قبل أيام، صدر تقرير صندوق النقد الدولي «IMF World Economic Outlook April 2021» عاكسًا قدرًا كبيرًا من التفاؤل حول مستقبل الاقتصاد العالمي، حتى إن معدل النمو يمكنه الوصول إلى أكثر من ٦٪. مثل ذلك قفزة كبيرة عن التنبؤات المتشائمة السابقة التي توقعت نموًا ٥.٥٪ قبل ثلاثة شهور، ونموًا أقل ٤.٤٪ فى عام ٢٠٢٢. لم يعد الحال كذلك بعد أن استند التقرير إلى التطورات الجارية فى مجال اللقاحات وتوزيعها على مستوى العالم.
المتوقع طبقًا للتقرير أن تقود الصين والولايات المتحدة الاقتصاد العالمي في هذا النمو، تتبعهما الدول المتقدمة الأخرى، حتى تعود إلى مستويات النمو السابقة على الجائحة؛ أما الدول النامية فليس متوقعًا أن تصل إلى معدلات النمو هذه قبل عام ٢٠٢٣. الأخبار الطيبة هي أن ما ينطبق على الدول النامية لا ينطبق على مصر، فتوقعات الصندوق بشأنها أنها سوف تحقق معدلا للنمو قدره ٥.٧٪ خلال العام المالي ٢٠٢١-٢٠٢٢. ومن المعروف أن مصر كانت من بين دول قليلة في العالم حققت معدلا إيجابيا للنمو خلال العام المنصرم من الوباء قدره ٣.٦٪. هذه التوقعات المتفائلة تدلف بعد ذلك إلى إجراءات «حماية الانتعاش» من الانتكاس مرة أخرى؛ ولكنها تبدو واثقة بأن الاقتصاد العالمي قد عبر نقطة اللاعودة في الخروج من البلاء.
ولكن هذه ليست وجهة النظر الوحيدة، فهناك وجهات نظر أخرى محذرة ومنذرة؛ وفى ٢٤ مارس المنصرم نشرت دورية «أفكار وتكنولوجيا» الأمريكية مقالا لأندرياس كلوث بعنوان «لابد أن نبدأ التخطيط لوباء دائم»، جاء فيه أنه خلال العام المنصرم، جرى ادعاء ظاهر أو ضمنى حكم تفكيرنا حول الوباء، وهو أنه في لحظة ما سوف ينتهي وبعد ذلك تعود الحياة إلى حالتها المعتادة. «هذا الادعاء من المؤكد أنه خاطئ؛ وأن بروتين (كوفيد ١٩) الذي لا يزال غامضا ربما سوف يكون عدونا الدائم». «وحتى لو نجحنا فى تجاوزه، فإن زمن الوصول إلى ذلك سوف يكون كافيا لتجاوز روتين الحياة كما نعرفها». هناك أسباب كثيرة بالطبع يذكرها الكاتب وتقوم على أن تجاوز الكارثة لا يحدث إلا عندما تتحقق مناعة القطيع؛ وهذه على ضوء ما نعرفه من تحولات ومتغيرات كثيرة في الفيروس مستحيلة الحدوث.
في مصر، فإن التعامل مع الوباء لم يتماهَ مع أي من النظريتين، وإنما وضع الحالة المصرية نصب العين، وهى أنه من الضروري حماية البشر وحقهم في الحياة، وعلينا في نفس الوقت أن نواصل مسيرة بناء البلاد مع مراعاة التعلم من التجارب العالمية الأخرى بما يناسبنا ويتسق مع تقديرات منظمة الصحة العالمية. النتيجة في عمومها كانت معقولة سواء في عدد المصابين أو عدد الوفيات، فلم يحدث ارتفاع في معدل الوفيات نتيجة الكورونا، ولم تتعرض الدولة لأزمات في الرعاية الصحية إلا لفترة قصيرة في أعقاب رمضان وعيد الفطر من العام الماضي، ولا جرت أزمات من أي نوع في الدواء أو في الغذاء، وظلت مصر تنمو رغم الواقع العالمي والمصري الذي يعيش في ظل جائحة. التجربة هكذا حققت الكثير من أهدافها، والدولة في عمومها تستعد لحصاد الكثير من الإنجازات، وفى نفس الوقت فإنها تستعد لتعميق الإصلاحات الجارية في إطار مشروعات تعطى للقطاع الصحي القدرة على إنتاج اللقاح سواء من خلال الحصول على تراخيص للتصنيع كما جرى الاتفاق مع الصين، أو من خلال البحث العلمي والإنتاج المستقل للأدوية في مدينة متكاملة للدواء.. المشروعات الأخرى تعطى تركيزا كبيرا للاكتفاء الذاتي في الغذاء، مستخدمين في ذلك تكنولوجيات متقدمة لتقليل استخدام المياه والحصول على عائد أعلى من الكفاءة المحصولية والتوسع في التصنيع الزراعي.
التخطيط للمستقبل في مصر سوف يعتمد على ذات المعاملة المتوازنة بين الاحتراز والتنمية واستخدام اللقاحات في الداخل على نطاق واسع، وخاصة في المناطق الإنتاجية، سياحية كانت أو صناعية؛ مع التأكيد على اتباع كافة الوسائل الصحية للوقاية. ما يحدث حاليا فيه درجة عالية من التذبذب ما بين الحرص والتهاون، وأحيانا التهور، وخاصة تلك المرتبطة بالمناسبات الاجتماعية للوفاة أو الزواج؛ أو المناسبات الدينية في شهر رمضان وعيدى الفطر والأضحى.
إن مصر لا تملك رفاهية اتباع السيناريو المتفائل في التخطيط للمستقبل؛ ولا تبعة المضى وراء السيناريو المتفائل، لأن مهمتها الحالية هي المضى قدما في عملية البناء ووضع «رؤية مصر ٢٠٣٠» موضع التطبيق، بل تجاوز ما جاء فيها من أهداف طموحة. إن الموضوع على المحك هنا ليس مواجهة الزيادة السكانية فحسب، وإنما المحافظة على مكانة مصر بين الأمم.
