الحصة هي وحدة قياس ممارسة التدريس في نظام التعليم المصري، وعلى الرغم من إلغاء نظام الحصص واستبداله بنظام الفترات، وتغيير المدة الزمنية للفترة الواحدة؛ إلا أن قانون كادر المعلم يقر الحصة كوحدة لتحديد النصاب الأسبوعي للمعلمين، ويخصص القانون أنصبة الحصص الأسبوعية لكل درجة وظيفية بعلاقة طردية، فكلما ارتفعت الدرجة الوظيفية، والتي يرتقي إليها المدرس بعد قضاء فترة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات في الوظيفة الأدنى، كلما انخفض النصاب الأسبوعي لعدد الحصص. كذلك يضع القانون بعض الاشتراطات والاستثناءات التي في ظاهرها تنظيم لآليات الترقي الوظيفي، وتقلد الوظائف القيادية والإشرافية، وفي باطنها ثغرة ينتج عنها معلمون لا يمارسون مهنة التدريس.
الوظائف القيادية والإشرافية وآليات الترقي.. فجوات في قانون المعلم
يحدد الباب السابع من قانون كادر المعلم رقم (155) لعام 2007 ست درجات وظيفية للتعليم تبدأ بالمعلم المساعد، ثم المعلم، فالمعلم الأول، ثم المعلم أول (أ)، فالمعلم الخبير، وأخيرًا درجة كبير المعلمين، ويتراوح المدى الزمني فيما بين الدرجة الوظيفية والتي تليها من (3-5) سنوات وفق اشتراطات محددة، مثل: اجتياز دورات تدريبية بعينها، واستكمال ملف الترقي الوظيفي، أو الحصول على درجتي الماجستير أو الدكتوراه لتخفيض المدة البينية للترقي بمقدار من (2-4) سنوات، ويوضح الجدول (1) سُلم الدرجات الوظيفية للمعلمين وما يقابلها من درجات مالية.
جدول (1): معادلة وظائف التعليم للدرجات المالية
تحدد الدرجات الوظيفية الأنصبة التدريسية الأسبوعية حسب كل مرحلة تعليمية وفق تعديلات المادة (22) من قانون كادر المعلم عام 2013، ويقع الحد الأدنى من نصاب الحصص الأسبوعية بين 16- 14 حصة تبدأ من درجة معلم أول (أ) ومعلم خبير في المرحلة الثانوية، وكبير معلمين في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، بينما يتراوح الحد الأقصى من نصاب الحصص الأسبوعية بين 24 – 20 حصة أسبوعيًا وتبدأ من درجة معلم مساعد في المرحلتين الابتدائية والإعدادية وحتى درجة معلم أول (أ) في المرحلة الابتدائية فقط، كما هو موضح بالجدول (2).
جدول (2): النصاب الأسبوعي لعدد الحصص للمعلمين حسب الدرجة الوظيفية والمرحلة التعليمية
وإذا تُرجمت هذه الأرقام إلى ساعات تدريسية – كوحدة قياس دولية للتعليم الفعلي في المدارس – يتضح أن إجمالي عدد ساعات المعلم المساعد في المرحلة الابتدائية في مصر وفقًا للنصاب الأسبوعي (24 حصة أسبوعيًا X زمن الحصة 45 دقيقة = 18 ساعة أسبوعيًا أي نحو 3.5 يوميًا) مضروبًا في أيام الدراسة (وفقًا للخريطة الزمنية الصادرة عن الوزارة للعام الدراسي 2022/2023 = 194 يوم) سيبلغ إجمالي عدد الساعات التدريسية للمعلم الواحد نحو 698 ساعة تدريسية، لكن السؤال الأقرب للواقع هو: كم عدد ساعات التدريس الفعلية لكل معلم سنويًا حسب درجته الوظيفية، وكم عدد إجمالي ساعات التدريس الفعلية سنويًا في التعليم قبل الجامعي؟ فالإجابة على هذه التساؤلات تقودنا إلى معرفة كم معلم غير ممارس لمهنة التدريس في المدارس، خاصة وأن قانون كادر المعلم في المادة (22) يسمح بتخفيض نصاب المعلم الأقدم بمقدار حصتين أسبوعيًا نظير تولي مهام الإشراف على المادة التعليمية، وهي المهام والمسئوليات ذاتها المنوطة بالموجه الفني للمادة التعليمية، ولا تمثل أي مكافأة للترقي الوظيفي ولا تخدم مهامها تحقيق أهداف العملية التعليمة، خاصة وأن القرارات الوزارية في الأعوام الأخيرة، والمتعلقة بأعمال الامتحانات أو التدريب الداخلي للمعلمين، قد جردت مشرفي المواد من مهامهم الأساسية وأوكلتها لجهات أخرى مثل الأكاديمية الوطنية للتدريب، أو بعض الأقسام والإدارات المتخصصة والمستحدثة داخل المديريات التعليمية.
تَقلُّد الوظائف القيادية والإشرافية هي ثغرة أخرى في قانون التعليم تُخلف مزيدًا من الهدر في عدد الساعات التدريسية الفعلية للمعلمين داخل المدارس، حيث نص قانون 16 لعام 2019 بتعديل بعض أحكام قانون التعليم رقم 139 لعام 1981، وقد تناول التعديل تغييرات جوهرية في بعض مواد الباب السابع الخاص “بكادر المعلم” المضاف بموجب قانون 155 لعام 2007، وتحديدًا المادة (79) التي تنظم إجراءات التعيين في مناصب مدير مدرسة ووكيل مدرسة لتتسع وتشمل مناصب مدير إدارة تعليمية، ووكيل إدارة تعليمية، وتضم اشتراطات أبرزها إتاحة شَغل هذه المناصب للمعلمين بطريقة الاختيار بدءًا من درجة (معلم أول – أ) أو ما يعادلها بأقدمية سنتين على الأقل، وهي الدرجة الوظيفية التي يحق بموجبها لأي معلم التحول إلى وظيفة إدارية والعزوف عن ممارسة التدريس. بمعنى آخر بعد ثماني سنوات من التعيين يحق لأي معلم بموجب القانون بعد الحصول على درجة معلم أول عدم ممارسة التدريس، دون قيود أو اشتراطات تراعي عجز المدرسين جغرافيًا أو تخصصيًا في بعض المواد التعليمية ودون ضرورة حقيقية لتولي هذه المناصب.
واقع ممارسة التدريس.. معلمون لا يدرسون
يبلغ إجمالي عدد المعلمين في مراحل التعليم قبل الجامعي نحو 955 ألف معلم ومعلمة، وفق البيانات الصادرة بأحدث كتب الإحصاء السنوي للعاملين بوزارة التربية والتعليم عام 2023، يقسمهم الكتاب الإحصائي بحسب المراحل التعليمية إلى درجات تبدأ من درجة معلم حتى درجة كبير، ويستبعد الكتاب درجة معلم مساعد من الإحصائيات دون ذكر أي أسباب لهذا الاستبعاد، كما يقسم الكتاب الإحصائي المعلمين إلى مشرفين وغير مشرفين، بدءًا من درجة معلم أول وحتى درجة كبير معلمين، ويضيف وظيفة “وكيل يدرس” لجدول أعداد المعلمين حسب النوع والوظيفة للعام الدراسي 2022-2023 كما هو موضح بالجدول (3).
جدول (3): أعداد المعلمين حسب النوع والدرجة الوظيفية والمرحلة الدراسية للعام الدراسي 2022 -2023
المصدر/ كتاب الإحصاء السنوي الصادر عن وزارة التربية والتعليم 2023.
https://emis.gov.eg/Site%20Content/book/2022-2023/pdf/ch4.pdf
لا يوضح الجدول السابق أعداد المعلمين الممارسين لمهنة التدريس فعليًا في المدارس، لذلك لا يمكننا حساب عدد الأنصبة الأسبوعية للحصص، وبالتالي يتعذر أيضًا حساب الساعات التدريسية الفعلية للمدارس، من جهة أخرى يكتفي كتاب الإحصاء السنوي باستعراض نسب المعلمين الممارسين للتدريس لغير الممارسين دون توضيح لمنهجية حساب هذا المؤشر التربوي كما يصنفه ضمن الباب الخامس “مؤشرات تربوية”. المشكلة أن هناك عدم دقة بالغ في هذا البيان، لدرجة تجعل من المستحيل فهم المقصود منه ولا معناه، فمن غير الواضح ما إذا كان يقيس نسبة أم معدلاً، ونسبة أو معدل ماذا بالضبط. وكل ما يمكن استنتاجه هو أن النسبة أو المعدل الذي يقيسه هذا البيان ظلت تقريبًا ثابتة بين العام الدراسي 2021 و2022، في جميع المراحل التعليمية كما هو موضح بالشكل (1).
شكل (1): نسبة الممارسين للتدريس لغير الممارسين بمراحل التعليم للعامين الدراسيين 2021- 2023
المصدر/ كتاب الإحصاء السنوي (المؤشرات التربوية) الصادر عن وزارة التربية والتعليم. https://emis.gov.eg/Site%20Content/book/021-022/pdf/ch5.pdf
https://emis.gov.eg/Site%20Content/book/2022-2023/pdf/ch5.pdf
يتضح من الاستعراض السابق للبيانات أنه مع غياب البيانات الدقيقة واضطراب حساب معدلات ونسب المعلمين القائمين بالتدريس، يصعب حساب الساعات الفعلية للتدريس ومقارنتها بأنصبة الحصص المطلوبة. فإذا ما أردنا حساب عدد أنصبة الحصص مقارنة بالعدد الفعلي للمعلمين بحسب الدرجات الوظيفية مع استبعاد فرص الترقي للوظائف الإشرافية أو القيادية (دون ضبط اشتراطاتها)، سنجد أنه بسبب غياب حصر عدد المعلمين ضمن وظيفة معلم مساعد أو (معلم بالحصة – أو التعاقد – وخلافه) سيصعب تحديد العجز في عدد الحصص، وبالتالي صعوبة قياس نسب العجز في عدد المعلمين بشكل عام.
مجمل القول، إن تحليل أبعاد ظاهرة عجز المعلمين تحتاج إلى مراجعة التشريعات المنظمة لترقي المعلمين، وآليات شغل المناصب الإشرافية والقيادية بما يضمن الحفاظ على سير العملية التعليمية، وعدد الساعات التدريسية الفعلية داخل المدارس، وكذلك من الضروري أن يتم تدقيق إحصائيات المعلمين الممارسين للتدريس إلى غير الممارسين، وتوضيح ما إذا كانت هذه البيانات تمثل نسبًا أم معدلات للمعلمين الممارسين للتدريس حتى يتم حساب الساعات التدريسية الفعلية بدقة، ورصد أعداد الوظائف الشاغرة لكل درجة وظيفية مستقبلًا بسهولة.