تتمتع بورصات السلع المنظمة بتاريخ طويل؛ فقد بدأ تجار الحبوب في اليابان بتجربة الفكرة في عام 1730 ثم بدأ مجلس شيكاغو للتجارة (“CBOT”) وتم إطلاق بورصة لندن للمعادن (“LME”) كأحد تبعات الثورة الصناعية ما بين عامي 1864 و1877 على التوالي، ثم نما دورهم وتأثيرهم، ولكن ظلوا مركزين إلى حد كبير في الدول الصناعية حتى أواخر الثمانينيات، ومع بداية التسعينيات ومع تحرير أسواق تجارة السلع وسهولة نقل وتوطين التكنولوجيا المالية بالدول النامية، بدأت بورصات السلع الاستراتيجية في الانتشار في جميع أنحاء العالم.
بحلول عام 2005، شكلت البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أكثر من 50٪ من العقود الآجلة والخيارات الزراعية المتداولة في العالم؛ والآن تقع غالبية بورصات السلع في العالم خارج أمريكا الشمالية وأوروبا.
تعد بورصات تبادل السلع بمثابة منصة لتنظيم لقاء المشترين والبائعين للسلع؛ وتهدف في المقام الأول لإدارة مخاطر الأسعار بشكل أفضل، وأيضاً لتحسين عمليات تسويق المنتجات. كما تتضمن العديد من المزايا التنموية تتمثل في جعل الاقتصادات أكثر شمولاً، وتساهم في تعزيز الروابط بين الزراعة والتمويل، وجعل قطاع السلع أكثر كفاءة وتنافسية. هذا وتتنوع اشكال بورصة السلع حول العالم، قد تشمل السلع الزراعية والمعادن النفيسة مثل بورصة الذهب في دبي، كما يعتبر النفط الخام والذرة والقمح والقطن أحد تلك الأشكال.
طريقة التداول بدخل بورصات السلع
في عام 1851، أدت تجارة الحبوب المزدهرة إلى قيام مجلس شيكاغو للتجارة (CBOT) باستحداث ما يعرف بالعقود الآجلة؛ فقد كان المزارعون يجلبون محاصيلهم إلى شيكاغو لتخزينها قبل شحنها إلى الساحل الشرقي. وقد يحدث تغير في أسعار الحبوب أثناء التخزين نتيجة لتتدهور جودة الحبوب المخزنة، أو قد يزداد الطلب أو ينقص. بما دفع مجلس شيكاغو للتجارة استحداث عقود يتم بمقتضاها تثبيت أسعار المعاملات، وفيما يلي نبذة أنواع العقود:
أولا: العقود الآجلة؛ تسمح للمشترين والبائعين بتثبيت أسعار المعاملات قبل التسليم، وفي مقابل هذا الالتزام سيحصل البائع على دفعة مقدمة مقابل الحبوب. وجدير بالإشارة أنهم يتداولون في سوق خارج البورصة (OTC)، مما يعني أن العقود يتم التفاوض عليها بشكل خاص بين طرفين. يواجه المشتري مخاطر تتمثل في أن البائع قد يتخلف عن تنفيذ العقد ويفشل في تسليم الأصل.
ثانيا: أسواق العقود الآجلة؛ مع بدء المزيد من المزارعين في تسليم حبوبهم إلى المستودعات في شيكاغو، أدرك المشترون والبائعون أن العقود الآجلة المخصصة كانت مرهقة وغير فعالة. علاوة على ذلك، فقد عرّضوا المشتري لخطر تقصير البائع. لذا قامت مجموعة من الوسطاء بتبسيط العملية من خلال إنشاء عقود موحدة متطابقة من حيث: كمية ونوعية الأصل الذي يتم تسليمه وقت التسليم شروط التسليم، كما قاموا بإنشاء غرفة مقاصة مركزية للعمل كطرف وسيط بين كلا الطرفين، مما يقضي على مخاطر التخلف عن السداد في العقود الآجلة. في عام 1848، أنشأوا مجلس شيكاغو للتجارة (CBOT) لتداول هذه العقود، والتي أصبحت تعرف باسم العقود الآجلة.
تاريخ بورصة السلع في مصر
كانت مصر موطناً لواحدة من أهم بورصات السلع الأولى في العالم في الإسكندرية منذ أكثر من 150 عاماً، فقد تمت أول صفقة قطن مسجلة محلياً في عام 1865 ومع نمو الاعمال تم إنشاء جمعية الإسكندرية العامة للمنتجات أو AGPA لغرض التجارة في القطن وبذور القطن والحبوب في الأسواق الفورية والمستقبلية.
وفي عام 1899، في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، انتقلت AGPA إلى مبنى جديد مهيب يسمى البورصة تقع في ميدان محمد علي، وسرعان ما أصبحت بورصة الإسكندرية أحد معالم المدينة التي ظهرت على البطاقات البريدية والكتب وأدلة المدينة.
في عام 1909 تم تقنين العقود الآجلة للقطن لتتزامن مع تعافي مصر من الركود الاقتصادي الهائل الناجم عن الانهيار المالي عام 1907 عندما انهارت المؤسسات المصرفية والعقارية بسبب المضاربات المفرطة. وقد كان مديرو بورصة الإسكندرية خليطاً متفاوتاً من المصريين والأجانب.
وقد خرجت من العمل في الستينيات كنتيجة لحركة التأميم ووضع التجارة الزراعية في رعاية الدولة من خلال سلسلة من قوانين الإصلاح الزراعي في الخمسينيات من القرن الماضي. ثم تحول القطاع الزراعي إلى حيازات صغيرة وتعاونيات بيروقراطية.
إطلاق بورصة السلع المصرية عام 2022
تم إعادة إحياء بورصة السلع المصرية بموجب قرار رئيس الوزراء المصري في يناير 2020 وتم بدء العمل الفعلي في نوفمبر لعام 2022، لتخلق سوق منظم لتداول السلع الحاضرة القابلة للتخزين وآلية هامة للتسعير من خلال تفاعل قوى العرض والطلب، مما يساهم في تنظيم وزيادة فعالية التجارة الداخلية في مصر.
تهدف البورصة المصرية للسلع أن تكون منصة التداول الالكترونية لمختلف السلع وتستهدف الحكومة تداول سلع زراعية ومعادن وبتروكيماويات ببورصة للسلع تدريجيا، وبدأ نشاطها بالقمح، وتعمل على إضافة تداول الأرز والقطن، وبالتالي تكون سوق جاذب لشرائح كبيرة من التجار والمستثمرين، مما يوفر سوقاً مصرياً ينافس البورصات الإقليمية والعالمية.
المزايا المترتبة على نشأة بورصة السلع
قامت دراسة أجراها الأونكتاد بتقييم مجموعة واسعة من الآثار المحتملة للتبادلات الجديدة في البرازيل والصين والهند وماليزيا وجنوب إفريقيا، في مجالات تحديد الأسعار، إدارة مخاطر الأسعار وتسهيل التجارة المادية، وخفض تكاليف المعاملات، وفيما يلي أبرز المزايا الاقتصادية المترتبة على وجود بورصة السلع:
- الشفافية والكفاءة: حيث توفر البورصة منصة تداول أي أرضية عادلة حيث يجتمع كلا من المشترين والبائعين. وتسمح للمشاركين بالكشف عن الأسعار بشفافية ومقايضتها على الفور، مما يخلق أسواقاً أكثر كفاءة.
- التوحيد القياسي: توفر البورصة عقوداً قياسية لتحديد شروط التبادل؛ وهي: (الكمية، موقع التسليم، وقت التسليم، …).
- توفير السيولة: بدون تبادل السلع، سيفتقر المنتجون والموردون إلى السيولة لشراء وبيع السلع الخام. هذا من شأنه أن يزيد من تقلبات السلع ويخلق تقلبات غير ضرورية في الأسعار للعناصر اليومية.
- خفض تكلفة المبادلات: حيث تتم عبر وكالات ضمان مخاطر والتي تضمن تنفيذ عملية التبادل بصورة منضبطة.
وختامًا، يمكن القول إن إنشاء بورصة السلع المصرية من شأنه أن يسهم في تقليل حلقات تداول السلع بين المزارعين والمنتجين، ويتمكن البائع سواء كان مزارعًا أو تاجرًا أو منتجًا من إيداع السلع داخل المخازن المعتمدة من قبل وزارة التموين بعد تصنيفها، وإعطاء درجة لجودتها ليتم تداولها مباشرة على المنصة الإلكترونية للبورصة، مما سينعكس بشكل إيجابي على أسعار السلع والمنتجات.