توجهت الدول المتقدمة والدول النامية، على حد سواء، بعد الآثار الإيجابية الاقتصادية والاجتماعية التي حققتها المشروعات المتوسطة والصغيرة نحو الاهتمام بتلك المشروعات. وتتمثل الأهمية الاستراتيجية لهذه المشروعات في دورها الكبير في خفض معدلات البطالة من خلال توفير فرص عمل وبأقل تكلفة، بجانب خفض معدلات الفقر وتحقيق التنمية المستدامة.
ومن هنا تبنت مصر استراتيجية تهدف إلى دعم المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وذلك إيمانًا من القيادة السياسية بدور تلك المشروعات في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر، ولاستحواذها على النسبة الأكبر من إجمالي مشروعات القطاع الخاص وعدد العاملين، فضلًا عن رغبة مصر في تحقيق مكانة رائدة في قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر على مستوى إفريقيا والشرق الأوسط، وهذا ما أكد عليه رئيس القطاع المركزي للخدمات غير المالية بجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر. ووفقًا لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، فإن المشروعات المتوسطة هي التي يتراوح حجم أعمالها السنوي ما بين 50-200 مليون جنيه، أما المشروعات الصغيرة فهي التي تتراوح حجم أعمالها السنوي ما بين مليون-50 مليون جنيه، وبالنسبة للمشروعات متناهية الصغر فهي تلك المشروعات التي يقل حجم أعمالها السنوي عن المليون جنيه، وتُعد الجهات كالبنوك ومؤسسات التمويل والشركات والمؤسسات المالية والكيانات الأخرى المرخص لها بتقديم التمويل هي الجهات المنوط بها تقديم التمويل للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.
أولًا- حجم قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في مصر:
بلغ إجمالي الشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر حوالي 2.4 مليون شركة، استحوذت المشروعات متناهية الصغر على نسبة 97% منها بنحو 2.3 مليون مشروع، أما المشروعات الصغيرة فقد بلغ عددها نحو 64.4 ألف مشروع، وبنسبة تقدر بـ2.7% من إجمالي المشاريع العاملة بالقطاع. وبالنسبة للمشروعات المتوسطة فقد بلغ عددها 7.8 آلاف مشروع، وهي أقل نسبة مساهمة 0.32%. ويبين الشكل التالي توزيع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر:
شكل رقم (1): التوزيع النسبي للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر عام 2018
ويمكن الاطّلاع على مقارنة تُبين التوزيع النسبي للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر من خلال الشكل التالي:
شكل رقم (2): مقارنة توضح التوزيع النسبي للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في عامي 2013 و2018
يوضح الشكل السابق التغير الحادث في التوزيع النسبي للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر خلال السنتين 2013 و2018، حيث تراجعت نسبة مساهمة المشاريع متناهية الصغر من إجمالي المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر عام 2018 لصالح المشاريع المتوسطة والصغيرة. ويمكن متابعة التوزيع النسبي للمشروعات طبقًا لعدد المشتغلين على مستوى الجمهورية من خلال الشكل التالي:
شكل رقم (3): التوزيع النسبي للمشروعات طبقًا لعدد المشتغلين (إجمالي الجمهورية) عام 2018
وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد أسهمت المشروعات التي يعمل بها 1-9 عامل بحوالي 22% من الإنتاج على مستوى الجمهورية، كما ساهمت بنسبة 29% من القيمة المضافة الإجمالية وذلك عام 2018.
ثانيًا– مساهمة المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في الاقتصاد المصري:
وفقًا للإصدار (2) لمعهد التخطيط القومي المنشور في مايو 2020، تستحوذ المشروعات المتوسطة والصغيرة التي يعمل بها أقل من 50 عاملًا على 98% من إجمالي المشروعات المصنفة ضمن القطاع الخاص غير الزراعي، كما أن 75% من العمالة في القطاع الخاص يعملون في المشروعات المتوسطة والصغيرة.
وقد بلغت نسبة مساهمة المشروعات المتوسطة والصغيرة في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي حوالي 80%، وتساهم بما لا يقل عن نفس النسبة من إجمالي القيمة المضافة، كما تشمل 90% من التكوين الرأسمالي. وفيما يتعلق بمساهمة المشروعات الصناعية المتوسطة والصغيرة من قيمة الإنتاج الصناعي، فقد بلغت نسبة مساهمة المشروعات الصناعية المتوسطة حوالي 46% والمشروعات الصغيرة 13% من إجمالي قيمة الإنتاج الصناعي، أما المشروعات الصناعية الكبيرة فبلغت نسبة مساهمتها 41%.
وبالرغم من ارتفاع نسب مساهمة المشروعات المتوسطة والصغيرة في الاقتصاد الوطني، إلا أنه لا تزال نسبتها من إجمالي الصادرات المصرية منخفضة والتي لا تتخطى 4% من إجمالي الصادرات المصرية، مقارنة بنسب مساهمة المشروعات المتوسطة والصغيرة في اقتصادات دول كالصين وتايوان وهونج كونج وكوريا وبنحو 60% و56%، 70%، و43% من الصادرات على التوالي.
ووفقًا للتعداد الاقتصادي الخامس الصادر في أبريل 2020 عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد بلغ عدد العاملين بالمشروعات المتوسطة والصغيرة 9.7 ملايين عامل، يتقاضون نحو 119.2 مليار جنيه وبحجم إنتاج بلغ 1.237 تريليون جنيه، وبإجمالي قيمة مضافة بلغت 804 مليارات جنيه وذلك عام 2018.
ثالثًا- جهود الدولة في النهوض بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر:
قدمت الحكومة خطة نتجت عن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي حدده الرئيس “عبدالفتاح السيسي”، والتي تضمنت العمل على تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر. وخلال 2018-2020 وفّرت الحكومة تمويلًا قُدر بحوالي 7.8 مليارات جنيه، لما يقارب 77 ألف مشروع وذلك ضمن المشروع القومي للتنمية البشرية والاجتماعية، والذي نتج عنه توفير 490 ألف فرصة عمل، كما قدم صندوق التنمية المحلية قروضًا بلغت 54.3 مليون جنيه لتمويل 6686 مشروع، والذي بدوره وفر 6600 فرصة عمل.
كما أقرت الدولة القانون رقم 152 لسنة 2020 لتنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر والذي تضمن عددًا من الحوافز الضريبية والإعفاءات الجمركية بهدف دعم المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وتشجيع القطاع غير الرسمي من خلال تلك الحوافز وضمه للقطاع الرسمي، كما تضمن القانون الإعفاء من الأرباح الرأسمالية.
وفي إطار سعي الدولة لدعم المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، خاصة في ظل انخفاض السيولة مع انتشار فيروس كورونا، فقد قامت الدولة بتخصيص قروض للمشروعات الصناعية يصل حدها الأقصى للمليون جنيه، وللمشروعات الخدمية نصف مليون جنيه، كما قدمت عدة جهات بالدولة مبادرات مختلفة للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، ومنها:
– مبادرة البنك المركزي المصري: حيث استمر البنك المركزي المصري في تقديم التسهيلات الائتمانية وبسعر فائدة منخفض، وتسهيل الإجراءات اللازمة للحصول على التمويل متناهي الصغر، فضلًا عن تعاون البنك مع الوزارات المختلفة لمواجهة العقبات التي تعيق تطور المشروعات المتوسطة والصغيرة في مصر، وتوفير فرص تمويلية جديدة من خلال البنوك.
كما كان للبنك المركزي المصري دور فعال مع بداية أزمة كورونا حيث أصدر قرارًا بتأجيل أقساط المشروعات المتوسطة والصغيرة إلى 6 أشهر، وتأجيل خصم أقساط القروض الممنوحة للأفراد لمدة 6 شهور.
– مبادرة الهيئة العامة للرقابة المالية لدعم التمويل متناهي الصغر: استهدفت التوسع في توفير التمويل للمشروعات متناهية الصغر، حيث رفعت التمويل المقدم من 26 مليار جنيه مصري عام 2019 إلى 35 مليار جنيه ليكون عدد المستفيدين 4.7 ملايين شخص، وارتفع التمويل المقدم للمشروعات متناهية الصغر ليصل إلى 17.2 مليار جنيه بنهاية يونيو 2020، واستفاد منه نحو 3.1 ملايين مستفيد.
كما اتخذت الهيئة العامة للرقابة المالية قرارًا بتأجيل قسطين على المشاريع المتضررة من أزمة فيروس كورونا، فضلًا عن مطالبة هيئة الرقابة المالية من جهات التمويل المختلفة بأن تقوم بسداد الأقساط التأمينية عن العملاء.
– مبادرة الهيئة العامة للتصنيع: وتتمثل في منح الوحدات الصناعية مهلة مدتها 3 أشهر لاستكمال تنفيذ المشروعات الصناعية على الأراضي التي خصصت لها، بالإضافة إلى الإعلان عن عدد من المبادرات الداعمة للمستثمرين.
وأخيرًا، فإن الحكومة المصرية تسعى للسير على ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك للنهوض بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، فضلًا عن جذب القطاع غير الرسمي بالدولة للانضمام للقطاع الرسمي، والذي بدوره سيساهم في تحقيق أهداف الإصلاح الاقتصادي التي تسعى الدولة المصرية لتحقيقها، لتصبح في مصاف الدول المتقدمة، وللوصول إلى ذلك أقرت الدولة قانونًا رقم 152 لسنة 2020 لتنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر والذي تضمن حوافز ضريبية وغير ضريبية، كما قدمت الدولة متمثلة في عدد من الوزارات والهيئات المختصة العديد من المبادرات التشجيعية، كما وفرت التمويل اللازم للنهوض بقطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، على اعتبار أنه العمود الأساسي في أي عملية تنمية اقتصادية واجتماعية تستهدفها الدولة.