تعتبر العلاقات الاقتصادية بين إيران وروسيا أحد الجوانب الهامة في العلاقات الثنائية بين البلدين. وتتميز هذه العلاقات بالتعاون في مجالات متعددة والتبادل التجاري القوي، وتسعى كلا الدولتين إلى تعزيز التعاون الاقتصادي لتحقيق المصالح المشتركة وتوسيع رقعة التجارة والاستثمار. تاريخيًا، كانت إيران وروسيا تحتفظان بعلاقات وثيقة في المجال الاقتصادي، وقد شهدت هذه العلاقات تطورًا إضافيًا في السنوات الأخيرة. في عام 2015، تم توقيع اتفاقية تجارية بين البلدين تهدف إلى زيادة حجم التجارة وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي. ومنذ ذلك الحين، تم تعزيز التبادل التجاري وتوقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجالات مختلفة. كما يعتبر قطاع الطاقة من أهم مجالات التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث تعاقدت الشركات الروسية على عقود لتطوير حقول النفط والغاز في إيران. علاوة على ذلك، تم توقيع اتفاقيات لتصدير النفط الإيراني إلى روسيا، وتوسيع التعاون في مجال صناعة البتروكيماويات.
شراكة اقتصادية روسية – إيرانية
تُعد روسيا هي الشريك الأساسي لإيران في برنامجها النووي، ومصدر تزويدها بالتكنولوجيا النووية، منذ أن وقع البلدان اتفاقيتي عام 1992 للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية وبناء محطة بوشهر النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية فقد بلغت قيمة العقد الذي تم توقيعه لبناء محطة بوشهر حوالي مليار دولار، هذا إلى جانب توفير فرص عمل لحوالي 10 آلاف من خبراء الطاقة الذرية الروس والمتخصصين، وهو أمر لا يقل أهمية عن قيمة الصفقة ذاتها والتي تم الانتهاء منها وافتتاحها في 12 سبتمبر 2011. كما تُعد روسيا أحد أبرز شركاء إيران الاقتصاديين خلال السنوات الأخيرة، بقيمة صادرات بلغت 1.23 مليار دولار، مقابل وارداتها البالغة 748.7 مليون دولار عام 2023 لتحتل إيران بذلك المرتبة 41 في قائمة الشركاء التجاريين لروسيا، وهو رقم ضئيل إذا ما قورن بحجم الدعاية للعلاقات الروسية الإيرانية كما يخططان لحذف الدولار من معاملاتهما التجارية وإحلال العملات المحلية مكانه (الريال والروبل)، وهناك رغبة في رفع مستوى التبادل التجاري بينهما إلى 15 مليار دولار. لكن لم يشهد التبادل التجاري بين البلدين إلا ارتفاعًا من 4 مليارات إلى 5 مليارات دولار، وبلغ حجم الاستثمارات الروسية بإيران حوالي 2.76 مليار دولار لتصبح روسيا في المرتبة الأولى من حيث الاستثمار الأجنبي في الاقتصاد الإيراني لعام 2023.
وتتعدد الأطر التي تجمع الدولتين، ومن أهم هذه الأطر منظمة شنغهاي التي تضم روسيا والصين وأربعة من دول آسيا الوسطى، وحصلت الهند وباكستان على العضوية الكاملة بها خلال قمتها الأخيرة في يوليو 2015 وانضمت إيران إليها كعضو مراقب عام 2005 وأعلنت إيران رسميًا انضمامها إلى العضوية الدائمة لمنظمة شنغهاي للتعاون خلال قمتها الثانية والعشرين المنعقدة في مدينة سمرقند الأوزبكية خلال يومي الخامس عشر والسادس عشر من سبتمبر، ليصبح انضمامها الكامل ساريًا بحلول أبريل 2023. وعلى الرغم من تركيز منظمة شنغهاي للتعاون على المجالات الأمنية والسياسية حيث تقوم المنظمة على ثلاثة أهداف رئيسية (محاربة الإرهاب، والتطرف، والحركات الانفصالية)؛ إلا أن القادة الإيرانيين يتوقعون أن يكون لانضمام بلادهم للمنظمة أبعاد ومكاسب اقتصادية كحمايتها من العزلة الدولية، أو تعزيز توجهاتها لإزالة الدولرة، أو تقوية علاقاتها الثنائية مع الدول الأعضاء في المنظمة.
وفي إطار “منظمة شنغهاي للتعاون”، أعلنت الجمارك الإيرانية أن إيران نفذت عمليات تجارية بقيمة 21 مليار دولار مع أعضاء المنظمة، بلغ حجمها 37 مليون طن. وقد برزت الصين كشريك رئيسي في هذا السياق، حيث بلغت قيمة التجارة بين البلدين 7 مليارات دولار من الصادرات والواردات. فيما استقرت التبادلات التجارية مع روسيا في إطار المنظمة عند 440 مليون دولار. أما في سياق “بريكس”، فزعمت إيران أنها حققت تبادلًا تجاريًا بقيمة 25 مليار دولار مع الأعضاء، وتركزت قيمة التجارة السلعية حوالي 9 مليارات دولار. وجاءت موسكو في المرتبة الثالثة في هذا التبادل بعد الصين والهند. ومع ذلك، يبدو أن الأرقام في هذا السياق غير واقعية عند مقارنتها بالأرقام الرسمية الأخرى، ومن الممكن أن تكون هذه محاولة لإبراز نجاح انضمام إيران إلى المنظمات الدولية، وعليه تعمل موسكو وطهران معًا على جبهات متعددة، وتسهيل التجارة والأعمال الثنائية، وتسريع استكمال طرق العبور (بما في ذلك ممر عبور بين الشمال والجنوب وخاصة الجزء المتعلق ببحر قزوين)، وربط أنظمتهما المصرفية لتسهيل المعاملات المالية. وتهدف كل هذه الإجراءات إلى مواجهة العقوبات الغربية، وتعزيز الأطر متعددة الأطراف خارج المؤسسات الغربية. إضافة إلى ذلك تم توقيع عقودٍ تجاريةٍ وصناعية عديدة كمشاريع محتملة لمدينة شيراز لإشراك متخصصين روسيين في توسيع مترو الأنفاق، وتبادل إمدادات النفط والغاز بينهما، وفتح مصانع للمسيرات الايرانية في روسيا.
الطاقة والغاز الطبيعي.. صفقات استراتيجية
شهدت الأيام الأخيرة قيام روسيا وإيران بتوقيع 19 اتفاقية تعاون جديدة في مجالات النفط والغاز والبنية التحتية والتمويل، وهو ما يعمق التعاون بينهما، ويزيد سيطرتهما على قطاع الغاز العالمي؛ فالبلدان يحتلان المرتبتين الأولى والثانية في جدول أكبر احتياطات الغاز في العالم، على التوالي: روسيا بنحو 37 تريليون متر مكعب، وإيران بنحو 32 تريليون متر مكعب، كما أن إيران تمتلك 18% من إجمالي احتياطي الغاز في العالم، وتضم 22 مصفاة لهذه الطاقة وتنتج يوميًا مليار متر مكعب.
كما جرى الإعلان عن الاتفاقية الجديدة بين شركتي النفط الوطنيتين في كل من إيران وروسيا عبر الإنترنت، وترى المصادر المعنية بالطاقة في إيران، أن الاتفاق يُغطي عددًا من مشاريع التطوير في عدد من حقول النفط والغاز الإيرانية، مثل استثمار بقيمة 10 مليار دولار في حقل شمال فارس للغاز، والذي يُتوقع أن يبدأ الإنتاج بحلول عام 2026، كما يتضمن الاتفاق بين شركة النفط الوطنية الإيرانية وغازبروم تخصيص 15 مليار دولار لزيادة الإنتاج في حقل جنوب فارس الذي تشترك فيه إيران مع قطر، ومن الجدير بالذكر أنه في يوليو 2022، وضعت روسيا الأسس لهذا التعاون المعزز في مجال الغاز مع إيران، من خلال مذكرة تفاهم بقيمة 40 مليار دولار تم توقيعها بين عملاق الغاز الحكومي الروسي “غازبروم”. وشركة النفط الوطنية الإيرانية (NIOC) وعندما تمت هذه الخطوة، اعتبرت الكرملين أنها خطوة مهمة نحو تمكين روسيا وإيران من تنفيذ خططهما الطويلة الأمد، ليصبحوا شركاء أساسيين في كارتل عالمي لموردي الغاز، على غرار منظمة أوبك للبترول. ومن المتوقع أن يسمح “أوبك للغاز” بتنسيق نسبة غير عادية من احتياطات الغاز العالمية، والسيطرة على أسعار الغاز في المستقبل. وتُعَدُّ تلك الصفقة أضخم استثمار أجنبي في تاريخ إيران. وتمتلك “غازبروم” أضخم احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، ما يعادل نسبة 16% من الاحتياطي العالمي، و70% من احتياطي روسيا من الغاز. كما تُعد غازبروم أكبر مُنتج ومصدر للغاز الطبيعي في العالم بنسبة تصل إلى نحو 11% من الإنتاج العالمي. وحتى بعد فرض العقوبات الغربية على روسيا التي بلغت إلى الآن أكثر من 9000 عقوبة منها أكثر من 4000 عقوبة من الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال الشركة اليوم توفر 32% من واردات الغاز الأوروبية. اتصالًا، أعلنت وزارة النفط الإيرانية في نهاية يناير2024، أنها ستبدأ إنتاج 1.5 مليون طن متري سنويًا من الغاز الطبيعي المسال في عام 2026، وهو ما يفوق بكثير موارد طهران الضخمة من الغاز، رغم ذلك، يبقى التعاون في مجال الطاقة يحمل العديد من الوعود التي يمكن أن تتحقق في المستقبل القريب. يُظهر ذلك جليًا في الاتفاقية الأخيرة بين شركة النفط الوطنية الإيرانية وغازبروم، التي تعتبر “مذكرة تفاهم” فقط ولم يلتزم أي من الطرفين بأي التزامات حتى الآن.
في الختام، على الرغم من العقوبات المفروضة على روسيا وإيران يتطلع البلدان إلى الكثير من المزايا الأمنية والاقتصادية والعسكرية التي من الممكن أن تحققها من خلال تعزيز العلاقات الثنائية بينهما فمن خلال تعاونهما يمكنهما التحايل على بعض هذه القيود وتعزيز آفاق التجارة والاستثمار، مما سيساهم في التخفيف من الخسائر الناتجة عن العقوبات الغربية المفروضة عليهم، إذ تمتلك روسيا معرفة متقدمة وقدرات تقنية في تصنيع الغاز الطبيعي المسال وبناء خطوط أنابيب الغاز، فيما تمتلك إيران مخزونًا كبيرًا من الغاز الطبيعي والنفط الذي يحتاج إلى جهود التطوير والتحديث.
الدراسات الاقتصادية وقضايا الطاقة