ارتفع المؤشر الثلاثيني لسوق الأوراق المالية المصرية لمدة عام بداية من نوفمبر 2022 بنسبة 101% من 11447 نقطة في بداية نوفمبر 2022 إلى 22703 نقطة حتى بداية نوفمبر 2023. تأتي تلك الارتفاعات في وقت يمر فيه الاقتصاد المصري بتحديات عديدة دائمًا ما تتحدث عنها المؤسسات الدولية، لكن البورصة المصرية والمستثمرين ينظرون للاقتصاد وأداء الشركات المصرية بنظرة أخرى تختلف عن النظرة التي تنظر بها المؤسسات الدولية أو التي ترمي إليها المؤشرات الاقتصادية.
الوضع الاقتصادي
يمر الاقتصاد المصري بوضع اقتصادي يتسم فيه ببيئة تضخمية مرتفعة تخطت فيها معدلات التضخم أكثر من 30%، وارتفعت معدلات الفائدة إلى قرابة 20%، وتم تعديل سعر صرف العملة المصرية أمام الدولار الأمريكي عدة مرات في العامين 2022 و2023، وقد ترتب على تلك البيئة التضخمية المرتفعة انخفاض دخول معظم المصريين وخسارة جزء من مدخراتهم، بل والتحول إلى الاستدانة بالفوائد المرتفعة لسداد نفقاتهم الدورية، ذلك هو حال كل من لم يستثمر بسوق الأوراق المالية المصري، حيث إن المستثمرين بالبورصة المصرية استطاعوا تحقيق عوائد على الأقل بنسبة 100% علي مدخراتهم، إذ ارتفع المؤشر الثلاثيني الذي يضم الثلاثين سهمًا الأكبر والأكثر تداولًا بنسبة 101% خلال فترة عام (منذ نوفمبر 2022 وحتى نوفمبر 2023).
مكاسب كبيرة
إذا كنت قد استثمرت 1000 جنيه مصري منذ عام تقريبًا في شهادة مصرفية بالبنوك المصرية بنسبة 20% فإن قيمة أموالك الآن تبلغ 1200 جنيه، أما إذا كنت احتفظت بقيمة تلك الأموال في شكل دولار أمريكي بداية من نوفمبر 2022 وحتى الآن فستكون مدخراتك تبلغ 1280 جم (عائد بنسبة 28% تقريبًا يمثل الفرق في تغير سعر العملة)، لكن سوق الأوراق المالية المصرية قدمت لمستثمريها أكثر من 100% من عام تقريبًا، بل وحققت ثلاثة أسهم معدلات عوائد تتخطى 300% وهي (موبيكو، وحديد عز، وسيدي كرير للبتروكيماويات)، وحقق السويدي عائدًا يفوق 200%.
الشكل 1: أداء أفضل 4 أسهم بالمؤشر الثلاثيني
وحقق 13 سهمًا معدلات عوائد بأكثر من 100%، وحقق 7 أسهم عوائد بين 50% و100%، ومن ثم فإنه تقريبًا إذا استثمرت في أي سهم من أسهم المؤشر الثلاثيني منذ عام فستكون قد حققت عائدًا بحوالي 50% على الأقل، وهو عائد يتجاوز معدل العائد الذي تقدمة البنوك المصرية، وأفضل من معدل العائد المتحقق من الاحتفاظ بالدولار أو الذهب. لكن لماذا تحقق البورصة المصرية كل تلك الارتفاعات رغم الوضع الاقتصادي؟
تحوط من التضخم
يوفر الاستثمار في الأسهم أو أسواق المال بشكل عام إحدى أدوات الاستثمار في الأصول المالية التي توفر تحوطًا ضد التضخم، يعود ذلك بالأساس لعدة أسباب؛ أولها أن معدلات التضخم المرتفعة لها تأثيران: أولهما على تكاليف الإنتاج بالشركات، ومن جانب آخر على المبيعات الخاصة بتلك الشركات، إذ عادة ما ترتفع أسعار مبيعات تلك الشركات بالارتفاع في معدل التضخم، وهو ما يوفر حماية أساسية من تآكل مدخراتك من التضخم، لكن هل ذلك هو السبب الوحيد؟
الشكل 2: أداء المؤشر الثلاثيني EGX30 خلال عام
بالطبع لا، فإذا كان التضخم في جزء منه ناجمًا عن الانخفاض في قيمة العملة المحلية فإن الشركات التي لديها أسواق بسوق التصدير وتستطيع توليد عوائد بالدولار الأمريكي تقدم تحوطًا أمام التغير في سعر صرف العملة، ومن ثم فإن عوائدها ترتفع بعاملين، الأول هو الارتفاع في الأسعار بفعل التضخم، والثاني هو أن عوائد تلك الشركات الدولارية من أسواق التصدير عند ترجمتها للجنيه المصري تتضاعف كقيمه نقدية بالجنيه وهو ما يكون له أثر إيجابي كبير على بيانات مبيعات تلك الشركات والنتائج المالية لها. نقطة أخرى مؤثرة في قدرات الشركات على تحقيق أرباح، وهي تتمثل في شكل هيكل تمويل تلك الشركات، حيث إن الوضع الحالي للاقتصاد المصري والذي يتسم بمعدلات فوائد مرتفعة يُشكل تكاليف إضافية تسمى بتكاليف التمويل يتم تضمينها في قائمة الدخل لتلك الشركات وتؤثر على صافي الربح المتولد عن العملية التشغيلية، ومن ثم فإن الشركات الأفضل من حيث الأداء في المعظم ستكون شركات يتسم هيكل التمويل الخاص بها في الوقت الحالي بنسبة كبيرة من التمويل من خلال حقوق الملكية أو الأرباح المحتجزة.
كل تلك العوامل السابق الإشارة إليها كانت سببًا في إقدام المصريين من الأفراد والشركات على استثمار المزيد من الأموال بسوق الأوراق المالية المصري، وقد تم اختيار الشركات التي لديها أسواق تصدير بشكل أكبر أو تتسم مبيعاتها بالثبات ليتم ضخ أكبر مبالغ بها وقد اجتمعت تلك الخصائص في شركات (موبيكو للأسمدة، وسيدي كرير للكيماويات)، إذ إن تلك الشركات تحصل على معظم المواد الخام الخاصة بالإنتاج محليًا (الغاز الطبيعي المتولد من الآبار المصرية)، ولديها معدلات استدانة منخفضة للغاية جنبتها أي تكاليف تمويلية إضافية، بالإضافة إلى أن لتلك الشركات أسواقًا تصدير كبيرة وراسخة، وقد استفاد جزء من الشركات بالأوضاع الاقتصادية التي تمر بالعالم والتي منها الحظر الاقتصادي على روسيا ومنع تصدير الأسمدة والمبيدات، حيث حققت الشركات المصرية مبيعات كبيرة، وعوضت جزءًا من الفجوة التي خلقها ذلك الحظر في السوق العالمية.
في ظل الوضع الاقتصادي الحالي، والتوقعات التشاؤمية من جانب المؤسسات الدولية، والضغوط التضخمية التي تواجه المصريين، لا يزال هناك طريق لحفظ ثرواتك بالجنيه المصري بل وتنميتها، خاصة في حال الاستثمار في الشركات المصرية التي لها أساس قوي وسوق تصديرية جيدة وإدارة جيدة، إذ يمكن لاختيارك الجيد أن يساهم في تحقيق أرباح تفوق 300% في عام واحد، لكن الاستثمار في سوق الأوراق المالية المصري ينطوي على مخاطرة يجب أن تكون محسوبة، أو يمكن توفر صناديق الاستثمار في الأسهم بديلًا مناسبًا للأفراد الذين ليست لديهم خبرات في الاستثمار بسوق الأوراق المالية المصري، إذ إنها أوعية استثمارية يتم إدارتها بإدارة محترفة ويمكن شراؤها من فروع المصارف المصرية.
نائب رئيس وحدة الاقتصاد ودراسات الطاقة