإلكتروني
- تشويه صورة المجتمع: تشويه الصورة الذهنية للمجتمع المصري على المستويين الداخلي والخارجي. فالمحتوى المنتشر عبر منصات مثل “تيك توك”، والذي يعتمد على استجداء العطف أو افتعال مشاهد الفقر والمرض والعوز بهدف جمع الأموال أو حصد التفاعل، يُسهم في تصدير صورة سلبية عن الدولة المصرية، توحي بانهيار منظومة القيم، وانتشار الفقر المدقع، وغياب مؤسسات الرعاية. مما يُكرّس انطباعات مشوّهة عن الواقع المصري، تمس هيبة المجتمع وتهدد صورته بين الشعوب الأخرى. وتكمن خطورة هذا التشويه في أنه لا يصدر فقط عن خصوم الدولة، بل يُعاد إنتاجه من الداخل، بأدوات رقمية شعبية، وتحت غطاء “الترفيه” أو “الحياة الواقعية.
- تفريغ الدولة من الكوادر: تؤدي هيمنة ثقافة “النجاح السهل” و”الثراء السريع” التي تروّج لها المنصة، إلى خلخلة القيم الاجتماعية المرتبطة بالتحصيل العلمي والاجتهاد المهني. فعندما يُقدَّم صانعو المحتوى الترفيهي كمصدر للثروة والشهرة دون مجهود معرفي حقيقي، تتراجع مكانة التعليم والعمل المنظم في نظر الشباب، وتفقد الدولة تدريجيًا كوادرها المؤهلة لصالح موجة من “الوظائف الرقمية الهشة”. وتُشكّل هذه الظاهرة تهديدًا طويل الأمد للتنمية البشرية، وتستلزم تدخلًا سريعًا لإعادة ضبط التوازن بين قيم العمل الحقيقي وقيم التسلية.
- الكسب غير المشروع والأفعال المنافية للآداب: حذرت هيئة الرقابة المالية في المملكة المتحدة بشأن استخدام التطبيق كمنصة للعملات المشفرة غير مرخصة. حيث تتيح المنصة لمستخدميها الانخراط –بشكل مباشر أو غير مباشر– في عمليات قد تُستغل في غسل الأموال، وذلك من خلال آلية عملتها الافتراضية التي يمكن تحويلها إلى أموال حقيقية. وفي المجمل تفتقر المنصة إلى الضوابط الرقابية الصارمة التي تحول دون استخدام هذا النظام في أنشطة مالية غير مشروعة.
ويُعد برنامج المكافآت الذي تقدمه المنصة إحدى أبرز الثغرات المحتملة؛ حيث يُمكن للمستخدمين شراء عملات افتراضية ثم تقديمها كهدايا رقمية لمُنشئي المحتوى خلال البث المباشر. وتتحوّل هذه الهدايا لاحقًا إلى ما يُعرف بـ”الماس”، وهو رصيد يمكن استبداله بأموال نقدية عبر شركات خدمات مالية، دون المرور في كثير من الأحيان بإجراءات تحقق شفافة أو خاضعة لرقابة حكومية فاعلة.
شكل رقم (3) هدايا منصة تيك توك وما يقابل قيمتها المادية
- الاستغلال الجنسي للأطفال: رفعت ولاية يوتا الأمريكية في عام 2024 دعوى قضائية على منصة تيك توك متهمة الشركة بالتربح من استغلال الأطفال جنسيًا عبر خاصية البث المباشر واستخدام المنصة في عمليات أخرى مثل بيع المخدرات وغسيل الأموال وتمويل الجماعات الإرهابية.
كما أجرت منصة TikTok تحقيقين داخليين مهمين Project Meramec وProject Jupiter نتج عنهما اكتشاف أن خاصية TikTok Live تُستخدم في غسل الأموال واستغلال الأطفال بغرض الأرباح الرقمية. حيث تم استخدام نظام الهدايا الافتراضية (Coins/Diamonds) من قِبل مجموعات إجرامية لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، بينما استُستثمر محتوى القُصّر لتعزيز تفاعل المنصة وتحقيق أرباح مباشرة. ومع ذلك، لم تُطبّق المنصة إجراءات رقابية كافية؛ مما يفتح الباب للاستغلال المالي غير المشروع.
- التأثير على تبرعات الجمعيات الخيرية: كشفت هيئة التحقيق في الجرائم المالية (MASAK) بتركيا أن حوالي 82 مليون دولار أمريكي (1.5 مليار ليرة تركية) قد حُوِّلت إلى مستخدمي تيك توك في تركيا منذ يناير 2021؛ مما أثار شكوكًا في القطاعين المالي والأمني. بيّنت الهيئة أيضًا أن جزءًا من هذه الأموال نُقلت باستخدام معلومات مالية مسروقة، غالبًا عبر بث مباشر أو ما يُعرف بـ “تبرعات رقمية” تظهر بمظهر بريء لكنها تفتقر إلى الشفافية.
وتبرز خطورة هذه التبرعات الخارجة عن نطاقها المعتاد في كونها تُقوّض الثقة المجتمعية في مفهوم التبرع نفسه؛ إذ يمكن أن تُزاحم التبرعات الشرعية المخصصة للجمعيات والمؤسسات الخيرية ذات الطابع القانوني والإنساني. وفي ظل محدودية موارد هذه المؤسسات، فإن تحويل شريحة من الجمهور إلى نماذج تبرع غير موثوقة أو لا تخضع لأي رقابة، يُهدد بنية العمل الخيري، ويجعل الفضاء الرقمي أداة لتفتيت ثقافة التبرع المؤسسي الذي يُعد إحدى ركائز التضامن الاجتماعي الحقيقي.
خامسًا: التسول الإلكتروني في القانون المصري “أوجه القصور”
تناول القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات تضمن مواد تتناول الاحتيال الإلكتروني (وتحديدًا المادة 23 التي تُعاقب على استخدام الشبكة المعلوماتية في الوصول بدون وجه حق إلى أرقام أو بيانات تستخدم في الحصول على أموال الغير، إلا أن القانون لم يتناول بشكل صريح أو مباشر ظاهرة التسول الإلكتروني، ولم يضع لها تعريفًا قانونيًا أو إطارًا تشريعيًا مستقلًا.
ويُمثل هذا الغياب التشريعي تحديًا حقيقيًا أمام جهات إنفاذ القانون؛ حيث إن التسول الرقمي –وإن تضمن في بعض الأحيان تحايلًا أو خداعًا– لا يُدرج بالضرورة تحت بند الاحتيال التقليدي، خصوصًا إذا لم يكن هناك تزوير مباشر أو انتحال صريح، بل مجرد استدرار للعاطفة أو طلب للتبرعات دون وجود تنظيم قانوني واضح يحدد ماهية الجريمة وحدودها.
وبالتالي، تظل الممارسات الرقمية المتعلقة بالاستجداء العاطفي أو طلب الأموال خارج نطاق المساءلة القانونية في كثير من الحالات، ما لم تُقترن بأركان جنائية أخرى( كالاحتيال، أو انتحال صفة، أو انتهاك حرمة الحياة الخاصة) .وهذا الواقع يفرض ضرورة إعادة النظر في المنظومة التشريعية الرقمية، وسد الفجوة القانونية عبر سنّ مادة صريحة تُجرّم التسول الإلكتروني، أو تضمين الظاهرة في نصوص قائمة بتعريف دقيق يضمن عدم استغلال الثغرات القانونية للإفلات من العقاب.
أيضًا، تنص المادة (25) من القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات على معاقبة كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تتجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ورغم أهمية المادة في التصدي لبعض الانحرافات السلوكية في الفضاء الرقمي، فإن صياغتها تثير عددًا من الإشكاليات القانونية والعملية، في مقدمتها الطابع الفضفاض وغير المحدد لعبارات مثل “المبادئ” و”القيم الأسرية”، وهي مفاهيم نسبية تختلف باختلاف السياق الاجتماعي والثقافي، بل وتخضع في كثير من الأحيان للأهواء الشخصية والتقديرات الفردية.
هذا الغموض في الصياغة يُضعف من فاعلية المادة؛ إذ يُصعّب على جهات التقاضي والإنفاذ تقديم تعريف دقيق وموضوعي للانتهاك، ويفتح المجال أمام المحامين لاستغلال هذه الثغرات القانونية لإسقاط الاتهام عن المتهمين. وهو ما أدى، في كثير من الحالات، إلى غياب العقوبة أو انتفاء الجريمة أصلًا لعدم توفر معيار قانوني محدد للقياس.
وبالتالي، فإن المادة بصيغتها الحالية قد تفقد جزءًا كبيرًا من جدواها في تحقيق الردع المطلوب؛ مما يستوجب إعادة النظر فيها تشريعيًا، من خلال صياغة أكثر دقة وتحديدًا للمفاهيم، أو عبر ربطها بمعايير مجتمعية واضحة أو قواعد سلوك رقمي منصوص عليها مسبقًا في اللوائح المنظمة.
أخيرًا، رغم ما تطرحه ظاهرة التسول الإلكتروني عبر منصة “تيك توك” من تحديات أمنية وأخلاقية واقتصادية، يظل الحظر الكلي للتطبيق داخل الدولة محدود الجدوى؛ نظرًا للطبيعة العابرة للحدود للفضاء الرقمي، وسهولة الوصول إلى المنصات بوسائل تقنية بديلة، وهو ما يقلل أثر الحجب، بل قد يدفع المحتوى المخالف إلى منصات أخرى أكثر غموضًا وأقل خضوعًا للرقابة. ومن ثم، فإن التعامل مع الظاهرة يتطلب نهجًا أكثر شمولية وعمقًا، يقوم على الجمع بين الحلول التقنية والتشريعية والمجتمعية، لضمان معالجة جذورها بدل الاكتفاء بمواجهة مظاهرها. ويشمل ذلك تفعيل الإشراف المحلي عبر وجود مكاتب أو ممثلين للمنصة داخل الدولة بما يتيح آليات مباشرة لحذف المحتوى المخالف، ودمج أدوات الرقابة الأبوية على نطاق واسع لتمكين الأهالي من متابعة وحماية أبنائهم رقميًا، إضافة إلى تطوير التشريعات لتعريف الممارسات المستحدثة مثل التسول الرقمي وفرض عقوبات واضحة تردع المتورطين في الاستغلال الإلكتروني للفئات الهشة.
كما يقتضي النهج الشامل إطلاق حملات توعية موجهة تستهدف مختلف الفئات العمرية لرفع الوعي بمخاطر الظاهرة، وتشجيع ثقافة الإبلاغ عن المحتوى الضار بدل التفاعل معه أو دعمه، بالتوازي مع تعزيز المحتوى الإيجابي والنماذج الملهمة. إن الجمع بين هذه الجهود، إلى جانب إعادة صياغة الأطر القانونية بما يواكب التحولات السريعة في المشهد الرقمي، هو السبيل الأمثل لتحقيق التوازن بين حرية الاستخدام وحماية المجتمع من الممارسات الضارة، ووضع أساس متين لمواجهة الظواهر المستحدثة في الفضاء الرقمي.
المراجع:
- حمدان، إلهام سيد السايح. 2024. “ظاهرة التسول الإلكتروني من خلال البث المباشر عبر تطبيق TikTok من وجهة نظر مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في المجتمع المصري “دراسة اثنوغرافية “.” المجلة المصرية لبحوث الأعلام 2024 (89): 393–428.
- المدونة الرسمية التابعة لـ وزارة التجارة في ولاية يوتا (Utah Department of Commerce) في الولايات المتحدة
- الجريدة الرسمية، العدد 32 مكرر (ج) في 14 أغسطس 2018.
- Arab Finance – TikTok: A Catapult for Egypt’s Business.” 2025. Arab Finance. 2025.
- Digital 2025: Egypt — DataReportal – Global Digital Insights. 2025. “DataReportal – Global Digital Insights.” DataReportal – Global Digital Insights. March 3, 2025.
- Lan, Duong Hoai, and Tran Minh Tung. 2024. “Exploring Fake News Awareness and Trust in the Age of Social Media among University Student TikTok Users.” Cogent Social Sciences 10 (1): 1–24.
- Ye, Josh. 2024. “Explainer: What Is so Special about TikTok’s Technology.” Reuters. April 26, 2024
- “UK Probes TikTok for Allegedly Running Unlicensed Crypto Exchange.” 2024. Bitcoinist.com. October 17, 2024.
- Kerr, Dara. 2025. “TikTok Knew Its Livestreaming Feature Allowed Child Exploitation, State Lawsuit Alleges.” The Guardian. The Guardian. January 4, 2025.
- Özgür Kurucuk. 2024. “Turkey Takes Action against TikTok: Uncovering a $82 Million Money Laundering Scheme.” Kurucuk & Associates. Kurucuk & Associates. November 15, 2024.