يتحقق التمكين الاقتصادي للمرأة من خلال تنمية قدراتها لتوسيع خيارات العمل أمامها، وزيادة مشاركتها في قوة العمل، وتحقيق تكافؤ الفرص في توظيف النساء في كافة القطاعات، وتقلد المناصب العليا في الهيئات العامة والخاصة، بجانب منع الممارسات التي تُكرس التمييز ضد المرأة أو التي تضر بها سواء في المجال العام أو الخاص.
تؤكد البيانات الرسمية أن هناك قدرًا كبيرًا من عدم المساواة بين الذكور والإناث في مؤشرات المشاركة في النشاط الاقتصادي. حيث لا تتجاوز نسبة الإناث في قوة العمل ربع إجمالي قوة العمل. كما ترتفع نسبة البطالة بين الإناث بشكل كبير لتصل إلى 19.2% في الربع الأول من عام 2023، حيث ارتفع بمقدار (1.5%) مقارنة بالربع المماثل من العام السابق. وهي معدلات مرتفعة إذا ما قورنت بنظيرتها بين الذكور. وتعمل غالب النساء في الأعمال غير مدفوعة الأجر وفي العمل غير الرسمي وبالأخص في القطاع الزراعي. ولا تزال المرأة الريفية التي تعمل في الأعمال المؤقتة والزراعة الموسمية سواء بأجر أو للأسرة بدون أجر تواجه عقبات في الحصول على دخل مناسب وتأمين اجتماعي.
وعلى الرغم من الفجوة الكبيرة في التشغيل فإن هناك شواهد واضحة على أن عددًا غير قليل من النساء تضطرهن صعوبة الحصول على وظيفة، أو عدم وجود الآليات والخدمات المساندة للمرأة العاملة إلى العزوف عن العمل، حيث تتحمل النساء والفتيات مسئولية رعاية الأطفال وكبار السن والمهام المنزلية اليومية مثل طهي الطعام والتنظيف وغيرها من الأعمال المنزلية الضرورية على نحو غير متكافئ، وهذا ما اتضح في مسح استخدام الوقت الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وما يترتب على ذلك إضعاف من مشاركة النساء في سوق العمل ويقلل من فرصهن في الحصول على وظائف جيدة.
أرقام وإحصائيات
تبلغ قوة العمل في مصر تقريبًا 45% من إجمالي القوى البشرية 56.4% ريف مقابل 43.6% حضر وفقًا لأحدث بيانات (النشرة الربع سنوية لبحث القوى العاملة، إصدار يناير 2024)، وتبلغ نسبة المشتغلين من قوة العمل 92.9%، 83.7% ذكور و16.3% إناث. وبلغت نسبة المتعطلين من قوة العمل 7.1%، 55.4 ذكور مقابل 44.6% إناث.
ووفقًا للتقرير النشرة الربع سنوية لبحث القوى العاملة، إصدار يناير 2024 فإن أكبر معدلات إسهام للإناث يأتي لدى حملة المؤهلات الجامعية وفوق الجامعية، إذ يظهر مستوى إسهام يصل إلى 43.7، يليه المؤهلات فوق المتوسطة وأقل من الجامعي بمعدل يصل نحو 36.2%. أما عن العمالة التي لم تحقق أي شهادات دراسية (أميّ أو يقرأ ويكتب وشهادة محو الأمية) فتظهر أعلى نسبة لهذه الفئة بين الإناث المشتغلات في ريف وجه قبلي بنسبة 40.8% ويليه ريف وجه بحري بنسبة 28%.
معدل التشغيل طبقًا للحالة التعليمية والنوع في الربع الثالث -2023
المصدر: بحث القوى العاملة الربع سنوي (تقرير تحليلي) 2023
وبلغ معدل مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي 16.7%، 14.4% منهم في المرحلة العمرية من (25-29) عام، و28.8% في الفئة العمرية (30-39)، و24.1% في الفئة العمرية من (40-49) عام، ويصل معدل التشغيل الكلي للإناث 12.5% مقابل 66% للذكور.
الذكور والإناث في فئات العمالة المختلفة
بالنظر إلى الشكل البياني أعلاه، توضح البيانات أن 56.8% من الإناث المشتغلات يعملن بالقطاع الخاص داخل المنشآت في المحافظات الحضرية، وهذه هي النسبة الأكبر بين باقي الأقاليم، كذلك توضح البيانات أن 47.6% من الإناث المشتغلات في ريف الوجه القبلي يعملن خارج المنشآت. ووفقًا لخصائص المشتغلين على مستوى العمل في القطاع الحكومي والقطاع العام والأعمال العام، توضح البيانات أن 41.8% من الإناث من المشتغلات بالقطاع الحكومي مقابل 17.5% ذكور.
المصدر: بحث القوى العاملة الربع سنوي (تقرير تحليلي) 2023
وعلى مستوى استعانة القطاع الخاص بعمالة موسمية للعمل داخل المنشآت توضح البيانات أن 16.3% من الذكور العاملين بشكل موسمي ونحو 39.3% من الإناث المشتغلات بشكل موسمي يعملون في القطاع الخاص داخل المنشآت.
وبالتحول صوب معدلات البطالة وفقًا للنوع الاجتماعي، توضح البيانات أن معدل البطالة الكلي وصل إلى 6.9% في الربع الرابع من عام 2023، بلغت نسبة الذكور بلغ 4.6% مقابل 17.7% إناث.
قراءة في وضع المرأة المصرية في سوق العمل
بتحليل سريع للإحصائيات المُشار إليها بخصوص مشاركة المرأة في سوق العمل، نجد أن الفجوة بين الجنسين، تُعد من أبرز التحديات التي تواجه عمل المرأة، ويعود ذلك لعدة عوامل من بينها: أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر وغير المعترف بها اجتماعيًا وقانونيًا لا سيما في الدول العربية (ارتفاع تكلفة رعاية الأطفال والأعمال المنزلية)، والأجور المنخفضة التي تُمنع للنساء خاصة في الأعمال الموسمية. وفي كثير من الأحيان العمل في القطاع غير الرسمي، وغياب وجود الضمان الاجتماعي في تلك الأعمال، بالإضافة إلى تراجع مرونة سوق العمل وعدم قدرة أسواق العمل على توليد وظائف لائقة.
مؤشر المساواة بين الجنسين
وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، حققت مصر درجة تكافؤ بين الجنسين بنسبة بلغت 62.9% لتحتل المرتبة 135 بين 146 دولة لعام 2024، والمرتبة العاشرة في منطقة الشرق الأوسط، بتحسن طفيف بلغ قدره 0.3 نقطة مئوية عن المستوى الذي حققته في عام 2023 والبالغ 62.6%.
ويأتي هذا التحسن مدفوعًا في الأساس بنسبة سد الفجوة في التحصيل التعليمي والتي ارتفعت من 94.3% في عام 2023 إلى 96.3% هذا العام، وهو ما يعزى إلى تزايد معدل معرفة القراءة والكتابة إلى 86.2%، من 85.5% في عام 2023. وبالنسبة للمشاركة الاقتصادية والفرص المتاحة أمام المرأة، فأكد المنتدى أنها قد شهدت تحسنًا من 14.1% في 2023 إلى 16.1% هذا العام.
وأشار التقرير إلى أنه بينما لم يحقق أي بلد بعد التكافؤ الكامل بين الجنسين، استطاعت دول أوروبا أن تغلق الفجوة بين الجنسين بنسبة 75%، في حين لا تزال هذه النسبة عند 61.7% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تضم مصر، ولكن برغم ذلك حققت المنطقة تحسنًا كبيرًا منذ عام 2006 بلغ 5.2% مقارنة بالمناطق الأخرى.
وبالمقارنة بين عامي 2024 و2023 نجد أنه في عام 2023، حققت مصر درجة تكافؤ بين الجنسين بنسبة 62.6% وبذلك احتلت المرتبة 134 بين 146 دولة شملها التقرير آنذاك، والمرتبة 10 من بين 13 دولة على مستوى الإقليم، بتراجع قدره 1.3 نقطة مئوية عن المستوى الذي حققته في عام 2021 بمقدار 93.9%، والذي اعتبر تقدمًا ملحوظًا مقارنة بعام 2017 الذي تراجع فيه مؤشر الفجوة بين الجنسين في مصر إلى 60.8%.
وبالنسبة للمشاركة الاقتصادية والفرص المتاحة أمام المرأة، فقد أدت زيادة حصة النساء في المهام الوظيفية العليا بنحو 6.8 نقطات مئوية (حصة المرأة 12.4%)، وفي المناصب الفنية بنسبة 4.3 نقطات مئوية (حصة المرأة 35.1%) منذ عام 2022 إلى تعزيز تكافؤ هذا المؤشر الفرعي بنسبة 1.7 نقطة مئوية إلى 42%، ومع التمثيل النسائي المتزايد في مجلس النواب المصري بنحو 27.5% والتشكيل الوزاري للحكومة المصرية بنحو 18.8% أصبح هناك تكافؤ بنسبة 17.5% في التمكين السياسي بمصر.
الفجوة في الأجور بين الجنسين
فيما يتعلق بالفجوة في الأجور عن العمل المماثل بين الجنسين، فقد حصلت مصر على نسبة 0.741 (1 الأسوأ- 7 الأفضل) ووفقًا لدراسة التمكين الاقتصادي للمرأة الصادرة عن البنك الدولي عام 2018، تُشير النتائج إلى أنه في القطاع الخاص يزيد متوسط الأجر بين الذكور. ومن ناحية أخرى، فإن متوسط الأجر في القطاع العام أكبر بين الإناث. وتظهر بيانات مسح القوى العاملة لعام 2015 أن الذكور في القطاع العام يتلقون في المتوسط أجور تقل 15% عن الإناث (178 جنيهًا). وفي القطاع الخاص، يحصل الذكور على أجور تزيد في المتوسط 21% عن الإناث (105 جنيهًا). وكانت الفجوة النسبية في الأجور بالقطاع العام مستقرة بين عامي 2010 و2015، لكن في القطاع الخاص ضاقت الفجوة من 30% في 2010 إلى 21% في 2015.
ونشر البنك الدولي تقريره السنوي” المرأة وأنشطة الأعمال والقانون“2024 لمتابعة العوائق أمام النساء في سوق العمل والاقتصاد في العالم.. وكشف تقرير 2024 أن الفجوة العالمية بين الجنسين في مكان العمل أوسع بكثير مما كان يعتقد سابقًا. وعندما تؤخذ “الفروق القانونية التي تشمل العنف ورعاية الأطفال في الاعتبار”، نجد المرأة تحصل على أقل من ثلثي حقوق الرجل. ولا يوجد بلد يتيح تكافؤ الفرص للنساء- ولا حتى في الاقتصادات الأغنى.
كما قدم التقرير صورة شاملة للعقبات التي تواجه النساء في دخول قوة العمل العالمية والإسهام في تحقيق مزيد من الرخاء لأنفسهن وأسرهن ومجتمعاتهن المحلية. وتناول هذا الأمر بالتحليل على نطاق أوسع، وأضاف مؤشرين يمكن أن يكونا لهما أهمية بالغة في فتح باب الخيارات أمام المرأة أو تقييدها، هما: السلامة من العنف، والحصول على خدمات رعاية الأطفال. وعند تضمين هذين التدبيرين، ستتمتع المرأة في المتوسط بنسبة 64% فقط من الحماية القانونية التي يتمتع بها الرجل، وهذه النسبة أقل بكثير من التقدير السابق البالغ 77%.
ووفقًا للتقرير جاءت مصر في المركز 175 على القائمة التي تضم 190 دولة. ويقيس المؤشر العام أوضاع النساء فيما يخص ثمانية مجالات هي المساواة في: التنقل، مكان العمل، الأجور، الزواج، الوضع، ريادة الأعمال، الملكية، المعاش التقاعدي. وذلك من خلال أسئلة حول الأطر القانونية والسياسات الداعمة وواقع الممارسة الفعلية.
وبحسب التقرير فإن نسبة نجاح مصر على مقياس المؤشر العام في العوائق القانونية أمام مشاركة النساء في العمل والاقتصاد 50.6٪ بينما المتوسط العالمي 77%. وعلى مؤشر وضع الحماية القانونية ضد العنف ورعاية الأطفال يصل مؤشر مصر لـ 37.5% بينما المتوسط العالمي 64%. وفي المؤشر الموازي الذي يقيس اللوائح والآليات التنفيذية للقوانين، يصل مستوى العدالة بين النساء والرجال في مصر في هذا المجال 26.7% بينما المتوسط العالمي 40%.
المصدر: المرأة وأنشطة الأعمال والقانون “2024”، البنك الدولي
كما يعدّ القطاع الخاص طاردًا للنساء بالرغم من نموه المضطرد، وهذا ما يلفت إليه بالفعل المجلس القومي للمرأة في إشارته إلى تراجع انخراط النساء في سوق العمل، وهو مؤشّر خطير حيث أنه في ظل الخصخصة والاتجاه نحو اقتصاديات السوق سوف تتأثر أوضاع المرأة، وخصوصًا الفرص المتاحة لعملها، نظرًا لإقبال القطاع الخاص في الغالب على تشغيل الرجال أكثر من النساء كما وضحت المؤشرات السابق ذكرها، ويعود ذلك إلى خشية أرباب الأعمال ارتفاع نسب تغيّب النساء عن العمل وحصولهن على إجازات متتالية بسبب واجباتهن العائلية. كما يعتبر القطاع الخاص أن إجازات الوضع ورعاية الأطفال وتوفير دور الحضانة للعاملات أعباء مضافة على تكلفة العمل، وبالتالي يعزف بشكل عام عن توظيف النساء. في وقت تحتل فيه مصر المركز الـ 73 عالميًا والسابع عربيًا على مؤشر “مرونة العمل العالمي 2024” الصادر عن مؤسسة White shield الاستشارية للسياسة العامة والاستراتيجيات. وبرغم ذلك، تتركز السيدات العاملات بشكل أساسي في وظائف تتسم بسوء ظروف العمل وانعدام الحماية الاجتماعية وفقًا لتقرير صادر عن دار الخدمات العمالية والنقابية في يونيو 2024.
ويوضح المجلس القومي للسكان في تقريره “تعزيز المساواة في سوق العمل” أن مـا يقـرب مــن 45% مــن المشــتغلين غيــر الرســميين يعملــون فـي قطـاع الزراعـة ويليـه الصناعـة 25% ثـم الخدمـات 31% وبالنسـبة للتوزيع النوعي للعمالة غير الرسـمية فــي القطاعــات المختلفــة، فــإن الذكــور يعملــون بشــكل غيــر رســمي فــي قطاعــي الزراعــة والخدمــات 35% تليهمــا الصناعــة 30% وعلــى جانــب آخــر، تعمــل النســاء بشــكل أساســي فــي القطــاع الزراعــي بنسبة 81%.
وأشار تقرير “سياسات دعم المرأة المصرية في سوق العمل ” الصادر عن المجلس القومي للمرأة، إلى أبرز القطاعات لتشغيل النساء وجاء «اقتصاد الرعاية» في المرتبة الأولى من بين وظائف الإناث بين جميع القطاعات، ثم قطاعا التعليم، والصحة في المرتبة الثانية، تلتهم الصناعات التحويلية مثل الملابس وأجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات والصناعات الدوائية. وفي القطاع الخاص في مصر يمثل اقتصاد توفير الرعاية ثلث وظائف النساء. كما أن ثلث العاملات بأجر في ثلاثة قطاعات ترتبط باقتصاد.
وعليه؛ يتجلى أهمية توفير فرص عمل لائقة للنساء في القطاع الخاص، مع معالجة الانحياز الواعي، وغير الواعي لأرباب الأعمال، ويستلزم ذلك تطوير سياسات لضمان التزام القطاع الخاص بتمثيل مناسب للمرأة في مجالس إدارة الشركات لضمان انخراطهن في تطوير اللوائح الداخلية بطريقة مناسبة لعمل المرأة. بجانب تحقيق المزيد من الحماية لحقوق المرأة العاملة، مع ضرورة تقديم الخدمات المساندة من خلال تفعيل القوانين التي تحمي المرأة العاملة وتضمن حقوقها فيما يتعلق بساعات العمل والإجازات خاصة في القطاع الخاص.