تعد مصر واحدة من أكثر الدول السياحية جاذبية في العالم، حيث تشتهر بتاريخها الغني وثقافتها الفريدة ومناظرها الطبيعية الخلابة. ومع ذلك، فإن تعزيز السياحة في مصر ليس مهمة سهلة، خاصة بعد انتهاء عمليات الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19 والتي أثرت بشكل كبير على صناعة السياحة في جميع أنحاء العالم. وفي هذا السياق توقعت وكالة “فيتش سوليوشنز” الأمريكية أن تستمر حالة الانتعاش التي يشهدها قطاع السياحة في مصر.
فقد أشار تقرير لوكالة فيتش إلى نمو عدد السياح الوافدين بنسبة 117.5٪ في عام 2021 على أساس سنوي ليصل إلى 8 ملايين سائح مقابل 3.7 ملايين سائح عام 2020، مع استمرار تدفق الوفود السياحية خلال عام 2023 لمستويات أعلى مما كانت عليه قبل جائحة كوفيد-19 في عام 2019، نتيجة الاستفادة من الطلب على السفر المكبوت بعد عمليات الإغلاق وانتهاء ذروة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية.
وتوقّعت الوكالة زيادة أعداد الوافدين إلى مصر بنسبة 11.6٪ على أساس سنوي مع وصول أعداد الوافدين إلى 13.1 مليون في عام 2023 مقابل 11.7 مليون وافد في عام 2022، بما ينعكس على الإيرادات السياحية، التي من المتوقع ارتفاعها لنحو 14.4 مليار دولار مقابل 13 مليار دولار خلال الفترة نفسها.
كما تشير توقعات وكالة فيتش المستقبلية لاستمرار زيادة السياح الوافدين إلى مصر على المدى المتوسط خلال الفترة (2023 – 2027) لتصل إلى 15.2 مليون وافد، وذلك بمعدل نمو سنوي يبلغ 5.4٪ في المتوسط على أساس سنوي خلال فترة التوقعات، وبالتالي ستزداد عائدات السياحة الدولية، تماشيًا مع زيادة عدد الوافدين، من 14.4 مليار دولار في عام 2023 لتصل إلى 17.4 مليار دولار في عام 2027، مدعومة بتحسن الإنفاق الاستهلاكي؛ حيث ساهم انخفاض سعر صرف العملة المحلية في خفض تكلفة المنتج السياحي للوافد الأجنبي، من فنادق ومطاعم ومواقع أثرية ومواصلات، بما يعزز جاذبية البلد كوجهة سياحية تنافسية.
يقدم المقال في سطوره القادمة تحليلًا لحركة السياحة الوافدة لمصر خلال السنوات المقبلة، مع تقديم أبرز التجارب الدولية التي يمكن تطبيقها في مصر لتعزيز السياحة.
أولًا- تحليل لحجم عوائد السياحة في مصر:
تعتبر السياحة من أهم مصادر العملة الصعبة في مصر، حيث تساهم بشكل كبير في الناتج المحلي وتوفير فرص العمل، وتعد من أهم مصادر الدخل السنوي بالعملات الأجنبية للحكومة المصرية. ووفقًا للتقارير الرسمية، فإن حجم عوائد السياحة في مصر تجاوز 14.4 مليار دولار في عام 2022، لتبلغ بذلك أعلى معدل لها على الإطلاق منذ عام 2010. ويشير الشكل التالي إلى تطور حجم الإيردات السياحية خلال الفترة (2010-2022).
المصدر: البنك المركزي المصري.
وتعتبر السوق الأوروبية هي الأكبر من حيث عدد السياح الوافدين إلى مصر، حيث يأتي السياح الروس في المرتبة الأولى، يليهم السياح الألمان والبريطانيون والفرنسيون والإيطاليون. وتتوزع السياحة في مصر على عدة مناطق، منها القاهرة والأقصر وأسوان والجيزة والبحر الأحمر وسيناء والفيوم والوادي الجديد والبحيرة.
كما تستهدف مصر زيادة إيرادات القطاع السياحي من المتوسط المقدّر حاليًا عند 14.4 مليار دولار سنويًا، إلى 30 مليار دولار سنويًا خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي. لذا فإن الحكومة المصرية تعمل على تنفيذ خطة لاستعادة السياحة في البلاد، وتدعم سياسات وبرامج لتحسين البنية التحتية السياحية والإعلان عن البلاد بشكل أفضل في الأسواق الدولية، ومن المتوقع أن تعود صناعة السياحة في مصر إلى النمو مع التحسن التدريجي للوضع الصحي وتخفيف قيود السفر في جميع أنحاء العالم.
ثانيًا- أبرز التجارب الدولية لتعزيز الإيردات السياحية:
1. تطوير مواقع الويب والترويج الرقمي: من أجل جذب المزيد من السياح الدوليين، يجب الاهتمام بتطوير مواقع الويب والترويج الرقمي للبلاد، حيث يمكن للسياح الدوليين الحصول على المعلومات اللازمة عن مصر ومعالمها السياحية، كما يمكنهم الحجز عبر الإنترنت وتجهيز خطط سفرهم عن طريق الإنترنت. ويجب أن تكون هذه المواقع سهلة الاستخدام وتحتوي على معلومات دقيقة وموثوقة.
2. الاستثمار في التدريب وتطوير الموظفين: يجب تدريب الموظفين في القطاع السياحي على كيفية التعامل مع السياح الدوليين بشكل جيد وتقديم خدمة عالية الجودة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تقديم دورات تدريبية للموظفين في مختلف المجالات ذات الصلة بالسياحة، مثل اللغات الأجنبية والاتصالات الفعالة وتقديم الضيافة.
3. تطوير البنية التحتية السياحية: يجب الاستثمار في تحسين البنية التحتية السياحية في مصر، وذلك من خلال تحديث الفنادق والمطاعم ووسائل النقل والمعالم السياحية. ويجب توفير الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والاتصالات والنقل، لضمان راحة السياح وتوفير إقامة جيدة لهم.
4. الاهتمام بالسياحة المستدامة: يجب الاهتمام بالسياحة المستدامة في مصر، وذلك من خلال الحفاظ على البيئة والمعالم الطبيعية والثقافية في البلاد. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تطبيق ممارسات السياحة المستدامة، مثل الحد من استخدام المواد الضارة بالبيئة، والحفاظ على الحياة البرية والزراعة المستدامة وتحسين إدارة النفايات.
5. تطوير الرحلات السياحية الفريدة: يجب تطوير رحلات سياحية فريدة في مصر، وذلك من خلال تقديم تجارب جديدة ومثيرة للسياح، مثل السفر على متن القطارات التاريخية والرحلات الجوية بالمنطاد والغوص في البحر الأحمر وغيرها. ويمكن تحقيق ذلك من خلال التعاون مع شركاء سياحيين محليين ودوليين لتطوير خيارات الرحلات السياحية.
6. توفير التسهيلات المالية: يجب توفير التسهيلات المالية اللازمة لتشجيع المستثمرين على الاستثمار في القطاع السياحي في مصر، مثل توفير الضمانات والقروض والتخفيضات الضريبية. ويمكن أيضًا توفير التسهيلات المالية للسياح الدوليين، مثل الخصومات في الفنادق والمطاعم والمعالم السياحية، لتحفيزهم على زيارة مصر.
ختامًا، يمكن القول إن تطبيق هذه التجارب الدولية سوف يساعد على رفع معدلات السياحة في مصر وجذب المزيد من السياح الدوليين، وبالتالي تعزيز الاقتصاد المصري. ومن المهم التأكيد على أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المحلي والدولي. وإذا تم تطبيق هذه الخطوات بشكل جيد، فإن مصر ستكون واحدة من أسرع الدول في تعافي صناعة السياحة بعد جائحة كوفيد-19.