يمثل القطاع الصناعي حوالي 15 % من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، وله دور بارز في أجندة الإصلاح الاقتصادية، تلك الأجندة التي بنيت وفقاً لمبادئ رئيسية تعتمد على الابتكار والاستدامة وتعزيز العلاقات المصرية الأفريقية، مع توسيع قطاع الاستثمار في تصنيع المواد الأساسية، وتعزيز عملية التحول من التصنيع ذات القيمة المضافة المنخفضة إلى الصناعات مرتفعة القيمة المضافة والتكنولوجيا المكثفة.
يقع القطاع الصناعي المصري تحت مظلة تنظيمية تتألف من جهتين رئيسيتين، هما وزارة التجارة والصناعة، وهيئة التنمية الصناعية. تضع وزارة التجارة والصناعة خطط التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة التي تركز على التنويع وتعزيز قدرة المنافسة وتعزيز دور الابتكار والمعرفة، والتي تتفاعل جميعها بهدف زيادة صادرات مصر من المنتجات الصناعية غير التقليدية، بينما يأتي دور هيئة التنمية الصناعية التي تعمل تحت مظلة وزارة التجارة والصناعة لتكون المسئولة عن تنفيذ الخطط والسياسات وتخصيص الأراضي الصناعية ومنح الموافقات على المنشآت الصناعية خاصة التراخيص الخاصة بها. لكن تلك الجهات ليست الوحيدة التي تتعامل مع القطاع الصناعي في مصر، حيث تقوم الهيئة العامة للاستثمار بدور الوكالة الترويجية للترويج للاستثمار في مصر، وجذب الاستثمار الأجنبي، والتي تقوم بتسهيل الإجراءات وتشجيع اعتماد أنظمة الاستثمار الجديدة، مثل إنشاء مناطق اقتصادية عامة وخاصة مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. أما إذا كان الحديث عن مشروعات صناعية صغيرة ومتوسطة فهنا يبرز دور جهاز تنمية المشروعات الصغيرة. لكن كل تلك الجهات السابقة تعمل وفق هدف واحد هو تعزيز بيئة عمل الأعمال، وتسهيل الوصول إلى تمويل وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر للاستثمار بقطاع التصنيع في مصر.
بُذلت جهود كبيرة لتحسين البيئة التنظيمية وتحسين الاستثمار في قطاع التصنيع خلال السنوات الماضية، وشملت تلك الجهود سياسات لتعزيز الاستثمار في صناعات الثورة الصناعية الرابعة 4.0 والتي يمكن تسميتها بصناعة المعلومات. ووفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية فقد بلغ إجمالي الاستثمار في الصناعات غير البترولية في العام المالي 2020/21 حوالي 5.2 مليارات دولار، مثلت استثمارات القطاع العام منها حوالي 64 % بنحو 3.9 مليارات دولار، ومثل نصيب الاستثمار الأجنبي المباشر 36 % بحوالي 2.3 مليار دولار.
وفقا لمستهدفات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية فإن قطاع التصنيع غير البترولي لعام 2021-22 استهدف جذب استثمارات أجنبية مباشرة بحوالي 6.9 مليارات دولار، وهو ما يمثل قفزة كبيرة عن العام السابق له، وُضع ذلك المستهدف وفقاً لخطة الوزارة لإنشاء 13 مجمعًا صناعيًا للشركات الصغيرة والمتوسطة، من خلال إتاحة حوالي 10 ملايين متر مربع من الأراضي الصناعية للمستثمرين، ودعوة الشركات العاملة في مجال المنسوجات والملابس والألومنيوم والصلب والأسمدة، والسيارات الكهربائية، وإنتاج مكونات الطاقة المتجددة مثل الألواح والخلايا الشمسية للاستثمار بتلك المناطق، مع التركيز على البعد التكنولوجي والبيئي في تلك الصناعات لتحويلها إلى صناعات مستدامة وذات قيمة مضافة عالية.
من جانب آخر، أعلن وزير التجارة والصناعة في مارس 2022 أن الوزارة أعدت قائمة تتضمن 83 فرصة استثمارية للإنتاج المحلي، وحددت 131 منتجًا يمكن إنتاجه محليًا، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقلل من الفاتورة الاستيرادية للبلاد، هذا بالإضافة إلى إنشاء 17 مجمعًا صناعيًا بأكثر من 5000 وحدة صناعية في عدد 15 محافظة بتكلفة استثمارية تتخطي 635 مليون دولار.
وفي خطوة أخرى لزيادة التوطين، تم إطلاق مبادرة “ابدأ” لتوطين الصناعة المصرية بناء على تكليف من الرئيس عبد الفتاح السيسي من أجل تعزيز القطاع الصناعي في مصر، والاعتماد على المنتج المحلي وزيادة حجم الصادرات، وشملت تلك المبادرة شراكات مع القطاع الخاص في عدد من القطاعات المختلفة التي تشمل قطاع إنتاج الأجهزة الكهربائية المنزلية، وقطاعات الأسمدة والمواد الكيماوية، وقطع غيار السيارات ووسائل النقل، والصناعات المعدنية، والمحركات، والمولدات الكهربائية، والمعدات الثقيلة، وقد شملت تلك المبادرة عددًا من الحوافز والتسهيلات في صورة أراضٍ بحق الانتفاع، والإعفاء من الضرائب لمدة 5 سنوات، وهو الأمر الذي يمثل دافعًا قَوِيًّا نحو ضخ مزيد من الاستثمارات في قطاع الصناعة خلال الفترة المقبلة، وخلق مزيد من الفرص لرجال الأعمال المحليين والأجانب.
تصنيفات القطاع الصناعي
وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، يوظف القطاع الصناعي المصري حوالي 15 % من القوى العاملة، وتساهم قطاعات الصناعات التحويلية وتكرير النفط بحوالي 37.3 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2020/21، وهو ما يمثل حوالي 15 % من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ أنشطة التصنيع غير النفطية حوالي 27.1 مليار دولار بما يمثل 75 % من إجمالي القطاع الصناعي، بينما تمثل أنشطة تكرير النفط حوالي 10.2 مليارات دولار. كان لوباء كورونا أثر على نمو القطاع الصناعي المصري حيث تقلص نمو القطاع بنسبة 5.8 % بسبب الانكماش المترتب على الوباء والذي تسبب في انخفاض الطلب على عدد من القطاعات، لكن وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة التخطيط فقد استأنف القطاع الصناعي نموه في الربع الأول من عام 2021/22 بنمو يبلغ 15.2 % وهو ما دفع الوزارة إلى توقع نمو القطاع بشكل أكبر خلال ذلك العام.
يساهم القطاع الصناعي كثيف التكنولوجيا في الصادرات المصرية. فعلى سبيل المثال، شكلت المنتجات المصنعة عالية التقنية حوالي 32.9 % من صادرات القطاع الصناعي المصري، بينما مثلت الصناعات المتوسطة حوالي 37.7 % من صادرات القطاع، وكان نصيب التكنولوجيا المنخفضة حوالي 29.4 % من إجمالي الصادرات، ووفقًا لهيئة الأبحاث الفرنسية التابعة لكلية باريس للاقتصاد فإن الصادرات الصناعية المصرية تتكون من 22.2 % مواد كيماوية، 14.7 % المعادن الأساسية، 13.5 % الوقود، و10.8 % أطعمة ومشروبات، و8.2 % منسوجات.
خطة طموحة
تعتمد مصر في خطتها لتنمية القطاع الصناعي على إنشاء المجمعات الصناعية والمناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة والتي تستهدف تعزيز وتوطين الصناعة محليا وزيادة العمالة الرسمية وتعزيز الصادرات وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، تعطي السياسات الحالية مزايا إضافية لجذب الشركات العاملة في نفس سلاسل القيمة لتطوير التجمعات الصناعية المتخصصة، تمتلك مصر حاليا تسع مناطق حرة يمكن للمستثمرين الاستفادة من الحوافز والامتيازات المحددة الخاصة بكل منها، يعمل في تلك المشاريع حوالي 205 مشروعا (وفقًا لبيانات الهيئة العامة للاستثمار)، وقد وافقت الهيئة على إنشاء حوالي 13 مشروع آخر في مناطقها الحرة خلال الفترة بين يناير وأكتوبر على إنشاء حوالي 23 مشروع آخر بإجمالي تكلفة تقارب المليار دولار.
تأتي المنطقة الاقتصادية لقناة السويس على رأس تلك المناطق الخاصة في مصر وهي تمتد على مساحة تتجاوز 460 كم مربع، وتشمل بنية تحتية تتألف من أربعة موانئ تستهدف بها أن تكون مركزًا استثماريًا عالميًا ورئيسيًا للاستفادة من الموقع الجغرافي لتلك البقعة من أرض مصر في تحولها إلى مركز استثماري عالمي وبوابة العبور إلى إفريقيا، وتقدم تلك المنطقة امتيازات غير مسبوقة يأتي على رأسها السماح للمستثمرين الأجانب بامتلاك حتى 100 % من المشروعات، كما تحصل الشركات بتلك المنطقة على إعفاء من الرسوم الجمركية والضريبية على الواردات وعلى المبيعات. وتتكون تلك المنطقة من 4 مناطق صناعية رئيسية هي: المنطقة الصناعية السخنة، وشرق بورسعيد، والقنطرة غرب، وشرق الإسماعلية، وتستهدف المنطقة الاقتصادية لقناة السويس جذب الصناعات التحويلية الخفيفة، والمتوسطة والثقيلة والأنشطة ذات القيمة المضافة الأعلى مثل مكونات الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والمستحضرات الصيدلانية والأعمال الزراعية.
أحرزت مصر تقدمًا كبيرًا فيما يتعلق بالتنمية الصناعية من خلال إصلاحات متنوعة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وزيادة الإنتاجية، ومن المتوقع أن تعمل تلك السياسات الإضافية التي تمنح امتيازات للمستثمرين على التركيز على التصنيع كثيف التكنولوجيا وذات القيمة المضافة العالية، وهو ما يساعد في بناء وتعزيز قدرات مصر في الثورة الصناعية الرابعة، وتحقيق قيمة مضافة أكبر في القطاعات ذات القدرة التنافسية عالية التصدير، بما في ذلك المنسوجات والملابس والوقود والمعادن الأساسية.
نائب رئيس وحدة الاقتصاد ودراسات الطاقة