وفقًا للإعلانات الرسمية الأمريكية حول مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، مساء الاثنين، بتوقيت الشرق الأوسط؛ فإن العملية نفذتها وحدة عمليات مشتركة ما بين البنتاجون والاستخبارات، باستخدام صاروخين من طراز Hellfire R9X المحمول على طائرة دون طيار، تمكنت من اختراق أجواء كابل دون أن يتم رصدها، وتمكن الصاروخان من الوصول إلى الشرفة التي كان يتواجد فيها الظواهري دون أن يُصاب آخرون من عائلته التي تقطن معه المنزل ذاته في الحي الدبلوماسي في كابل. وبحسب خصائص الصاروخ Hellfire R9X فإنه يصيب الهدف من دون حدوث انفجار، حيث لا يحمل رأس حربيًا قابلًا للانفجار، الأمر الذي يشكك -إلى حد كبير- في الفيديوهات المتداولة في وسائل الإعلام حول العملية التي تُظهر دخانًا يتصاعد في سماء المنطقة، يؤكد ذلك أيضًا الصور التي تُظهر المنزل من الخارج حيث لم يتضرر سوى النوافذ فقط دون أي آثار تُذكر لحريق.
صاروخ الاغتيالات السرية الدقيقة
وتطرقت التقارير الأمنية الأمريكية إلى تفاصيل عديدة حول الصاروخ Hellfire R9X، كصاروخ معدل يعرف باسم (نينجيا هيلفاير) من عائلة الصواريخ (Hellfire)، لكنه خضع لعملية تعديل استغرقت سنوات للوصول إلى نسخة Hellfire R9X خاملة الرأس الحربي، بينما يعتمد على الكتلة المعدنية )45 كلجم) من المعدن المقوى، يتشكل طرفه من 6 شفرات (سيوف) قابلة للتمديد، ومصممة لتمزيق الهدف عند الاصطدام به دون التسبب في انفجار. ونظرًا للسرية التي تُحاط بهذا السلاح، حيث لم يتم الإعلان عن الطائرة دون طيار التي تحمله، إذ يعتقد أنها MQ-9Reaper، إذ من المعروف أن الطائرة التي تُستخدم عادة في حمل صواريخ Hellfire هي MQ-1 Predator، لكنها في العادة تحمل النوعية ذات الرؤوس المتفجرة، على نحو ما سبق في عملية اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني مطلع العام الماضي. وهو فرق واضح بين العمليتين، حيث كان سليماني ضمن موكب من السيارات المتحركة المدرعة على الأرجح، وهو ما فرض على منفذي العملية استخدام النوع المتفجر من تلك الصواريخ التي تستهدف الدروع.
في حين أن عمليات أخرى نفذت باستخدام الصاروخ غير المتفجر من نوعية Hellfire R9X، مثل عملية اغتيال القيادي البارز في تنظيم القاعدة أبو الخير المصري (صهر أسامة بن لادن) في مارس 2017 عندما كان يستقل سيارة من نوع (kia)، حيث اخترق الصاروخ السقف دون أن تنفجر السيارة. كما يعتقد وفق تقارير أمريكية غير رسمية أن عمليات اغتيال لقيادات أخرى في القاعدة مثل خالد العاروري في سوريا (يونيو 2020) وسياف التونسي (سبتمبر (2020، قُتلوا بالطريقة ذاتها في العراق وسوريا وليبيا واليمن وتونس والصومال.
دوافع عملياتية
إن عملية تحييد الهدف المقصود وتصفيته باستخدام هذا النوع، تهدف بالأساس إلى عدم تصفية آخرين في دائرة الهدف، مما قد يشكل انتهاكًا قانونيًا في بعض الحالات، حيث لا يتعلق الأمر بوجود ذوي المستهدفين، فقد يكون هناك عملاء أمريكيون في نفس المنطقة، أو أطفال، فقد بلغت العمليات التي نفذتها الطائرات دون طيار منذ عام 2001 وحتى 2019 14000 غارة في شمال باكستان وأفغانستان واليمن والصومال حتى عام 2019، قتل خلالها نحو 2200 مدني، من بينهم 454 طفلًا، وأصيب نحو 3900 آخرون، وكانت هذه العمليات محل انتقاد كبير في الأوساط الأمريكية العسكرية والمدنية على حد سواء.
ويمكن مقارنة العملية أيضًا بعملية تصفية أسامة بن لادن عام 2011، والتي نفذتها فرقة عمليات خاصة، وقامت بتصفية كل من في المنزل، لكن على ما يبدو فإن إدارة أوباما لم ترد تكرار هذا السيناريو في المستقبل مرة أخرى، خاصة وأن الرئيس الأمريكي جو بايدن لم يكن متشجعًا وقتها كنائب للرئيس أوباما لتلك الطريقة، وبالتالي جاءت عملية ابتكار سلاح يمكن أن يتعامل مع الهدف الوحيد ويقوم بتصفيته، وهو ما تم بالفعل في السنوات الخمس التالية.
ويُشير هذا الوضع أيضًا إلى أن الجانب الاستخباري في العملية والذي دام قرابة ثلاثة أشهر لمراقبة الظواهري، وهي عملية طويلة زمنيًا، فقد كان بايدن أيضًا في عملية بن لادن يدعو إلى التريث، بما يشير إلى أنه أراد التريث في هذه العملية أيضًا، لتقدير الموقف، من حيث إمكانية إلقاء القبض عليه حيًا، أو تصفيته، بالإضافة إلى طبيعة العمليات اللوجستية للمراقبة الطويلة والتعرف على تحركات الظواهري في مسكنه، حيث يبدو أنه لم يكن يغادره إلى مكان آخر.
على هذا النحو، يمكن أن يكون السلاح المستخدم في العملية مهمًا من الناحية اللوجستية لتنفيذ عملية ناحجة بدرجة كبيرة، لكن قد يكون البعد الاستراتيجي في العملية أكثر أهمية، من حيث الوصول إلى موقع الظواهري، ومتابعته لفترة من الزمن، تستتبع أن تكون هناك فرقة عمليات سرية شديدة الاحتراف، خاصة وأن الولايات المتحدة غادرت أفغانستان، وهو ما يعكس إحدى الرسائل المستهدفة من القيام بالعملية بهذا الشكل، خاصة لتغيير الانطباع السائد عن الطريقة الفوضوية التي صاحبت الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد قرابة 20 عامًا على الغزو، كما يعزز أيضًا من حسابات رد فعل حكومة طالبان التي آوت الظواهري، حيث إنها لا تجد هدفًا أمريكيًا قريبًا ومباشرًا يمكن استهدافه.