عدد من الملاحظات يمكن ان نشير إليها ونحن نتابع الانتخابات الأمريكية حتى التصويت يوم 5 نوفمبر المقبل.
أولي هذه الملاحظات ان هذه الانتخابات هى الأكثر تنافسية قى التاريخ الحديث للولايات المتحدة، وان فرص الفوز متعادلة بين المرشحين كامالا هاريس ودونالد ترامب.على سبيل المثال، وخلال الأسبوع الماضى، أظهر استطلاع رأى أجرته صحيفة نيويورك تايمز تعادلا حقيقيا بين المرشحين بنسبة 48% لكل منهما، وأظهر استطلاع أجرته شبكة سي إن إن تساوى المرشحين بنسبة 47%، في حين اظهر استطلاع رأى صحيفة الوال ستريت جورنال حصول ترامب على 47%، وهاريس على 45% والفارق بينهما يدخل في هامش الخطأ والذي يصل إلى نسبة 4%.
الملاحظة الثانية تتعلق بصناعة استطلاعات الرأي بالولايات المتحدة، فهناك ملاحظات كثيرة عليها. و تجربة استطلاعات الرأي في الانتخابات الرئاسية السابقة في 2016، و 2020 لم تكن دقيقة في التنبؤ بالنتيجة، والعينة التي استخدمت لم تعكس القاعدة الشعبية الحقيقية لترامب، وربما يكون ذلك أدى إلى زيادة نسبة هذه القاعدة في عينات استطلاع الرأي لهذه الدورة الانتخابية، و بالتالى تخرج النتائج متحيزة أيضا و لكن في الاتجاه المختلف، وقد اتضح ذلك في انتخابات التجديد النصفى لمجلس النواب عام 2022، حيث لم يتحقق التنبؤ بأن هناك موجة حمراء (لون الحزب الجمهورى) سوف تجتاج الكونجرس، و كانت النتيجة هي فوز الجمهوريين ولكن بنسبة اقل كثيرا من المتوقع. وبالتالي يجب التعامل مع مؤشر استطلاعات الرأى العام بحذر، والعبرة ستكون بالقدرة على تعبئة الناخبين للتصويت.
الملاحظة الثالثة إن هذه الانتخابات تتسم بقدر كبير من الاستقطاب والانقسام بين الناخبين الأمريكيين وفقا لخطوط محددة تتعلق بالنوع والجغرافيا ومستوى التعليم، فالرجال أكثر ميلا للتصويت لترامب والنساء أكثر ميلا لهاريس، وسكان الريف والمدن الصغيرة سيصوتون لترامب، في حين ان سكان الحضر والضواحي سيؤيدون هاريس، وأصحاب المؤهلات التعليمية يساندون هاريس، في حين ان غير المتعلمين يؤيدون ترامب.ولا توجد جهود حقيقية من كل مرشح لتوسيع قاعدته الانتخابية خارج هذه الانقسامات، وهو ما يعمق الاستقطاب في المجتمع الامريكى.
ملاحظة رابعة، هناك فئة من الناخبين يطلق عليها «أصحاب الكراهية المزدوجة) وهم غير راضين عن أي من المرشحين، وهم جزء من المزاج العام الامريكى ألذى يطالب بالتغيير، وغير راض عن سياسات إدارة بايدن (شعبيته وصلت إلى 40%) ورغم نداءات التغيير، فإن هاريس لم تقنع الناخب بشكل كاف بأنها ستكون مختلفة عن بايدن ،خاصة في سياساته التي ليس لها شعبية، وتخشى ان ابتعادها عن بايدن سيؤثر على الكتلة الانتخابية التي جاءت به إلى البيت الأبيض. اما ترامب فمفهومه عن التغيير يعنى العودة إلى الماضى، والى السياسات التي كان يطبقها فى أثناء فترته الرئاسية.
الملاحظة الخامسة هي إن الحملة الانتخابية تركز في أيامها الأخيرة على التخويف، وليس طرح السياسات أو الأمل في المستقبل.ترامب يخوف الناخبين من أن وصول هاريس إلى البيت الأبيض سيعني هجرة المزيد من المهاجرين غير الشرعيين للولايات المتحدة، وأن ذلك سيؤثر على فرص عمل وأمن ورفاهية المواطن الأمريكي. أو كما ذكر فإن الولايات المتحدة ستتحول إلى سلة مهملات وأنها بالفعل أصبحت دولة محتلة بالمهاجرين، وأن تاريخ تحرر الولايات المتحدة سيكون يوم 5 نوفمبر عندما يصوت الأمريكيون له. في المقابل فإن هاريس تخوف الأمريكيين من أن ترامب سيكون نموذج القائد الفاشى غيرالديمقراطي، وسيسلب الأمريكيين، خاصة السيدات حقوقهم وحرياتهم. ويرتبط بماسبق ان هناك جانبا كبيرا من القلق لدى الأمريكيين بشأن هذه الانتخابات، وهناك تخوف من أن النتيجة قد لا تحسم مساء يوم التصويت كما جرت العادة، وتوقع خلافات قانونية بشأنها، وعدم اعتراف ترامب بالنتيجة لو أعلن خسارته، واستخدام أنصار ترامب العنف بشكل أوسع للتعبير عند عدم قبولهم النتيجة.
الملاحظة السادسة هي أن هذه الانتخابات قد تشهد تأثير ما يسمى مرشح الحزب الثالث، فبالاضافة إلى مرشحى الحزبين الديمقراطى (هاريس) والجمهورى (ترامب)، فهناك عدد من المرشحين الآخرين أبرزهم «جيل ستين» مرشحة حزب الخضر، وقد تحصل على نسبة من الأصوات من القاعدة الأصلية لكامالا هاريس، خاصة من الشباب ومن العرب والمسلمين الأمريكيين، الذين سيصوتون لها تعبيرا عن احتجاجهم على مواقف إدارة بايدن/ هاريس من حرب غزة، وتأييدهما غير المشروط لإسرائيل. التصويت لمرشح الحزب الثالث سيؤثر بالسلب على فرص هاريس في الوصول للبيت الأبيض فيما يعرف بالولايات المتأرجحة، خاصة ولاية ميتشجان.
الملاحظة الأخيرة هي ان نتائج الانتخابات ستكون لها نتائج على المشهد السياسى والحزبى لسنوات طويلة، ففوز ترامب سوف يرسخ الترامبية في الخريطة السياسية الأمريكية لعدة سنوات مقبلة، وخلق نخبة سياسية جديدة مؤمنة بها وتسعى لتحويلها لسياسات تنفيذية، وسيكون نائب الرئيس المرشح «جى دى فانس» هو الامتداد الطبيعى لترامب ولسنوات مقبلة. اما هزيمة ترامب فقد تؤدى إلى انكسار الموجة الشعبوية داخل الحزب الجمهوري، وعودة التيار التقليدي ويمين الوسط إلى قيادة الحزب.
اما فوز هاريس فسوف يرسخ مكانة تيار يسار الوسط في الحزب الديمقراطي، وهزيمتها قد تؤدى إلى انتفاضة ضد التيار الوسطى بالحزب، واتساع مساحة ونفوذ التيار التقدمى اليساري بالحزب. باختصار نحن امام تحولات سياسية كبرى بالولايات المتحدة ترتبط بنتائج الانتخابات الرئاسية، وعلينا أن ندرس حجم هذه التحولات وتأثيرها علينا، وأن نستعد للتعامل مع الرئيس الامريكى الجديد.