أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حفل إفطار الأسرة المصرية، إطلاق حوار سياسى شامل، تشارك فيه جميع أطياف المجتمع، ووضع دعمه الشخصى لإنجاز هذا الحوار من خلال عرض مخرجاته عليه شخصيا، فضلا عن وعده بحضور عدد من مراحله وجلساته. فى الحقيقة جاء الاعلان المهم هذه المرة بشىء من التفصيل، خاصة وهو مصحوب بعدد من القرارات البعض منها يمس جوانب الملف الاقتصادى، واخرى معنية بالقضايا الحقوقية والعمل المدنى بمختلف أنشطته الأهلية. لم تكن المرة الأولى التى يتناول فيها الرئيس هذا الأمر، ففى زيارته لمشروع توشكى العملاق وأثناء حديثه مع الحضور أشار إلى اطلاق هذا الحوار خلال أيام، لذلك فعندما جاء التأكيد بحفل الافطار, تبين أن الحوار صار فى موقع متقدم على الأجندة الرئاسية، بل ويمثل أولوية للدولة من أجل ضبط إيقاع العديد من القضايا فى تلك المرحلة الدقيقة.
فى تاريخ سابق كانت الدولة على وشك إطلاق ما أعلن عنه الرئيس مؤخرا، فى نهاية 2019 أثناء انعقاد منتدى شباب العالم بشرم الشيخ، حينها دارت فى الأروقة وفى أثناء عديد من جلساته، أطروحات مرتبطة بعبور المشروع المصرى لمرحلة يمكن تسميتها بـ«الفترة التأسيسية الاستثنائية». لاسيما والمشروع بثبات أقدامه فى تحقيق منجزات حقيقية وانفتاح أكثر من أفق واعد أمامه، يجعل الدولة فى حاجة لمزيد من قوة الدفع المستمدة من إصلاح سياسى يلبى طموحات أطياف عديدة من الرأى العام، ظلت طوال فترة الاصلاح الاقتصادى والمؤسسى، تشعر ببعض التململ من تجاهل هذا الملف. اللافت أن غالبية تلك الأطياف وضعت ثقتها ومازالت فى نظام الرئيس السيسى وبه شخصيا، فوفق ما اختبروه من شخصية الرئيس طوال سنوات يظل صاحب الجرأة فى اقتحام الملفات المعطلة، ولديه رصيد من المصداقية كما فى قضايا عديدة تؤهله بجدارة لإجراء الاصلاحات الهيكلية.
لكن وهذا من مفاجآت الطريق غير المتوقعة، جاءت أزمة كورونا بداية 2020 لتضرب العالم بحالة استثنائية مركبة، استلزمتها خطة مواجهة استنفرت فيها كل جهود الدولة، لتقليص حجم التداعيات لأقل قدر ممكن، والحفاظ على المكتسبات التى لم تأخذ حقها فى النماء والاستقرار. هذا الظرف الاستثنائى ربما تسبب عن غير قصد فى تراجع أولوية ملف الاصلاح السياسى، أمام عديد من مسارات الحركة الحتمية والعاجلة الأخرى، لكن المشروع المصرى الشامل عاد فى الوقت ذاته ليثبت قدرته وصلابته فى المواجهة، وأنه صار له منظومة محكمة ومنضبطة يمكنها استيعاب مثل تلك الهزات العالمية المخيفة.هذه الجدارة للمشروع الوطنى ربما اليوم وأمام أزمة دولية مماثلة، يحتاج لدعم اضافى وتعزيز للقدرات فهو كغيره من المشروعات الوطنية الكبرى، لم يكد بعد يحقق تمام التعافى من جائحة الكورونا حتى وجد نفسه أمام معضلة جديدة، على ذات القدر من التشابك والتعقيد فى تداعياتها الممتدة. لذلك قد يكون الحوار الشامل، يحين وقته اليوم بأهم من أى وقت مضى من دون أن نفقد بوصلة أننا بصدد دعم مشروعنا الوطنى للدولة المدنية الحديثة، التى وضعنا خيارنا وانحياز الغالبية الكاسحة من الشعب فى صف تأسيسها.
هذا لأن من الجدير ذكره؛ أن سحابة الغضب والضيق المكتوم فى الصدور البادى للعيان، فى الكثير منه يحمل رؤية مشوشة عن طبيعة المربع الذى نقف فيه اليوم، وهو ما استشعرته الحكومة خلال شهرين فقط من عمر الأزمة الأوكرانية، حيث خرجت الانتقادات لخططها التنموية بصيغة التربص، وكأن أولويتها التى لم يكن أحد يختلف عليها صارت اليوم هى السبب فى هذه المشكلة العالمية بامتياز. ما لمسته الحكومة استدعى ردا من رئيسها الدكتور مصطفى مدبولى، عندما أعطى له السيد الرئيس الكلمة خلال كلمته فى إفطار الأسرة المصرية، فبدت كلمات رئيس الحكومة ممزوجة ببعض العتب من الرأى العام الذى يطالعه يوميا بالتأكيد، مما جعله يذكر كلمة دالة لمستمعيه مشكورا لابد نتذكر احنا بدأنا من فين، معددا التحديات التى تواجهه فى نموذج المشروع القومى الكبير حياة كريمة، ومتعهدا فى الوقت نفسه أنه أمام جميع التحديات التى تلف المشهد العام، قادر على توفير التمويل الذى يضمن عدم الإخلال لا بخطة التنفيذ ولا بجودة ما يجرى انجازه على الأرض.
الإشكالية التى يواجهها جميع التنفيذيين فى مختلف دول العالم اليوم، والتى ليس ببعيد عنها رئيس الحكومة المصرية، أن الشعوب قلقة بحق وفاتورة الاحتياجات باتت تثقل كاهل الجميع على حد سواء. لكن ما يخص دكتور مدبولى وحكومته من المفارقة، أنه هو وبالذات المجموعة الوزارية حصد حجما هائلا، من اشادة هؤلاء الغاضبين اليوم وقت إدارته لأزمة كورونا، فلم يكن بعيدا كى ننسى أن الرأى العام المصرى حينها أدرك وأعطى صك النجاح والتقدير، لبرنامج الإصلاح الاقتصادى والتطوير الرقمى الذى وقف وراءه الرئيس السيسى بدعم هائل طوال أعوام 2016 و2017 و2018، حتى باتت قدرة الحكومة على المواجهة فى 2020 أكثر فاعلية وقادرة على استيعاب المخاطر، بل والاسراع فى خلق مسارات جديدة للتعافى كانت المراهنة عليها كبيرة. لذلك ما بين الإشادة العريضة والقلق المتنامى، تبرز أهمية الحوار السياسى الشامل اليوم، لأن منحنيات الصعود والهبوط فى حجم التأييد الشعبى هى قلب العملية السياسية، والحوار حول تفاصيل السياسات ومستهدفاتها يظل صحيا، طالما الجميع يقف على أرضية الإيمان بالمشروع الوطنى للدولة.
الأمة المصرية بالدعوة لهذا الحوار السياسى الشامل أظنها على موعد مع المستقبل، فما أنجزته خلال السنوات القليلة الماضية جدير بأن تنظر للأمام بقدر أكبر من الثقة، وشحن طاقة الاصلاح على الطريق، السبيل الوحيد له يتمثل فى الحوار الشفاف الذى ستجتمع عليه العقول النابهة، تظللهم إرادة نظام بدأ من اليوم الأول إصلاحيا ولا أظنه يتخلى عن عقيدة الحكم الراسخة لديه.
نقلا عن جريدة الاهرام السبت 30 أبريل 2022
المدير العام المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية