يعد القطاع الزراعي أحد أهم القطاعات بالدولة المصرية ويلعب دورًا مهمًا في ضمان الأمن الغذائي لمصر، إذ يوفر الغذاء لحوالي 100 مليون نسمة، ويساهم في خلق فرص عمل لحوالي 25% من القوى العاملة في مصر، يساهم القطاع الزراعي بنسبة تقدر بحوالي 10 – 15% من الناتج المحلي الإجمالي، فوفقًا لبيانات البنك المركزي المصري في تقريره لعام 2013 قدر البنك المركزي مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 12.4% لعام 2022، بينما أشارت وزارة الزراعة والاستصلاح الزراعي إلى أن مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي المصري تبلغ حوالي 14%، بينما أشار صندوق النقد الدولي في تقريره لعام 2024 إلى مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي المصري نحو 10.5% لعام 2023.
شهد العام 2023 إنجازًا مهمًا في القطاع الزراعي، حيث أعلن وزير الزراعة السيد قصير عن نجاح مصر في تصدير أكثر من 400 منتج زراعي لسوق يمتد لحوالي 160 دولة حول العالم، وتمكنت مصر من فتح 93 سوقًا جديدة خلال العقد الماضي فقط، وهو ما يمثل زيادة في شركاء مصر التجاريين بحوالي 60%[1]، وهو ما دفع مصر لتحقيق صادرات زراعية بحوالي 7.5 ملايين طن بإجمالي 8.8 مليارات دولار، من بينها 3.7 مليارات دولار للصادرات الزراعية الطازجة، و5.1 مليارات دولار للصادرات الزراعية المصنعة، وقد احتلت مصر المركز الأول عالميًا في صادرات البرتقال والفراولة المجمدة.
الشكل 1: تطور صادرات مصر من المنتجات الزراعية[2]
وتعد مصر واحدة من أكبر منتجي البرتقال في العالم، ويساعد مناخ مصر في زراعة الموالح؛ حيث تتم زراعة البرتقال في مناطق الدلتا ووادي النطرون والصحراء الشرقية، حيث تتوفر بتلك المناطق التربة الطينية الرملية الغنية بالمواد العضوية مع وجود شبكة تصريف جيدة للمياه، ومن ثَمّ فهي مناسبة لزراعة أنواع عديدة من البرتقال، وتتيح تلك المناطق لمصر زراعة سلالات مختلفة من البرتقال، مثل البرتقال البلدي والبرتقال أبو سرة والبرتقال السكري، وتحتاج أشجار البرتقال إلى حوالي 3 – 5 سنوات حسب السلالة قبل بداية الإثمار، حيث تركز الشجرة في تلك الفترة على النمو في جذورها وأوراقها وفروعها، وتبدأ في تكوين براعم الأزهار، قبل أن تصبح الشجرة قادرة على إنتاج الثمار بشكل منتظم كل عام، وتستطيع أشجار البرتقال توفير إنتاجية قد تصل إلى 500 ثمرة في السنة حسب تقدمها في العمر، ويمكن لشجرة البرتقال أن تعيش حتى 50 عامًا أو أكثر، وتستطيع إنتاج الثمار بشكل منتظم لمدة 20 – 30 عامًا.
وتبلغ المساحة المنزرعة بأشجار البرتقال حوالي 168 ألف هكتار، بينما تبلغ المساحة الزراعية المحصودة حوالي 151 ألف هكتار وهي مساحة مماثلة للمساحة التي تمت زراعتها في العام التسويقي السابق، ونظرًا لارتفاع تكلفة الزراعة والإنتاج، ركز المزارعون على زيادة إنتاجية الفدان بديلًا عن إنشاء مزارع جديدة[3]، بإجمالي إنتاج 5 ملايين طن سنويًا، وتصدر مصر البرتقال لحوالي 160 دولة حول العالم بإجمالي إنتاج موجة للتصدير بحوالي 2 مليون طن، حيث تمتلك مصر عددًا كبيرًا من محطات الفرز والتعبئة والتغليف على أعلى مستوى تصل إلى حوالي 200 محطة بإجمالي طاقة إنتاجية للتعبئة والتغليف بحوالي 3 ملايين طن من الموالح، وهو ما يتيح فرصة لمصر لزيادة حجمها من الإنتاج وزيادة الصادرات بحوالي 50% من المستويات الحالية، وتعد روسيا واحدة من أهم الوجهات الرئيسية لتصدير البرتقال المصري، حيث تعتمد روسيا بشكل أساسي على مصر لتوفير احتياجاتها من البرتقال[4]، أيضًا السوق الصينية، والسوق السعودية والسوق الهولندية التي تعد من الوجهات الرئيسية للبرتقال المصري، حيث تعد هولندا مركزًا لتوزيع البرتقال في أوروبا، وتستورد كميات كبيرة من البرتقال من مصر.
الفراولة هي الأخرى لها مساحة فريدة من الزراعة المصرية، حيث تعد مصر أكبر مصدر للفراولة المجمدة في العالم، متفوقة على دول أخرى، مثل بولندا والمكسيك وتشيلي والمغرب، وصدرت مصر حوالي 350 ألف طن من الفراولة بشكل مجمد في عام 2023 وهي تشكل حوالي 6% من إجمالي الصادرات الغذائية، وتذهب معظم صادرات الفراولة المصرية إلى عدد من الدول الأوروبية مثل هولندا وألمانيا وإيطاليا بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
تطوير البنية التحتية للقطاع الزراعي
توجد العديد من العوامل التي ساهمت في تحقيق ذلك الرقم القياسي بمصر والتي يأتي على رأسها التحسن الذي شهدته البنية التحتية الزراعية بمصر، حيث ساهمت جهود الدولة المبذولة للارتقاء بالقطاع الزراعي والمتمثلة في مشروع “المليون فدان” الذي يستهدف استصلاح مليون فدان من الأراضي الصحراوية وتحويلها للزراعات الاستراتيجية، مثل القمح والذرة وفول الصويا، ومشروع “الدلتا الجديدة” الذي يستهدف إنشاء مجمعات زراعية حديثة في شمال شرق مصر على مساحة 1.9 مليون فدان، ومشروع تطوير وإعادة تشغيل معامل تحليل التربة التي تساهم في تحسين جودة التربة وتوفير المعلومات اللازمة للمزارعين لتحسين الإنتاج الزراعي، ومشروع “واحة الحرير” بالخارجة الذي يستهدف زيادة الإنتاج الزراعي بمنطقة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد، ومحطة “المغرة الزراعية” الآلية والتي تخدم حوالي 1.5 مليون فدان وتستهدف تحسين الإنتاجية وتطوير الزراعة الآلية، ومركز الإرشاد الزراعي بمحافظة مطروح والذي يسهم في تقديم خدمات استشارية للمزارعين لتحسين ممارساتهم الزراعية، وزراعة 31 ألف فدان في منطقة جنوب سيناء بهدف تطوير الزراعة بتلك البقعة الجغرافية، وإنشاء مجمع للخدمات الزراعية بقرية المراشدة الذي يوفر خدمات متكاملة للمزارعين بما فيها الإرشاد الزراعي، والمشروع القومي لإنتاج البذور والتقاوي والذي يسعى لتوفير بذور عالية الجودة للمزارعين[5].
هذا إلى جانب الارتقاء بالبنية التحتية للري من خلال إطلاق مشروع يستهدف تحديث وتطوير شبكات الري في جميع أنحاء مصر لزيادة كفاءة استخدام المياه وتحسين الإنتاجية، ومشروع تطوير سلاسل القيمة الغذائية والذي يستهدف تحسين جودة المنتجات الزراعية المصرية وزيادة قدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية، ومشروع إنشاء مراكز فرز وتعبئة حديثة والذي يستهدف إنشاء مراكز فرز وتعبئة حديثة وفقًا للمعايير الدولية بهدف ضمان جودة المنتجات المصرية الموجهة لأسواق التصدير، ومشروع الترويج للمنتجات الزراعية والذي يستهدف الترويج للمنتجات المصرية في الخارج من خلال المشاركة في المعارض الدولية وإطلاق الحملات الإعلانية وإبراز المزايا التنافسية للمنتجات المصرية، وقد كان لتلك المشروعات نتائج مباشرة على الإنتاج الزراعي بمصر حيث ساهمت في زيادة الإنتاجية بشكل ملحوظ، وحسنت من جودة المنتجات الزراعية المصرية بشكل كبير، وزادت من قدرات مصر التصديرية، لتصبح مصر واحدة من كبار الدول المصدرة للمنتجات الزراعية حول العالم وخاصة من البرتقال والفراولة المجمدة.
من جانب آخر تأتي التحديثات المستمرة لمعايير سلامة الغذاء المصرية لتتواكب مع المعايير الدولية من حيث خلو المنتجات الزراعية من المواد الضارة والآفات بما يتوافق مع متطلبات الأسواق المستهدفة، من حيث التعبئة والتغليف والتسميات، والالتزام بالتحسين المستمر لجودة المنتجات من خلال توفير التدريب اللازم للتطوير واستخدام أفضل الممارسات العالمية بهدف الارتقاء بسمعة المنتجات الزراعية المصرية[6]، هذا إلى جانب تركيز أجهزة الدولة على التسويق للمنتجات المصرية وبناء سمعة جيدة لها والتي كان لها أثر إيجابي على سمعة مصر كشريك تجاري منتج لمنتجات زراعية عالية الجودة، وهو ما أسهم في تعزيز ربحية تلك المنتجات والتوسع في الاستثمار بشكل أكبر في خفض تكاليف الإنتاج المتعلقة بها[7].
تطوير البنية التحتية للنقل
تعتبر البنية التحتية للنقل أمرًا حيويًا للتنمية الاقتصادية في مصر، إذ إنها تلعب دورًا رئيسيًا في تحسين طرق النقل والشحن للمنتجات الزراعية، وقد وجهت الدولة جزءًا ضخمًا من استثماراتها في البنية التحتية خلال السنوات الماضية لقطاع النقل حيث بلغت الاستثمارات بالقطاع حوالي 2.3 تريليون جم بما يعادل 143 مليار دولار أمريكي على مدار السنوات السبع الماضية، حيث تم تحسين الطرق والجسور بنسبة تصل إلى 90% من إجمالي الجسور الموجودة بالجمهورية خلال السنوات الأخيرة، وتم إطلاق مشروع الطرق الوطنية في عام 2015 الذي يستهدف إنشاء 7000 كيلومتر من الطرق الجديدة على مدار 6 سنوات بميزانية قدرت في وقتها بحوالي 11 مليار دولار أمريكي، وقد تم تنفيذ عدد من الأعمال التكميلية لتعزيز شبكة الطرق الداخلية من خلال توفير الصيانات المطلوبة لحوالي 5000 كيلو متر من الطرق العامة القائمة، وقد شهدت كافة وسائل النقل في مصر تحديثات كبيرة بما في ذلك القطارات والاتصالات والبنية التحتية الرقمية، وقد نالت مصر عددًا من الجوائز الدولية في مجال النقل، وساهمت تلك الاستثمارات في تحسين ترتيب مصر في مؤشر الفرص اللوجستية، حيث احتلت مصر الترتيب 23 في عام 2020 مقابل الترتيب 28 في العام 2019[8].
ساهمت الاستثمارات في البنية التحتية بقطاع النقل في تقليل وقت النقل وتحسين كفاءة المرور، الأمر الذي ساهم في خفض تكاليف النقل وتحسين جودة المنتجات الزراعية خلال عملية النقل من خلال خفض نسبة الفاقد منها وعززت قدرات السكك الحديدية على نقل المنتجات الزراعية بأسعار مناسبة، الأمر الذي خفض من تكاليف النقل وحسن من كفاءة نقل المنتجات الزراعية لمسافات طويلة، وقد أولت الدولة اهتمامًا لإنشاء مراكز لوجستية متخصصة في تخزين المنتجات الزراعية وإدارة عمليات النقل والشحن؛ مما أدى إلى تقليل الفاقد وتحسين جودة المنتجات والحفاظ على جودتها في عمليات النقل والتخزين، الموانئ المصرية أيضًا شهدت استثمارات مكثفة خلال العقد الأخير حيث تم تطوير بنية تحتية حديثة بالموانئ المصرية وإضافة معدات جديدة ساهمت في الإسراع من عمليات الشحن والتفريغ، الأمر الذي يعد حيويًا بالنسبة لصادرات المنتجات الزراعية التي تحتاج إلى سرعة في النقل.
تعد الزيادة القياسية التي حققتها مصر في الصادرات من المنتجات الزراعية مؤشرًا ودليلًا مهمًا على حجم الجهد والإنجاز الذي تحقق في الدولة المصرية بمختلف القطاعات المغذية بداية من القطاع الزراعي باستصلاح الأراضي، وقطاعات الري، والدعم المقدم للمزارعين المصريين في المبيدات والأسمدة والبذور، والتحديثات التي شهدتها البنية التحتية في النقل والتي شملت وسائل النقل المختلفة، ليقف ذلك الإنجاز شاهدًا على التقدم الذي أحرزته الدولة المصرية في مختلف القطاعات خلال العقد الماضي.
[1] Egyptian agricultural exports hit record levels | AGBI
[2] Egyptian agricultural exports hit record levels | AGBI
[3] %25 نموًا متوقعًا لصادرات البرتقال فى الموسم الحالى (alborsaanews.com)
[4] القدرة التنافسية لصادرات البرتقال المصري في أهم األسواق الخارجية (ekb.eg)
[5] جهود مثمرة: المشروعات القومية الزراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي – المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية (ecss.com.eg)
[6] الوصف: القدرة التنافسية لأهم صادرات السلع الزراعية المصرية في الأسواق العالمية (mandumah.com)
[7] تعزيز صادرات مصر من الفاكهة والخضروات من خلال تحسين سلامة وجودة الأغذية | الفاو في مصر | منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (fao.org)
[8] استراتيجية تطوير قطاع النقل في مصر-الهيئة العامة للإستعلامات (sis.gov.eg)
نائب رئيس وحدة الاقتصاد ودراسات الطاقة
