تُعد مصر واحدة من الدول التي تُولي اهتمامًا كبيرًا لقضية تخفيض الأسعار وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين. وتعتبر الأسعار المعقولة والمناسبة أمرًا حيويًا لضمان حياة كريمة وتحقيق التوازن الاقتصادي كما تعزز الحكومة المصرية جهودها في هذا الصدد من خلال تنفيذ مبادرات لتخفيض الأسعار وتقديم الدعم للمواطنين في مختلف القطاعات الحيوية. تشمل مبادرات الحكومة أيضًا تخفيض أسعار المواد الأساسية والسلع الاستهلاكية. وتتعاون الحكومة مع الجهات المعنية للتحكم في التضخم ومراقبة الأسعار وتنظيم السوق لضمان توفر المواد الأساسية بأسعار معقولة ومناسبة للمواطنين.
الموجة التضخمية العالمية
يشهد العالم حاليًا موجة تضخم قاسية تعد واحدة من أشد الموجات التضخمية خلال العقود الماضية. يعزى هذا الوضع إلى تداخل وتعدد الأزمات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، مما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم العالمي إلى 8.8٪ عام 2022، وهو أعلى مستوى تم تسجيله خلال الـ 25 عامًا الماضية. وهذا يُقارن بمعدل التضخم البالغ 4.2٪ في المتوسط خلال فترة (1997-2021). وشهدت بعض الدول معدلات تضخم تُعد الأعلى خلال الأربعين عامًا الماضية، وارتفعت معدلات التضخم في نصف دول العالم إلى 10٪ أو أكثر، ووصلت إلى 100٪ أو أكثر في بعض الدول الأخرى خلال عام 2022. ويعود سبب الموجة التضخمية الحالية إلى عدة عوامل أبرزها: الأزمة الروسية-الأوكرانية: استمرار التوترات الجيوسياسية والصراعات بين روسيا وأوكرانيا تؤثر على الاستقرار الاقتصادي العالمي وتصاعد التوترات قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز وتأثيرها على تكاليف الإنتاج والنقل وبالتالي زيادة التضخم. تشديد السياسة النقدية وارتفاع أسعار الفائدة حيث رفع بعض البنوك المركزية أسعار الفائدة للتصدي للتضخم المتزايد. هذه الخطوة تهدف إلى تقليل الإنفاق وتحفيز التوفير، ولكنها قد تزيد من تكاليف الاقتراض وتؤثر على الأسعار العامة. كما تعاني العديد من الدول من اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية بسبب قيود النقل وقلة الموارد والمشاكل اللوجستية، مما يؤدي إلى نقص السلع وزيادة أسعارها. بالإضافة إلى العديد من الدول تشهد أزمة في إمدادات الطاقة، سواء بسبب تقلص الإنتاج أو ارتفاع أسعار الوقود. هذا يؤثر على تكلفة الإنتاج والنقل هذه العوامل وغيرها تجتمع لتشكل موجة تضخم قوية وتعقيديه تؤثر على الاقتصاد العالمي وترفع مستويات التضخم.
إجراءات الحكومة المصرية لمجابهة ارتفاع الأسعار
بداية من 2022 تتبني الحكومة العديد من الإجراءات لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين في مواجهة الضغوطات السعرية حيث تم تخصيص 130مليار جنيه للتعامل مع تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، وتخفيف آثارها على المواطنين. كما تمَّ رصد إجراءات اتخذتها الحكومة لتعزيز الحماية الاجتماعية، والحد من التداعيات السلبية لارتفاع الأسعار، موزعة على 6 محاور رئيسية من واقع حزم الحماية الاجتماعية التي تم إطلاقها، وكان آخرها الحزمة التي تم الإعلان عنها سبتمبر 2023 فضلًا عن مخصصات الحماية الاجتماعية في موازنة العام المالي الجاري 2023/2024 البالغة 529.7 مليار جنيه، بزيادة تُقدر بنحو 48.8% عن العام المالي الماضي. ومن تلك الإجراءات التي تتمثل في التعجيل بزيادة الأجور والمرتبات والمعاشات، وتقديم الدعم اللازم لمواجهة ارتفاع الأسعار، حيث تم في هذا الإطار على سبيل المثال زيادة الحد الأدنى للعلاوات المقررة للعاملين بالدولة والتعجيل بزيادة الأجور للمرة الخامسة خلال السنوات الأربع الماضية وذلك بمثابة إدراك كامل للوضع الاقتصادي الذي يعيشه المصريون، حيث ارتفع الحد الأدنى للأجور من 1200 جنيه في مارس 2019 ليصل إلى 4000 جنيه في سبتمبر من عام 2023 بنسبة زيادة تتجاوز 230% خلال تلك السنوات. ومن المتوقع أن تكلف تلك الزيادة الموازنة العامة للدولة حوالي 2.5 مليار جنيه شهريًا بواقع 25 مليار جنيه حتى نهاية العام المالي (2022/2023) اعتمادًا على أن العاملين بالدولة حوالي 5 ملايين موظف.
وقد تم مضاعفة العلاوة الاستثنائية سبتمبر 2023 لأصحاب المعاشات الاجتماعية وزيادتها لتصبح 600 جنيه بدلًا من 300 جنيه يستفيد منها حوالي 11 ملايين مواطن. وذلك يُعني أن الموازنة العامة للدولة ستتكلف شهريًا حوالي 3.3 مليارات جنيه، وستتكلف حوالي 33 مليار جنيه حتى نهاية موازنة العام 2023/2024. كما تم رفع الحد الأدنى للإعفاء من ضريبة الدخل من 36 ألف جنيه إلى 45 ألف جنيه بزيادة قدرها حوالي 25%، أي بحوالي 9000 جنيه وذلك يُكلف الموازنة العامة للدولة حوالي 3.8 مليارات جنيه.
وبالنسبة لإجراء دعم السلع التموينية؛ ارتفعت المخصصات الموجهة للدعم في الموازنة الجديدة 20232024 إلى 451.7 مليار جنيه مقارنة بـ 331.2 مليار جنيه في الموازنة الحالية 2022/2023، بزيادة بلغت نسبتها نحو 36%، وقد حظيت 5 هيئات اقتصادية بالزيادة الحاصلة في الدعم بالموازنة الجديدة.
ومن الإجراءات الأخرى التي اتخذتها الحكومة حيث تم تخصيص نحو 22 مليار جنيه لتمويل برنامج
تكافل وكرامة، بما يسمح بتقديم دعم نقدي للأسر الأقل دخلًا، متضمنة 450 ألف أسرة جديدة تبلغ حوالي 2.4 مليار جنيه سنويًّا وذلك عام 2022. ووفقًا للبيان المالي للموازنة الخاصة بعام 2023/2024، فقد بلغت مخصصات برنامج تكافل وكرامة حوالي 31 مليار جنيه، وعليه فإن تلك الزيادة تُكلف الموازنة العامة للدولة حوالي 3.9 مليار جنيه خلال الأشهر المتبقية بالموازنة وذلك تم الإعلان عنه سبتمبر 2023.
كما اتخذت الحكومة إجراء آخر يتعلق بتخفيف بعض الأعباء عن كاهل المواطنين، ورفع جودة الخدمات المقدمة لهم ففي أغسطس 2023، أعلنت الحكومة عن استمرار العمل بالقرار السابق إصداره بشأن عدم زيادة أسعار الكهرباء كما تم مد إرجاء تطبيق الزيادة المُقررة في تعريفة بيع الطاقة الكهربائية المُعتمدة، لستة أشهر أخرى حتى أول يناير 2024 وبذلك تكون الدولة قد أرجأت الزيادات المقررة لمدة 18 شهراً، مراعاة للظروف والتحديات الاقتصادية وتصل تكلفة التأجيل إلى 10 مليارات جنيه.
ومن الإجراءات الأخرى التي اتخذتها الحكومة؛ القيام برفع مستويات كفاية المخزون من السلع الاستراتيجية وتعزيز الكميات المطروحة من السلع الاستهلاكية في الأسواق والمجمعات الاستهلاكية، حيث حرصت الدولة على توفير مختلف أنواع السلع للمواطنين في الأسواق المحلية، فبلغت الاحتياطيات في 13 نوفمبر 2022 من القمح نحو 4.8 أشهر كما ارتفعت واردات مصر من القمح بنسبة 30% منذ بداية العام وحتى سبتمبر الماضي، لتصل إلى 8.3 مليون طن بحسب بيانات وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية والسكر التمويني 6 شهر، والزيت 5.7شهر، ويوجد عقود من اللحوم الطازجة والدواجن تكفي لما يتراوح من 3 لـ 6 أشهر والأرز 3.3 شهر وذلك لأنه لن يتم تصديره لتحقيق أساسيات واحتياجات الدولة. كما تمكنت الحكومة من الإفراج عن بضائع بقيمة 53.7 مليار دولار، منها 14.3 مليار دولار سلع استراتيجية، في حين وصل إجمالي قيمة مستلزمات 24.8 مليار دولار، وذلك بسعر القيمة النهائية خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2023. وهو ما أحدث تفاؤلاً ملحوظًا بين أطراف السوق، كما أن هذا الإفراج من شأنه إتاحة المزيد من السلع والبضائع، وإحداث نوع من التوازن في أسعار تلك السلع والمنتج.
بالإضافة إلى إنشاء أول بورصة سلعية في مصر تساهم في تخفيض سعر المنتج النهائي للمستهلك، وتم بدء أول تداول للسلع في البورصة السلعية لسلعة القمح، كما تم زيادة عدد الصوامع لتبلغ 74صومعة في 2022، مقابل 40 صومعة في عام 2014، بنسبة زيادة 85%، فضلاً عن زيادة السعة التخزينية للقمح زيادة السعة التخزينية الحالية للقمح في مصر، التي تبلغ نحو
3.5 مليون طن بنحو 12%.
علاوةً على ذلك، فقد أطلق مجلس الوزراء مبادرة خفض الأسعار حيث تم التوافق على خفض أسعار 7 سلع أساسية من 15 لـ 25%؛ تشمل قائمة السلع: “السكر – الزيت- العدس- الفول- الألبان – الجبن- المكرونة” بالإضافة إلى الدواجن والبيض حققت المبادرة بعض النجاحات في تحقيق الأهداف التي وضعتها فهي فرصة للتخفيف من العبء المالي على المواطنين ودعم الاقتصاد الوطني. على الرغم من التحديات التي تواجه المبادرة، فإنها تظل خطوة إيجابية نحو تحسين الوضع الاقتصادي في مصر.
ختامًا؛ في ظل الأزمة العالمية التي يمر بها العالم حاليًا، تعتبر هذه القرارات متوافقة مع سياسة الدولة التي تهدف إلى تخفيف الأعباء عن المواطنين المصريين، وخاصة في ظل الزيادة الغير مبررة في أسعار المنتجات التي قام بها التجار وأصحاب المحال في الفترة الأخيرة. وتؤكد الدولة أنها ستراقب الأسعار عن كثب باستخدام أجهزتها المختلفة وستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة لمنع التلاعب في الأسعار، وخاصة فيما يتعلق بالسلع الأساسية التي يحتاجها المواطنون في حياتهم اليومية. كما تعكس هذه القرارات أن المواطن ركيزة أساسية في الدولة واهتمام الحكومة به. كما نأمل أن يشعر المواطن في الأيام القادمة بالخطوات الملموسة التي اتخذتها الحكومة لصالحه، وأن يتمكن من الحصول على السلع الأساسية التي يحتاجها بأسعار مناسبة.
الدراسات الاقتصادية وقضايا الطاقة