سلطت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين الضوء على ازدياد أعداد النازحين بسبب الكوارث الطبيعية ومخاطر تغير المناخ، وخاصة نوبات ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات والأعاصير وارتفاع مستوى سطح البحر. وذلك أثناء انعقاد جلسات مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف بشأن تغير المناخ (COP29) بباكو عاصمة أذربيجان. وأكدت التقارير الدولية أن أعداد النازحين خلال السنوات الخمس عشرة الماضية تزيد كل عام بسبب مخاطر تغير المناخ والكوارث العالمية مقارنة بالصراعات أو أعمال العنف، كما أنها تؤثر على العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم.
ووفقًا للتقارير، ففي عام 2023 وحده، تم تسجيل نحو 26.4 مليون حالة نزوح نتيجة للكوارث المناخية في 148 دولة ومنطقة حول العالم، مقارنة بـ20.5 مليون حالة نزوح مرتبطة بالصراع والعنف في 45 دولة ومنطقة. وخلال العقد الماضي وحدة سجلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين نحو 220 مليون شخص اضطروا للنزوح الداخلي بسبب كوارث المناخ، وهو ما يعادل 60 ألف حالة نزوح تقريبًا يوميًا. ومن المتوقع أيضًا أن تؤدي آثار تغير المناخ إلى زيادة نطاق ومدة النزوح في العديد من أنحاء العالم، مما يجعل القضية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
وخلال مفاوضات المناخ المنعقدة حاليًا في باكو بأذربيجان (cop29) وما تواجهه من تحديات كبيرة للخروج بالتزامات محددة نحو قضايا تمويل المناخ ومساعدة الدول النامية في مواجهة تغير المناخ، جاءت قضية زيادة أعداد اللاجئين والنازحين بسبب كوارث المناخ كتحدٍّ آخر ينبغي على دول العالم الاستثمار فيه بشكل أكبر، وإيجاد حلول مناسبة وسريعة. حيث إن 75% من النازحين يعيشون في بلدان معرضة بشكل مرتفع لمخاطر مرتبطة بالمناخ. و”بينما يزداد حجم التغير المناخي وسرعته، سيواصل هذا الرقم ارتفاعه” حسب تصريح مفوض الأمم المتحدة السامي لشئون اللاجئين.
التغير المناخي وأثره على النزوح البشري
أصبحت الآثار السلبية للتغير المناخي متزايدة بشكل كبير خلال العقدين الماضيين وذلك نتيجة زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وانبعاثات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، مما أدّى إلى زيادة الاحتباس الحراري العالمي. يؤدي التغير المناخي إلى العديد من الآثار البيئية السلبية، مثل ارتفاع درجات الحرارة، الجفاف، وارتفاع مستوى سطح البحر. هذه التأثيرات تتسبب في حدوث العديد من أحداث الطقس المتطرف مثل الفيضانات والأعاصير ونوبات الحرارة ونوبات الجفاف الشديدين. مما يؤدي إلى نزوح أعداد كبيرة من الناس، سواء داخل بلدانهم فيطلق عليه “النزوح الداخلي”. أو عبر الحدود الدولية فيطلق عليه “الهجرة المناخية”، وذلك بحثًا عن الأمان والمعيشة المستقرة.
في باكو وأثناء مفاوضات المناخ؛ حذّر تقرير جديد صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، والذي أعدته بالتعاون مع 13 منظمةً متخصصة ومؤسسة بحثية ومجموعة من المجموعات التي يقودها اللاجئون، من أن الأشخاص المضطرين للفرار من الحروب والعنف والاضطهاد يجدون أنفسهم بشكلٍ متزايد على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ العالمية، الأمر الذي يعرضهم لمزيجٍ فتاكٍ من المخاطر، دون أن يتوفر لهم التمويل والدعم للتكيف معها.
ووفقا للتقرير من بين 120 مليون نازح قسري، 7% منهم يعيشون في دول تحت تأثير تغير المناخ بشكلٍ كبير، بينما نصفهم في أماكن تجتمع فيها الصراعات مع المخاطر المناخية الحادة، مثل إثيوبيا وهايتي وميانمار والصومال والسودان وسوريا. وتشير التوقعات إلى أن عدد الدول التي تواجه درجة شديدة الحدة من المخاطر المرتبطة بالمناخ سيرتفع بحلول عام 2040 من 3 دول إلى 65 دولةً، تستضيف غالبيتها أشخاصًا من النازحين قسرًا. وبالمثل، فإنه من المتوقع أن تواجه مخيمات اللاجئين الرسمية والعشوائية ضِعف عدد أيام الحر الشديد بحلول عام 2050، مما يفاقم من الأزمة. وحذر التقرير من أن النزوح بهذه الطريقة يعيق مكاسب التنمية للأفراد والمجتمعات والبلدان المتضررة، مما يجعله قضية حرجة تتطلب استثمارات في الوقاية والحلول الشاملة والاستراتيجيات المستدامة طويلة الأجل.
المناطق الأكثر عرضة وتأثرًا بالنزوح المناخي
أصدر بنك التنمية الآسيوي تقريرًا بعنوان “تسخير التمويل الإنمائي لإيجاد حلول للنزوح الناجم عن الكوارث وتغير المناخ في آسيا والمحيط الهادئ”، أوضح خلاله أن الكوارث العالمية تسببت في حالات نزوح أكثر مما تسببت به الصراعات وأعمال العنف وذلك في عام 2023.
وطبقًا للتقرير، فقد كانت اقتصادات البلدان النامية الأعضاء في بنك التنمية الآسيوي مسئولة عن أكثر من 168 مليون حالة نزوح بسبب الكوارث بين عامي 2014 و2023، أي 95% من العدد الإجمالي المُسجل لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ. وقد أدى كل نزوح إلى تأثيرات اقتصادية قصيرة وطويلة الأجل، وإعاقة السكان المتضررين من الوصول إلى الخدمات الأساسية والتعليم، فضلًا عن التأثير الصحي والنفسي.
وتعتبر المناطق التالية من أكثر المناطق عرضةً لأخطار التغيرات المناخية وأكثرها تعرضًا للنزوح والهجرة المناخية:
- جنوب آسيا: تعاني الهند وبنجلاديش من نزوح الملايين سنويًا بسبب الفيضانات والأعاصير والجفاف. وتُشير تقديرات البنك الدولي إلى أن بنجلاديش قد تفقد 17% من أراضيها بحلول عام 2050، مما يؤدي إلى نزوح أكثر من 18 مليون شخص.
- أفريقيا جنوب الصحراء: تعاني منطقة الساحل (تشاد، النيجر، ومالي) من تصحر وانخفاض هطول الأمطار، ويعاني أكثر من 80 مليون شخص من انعدام الأمن المائي بسبب الجفاف المستمر، مما يؤدي إلى هجرة جماعية. وتشير الإحصاءات إلى نزوح أكثر من 7.5 مليون شخص في عام 2022 في هذه المنطقة بسبب الكوارث المناخية.
- الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: تُعد المنطقة الأكثر ندرةً في المياه عالميًا، مع تناقص حاد في الموارد المائية في دول مثل: اليمن، سوريا، والعراق، مع تزايد موجات الجفاف والتصحر مما يؤثر على الأمن الغذائي مما يؤدي إلي زيادة النزوح الداخلي والهجرة المناخية خارج الحدود الدولية.
- دول المحيط الهادئ والجزر الصغيرة: يُهدد ارتفاع مستوى سطح البحر وجود دول مثل توفالو، كيريباتي، وجزر المالديف. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، قد تصبح دول مثل كيريباتي غير قابلة للسكن بحلول عام 2100، مما يؤدي إلى نزوح سكانها بالكامل (حوالي 110,000 شخص).
- أمريكا الوسطى والجنوبية: زيادة حرائق الغابات في مناطق مثل الأمازون في البرازيل. ونوبات الجفاف والأعاصير في دول مثل غواتيمالا، هندوراس، والسلفادور يدفع السكان إلى النزوح. وتشير تقارير إلى أن نحو 30% من سكان أمريكا اللاتينية يعيشون في مناطق معرضة لخطر النزوح المناخي.
جهود مواجهة النزوح المناخي
منذ اتفاق باريس للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ عام 2015، والتي تهدف لخفض الانبعاثات الكربونية العالمية والحد من التغير المناخي وبالتالي الحد من النزوح والهجرة بسبب تداعيات تغير المناخ، وجه العالم نظره إلى تحدي أخر مرتبط بتغير المناخ، وتعمل المفوضية السامية لشئون اللاجئين على توفير برامج إعادة التوطين للنازحين بسبب الكوارث الطبيعية والصراعات البيئية، بما في ذلك دعم البلدان المضيفة للمجتمعات المتضررة، وظهرت عدد من الاتفاقات والإجراءات الإقليمية والدولية منها:
- الميثاق العالمي للهجرة:
هو اتفاق دولي غير ملزم تم اعتماده من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2018، يهدف إلى تحسين إدارة الهجرة الدولية ودعم المهاجرين، بما في ذلك أولئك المتضررين من تغير المناخ والكوارث البيئية. حيث اعترف الميثاق لأول مرة بتغير المناخ كعامل رئيسي في الهجرة القسرية.
- الاستراتيجية الأممية لمعالجة النزوح المناخي:
هي إطار عمل تبنته الأمم المتحدة لمعالجة النزوح الناتج عن تغير المناخ والكوارث البيئية. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تقليل النزوح القسري وتعزيز التكيف مع المناخ في المناطق الأكثر تأثرًا، بالإضافة إلى حماية حقوق النازحين.
توصيات لحل قضية النزوح المناخي
قدمت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين أثناء انعقاد جلسات مؤتمر المناخ بباكو 2024 توصيات مهمة للتعامل مع تفاقم أزمة النزوح القسري الناتج عن النزاعات المسلحة والتغير المناخي. تشمل أبرز التوصيات ما يلي:
- تعزيز التعاون الدولي لتوفير حلول طويلة الأمد للاجئين، خصوصًا في الدول المضيفة التي تعاني من ضغوط اقتصادية واجتماعية متزايدة
- تنفيذ مشاريع لحماية المجتمعات الأكثر عرضة للكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف، مع تقوية البنية التحتية وتعزيز أنظمة الإنذار المبكر
- معالجة التوجهات السلبية التي تؤدي إلى استغلال اللاجئين وإساءة معاملتهم، وتوفير ضمانات قانونية لحمايتهم
- الدعوة إلى زيادة التمويل الموجه للبرامج الإنسانية والتنموية، خاصة في الدول المضيفة التي تعاني من نقص الموارد وتفاقم التحديات الاقتصادية
- تعزيز السياسات التي تشمل اللاجئين في عمليات اتخاذ القرار المتعلق بإعادة التوطين، سبل العيش، والإدماج الاجتماعي والاقتصادي
- تقديم مساعدات اقتصادية واجتماعية للمجتمعات المضيفة لتحفيزها على توفير بيئة آمنة ومستدامة للاجئين، مما يخفف من التوترات المحلية
هذه التوصيات تمثل دعوة عاجلة للتحرك الدولي المنسق، حيث تشير التقديرات إلى استمرار ارتفاع أعداد اللاجئين والنازحين مع تفاقم التأثيرات المناخية والصراعات العالمية.
وأخيرًا، يُمثل النزوح الناتج عن التغير المناخي تحديًا معقدًا يتطلب استجابة عالمية متكاملة. لا يمكن معالجة هذه الأزمة من خلال الجهود الوطنية فقط؛ بل يتطلب الأمر تعاونًا دوليًا جادًا واستثمارات مستدامة للتخفيف من آثار التغير المناخي ودعم النازحين، خاصة مع زيادة الصراعات والتوترات السياسية في مناطق مختلفة من العالم، تؤدي إلى مضاعفة التحديات الخاصة بالنازحين وزيادة الأعباء على الدول المضيفة.