“إن منطقة الشرق الأوسط أصبحت اليوم أكثر هدوءًا مما كانت عليه خلال العقدين الماضيين”.. بهذه العبارة بدأ كلامه مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان قبل أسبوع واحد فقط من عملية “طوفان الأقصى”. ومما لا شك فيه فإن أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من رد إسرائيلي قد غير الكثير من قناعات مستشار الأمن القومي الأمريكي وقناعات إدارته الديمقراطية ذاتها، وهي أنه ببساطة لا يمكن عزل القضية الفلسطينية كحالة عن ديناميكيات الصراع الأوسع في منطقة الشرق الأوسط. وبينما تحاول الولايات المتحدة التركيز نحو منافسة الصين وروسيا، فإن السلام والاستقرار النسبي في الشرق الأوسط يظل مصلحة مُلحة للولايات المتحدة الأمريكية. يرى الكثير من الأمريكيين أنه إذا ما أرادت الولايات المتحدة مواجهة ما يسمى “بمحور المقاومة” الذي تقوده إيران في الشرق الأوسط، واستعادة النظام الإقليمي تحت قيادتها ومساعدة وحماية الدول الصديقة في المنطقة كمصر والأردن لتتجاوز المشاكل السياسية؛ فعليها أن تركز على منع إيران وشركائها مرة ثانية من استخدام الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي كإسفين لفصل واشنطن عن شركائها الإقليميين. ورغم أنه من غير الواضح تمامًا ما إذا كانت حركة حماس قد حاولت عرقلة أي مفاوضات سلام ما بين العرب وإسرائيل، فإن الشعور بالعزلة الجيوسياسية التي تعيشها الحالة الفلسطينية كان بلا أدنى شك سببًا في التخطيط لعملية “طوفان الأقصى” من جانب حماس)(.
ومع عدم إثبات فاعلية واستدامة جميع الطرق الدبلوماسية التي اتبعتها الولايات المتحدة مع إيران، فإن حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من كل تعقيداته الكبيرة، يمثل مسارًا أكثر حيوية وجدوى نحو سلام إقليمي، برغم أنه من غير المرجح أن تحظى فكرة إحياء عملية السلام بشعبية واسعة داخل إدارة بايدن، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية من عامها الأخير.
تجارب الماضي
رغم كل إخفاقات الولايات المتحدة في المنطقة، عندما أدارت ظهرها وغادرتها، تظل هي الدولة الأكثر قدرة على المساعدة في تحقيق الاستقرار (الأمة التي لا غنى عنها). في الماضي ساهم الصراع في تحقيق تقدم دبلوماسي. بعد حرب عام 1973، اعتقدت إدارة ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد وجيمي كارتر، أن المصالح الأمريكية الكبرى كانت على المحك جرّاء استمرار ذلك الصراع، فجعلت من الصراع العربي الإسرائيلي أولوية قصوى بالنسبة لها، وفي غضون ست سنوات ساهمت الولايات المتحدة في التوسط في السلام المصري الإسرائيلي وفي التواصل إلى سلام دائم. لا شك أن الظروف اليوم تختلف تمامًا عن السابق. ولكن بقدر ما دفعت ملابسات وظروف حرب 1973 الإدارة الأمريكية إلى أن تنغمس في ذلك الصراع آنذاك، فإن هذا القياس يظل وثيق الصلة بالموضوع اليوم)(.
لا شك أنه يوجد تيار اليوم داخل الولايات المتحدة يعترض بشدة على إعادة توجيه السياسة الأمريكية مرة أخرى إلى الشرق الأوسط بعد أن اعلنت الولايات المتحدة عن انسحابها من منطقة الشرق الأوسط وتوجيه اهتمامها نحو مناطق أخرى أكثر حيوية واهتمامًا كمنطقة جنوب شرق آسيا، ويقدمون ذلك وكأنه عودة إلى استراتيجية أو سياسة الفشل، ففي نهاية المطاف هم يرون أن هجوم 7 أكتوبر ورد إسرائيل عليه قد أدّى إلى تصعيد أوسع مع إيران وشركائها في المنطقة، وخاصة حزب الله، كما أن واشنطن لم تحقق نجاحًا كبيرًا في جهودها السابقة للتوسط في حل النزاع. وبالتالي، فإن الخيار الأفضل وفقًا لهذا التيار هو الاستمرار في دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية الحالية، والعمل في الوقت نفسه على ردع إيران ووكلائها من الدخول في الحرب. وفي النهاية إنشاء نوع من السلطة اللاحقة في غزة، على الأرجح تحت رعاية السلطة الفلسطينية، وبمرور الوقت محاولة استئناف مفاوضات التطبيع مع المملكة السعودية.
إن مثل هذه التوجه قد يمثل فشلًا وخطرًا كبيرًا على فرص السلام في الشرق الأوسط، ويهدد بعواقب وخيمة على الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل، فحتى لو تمكنت الولايات المتحدة من استعادة الوضع السابق، فإن أفضل سيناريو مستقبلي لن يخلو من خطر على التصعيد الإقليمي. كما أنه يعني استمرار عملية الإحباط في جميع أنحاء العالم العربي بسبب السياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل. وحتى المملكة العربية السعودية، من غير المؤكد أن تعود إلى استئناف عمليات التطبيع مع إسرائيل، فقد يستغرق حكام المملكة بعض الوقت ليشعروا بالاطمئنان إلى أن المشاعر المؤيدة للفلسطينيين قد هدأت قبل المضي قدمًا مرة ثانية في جهود التطبيع. علاوة على ذلك من غير المرجح أن تنحسر القضية الفلسطينية ببساطة إلى الخلف على المدى الطويل، وكلما طال أمدها؛ طال أمد التأثير على المصالح الأمريكية وسمعتها في الشرق الأوسط. وفي نهاية المطاف، فإن انسحاب الدور الأمريكي من عملية السلام وعدم اهتمامها بتحقيق السلام الإقليمي، يبدو إجراءً غير سليم ولا يصب في مصلحتها ومصلحة الشرق الأوسط.
مجموع الخطوات التي تتطلبها الاستراتيجية الأمريكية اليوم في الشرق الأوسط
في الواقع هناك مجموعة من الخطوات الضرورية والمتسقة التي تحكم التحرك الأمريكي اليوم في المنطقة، والتي يمكن من خلالها القول إن الولايات المتحدة قد رجعت إلى ممارسة دورها في المنطقة مرة ثانية، لكن الخطوة الأكثر إلحاحًا بالنسبة للولايات المتحدة اليوم تتمثل في حل الصراع ما بين إسرائيل وحماس، والتقدم نحو حل الدولتين. ولكن ترى الولايات المتحدة أنه يجب أن يتم ذلك جنبًا إلى جنب مع خطوات أخرى أوسع وأشمل في الشرق الأوسط، أولها التعبير عن التزام الولايات المتحدة بدول منطقة الشرق الأوسط خصوصًا في ضوء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وكذلك ومواجهة النفوذ الصيني في الشرق الأوسط الآخذ في التوسع والانتشار، ومواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا والذي له تبعات على منطقة الشرق الأوسط، والتصدي للتحركات الإيرانية في المنطقة، وأخيرًا تعزيز وتوفير فرص التوافق والتقارب السعودي الإسرائيلي:
1-الصراع العربي الإسرائيلي: أدّت الضربة التي وجهتها حماس لإسرائيل في السابع من أكتوبر إلى تدمير مصداقية نظرية الردع الإسرائيلي. لقد شوهت صورة إسرائيل بشكل مؤقت كقوة موازنة لإيران. وعلى الفور نشرت الولايات المتحدة حاملات الطائرات في المتوسط إضافة إلى جاهزية القدرات العسكرية الأخرى المهمة في المنطقة بهدف ردع إيران ووكلائها إذا ما فكرت بتوسيع دائرة الصراع. كما نفذت الولايات المتحدة ضربات منفصلة ضد وكلاء إيران في كل من سوريا والعراق خلال الأيام والأسابيع الماضية. ورغم أن الحملة التي تقودها إسرائيل تهدف إلى القضاء على حماس وإعادة ترسيخ نظرية الردع الإسرائيلية التي اهتزت، فإن سقوط أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين وتوسيع دائرة الصراع من شأنه أن يزيد من صعوبة التوصل إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية في مرحلة ما بعد الصراع)(.
لذلك على الولايات المتحدة اليوم أن تدرك أن التسوية السلمية للصراع والقبول العربي الإقليمي لهذه التسوية من شأنه أن يكون له تأثير أكبر وأعظم على أمن إسرائيل مقارنة بالجهود التي تبذلها إسرائيل على المدى القريب ضد حماس.
2-تبعات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على الشرق الأوسط: بينما كانت الولايات المتحدة تنسحب من أفغانستان، كانت في الوقت نفسه تقوم بنقل كميات كبيرة من قواتها وقدراتها العسكرية القتالية من الشرق الأوسط إلى أوروبا وشرق آسيا. وبرغم كل التطمينات التي أوصلتها الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن إلى قادة ودول الشرق الأوسط في ذلك الوقت، إلا أن قادة دول المنطقة رأوا في تلك التحركات الأمريكية علامة على أن الولايات المتحدة لم تعد ملتزمة بأمن المنطقة والدفاع عنها. إضافة إلى الحظر الذي فرضه الكونجرس الأمريكي على مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى دول المنطقة كالمملكة العربية السعودية والإمارات، الأمر الذي دفع بدول المنطقة إلى إعادة حساباتها السياسية والعسكرية مع الولايات المتحدة من خلال العمل على تنويع علاقاتها الأمنية والسياسية مع دول كالصين وروسيا)(.
لذلك يرى الكثير من المراقبين اليوم في الإدارة الأمريكية، بأن التحركات الأخيرة التي اتخذتها تلك الإدارة بشأن إبرام اتفاقيات أمنية جديدة في المنطقة، فضلًا عن إطلاق العنان لمبيعات الأسلحة مرة أخرى، ممكن أن تشكل وسيلة لإبقاء الدول الإقليمية الرئيسية في الشرق الأوسط مرتبطة بنظام إقليمي تقوده الولايات المتحدة من جديد، ويسهل من عملية حل الصراع في غزة أولًا وقبل كل شيء.
3-الحد من النفوذ والتوسع الصيني في الشرق الأوسط: وبتوجه دول منطقة الشرق الأوسط نحو الصين وروسيا بتوسيع علاقاتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، أدّى هذا التوسع إلى وجود التكنولوجيا والبنية التحتية الصينية مما خلق صعوبة في تقديم البدائل الأمريكية. عملت إدارة جو بايدن خلال الفترة السابقة على حمل دول الشرق الأوسط على تجريد نفسها من بعض الأنظمة التكنولوجيا الصينية مع تقديم بدائل أمريكية، بالإضافة إلى ذلك ولمواجهة استثمارات البنية التحتية الاقتصادية الصينية، أعلنت الولايات المتحدة إطلاق الممر التجاري بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا من خلال قمة العشرين لعام2023)(
وعلى الرغم من الفوائد الاقتصادية المحتملة لذلك الممر التجاري الذي من الممكن أن ينعكس بالفائدة الاقتصادية الكبرى على كل دول منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل، إلا أن هذا الممر سيعتمد بشكل كبير على شرق أوسط متكامل ومستقر أمنيًا، الأمر الذي يتطلب أيضًا حلًا إيجابيًا وجذريًا للصراع في غزة.
4-ضرورة استمرار مساندة أوكرانيا في حربها ضد روسيا: بالرغم من تصويت دول الشرق الأوسط لصالح أوكرانيا في الأمم المتحدة، إلا أنها لم تقدم دعمًا عسكريًا علنيًا لأوكرانيا لمقاومة الغزو الروسي لأراضيها. وقد سعت دول المنطقة في هذا السياق إما إلى عزل نفسها عن العقوبات الدولية على الغزو الروسي بسبب ظروفها الاقتصادية الداخلية الصعبة نتيجة ندرة الغذاء والتضخم، كما هو الحال في دول كمصر والأردن، أو الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط والغاز في زيادة عوائدها المالية، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر. ومن المعروف أن إسرائيل بقيت على هامش الصراع الأوكراني بسبب حاجة إسرائيل إلى إذعان روسيا للضربات الإسرائيلية ضد أهداف مرتبطة بإيران في سوريا.
على الرغم من أن الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن قد عملت على مواجهة المحاولات الروسية لاستخدام منطقة الشرق الأوسط لتجاوز العقوبات الاقتصادية عليها، إلا أن الوجود الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط يبقى ضروريًا لمنع وصول روسيا إلى ثغرات في العقوبات التي فرضت عليها. أضف إلى ذلك أن الدعم الأمريكي لأوكرانيا يحمل أهمية تتعلق بسمعة المنطقة من خلال إيصال رسائل بالتزام الولايات المتحدة بصد العدوان والحفاظ على أمن وسلامة أصدقائها وحلفائها وعلى النظام الدولي الذي تقوده.
5- الوقوف في وجه إيران ووكلائها بالمنطقة: حاولت إدارة بايدن أن تغير من سياستها تجاه إيران، فبدلًا من سياسة “الضغوط القصوى” التي انتهجتها إدارة ترامب السابقة والتي وصلت ذروتها بالضربة الجوية التي وجهتها في عام 2020 ضد قائد فيلق القدس قاسم سليماني، مقابل استعداد إيران الواضح لشن هجمات عبر حلفائها في اليمن ضد السعودية والإمارات العربية، إلا أن إدارة بايدن انتهجت نهج “خفض التصعيد” في المنطقة. وكان الهدف من وراء ذلك هو تقليل احتمالات نشوب صراع في المنطقة أو توسعه مما ساعد في تقليل بؤر الصراع في العديد من الساحات المشتعلة كالساحة اليمنية عبر التوصل إلى وقف إطلاق نار هش، ولكنه دائم في اليمن، ذلك كله وبالرغم من أن الولايات المتحدة نفذت ضربات مدروسة في سوريا، إلا أن تلك الضربات لم تؤدِ إلى التصعيد في المنطقة.
ومع ذلك، فإن انخفاض التصعيد العسكري الأمريكي في المنطقة وتوقف مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى شركائها هناك يعني أنه بالرغم من انخفاض الضغط في المنطقة، فإن الردع ضد إيران كان يعتمد على متغيرات أخرى، مثل مصداقية الردع الإسرائيلي، التي كانت عرضة للتغيير والتحول.
6- تشجيع ودعم التوافق السعودي الإسرائيلي: اتبعت إدارة بايدن في بداية توليها الحكم دبلوماسية خفض التصعيد في المنطقة ومحاولة تحقيق تقارب سعودي إسرائيلي، وهذا هو الذي يفسر لماذا قامت إدارة بايدن بأولى رحلاتها الخارجية إلى المنطقة وتحديدًا إسرائيل والمملكة العربية السعودية في عام 2022؛ لبدء خطوات التطبيع بين البلدين. وكان من المؤمل أن تؤدي تلك المكاسب الدبلوماسية إلى فتح مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة السعودية بالكامل، فضلًا عن تسهيل الخطوات العملية للممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وقد توقفت كل هذه الجهود بسبب الصراع والحرب بين إسرائيل وحماس، لكن الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى البيت الأبيض والبنتاجون أشارت إلى استعداد السعوديين لاستئناف هذه العملية في وقت ما في المستقبل)(. ورغم أن الصراع بين إسرائيل وحماس لم ينته بعد، إلا أن وقف إطلاق النار المؤقت المعلن عنه والإفراج الجزئي عن الرهائن يفتحان المجال أمام المساعدات الإنسانية وتوسيع نطاق الجهود الدبلوماسية من أجل الوصول إلى نظام إقليمي يسوده السلم والاستقرار.
لكن هذا النظام الإقليمي سيعتمد على مدى قدرة ورغبة الولايات المتحدة الأمريكية في الضغط للتوصل لحل الدولتين. وهذا التقدم سيسمح بدوره لإسرائيل بتطبيع علاقاتها مع المملكة السعودية والاندماج بشكل أكثر شمولًا في المنطقة، إلا أن هذا النجاح المستقبلي لهذه الجهود يعتمد من نواح عديدة على الكيفية التي يمكن بها للولايات المتحدة أن تشكل التصرفات الإسرائيلية. ولا شك أن الخطوة الأولى الجديرة بالاهتمام بهذا السياق تتلخص في وقف إطلاق النار في غزة.
التوصيات
من أجل خفض التصعيد الدائر حاليًا ما بين إسرائيل وحماس، هناك العديد من الخطوات التي يمكن لإدارة جو بايدن اتخاذها لتحقيق تقدم تدريجي نحو سلام دائم، وهي تتماشى بالوقت نفسه مع أهداف السياسة الأمريكية الحالية، ومن الممكن أن تخفف الضغط على التزامات الولايات المتحدة الأمنية في المنطقة، ومع ذلك سيتطلب كل منها أيضًا ممارسة ضغوط سياسية على إسرائيل علنًا إذا لزم الأمر:
1- من بين المخاوف الملحة على الإدارة الأمريكية، هي كيفية ضمان وصول المساعدات الإنسانية وخاصة الوقود إلى قطاع غزة. وحتى قبل الحرب الأخيرة، كان الوضع الإنساني مأساويًا. والآن، أدت الحرب الإسرائيلية على غزة وما نتج عنها من عمليات نزوح إلى خلق ظروف مزرية وسط القيود التي تفرضها إسرائيل على دخول المساعدات التي يمكن أن تعبر من مصر. وكلما تفاقم هذا الوضع؛ زاد إلقاء اللوم على الإدارة الأمريكية من قبل النظم العربية الحاكمة في المنطقة أو من قبل مواطني تلك الدول؛ لأنها ساعدت في إحداث تلك الكارثة. وقد كان للضغوط الأمريكية الفصل باستمرار في إجبار إسرائيل على تقديم تنازلات بسيطة بشأن المساعدات التي تدخل قطاع غزة. ولكن من الممكن القيام بالمزيد في هذا المجال)(.
إن تخفيف المعاناة أمر جيد في حد ذاته ويقلل من الضغوط السياسية والأمنية على شركاء الولايات المتحدة في المنطقة، وذلك من شأنه أن يصب في مصلحة السياسة الأمريكية.
2- لا ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تستمر في الإصرار على بقاء سكان غزة في غزة فحسب؛ بل يجب عليها أيضًا أن تبدأ في التأكيد على عودتهم النهائية إلى الجزء الشمالي من القطاع بعد توقف الحرب فورًا، سيكافح الجزء الجنوبي من القطاع لدعم أكثر من 600 ألف من سكان غزة النازحين. ومع أن حكومة نتنياهو غير راغبة في رؤية حكم في غزة بعد الحرب، فإن الإدارة الأمريكية مطالبة بأخذ زمام المبادرة للتأكيد على ضرورة إعادة قطاع غزة للحكم الفلسطيني، وعلى الأرجح تحت قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله وهذا قد يستغرق وقتًا طويلًا)(.
هذا الإجراء لن يعالج جزئيًا المخاوف الفلسطينية والعربية من العمليات العسكرية الحالية التي شكلت نكبة للعرب جميعًا فحسب؛ بل سيساهم أيضًا في بناء الدعم لدور سياسي فلسطيني متجدد فيما يتعلق باحتياجات الحكم المباشر، مما يسهل في نهاية المطاف المفاوضات السياسية المباشرة بين الطرفين.
3- أخيرًا يتعين على الإدارة الأمريكية أن تسعى إلى كبح جماح إسرائيل في توسعها في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، فضلًا عن هجمات المستوطنين الإسرائيليين على التجمعات الفلسطينية. الأمر الذي من شأنه أن يسهل إجراء مفاوضات حسنة النية. من الجدير بالذكر أنه لا تحظى المستوطنات ولا عمليات الضم التي تقوم بها إسرائيل بشعبية في الولايات المتحدة، خاصة ما بين الناخبين المستقلين أو الديمقراطيين، مما يجعل من الممكن على الإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية أن تستبعد القضية من الدعم الأمريكي لإسرائيل بشكل كبير)(.
يجب على إدارة بايدن تعزيز تجميد الاستيطان طوال مدة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ومواصلة انتقاد الارتفاع المفرط به في العنف الإسرائيلي سواء في الحرب من جانب الحكومة الإسرائيلية أو من جانب عنف المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية؛ وهو الارتفاع الذي سبق القتال الحالي في غزة.
كما يجب على تلك الإدارة أن تهدد بعواقب على إسرائيل مثل حجب الأسلحة الأمريكية التي من الواضح أنها مخصصة للاستخدام في الأراضي المحتلة أو حتى بالامتناع عن استخدام الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن ضد إدانات مجلس الأمن للمستوطنات الإسرائيلية.
المصادر:
1-AamerMadhanl and Zeke Miller, The US tells Israel any ground campaign in southern Gaza must limit further civilian displacement, The Associated Press, November 29, 2023, At:https://apnews.com.
2-Daniel Byman, What You Need to Know About the Israel-Hamas War:The situation is chaotic, and the fighting is ongoing. But several observations already stand out, Foreign Policy, October 7, 2023, At: https://foreignpolicy.com.
3-DoinaChiacu, US urges Israel to protect civilians, increase aid to Gaza, Reuters, October 29, 2023, At: https://www.reuters.com.
4-Haley Britzky and Natasha Bertrand, US carries out airstrikes in eastern Syria targeting IRGC and Iranian-backed groups’ weapons storage facility, CNN, The November 9, 2023, At: https://edition.cnn.com.
5-HishamMelhem, The End of America’s Middle East:The region’s four major countries have all forfeited Washington’s trust, Foreign Policy, September 14, 2023, At: https://foreignpolicy.com.
6-Kenneth M. Pollack, The 1973 War Analogy Is Deeper Than You Think: The parallels from 50 years ago will shape the region’s battle today, Foreign Policy, October 13,2023,At:https://foreignpolicy.com.
7-Kali Robinson, What Is U.S. Policy on the Israeli-Palestinian Conflict?: The United States has long tried to negotiate a resolution to the Israeli-Palestinian conflict, but several factors, including deep divisions between and within the parties and declining U.S. interest in carrying out its traditional honest-broker role, have hurt the chances of a peace deal. CFR, July 12, 2023, https://www.cfr.org.
8-Samuel Ramani, The potential and limitations of Russia-China cooperation in the Middle East, Middle East Institute, June 13, 2023, At:https://www.mei.edu/publications.
9-البيت الأبيض: فهمنا من مباحثاتنا مع السعوديين أنهم لا يزالون مهتمين بالعودة على مسار التطبيع،i24 news،1/نوفمبر/2023،متاح: https://www.i24news.tv
باحث في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية