شهدت مقاطعة كابو ديلجادو في شمال موزمبيق تصاعدًا حادًا في الهجمات خلال الأشهر الأخيرة في بلدة “موسمبوا دا برايا” الساحلية Mocímboa da Praia، حيث أصبح تمرد حركة “أهل السنة والجماعة” ASWJ أكثر تنسيقًا. واتخذ التمرد منعطفًا غير مسبوق، وتصاعد إلى مستويات لم تتوقعها دولة موزمبيق، حيث نفذت الحركة 45 هجومًا منذ يناير 2020 وحتى كتابة هذه السطور. ووفقًا لموقع الصراع المسلح ACLED زادت هجمات المتمردين بنسبة 300٪ مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2019، كما تطلق الحركة أكثر من 20 هجومًا كل شهر يغطي تسع بلدات ومناطق رئيسية على طول ساحل كابو ديلجادو، وتوضح معركة مدينة ماكوميا في نهاية مايو 2020 القدرة التنظيمية للحركة.
وجاء هذا التصعيد في المناطق الشمالية الغنية بالغاز الطبيعي، حيث تم اكتشاف حوالي 5000 مليار متر مكعب من احتياطيات الغاز في حوض روفوما قبالة الساحل الشمالي لموزمبيق، وهي أكبر احتياطيات للغاز الطبيعي المسال في إفريقيا، كما تحتل المرتبة التاسعة عالميًّا. وعلى المدى المتوسط، ستكون هناك أرباح أكثر من 60 مليار دولار نتيجة استخراج الغاز الطبيعي المسال بالمنطقة وفقًا لتقديرات الحكومة وكذلك توقعات المستثمرين، ويمثل هذا الرقم أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لموزمبيق في العام الماضي (2019). وتخطط موزمبيق لبدء استخراج الغاز في عام 2023، وتتوقع 25 مليار دولار من الاستثمارات لاستكشاف الغاز الطبيعي المسال في حوض روفوما، لكن تأخرت هذه الاستثمارات منذ أن شن المتمردون هجمات لأول مرة في المنطقة في عام 2017، ومرةً أخرى في فبراير 2019، عندما اعتدى المتمردون على موقع أناداركو للغاز الطبيعي المسال.
أولًا: التمدد الجغرافي للإرهاب في جنوب القارة الإفريقية
تفتخر حركة أهل السنة والجماعة بعلاقاتها المتنامية بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ويصفها السكان المحليون باسم حركة الشباب تشبيهًا لها بالحركة الناشطة في الصومال منذ عقود. وتهاجم الحركة سكان مقاطعة كابو ديلجادو منذ عام 2017، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1000 شخص حتى الآن. كما شنت هجمات متكررة على القرى الساحلية باستخدام هجمات مُنسقة برية وبرمائية عندما استولت على بلدة موسمبوا دا برايا في شهر يونيو 2020، وأظهر ذلك للمتمردين أن الهجوم من البحر كان خيارًا قابلًا للتطبيق، نظرًا لمحدودية فرص اعتراضه من قِبل الجهات الأمنية البحرية في موزمبيق.
وبذلك استطاعت حركة أهل السنة والجماعة تنفيذ هجمات عن طريق البحر ضد الأشخاص الذين فروا إلى الجزر. ويشير هذا التطور إلى تغير استراتيجيتها مع تعزيز ثقتها وقدراتها، وتحول غاراتها من الغارات المدمرة والاحتلال المؤقت للبلدات إلى السيطرة الدائمة على الأراضي والمجتمعات. كما تمكنت الحركة من تأسيس وجود مهم لها على طول الحدود الشمالية لموزمبيق عبر الحدود مع تنزانيا المجاورة. وعلى مدى العامين الماضيين، نما التمرد من مسألة محلية إلى قلق إقليمي متزايد، علاوة على إعلان تنظيم داعش في أبريل 2019 أنه شكل إقليم الدولة الإسلامية في وسط إفريقيا، وهذه المقاطعة الجديدة لداعش موجودة بشكل رئيسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق.
ثانيًا: الاستجابة المحدودة والمخاطر المتعددة
أدى النهج المتشدد الذي اتبعته الأجهزة الأمنية الموزمبيقية حيال المدنيين إلى تفاقم انعدام الثقة بين المدنيين والدولة، وفي الوقت نفسه رحب المدنيون في بلدة موكيمبوا دا برايا بالمتمردين، واختاروا عدم المقاومة. واتخذت حكومة موزمبيق خطوات لتصعيد استجابتها للأزمة، ودعت إلى دعم إقليمي ودولي لمحاربة حركة أهل السنة والجماعة.
القوات المُسلحة لدولة موزمبيق كافحت التمرد بالاعتماد على القوات العسكرية الخاصة مثل مجموعة فاجنر الروسية ومجموعة دايك الاستشارية، مع اقتصار مهمة القوات الموزمبيقية على المنطقة المجاورة مباشرة لشركات الغاز وليس منطقة كابو ديلجادو بأكملها، وبذلك لم تكن الاستجابة كافية. ويتوجب النظر في التحولات الأخيرة لموقف الحكومة بإضفاء الصبغة الخارجية على المعركة ضد حركة أهل السنة والجماعة في ظل المخاطر المتعددة التالية:
1- تصاعد الهجمات: يتزايد خطر الهجمات المحتملة ضد مصالح الدولة والشركات الأجنبية في ظل تهديد الشركات العاملة في مقاطعة كابو ديلجادو، ولا سيما شركات النفط والغاز؛ مثل شركة إكسون موبيل الأمريكية، وتوتال الفرنسية، وإيني الإيطالية، وشركة أناداركو الأمريكية للنفط في حوض روفوما البحري، الذي يحتوي على 85 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهو ما يكفي لإمداد ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا لما يقرب من عقدين. ومن ثم، وضعت شركة أناداركو الأمريكية العاملين في مصنع للغاز الطبيعي المسال تحت الإغلاق بسبب تهديد المتمردين بالمنطقة. ومنعت الشركة عمالها من تجاوز محيط المصنع على ساحل مقاطعة كابو ديلجادو المتاخمة للحدود مع تنزانيا، في حين أرجأت شركة إكسون موبيل اتخاذ القرار الاستثماري النهائي بشأن منشأة لمُعالجة الغاز الطبيعي المسال بقيمة 30 مليار دولار في شبه جزيرة أفونجي حتى عام 2021 على الأقل. وتستأنف شركة توتال الفرنسية عملياتها بحذر، فيما تراهن شركة إيني الإيطالية على قدرتها في تأمين عملياتها من خلال وضع وعاء الغاز الطبيعي المسال العائم كورال سول Coral Sul بعيدًا عن ساحل كابو ديلجادو. وفي الوقت نفسه، تستثمر الجهات الفاعلة بالمنطقة مثل اليابان في تطوير الغاز، مما يزيد عدد أصحاب المصلحة وحاجتهم إلى التعاون في مساحة غير آمنة.
2- الجريمة المنظمة: يستخدم التمرد في شمال موزمبيق الاتجار واسع النطاق في الهيروين والسلع غير المشروعة الأخرى بما في ذلك الموارد الطبيعية؛ مثل قرون وحيد القرن والمعادن والأخشاب والأحجار الكريمة والذهب، وتهريب المخدرات على طول الساحل البحري للمحيط الهندي. وهناك زيادة في حجم الهيروين المنتج والشحن من أفغانستان على طول شرق وجنوب إفريقيا خلال السنوات الأخيرة. ومن ثم، استغل المتمردون حدود موزمبيق التي يسهل اختراقها مع تنزانيا لتهريب الأسلحة وتجنيد مقاتلين أجانب والهروب من المطاردة.
3- النزوح: تقدر المفوضية السامية لشئون اللاجئين عدد النازحين بحوالي 200 ألف نازح. وفر العديد من هؤلاء إلى المدن الساحلية في أماكن أخرى بموزمبيق أو عبر الحدود إلى تنزانيا في ظل الضرر واسع النطاق الذي أحدثه إعصار “كينيث” عام 2019، وجائحة فيروس “كورونا” عام 2020. وأصبح الوصول والتنقل عبر الطرق البرية أكثر صعوبة بسبب الأمطار الغزيرة الأخيرة، وتم تحويل معظم الطرق في مقاطعة كابو ديلجادو إلى مستنقعات لا يمكن السير عليها. وتظل الطريقة الوحيدة لمساعدة النازحين عبر الشحن البحري، ولكن حركة أهل السنة والجماعة تحول اهتمامها إلى العديد من مواقع وطرق الشحن التي يستخدمها المهربون والمتاجرون في الاقتصاد غير المشروع بالمنطقة، لتوفير الموارد والمعلومات الاستخبارية حول حركة السفن في البحر.
4- الاستقرار الإقليمي: تشترك موزمبيق في الحدود مع ست دول أخرى، هي: إسواتيني، وملاوي، وجنوب إفريقيا، وتنزانيا، وزامبيا، وزيمبابوي. أربع من هذه الدول الست غير ساحلية، وبالتالي تعتمد على موزمبيق كبوابة للأسواق العالمية. وهناك مخاوف من انتشار العنف في مقاطعة كابو ديلجادو إلى جميع أنحاء المنطقة، حيث شهدت جنوب إفريقيا تدفقًا غير قانوني للموزمبيقيين بسبب تحديات التنمية في بلادهم على مدى عقود.
ثالثًا: الدور المُنتظر لجماعة التنمية للجنوب الإفريقي (سادك)
على الرغم من خطورة الوضع القائم في موزمبيق تم تجاهل التمرد من قِبل القوى والمنظمات الإقليمية بالتركيز بشكل أكبر على المشاكل السياسية والاقتصادية. ومع ذلك، في اجتماع فبراير 2020 لرؤساء دول الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، وبعد أكثر من عامين على بدء التمرد في مقاطعة كابو ديلجادو الشمالية، تحدث مسئولو الاتحاد الإفريقي عن تهديد جديد وصل إلى مستويات غير مسبوقة في موزمبيق. وينظر مجلس السلم والأمن الإفريقي في تقديم المساعدة وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريب العسكري، لكن لا يزال هناك تردد في تخصيص أي موارد أو قوات.
وفي التاسع عشر من مايو 2020 اجتمع قادة بوتسوانا وزامبيا وموزمبيق تحت رعاية جهاز الدفاع والأمن التابع لجماعة سادك لتقييم الوضع الأمني في موزمبيق. وأشار رئيس زيمبابوي “إيمرسون منانجاجوا” إلى تزايد خطر التطرف في الجنوب الإفريقي مما يهدد السلام والأمن. وفي بيان صادر عن جماعة سادك بعد الاجتماع، حثت الدول الأعضاء على دعم حكومة موزمبيق لمُحاربة الميليشيات المشتبه في صلاتها بتنظيم الدولة الإسلامية في شمال البلاد.
هناك خيارات لمُعالجة الوضع القائم في موزمبيق، أبرزها الاحتواء إلى جانب الجهود الدبلوماسية لجلب الأطراف من أجل التسوية السياسية، والدعم اللوجستي والتدريب، وتنظيم دوريات بحرية قبالة ساحل المحيط الهندي. ويتوجب أن تلعب تنزانيا دورًا لمنع إعادة التمدد من خلال أراضيها أو عبر مصب نهر روفوما من خلال إغلاق حدودها أمام الحركة غير القانونية وسد الثغرات الحدودية، فيما تقوم ملاوي بنشر القوات على طول حدودها مع موزمبيق لمواجهة التداعيات.
وقد قدمت موزمبيق طلبًا رسميًّا لجماعة سادك لمُتابعة تطورات مناقشة الدعم الذي طرح في قمة خاصة شهر مايو 2020، لكن لم يتم حتى الآن عمل استراتيجية شاملة. ويتوجب أن تتخذ الجماعة إجراءات عاجلة من خلال عقد اجتماع للجنة الأمن البحري الدائمة لمراجعة القدرات البحرية والتمويل المتاح، وتوفير خيارات لتوجيه عملية صنع القرار، وصياغة استراتيجية للعمليات البحرية المتكاملة بمراجعة استراتيجية عام 2011 لمُكافحة القرصنة في غرب المحيط الهندي، والاستراتيجية الإقليمية لمُكافحة الإرهاب لعام 2015 لمعرفة ما يمكنهم المساهمة فيه، وتشمل الاستراتيجية نشر السفن البحرية لحماية النازحين داخليًا والشحن البحري من الهجمات البرمائية المتزايدة، حيث تسمح القدرة البرمائية بحرمان حركة أهل السنة من السيطرة البحرية.
وتعتمد جهود الأمن البحري لجماعة التنمية للجنوب الإفريقي على استجابة دولة جنوب إفريقيا، حيث تواجه جنوب إفريقيا مُعضلة بسبب تهديدات حركة أهل السنة والجماعة بمهاجمتها. وهناك أيضًا التحدي السياسي الذي يشكله الانضمام إلى القتال البري بجانب المجموعات التي تعتبرها بريتوريا مرتزقة، لكن جنوب إفريقيا قامت بتوقيع مذكرة تفاهم للأمن البحري الثلاثية بين موزمبيق وتنزانيا وجنوب إفريقيا عام 2012، وصُممت أحكام المذكرة لحماية سلامة المياه الإقليمية للدول الثلاث من أي أنشطة غير قانونية تقوض أمنها وتنميتها الاقتصادية. ويسمح الاتفاق للعمليات البحرية المشتركة في المياه الإقليمية بمُكافحة مثل هذه الأنشطة، وتم نشر عناصر مختلفة من القوات الدفاعية الجنوب إفريقية في مقاطعة كابو ديلجادو كجزء من عملية النحاس Operation Copper منذ عام 2011 بالتركيز على دوريات مُكافحة القرصنة في قناة موزمبيق.
ختامًا، يتصاعد تمرد أهل السنة والجماعة بوتيرة سريعة وبمستويات غير مسبوقة في ظل علاقاتهم المتنامية مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وتداعياته على اكتشافات الغاز في موزمبيق والأمن البحري بدول الجنوب الإفريقي، ومن المحتمل أن تصبح شمال موزمبيق منصة لإطلاق الهجمات وتعزيز أهداف الشبكات الإجرامية في جميع أنحاء المنطقة خلال الفترة المُقبلة.
باحث أول بوحدة الدراسات الأفريقية