في عصر يغلب فيه التفكير المبتكر في تطوير الأعمال الريادية الجاذبة للمستهلك تحرص الدول المختلفة على جذب حصة أكبر من الشركات الناشئة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية العالمية غير العادية والتي تستدعي أفكارًا وحلولًا غير عادية لمواجهتها.
ويمكن التفرقة بين مفهوم ريادة الأعمال والشركات الناشئة؛ حيث يتسمان كلاهما بعنصري المخاطرة والإبداع، إلا أن ريادة الأعمال تستهدف تطوير سلع وخدمات يمكن من خلالها حل مشكلات أو تسهيلات المهام الحياتية للأفراد والشركات والحكومات، ومن ثم تواجه مخاطر تتعلق بتطوير الأفكار وتحويلها لمنتجات وتقديمها للأسواق. ولا يرتبط مفهوم ريادة الأعمال بحجم معين من الشركات أو مرحلة معينة من دورة حياة المشروع، أما الشركات الناشئة فهي ترتبط بالمراحل الأولى من حياة المشروع الذي يتميز بإمكانيات النمو السريع وفرص التوسع، ويقدم منتجًا يعتمد بالأساس على التكنولوجيا.
كما تختلف الشركات الناشئة والريادية عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتعمل تلك الأخيرة وفقًا لنموذج العمل التقليدي ولكن برأس مال منخفض، أما الشركات الريادية فتتبع نموذج العمل القائم على الابتكار والمبادرة والمخاطرة والسرعة، وقد لا تمتلك أي أصول ولكن لديها القدرة على التحكم وإدارة أصول وموارد يملكها آخرون مقابل مشاركة الأرباح، ويتميز هذا النمط بالقدرة على النمو والانتشار السريع.
مؤشرات ريادة الأعمال في مصر
أوضح استطلاع رأي صادر عن Global Entrepreneurship Monitor (GEM) لعام 2021/2022 تزايد الاهتمام بريادة الأعمال والشركات الناشئة بين المصريين؛ حيث أظهرت النتائج أن 75.6% من المصريين يفضلون مجال ريادة الأعمال كمسار مهني، بينما وصل المتوسط العالمي نحو 68.7% وبلغت تلك النسبة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 77.8%، وبذلك تستحوذ مصر على المركز 14 من بين 47 دولة فيما يتعلق بتفضيل العمل في مجال ريادة الأعمال. ووفقًا للتقرير فإن الدور الإعلامي لتحفيز ريادة الأعمال يُعد مواتيًا بالنسبة لنحو 78.5% من المصريين، وتعد تلك النسبة من أعلى النسب في مختلف الدول التي يغطيها التقرير، فقد استحوذت مصر على المرتبة 12 من بين 47 دولة.
وبشأن توافر الفرص، فقد بلغت نسبة المصريين الذين لديهم القدرة على خلق فرص ناجحة لشركات جديدة بالسوق نحو 73.2% وهي أعلى من المتوسط العالمي المقدر بنحو 54.8% ووضعت تلك النسبة مصر من بين أعلى عشر دول في توفر الفرص الجيدة. أما فيما يتعلق بالقدرات والمهارات، فإن 65.8% من المصريين يعتقدون أن لديهم القدرات اللازمة لبدء النشاط التجاري، وتُعد تلك النسبة مرتفعة أيضًا مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 57.9% وأقل قليلًا من متوسط منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي سجل 67.5%.
ووفقًا للاستبيان فقد أشار نحو 56.4% من المصريين من غير رواد الأعمال إلى رغبتهم في بدء أعمالهم التجارية في مصر خلال الثلاث سنوات القادمة، واحتلت مصر المرتبة الثالثة من بين 47 دولة شملها التقرير، حيث تجاوزت نسبة مصر ضعف المتوسط العالمي الذي سجل 27.2%. أما عن سهولة ممارسة الأعمال، فقد أشار 72.4% من المصريين إلى سهولة ممارسة الأعمال في مصر وفقًا لاعتقادهم، وبتلك النسبة حصلت مصر على المرتبة السابعة وتفوقت على المتوسط العالمي البالغ 51.4%.
وقد شمل الاستبيان تحديد عدة أسباب لبدء الأعمال، وتمثلت اختيارات المصريين في توفير مصدر دخل للعيش في ظل عدم توفر فرص عمل أخرى بنسبة 86.9%، تكوين ثروات بنسبة 72.4%، إحداث تغيير في العالم بنسبة 63.4%.
وعلى مستوى توفير فرص عمل، فقد أوضح الاستبيان أن نحو 34.8% من رواد الأعمال يتوقعون توظيف 6 أفراد أو أكثر خلال الخمس سنوات المقبلة، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 26.7%. وقد سجلت مشاركة شركات ريادة الأعمال في التصدير 6.9% عام 2021 مقارنه بنحو 3.3% عام 2020.
وفي مقابل ارتفاع كافة المؤشرات الخاصة بريادة الأعمال السابق ذكرها، جاء مؤشر الخوف من الفشل مسجلًا نسبة مرتفعة للغاية تُعد الأعلى بين الدول التي شملها الاستبيان؛ حيث أشار نحو 65% من الأفراد الذين أفادوا بتوفر فرص جيدة للعمل أنهم لن يقوموا بتنفيذها خوفًا من المخاطر المرتبطة بالشركات الجديدة، وعلى الرغم من ارتباط تلك النسبة بالسمات الشخصية للأفراد، إلا أنه ينبغي التوقف عندها وتحليل أسبابها الموضوعية.
وقد شمل التقرير بعض المؤشرات التي تؤكد وجود عدد من التحديات تواجه رواد الأعمال في مصر، وتتطلب تدخلًا فوريًا لمواجهتها، ومن بين تلك المؤشرات: أن نحو 3.6% من المصريين فقط أفادوا بانخراطهم في مجال ريادة الأعمال خلال عام 2021، وتمثل تلك النسبة نصف المتوسط العالمي، وتشير إلى خروج عدد كبير من رواد الأعمال بعد البدء فيه. وقد أشار التقرير إلى أن أبرز أسباب الخروج وتوقف العمل مرتبط بتداعيات جائحة كورونا بنسبة 38.8%، وتراجع ربحية الأعمال بنسبة 35.8%، وذلك بالإضافة لعدد من الأسباب الأخرى المرتبطة بالعبء الضريبي والبيروقراطية وعدم إتاحة الموارد، والتمويل. وقد أوضح التقرير ضعف مشاركة المرأة في الأعمال التجارية والتي تقل عن ثلث مشاركة الرجل، وحصلت مصر على المرتبة الأدنى فيما يتعلق بتسرب رائدات الأعمال.
متطلبات تعزيز ريادة الأعمال في مصر
يلاحظ إدراك الدولة لأهمية تحفير فكر ريادة الأعمال والعمل الحر، وقد تم بالفعل تبني عدد من السياسات التي من شأنها جذب العديد من رواد الأعمال المصريين والأجانب، وعلى الرغم من تطوير مناخ الأعمال في مصر المتعلق بريادة الأعمال، إلا أنه لا يتطور بنفس قدر تطور الأفكار الإبداعية لرواد الأعمال.
وتتعدد آليات تعزيز ريادة الأعمال، فمنها: دعم النظام البيئي الخاص بها والذي يتميز بالخصوصية الشديدة، وتطوير بيئة العمل الملائمة للطبيعة الخاصة للشركات الناشئة ورواد الأعمال، والحرص على تطوير النظم التعليمية بما يضمن تنمية المواهب وتعزيز ثقافة والعمل الحر، وتيسير قنوات تمويلية ملائمة، وتقديم تيسيرات وحوافز ضريبية وغير ضريبية، وتوفير حاضنات ومسرعات الأعمال، وتعزيز الشراكة بين القطاع الحكومي والخاص في مجال ريادة الأعمال.
ومع أهمية كافة تلك الآليات وتكاملها، إلا أن أوضاع الشركات الناشئة في مصر تشير إلى حتمية البدء الفوري من خلال تطوير بيئة العمل الجاذبة للشركات الناشئة، ويتحقق ذلك من خلال عدة متطلبات، فعلى المستوى التشريعي يلاحظ أن إدراج الضوابط الخاصة بمشروعات ريادة الأعمال ضمن قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر رقم 152 لسنة 2020 يوضح أن هناك خلطًا بين مفهوم الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة، ومن ثم ينبغي إتاحة البيئة القانونية والتنظيمية التي تتناسب مع الطبيعة الخاصة لريادة الأعمال والشركات الناشئة. وعلى المستوى المؤسسي، يلاحظ عدم وجود جهة وحيدة يمكن أن يلجأ إليها رائد الأعمال لبدء عمله، بل على العكس قد تتعارض الضوابط الخاصة بريادة الأعمال من جهة لأخرى، فضلًا عن مواجهة العوائق البيروقراطية ونمطية الإجراءات التي تعرقل بدء الأعمال. أما على المستوى التكنولوجي، فعلى الرغم من تطوير البنية التكنولوجية في مصر، إلا أنها ما زالت تعد أحد معوقات تطوير ريادة الأعمال وزيادة تنافسيتها.