شَهدت دولة السنغال الواقعة في غرب إفريقيا خلال الفترة بين الثالث والثامن من مارس 2021، أسوأ موجة من الاحتجاجات والاضطرابات السياسية منذ سنوات تخللتها مشاهد من أعمال العنف والنهب على خلفية اعتقال زعيم المعارضة “عثمان سونكو” الذي جاء في المركز الثالث خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2019، وبَلغت الاحتجاجات ذروتها في الخامس من مارس 2021، وأسفرت عن مَقتل ثلاثة عشر شخصًا على الأقل. وتحمل موجة الاضطرابات الأخيرة تهديدًا إقليميًا، حيث تُعتبر السنغال ركيزة أساسية للأمن في غرب إفريقيا، حيث تُوفر أعدادًا كبيرة من الأفراد العسكريين والشرطة لبعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، كما تُعدُّ السنغال الدولة الوحيدة في غرب إفريقيا التي لم تشهد أي انقلاب عسكري.
وبرزت تداعيات الاحتجاجات على النحو التالي:
استُهدفت العديد من المتاجر في السنغال، مما تَسبب في مشاهد حرب العصابات وخنق العاصمة تحت سحابة من الغاز المسيل للدموع ودخان الإطارات المُحترقة. بالإضافة إلى نهب مباني Obs وRFM وTFM، وهي ثلاث وسائل إعلام تعتبر قريبة من الحكومة. كما لحقت الأضرار بالعديد من قطاعات داكار، وما زالت آثار المظاهرات في العاصمة السنغالية، حيث هاجم المتظاهرون المباني الحكومية في ديوب، ومقر “لو سولي” لوسائل الإعلام المملوك للدولة. كما تم تقييد استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بما في ذلك فيسبوك وواتساب ويوتيوب في وقت مُبكر قبل الاحتجاجات وفقًا لمنظمة مُراقبة أمن الشبكات والإنترنت NetBlocks.
دوافع مُتعددة
دعت حركة الدفاع عن الديمقراطية (M2D) التي تَجمع معارضي الرئيس السنغالي “ماكي سال” بما في ذلك حزب الوطنيين السنغاليين للعمل والأخلاق والإخوة (باستيف) (Pastef-Les Patriotes) الذي يتزعمه “عثمان سونكو” وجمعيات وأعضاء المجتمع المدني، لتنظيم مظاهرات في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أيام للضغط من أجل الإفراج الفوري عن جميع السجناء السياسيين المحتجزين بشكل غير قانوني وتعسفي واحترام الحق في التظاهر، واستعادة تراخيص قناتي “سين تي في” و”وألف تي في”، اللتين تم تعليقهما لفترة مؤقتة بتُهمة إثارة الكراهية والعنف، كما دعت الحركة إلى يوم حداد وطني تكريمًا للقتلى خلال الاحتجاجات الأخيرة.
وطالبت الحركة الاحتجاجية بالإفراج عن “سونكو” وتم رفع شعار “حرية سونكو” من قِبل الشباب السنغالي، لكن سرعان ما تأججت التعبئة بمطالب اقتصادية واجتماعية ناجمة عن أزمة مُتعددة الأوجه، تضمنت تدهور الظروف المعيشية، والبطالة، والفرص الاقتصادية المحدودة التي جعلتها جائحة “كورونا” أكثر ندرةً، حيث تحوّلت الأزمة السياسية إلى أزمة اجتماعية في شمال البلاد بمدينة سانت لويس، وفي الجنوب، بإقليم كازامانس، معقل “عثمان سونكو”. لكن يمكن تحديد ثلاثة أسباب رئيسية وراء موجة الاحتجاجات الأخيرة في السنغال تمثلت في:
- تهديد الحكومة بحل حزب “باستيف” المعارض: في أوائل يناير 2021، تم تهديد حزب “باستيف” بحله نتيجة إطلاق حملة لجمع التبرعات من المغتربين بما لا يتوافق مع قانون تمويل الأحزاب. وذَكرت وزارة الداخلية السنغالية في بيان صحفي أن الأحزاب السياسية لا تستطيع الاستفادة من أي موارد أخرى غير المُخصصة لها.
- التحقيق الجنائي مع عثمان سونكو: يعتبر “سونكو” البالغ من العمر 46 عامًا أحد المنافسين المحتملين للرئيس الحالي “سال” خلال الانتخابات القادمة عام 2024، حيث فتحت السلطات تحقيقًا جنائيًا في مزاعم ارتكاب “سونكو” اعتداء جنسيًا بعد أن صوّت المجلس الوطني على تجريده من حصانته البرلمانية، وتم القبض على “سونكو” رسميًا بتهمة الإخلال بالنظام العام. ويرى مؤيدو “سونكو” أن هذه الاتهامات نسقتها إدارة الرئيس “سال” لتحييد شعبية “سونكو” المتزايدة، وإبعاده عن الطريق إذا قرر “سال” الترشح لولاية ثالثة، مثلما استُهدف منافسون آخرون بتُهم جنائية بما في ذلك عمدة دكار السابق “خليفة سال” و”كريم واد” نجل الرئيس السابق “عبدالله واد”.
- أزمة اقتصادية غير مسبوقة: كشفت بعض مشاهد التخريب بمراكز التسوق بسلسلة ماركت أوشان الفرنسية، ونهب العديد من محلات السوبر ماركت للعلامة التجارية الفرنسية على هامش الاحتجاجات، محنة ومُعاناة السكان من الفقر والجوع. فضلًا عن ارتفاع معدل البطالة إلى 48٪ وفقًا لمنظمة العمل الدولية، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث يعيش ما يقرب من 40% من السكان في حالة فقر، حيث تضرر الاقتصاد السنغالي بصورة كبيرة من التداعيات المتعددة لانتشار فيروس كورونا.
تداعيات الموجة الاحتجاجية
بعد ستة أيامٍ من الصمت، وفي الثامن من مارس 2021 تحدث الرئيس “سال” عن الأزمة التي تمر بها السنغال، ودعا في خطابه إلى الهدوء ومنع التصعيد. بينما دعا “سونكو” إلى مُواصلة التعبئة والحشد بطريقة سلمية، وهاجم الرئيس “سال” بـخيانته للشعب السنغالي، وأن رئيس الدولة لم يعد شرعيًا لقيادة البلاد، والثورة مُستمرة، وطالب بتوضيح نوايا “سال” لإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024 لإزالة الشك في احتمال ترشيح نفسه لولاية ثالثة، حيث أخذت الأزمة منعطفًا هامًا بعد قرارات حركة الدفاع عن الديمقراطية:
الإفراج عن سونكو: انخفضت حدة التوترات مؤقتًا بعد إطلاق سراح “سونكو” تحت إشراف قضائي في التاسع من مارس 2021، ودعا “سونكو” إلى التهدئة، وأعلنت حركة الدفاع عن الديمقراطية مُراجعة خطة عملها، وتعليق دعوات التظاهر التي كان من المقرر إجراؤها لمدة ثلاثة أيامٍ، ولم تحدد الحركة في بيانها الصحفي أسباب التوقف، لكن أعلنت أنها ستعيد تأكيد مطالبها، وستُعلن شعارًا جديدًا يتعلق بتاريخ ومكان وشكل الأحداث القادمة.
مُذكرة مطالب المعارضة: في الحادي عشر من مارس 2021، دعا القادة الدينيون الإسلاميون ذوو النفوذ في السنغال وممثلو الكنيسة الكاثوليكية إلى التهدئة والحفاظ على سلام واستقرار البلاد. وفي المقابل، نقلت حركة الدفاع عن الديمقراطية مذكرة من عشر نقاط كمُحاولة لإيجاد القادة الدينيين حالة من التوافق مع الرئيس “سال” من أجل سلام دائم في البلاد في ظل دور الوسيط للقادة الدينيين لتخفيف التوترات السياسية.
احتواء تداعيات العنف: وقعت مشاهد حرب العصابات في المناطق الحضرية بالعاصمة “دكار”، وتم حجب الإنترنت عن المُستخدمين في السنغال لمنع إثارة التحريض على العنف، وتَوالت ردود الفعل المختلفة على هذه الاحتجاجات والاشتباكات، سواء على المستوى المحلي من جانب الحكومة السنغالية وتحديدًا وزير الداخلية، أو على المستوى الإقليمي، تَابعت منظمة (إيكواس) عن كثب الاضطرابات الأخيرة، فضلًا عن دعوة الأمم المتحدة لوقف التصعيد والتزام الهدوء، فيما ندد “موسى فقي”، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، بأعمال العنف والنهب والتحريض.
وأخيرًا، هناك الكثير من المعطياتوالمؤشرات المقلقة للديمقراطية في السنغال التي غالبًا ما يتم تقديمها كنموذج ديمقراطي تجاه جيرانها في دول غرب إفريقيا، وتتجاوز الأزمة أكثر من مجرد حل قضية “سونكو” لاستعادة ثقة الشعب في الدولة، والالتزام بكافة المعايير الضامنة لاتساع نطاق المشاركة بالانتخابات المقبلة عام 2024.
باحث أول بوحدة الدراسات الأفريقية