هل نعرف كيف يفكر الشباب المصرى؟، وما توقعاته وآماله؟، وما العقبات التي تواجهه والإحباطات التي يشعر بها؟. هل نعرف أفكاره بشأن الاقتصاد وفرص العمل، أو تقييمه للعملية التعليمية وتأهيله لسوق العمل؟، وهل نعرف القيم الاجتماعية التي يؤمن بها؟، أو أفكاره ومعتقداته السياسية؟.
الإجابه في الأغلب الأعم عن الأسئلة السابقة هي لا. قد يكون لدى بعضنا انطباعات عن أفكار الشباب حول عدد من القضايا، ولكننا بالتأكيد لا يوجد لدينا ما يكفى من دراسات علمية أو استطلاعات رأى حديثة تقدم لنا إجابات علمية ومدروسة حول ما يدور في عقل الشباب المصرى.
هذه الأسئلة وغيرها دارت في ذهنى وأنا أقرأ دراسة حديثة للباحث الهندى «فيفان ماروه» بعنوان «ماذا يريد جيل الألفية: فك شفرة أكبر جيل في العالم».
قام المؤلف بزيارة ١٣ ولاية في الريف والحضر، والتقى بمئات من الشباب الهندى الذي ينتمى لما يسمى
«جيل الألفية»، وهو الجيل الأكبر سنًّا في قطاع الشباب، والذى وُلد ما بين عامى ١٩٨١ و١٩٩٦. ويُعد الجيل الأول الذي عاش مرحلة التحول الرقمى والتكنولوجى (الهند لديها أكبر عدد من الشباب في العالم، حيث ٦٦٪ من سكانها، البالغ عددهم ١.٤ مليار نسمة، دون سن الخامسة والثلاثين، وما يقرب من ٤٠% من سكان البلاد تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٣٥ عامًا).
أهمية الكتاب بالنسبة للقارئ المصرى هي أنه بالرغم من الخصوصية التي يتميز بها المجتمع الهندى، فإن هناك تشابهًا في العديد من الظروف بين الهند ومصر، وبالتالى في البيئة التي يعيش فيها شباب البلدين، وتشكل أفكارهم.
الكتاب لا يعتمد على المقابلات الشخصية فقط، بل يستند إلى بيانات وأرقام ودراسات بحثية متعددة. الكتاب يتكون من خمسة أقسام تتعامل مع أفكار الشباب في القضايا التالية: التعليم، والتطلعات الاقتصادية، والتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى، والزواج ووجهات النظر الاجتماعية، والمواقف السياسية.
يذكر المؤلف أن أهم ما يتصف به أبناء جيل الألفية الهندى هو الشعور بالقلق، ليس بسبب حجم التغيير الكبير الذي يشهده مجتمعهم، ولكن لأن التغيير الذي يمس حياتهم كان قليلًا. ويشعر الشباب الهندى بعدم الأمان بشكل عام، ويوحدهم الإحساس بـ«عدم الأمان المالى»، حيث يتنافس عدد كبير جدًّا من الشباب الهندى على عدد قليل جدًّا من الوظائف الجيدة، وينضم شهريًّا إلى سوق العمل ما يقرب من ١.٣ مليون من جيل الألفية كل شهر ولا توجد وظائف كافية لهم جميعًا. ولا يزال الملايين يؤمنون بإغراء الاستقرار الذي توفره الحكومة للوظائف وليس العمل في القطاع الخاص.
ويكتب المؤلف أن تحرير الاقتصاد الهندى الذي بدأ في عام ١٩٩١ لم يغير الاقتصاد على الفور بالطريقة التي اعتقدها الكثيرون، وأفاد بشكل كبير أولئك الذين كانوا في وضع أفضل للاستفادة من الفرص الجديدة، وهم أبناء النخبة الحضرية الغنية والمثقفة، وسيطر أبناء هذه النخبة على القطاع الخاص، بعد أن استفادوا من شبكات الطبقة والعلاقات العائلية لمساعدتهم في الحصول على الفرص الجديدة.
وبالنسبة للتعليم يرى الشباب الهندى من جيل الألفية أن التعليم لم يعد إحدى آليات الحراك الاجتماعى، أو التذكرة المضمونة باتجاه التنقل إلى أعلى. ويذكر المؤلف: «ينخرط الشباب الهندى في دورة لا تنتهى من التعليم، ليس لأنهم يريدون تعلم المزيد ولكن لأنهم يائسون بشأن فرص توظيفهم». ويرون أن نظام التعليم «يعلم الأطفال ما يجب عليهم التفكير فيه بدلًا من كيفية التفكير».
وفيما يتعلق بالقيم الاجتماعية، يشير المؤلف إلى أن جيل الألفية الهندى لديه تطلعات مادية حديثة للغاية، لكنه يتبنى قيمًا محافظة بشكل متناقض بشأن القضايا الاجتماعية والثقافية.
وبالنسبة للقيم السياسية يذكر الكاتب أن التطورات الهائلة في التكنولوجيا والعولمة خلقت فرصًا للكثيرين، ولكنها أدت أيضًا إلى عدم الاستقرار ومشاكل في الهوية للكثيرين. وفى هذا العالم المتقلب، بدأ جيل الألفية الهندى في تفضيل القادة السياسيين الجريئين، الذين يَعِدون بحلول كبيرة وجريئة تتطلبها الهند. ووجدوا أسلوب القيادة «القوى» الذي يجسده رئيس الوزراء الحالى «مودى» ليكون أكثر ملاءمة لحل مشاكل الهند طويلة الأمد. ويجدون في رئيس الوزراء شخصية ملهمة لأنه يعطى لهم بصيص أمل، و«يريد الناخبون الشباب قادة يشبهونهم ويتحدثون ويصلون مثلهم»، وينجذبون بشكل متزايد للأفكار المتعلقة بالقومية الهندية.
باختصار كتاب جيل الألفية الهندى يعطى وصفًا كاملًا لأفكار وآراء أبناء هذا الجيل، ويمثل دراسة علمية رائدة تقدم التحليل والتوصيات للتعامل مع قضايا هذا الجيل. وما أحوجنا في مصر إلى مثل هذه الدراسات العلمية حول أفكار أجيال الشباب المتتابعة، هذه الأجيال التي يبدو أنها تنمو وتتشكل بعيدًا عن رادار الاهتمام وعدسة البحث العلمى.
