يكاد العالم يحبس أنفاسه انتظارًا لمتابعة حفل افتتاح المتحف المصري الكبير في الأول نوفمبر القادم 2025، شوق غامر لحدث استثنائي عطل انطلاقه كثير من الظروف المباغتة على مدار سنين خلت، فكان تأخره سببًا في تزايد المطالبات الدولية بسرعة افتتاحه تلبية لشغف ملايين حول العالم بحضارة مصر العظيمة، التي يجمع المتحف دُرَرَ إبداعاتها داخل أروقته وقاعاته؛ مما حوله إلى حَرم ثقافي تتساوى قدسيته التراثية في أذهان محبي الآثار والتاريخ والفنون مع أشهر متاحف العالم وأكثرها زخرًا، اللوفر، المتروبليتان، الفاتيكان، ومتحف الصين القومي.
نال المتحف الجديد قدره الكبير من النجاح، حتى قبل أن تُفتتح أبوابه لمرتاديه، ليُبشر بازدهار سياحي محلي وقومي وشيك، منبعه تهافت الزائرين من كل أنحاء العالم على الجيزة، بأهراماتها، ومتحفها، ومزاراتها، وصخب مدينتها الدائم الذي لا يعرف الهدوء. لتبُرز في هذا الصدد جُملة تساؤلات يمكنها أن تكون أساسًا موضوعيًا لأي جهد تنموي مقبل بذلك النطاق والمقصد السياحي الواعد.
- أولًا: ماذا لدينا في الجيزة من أصول ثقافية وتراثية وخدمية، يمكن البناء عليها كي تكون أساسًا لنشاط سياحي مستدام؟
- ثانيًا: ماذا قدمت الدولة على مدار العقد الماضي من جهود لتطوير منطقة الجيزة السياحية، لتصل إلى ما هي عليه اليوم من حيوية؟
- ثالثًا: كيف يمكننا أن نبني على ما سبق من نجاحات، كي ننتقل بمدينة الجيزة المصرية إلى مستوى أرقى من المنافسة العالمية؟
الإجابة عن التساؤلات الثلاثة والعمل بنتائجها قد تُعيد موضع الجيزة -بعد مدة من الزمن- بين الخمسة أو العشرة الكبار على قائمة المقاصد السياحة الثقافية العالمية، باريس، ونيويورك، ولندن، وإسطنبول، وغيرهم؛ مما يسهم في انتقال القطاع السياحي المصري بفضل ذلك إلى مكانته العالمية المأمولة، بدلًا من الاكتفاء بالمنافسة الإقليمية مع دول سياحية متوسطة وصغيرة الحجم.
تنوع المقومات
يمكن تقسيم محافظة الجيزة البالغ مساحتها 37 ألف كيلو متر إلى ثلاثة نطاقات جغرافية؛ أولها: النطاق الحضري في شرق المحافظة، الذي يشمل مدينة الجيزة وعددًا من التجمعات العمرانية الجديدة مثل مدن أكتوبر والشيخ زايد وسفنكس، والبالغ مساحتة التقريبة 377 كيلو مترًا مربعًا تقريبًا، وثانيها: النطاق الريفي الممتد على الأطراف الجنوبية والشمالية من شرق المحافظة والبالغ مساحته 2100 كيلو متر تقريبًا، وثالثها: نطاق الصحاري والواحات الممُتد على طول المحافظة نحو الغرب، والذي يستحوذ على بقية المساحة الجغرافية والمقدرة بأكثر من 34 ألف كيلو متر مربع.
تتموضع أهم المقومات التراثية والمرافق الخدمية الداعمة للحركة السياحية داخل الجيزة، بالنطاق الحضري الواقع في شرقي المحافظة، وأحد الأسباب الأساسية في ذلك وجود هضبة أهرام الجيزة وسط رقعة هذا النطاق؛ حيث يوجد على أرض تلك الهضبة ما نعرفه باسم هرم الملك خوفو أو الهرم الأكبر، آخر عجيبة باقية من عجائب العالم القديم، كما بها عدد آخر من الأهرام والهريمات والمعابد والمقابر التي تُشكل مجموعة أثرية متكاملة.
أسهم وجود منطقة هضبة الأهرام في تنامي وتركز غالبية المرافق السياحية، على مدار العقود والسنوات السابقة، بذلك النطاق الحضري من محافظة الجيزة؛ حيث تُسجل الإحصاءات الرسمية وجود 67 منشأة فندقية داخل مدينة الجيزة والتجمعات الحضرية المجاورة لها -راجع الشكل التالي رقم 1-، وذلك من أصل 71 منشأة فندقية في عموم محافظة الجيزة، بالإضافة إلى 105 محلات للعاديات من أصل 117 بكل نواحي الجيزة، و36 مطعمًا سياحيًا جميعم في نطاق مدن الجيزة وزايد وأكتوبر.

المصدر: دليل المنشآت الفندقية الثابتة والمنتجعات السياحية، الموقع الرسمي لوزارة السياحة والآثار المصرية، أكتوبر 2025.
كما تمتلك محافظة الجيزة في نطاقها الحضري عددًا من المتاحف الفنية المتخصصة والحدائق التاريخية، التي يأتي في مقدمتها متحف محمود خليل بما يحتويه من رسومات وخزف ومنحوتات ومنسوجات مطرزة من أرقى روائع الفن العالمي الحديث، تلك الأعمال الفنية التي لا يمكن للسائحين أن يروا مثيلاتها إلا في متاحف أوروبية وأمريكية كبرى، بالإضافة إلى حديقتي الحيوان والأورمان، بما تحتويهما من نباتات وأشجار عتيقة أصبح وجود بعضها نادرًا على كوكب الأرض بسبب تغيرات المناخ، فضلًا عما تئويه الحديقة الأولى من حيوانات مصرية وأفريقية، قلما وجد بعضها في الغابات والبراري المفتوحة، نتيجة لممارسات الصيد الجائر في بيئاتها الأصلية بجانب عوامل سلبية أخرى.
ويقع في جنوب النطاق الحضري المشار إليه، نطاق ريفي توجد على حواف صحراواته الغربية عدد المواقع الأثرية، وهم بالترتيب من الشمال إلى الجنوب، موقع “زاوية العريان”، وموقع “أبو غراب”، وموقع “أبو صير”، وموقع “ميت رهينة”، وموقع “سقارة”، وأخيرًا موقع “دهشور” –راجع الخريطة التالية رقم 2-. لتتكامل تلك المواقع مع هضبة أهرام الجيزة في تكوين ما يوصف تاريخيًا وعلميًا بإقليم منف القديمة وجبانتها Memphis and its Necropolis، ذلك الإقليم الذي يتموضع على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، كواحد من ستة أقاليم تراثية موزعة على امتداد مصر.
خريطة رقم 2: المواقع الأثرية بإقليم منف القديمة التراثي العالمي.

المصدر: إعداد الباحث، اعتمادًا على معلومات قائمة مواقع التراث العالمي، الموقع الرسمي لمنظمة اليونسكو.
ورغمًا من بُعد المسافات بين تلك المناطق الأثرية الموجودة بالنطاق الريفي الجنوبي من جهة، ومنطقة هضبة الأهرام من جهة أخرى، وبخلاف محدودية المرافق الخادمة لتلك المواقع الأثرية النائية، فإن الكثير من السائحين والمتخصصين يحرصون على زيارة بعضها أو إحداها على الأقل، لتعميق معارفهم حول عدد من العلوم التي برع فيها المصري القديم كالهندسة والعمارة والنحت وتشييد الأهرام، بالإضافة إلى إلقاء نظرة مُقربة على المُعتقدات الدينية والجنائزية في مصر القديمة.
تطوير مُكثف
دشنت الدولة المصرية منذ 2015 عددًا من المشروعات التنموية القومية، التي كان لها بصمتها في تطوير البنى التحية بمختلف أرجاء محافظة الجيزة. ليحقق مجال العمل السياحي المحلي عددًا من الفوائد المباشرة وغير المباشرة بفضلها، فيما يُنتظر أن تزيد الفوائد مع إكمال بقية المشروعات غير المنتهية، ونجد من أمثلة تلك المشروعات ما يلي:
- الطرق البرية
أكملت الجهات الحكومية المُختصة في 2022 القوس الجنوبي من الطريق الدائري حول القاهرة، بعد تعطل عملية تشييده لمدة عقدين كاملين من الزمان، كما شُيدت في 2021 الطريق الدائري الأوسطي الرابط بين الجيزة وعدد من المحافظات المجاورة، فضلًا عن تطوير وتوسعة مدخلي طريق مصر إسكندرية الصحراوي وطريق الفيوم عم 2016، لتحقيق أكبر قدر من الانسيابية المرورية للواصلين والمغادرين إلى المحافظة عبر هذين الطريقين.
كما تم إنشاء ورصف عدد كبير من المحاور المرورية والشوارع فسيحة داخل مدينة الجيزة لتسهيل حركة التنقل المحلي؛ مما أدى لنمو شبكة الطرق بالمحافظة على مدار عشر سنوات بنسبة 365% -راجع الشكل التالي رقم 3-، لتسهل تلك الشبكة الحديثة من الطرق حركة الأفواج السياحية بين مختلف المواقع السياحية والأثرية في الجيزة.

المصدر: نشرات حصر الطرق والكباري، لأعوام 2013/2014، و2017/ 2018، و2021/ 2022، و2023/2024، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
- مطار سفنكس الدولي
افتتحت الحكومة المصرية في مطلع 2019 هذا الميناء الجوي، كي يكون داعمًا لمطار القاهرة الدولي، ومقرًا لعدد من خطوط الطيران منخفض الكلفة، وكل ذلك بغرض دعم الحركة السياحية في نطاق المحافظة، وتيسير فكرة تنفيذ الرحلات السريعة لمنطقة أهرام الجيزة والقاهرة التاريخية على السائحين الأجانب، سواء الموجودون داخل مصر في جنوب سيناء أو البحر الأحمر أو الصعيد، أو القادمون من خارج البلاد.
لم تمضِ بضع سنوات حتى ارتأت الدولة في 2023 إمكانية توسيع مطار سفنكس، كي تزيد طاقته الاستيعابية من 300 راكب / ساعة إلى 900 راكب / ساعة، وهو ما جارىَ التوقعات الإيجابية حول إمكانية انتعاش الحركة السياحية بنطاق محافظة الجيزة، وفقًا لما وضعته الحكومة من تصورات وخطط لتطوير منطقة الأهرام التاريخية ولزيادة مرافقها السياحية، ليتناسب ذلك مستقبلًا مع حالة التعاظم المأمولة في إعداد السائحين الوافدين سنويًا، والذين سيكون من بينهم خمس ملايين زائر للمتحف المصري الكبير وحده.
- الجر الكهربائي
تستكمل الأجهزة المختصة حاليًا عمليات حفر خط المترو الرابع الواصل بين محافظة القاهرة والجيزة، والذي يتوقع إنهاء عمليات تشييده في 2027، ليخدم هذا الخط منطقة هضبة الأهرام والمتحف الكبير عبر عدد من المحطات النفقية؛ مما سييسر من تنقل السائحين والزائرين بين عدد من المناطق التراثية والسياحية في نطاق محافظتي القاهرة والجيزة، وهو ما من شأنه أن يوفر تجربة سياحية مريحة لكل ضيوف العاصمة المصرية الراغبين في اكتشاف المدينة عبر وسائل النقل العام، أسوة بأسفارهم في العواصم السياحية الكبرى في أوروبا وأمريكا.
كما بدأت الدولة منذ أواخر 2021 في دراسة مشروع ربط القاهرة بالصعيد عن طريق استحداث خط قطار كهربائي سريع رابط بين مدنيتي السادس من أكتوبر في محافظة الجيزة و”أبو سمبل” في محافظة أسوان بطول 1000 كيلو متر، ليمر هذا الخط السككي على عدد من المقاصد السياحية المهمة في جنوب البلاد مثل مدن الأقصر وأسوان –راجع الخريطة التالية رقم 4-؛ مما سيسهل حركة السياحة المترددة بين الجيزة وجنوب الوادي؛ حيث من المخطط أن تستغرق الرحلة بين الجيزة وأسوان ما مقداره أربع ساعات فقط، وهو أقل من الزمن المعتاد لمنظومة القطارات القديمة بنسبة 70% تقريبًا.
خريطة رقم 4: مسار المرحلة الثانية من القطار السريع بين محافظة الجيزة شمالًا ومحافظة أسوان جنوبًا.

المصدر: الموقع الرسمي للهيئة القومية للأنفاق.
- المتحف الكبير
كان مشروع المتحف المصري الكبير واحدًا من المشروعات القومية التي تعطلت لمدة زمنية طويلة، فبين العامين 1992 و2015، لم يشهد المتحف أي إنجاز يذكر سوى وضع مخططاته التصميمية، ثم تنفيذ المرحلة الأولى من أعماله التي تمثل أغلبها في تسوية وتمهيد أرض المشروع، بالإضافة إلى بناء مركز الحفظ الأثري التابع للمشروع المتحف، لكن العام 2015 كان بمثابة الانطلاقة الحقيقية لهذا الحلم الوطني؛ حيث شهد هذا العام تكثيفًا وضغطًا لخطط الأعمال لكي تشمل المرحلتين الثانية والثالثة على التوازي.
تمكن بنائو المتحف الكبير من إكمال 97% من أعمال المشروع الإنشائية في عام 2020، ثم توالت إنجازاتهم على مدار سنوات ثلاث لاحقة، حتى أعُلِن عن افتتاح المتحف تجريبيًا أمام الزائرين في أكتوبر 2024، ليبدأ منذ ذلك التاريخ مشوار أعظم مؤسسة متحفية في مصر ومنطقة الشرق الأوسط، تلك المؤسسة العريقة التي تحتوي جنبات قاعاتها الاثني عشر ودرجها العظيم ومركز حفظها الأثري على ما يفوق المئة ألف قطعة أثرية.
كما يميز المتحف الكبير نفسه عن بقية المتاحف العربية والإقليمية من خلال ما يملكه من مرافق داعمة لأعماله، والتي تتنوع ما بين متحف تفاعلي للأطفال، ومركز لممارسة الحرف التقليدية القديمة، وقاعات للندوات والمؤتمرات، وحدائق للنباتات التراثية، وغيرها –راجع الشكل المعلوماتي التالي رقم 5-، فضلًا عن اعتماده على بنية تحتية صديقة للبيئة، توفر في استهلاك الطاقة والمياه؛ مما يحقق فكرة استدامة العمل التراثي، وهو نمط ونموذج عملي لم يعرفه سوى عدد محدود من المؤسسات المتحفية العربية والشرق أوسطية.
شكل معلوماتي رقم 5: أبرز المرافق اللاحقة بمشروع المتحف المصري الكبير

المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.
- هضبة أهرام الجيزة
بدأت أجهزة الدولة المصرية عام 2009 في مشروع جاد لتطوير منطقة الأهرام، بُغية استعادة رونقها الحضاري، بعد أن عانت على مدار سنوات سابقة من حالة تشوه بنيوي وتنظيمي أضرت بصورة مصر كمقصد سياحي عالمي، لكن التوترات السياسية والأمنية التي عصفت بالبلاد بدءًا من عام 2011، والتي طال أمدها لبضع سنوات لاحقة، كانت سببًا في جمود ذلك المشروع الذي لم يُبعث من جديد إلا بحلول عام 2016، حينما استُكملت عمليات تشييد البوابات الجديدة للمنطقة، ورسمت على أرضها مسارات لمنظومة حافلات كهربائية تجوب بين الأهرام الثلاثة، عوضًا عن السيارات التقليدية المُضرة عوادمها للبيئة والآثار.
ضبط أنشطة العاملين بمجال التنزه بالدواب والباعة الجائلين كانت من بين أكبر التحديات التي تواجه منطقة الأهرام، فالدولة لم ترد يومًا أن تقطع مصدر رزقهم، لكنها لم تكن لتتسامح مع أي سلوك يُضر بسمعة البلاد السياحية، لذلك وضعت الأجهزة التنفيذية التشريعات اللازمة لتنظيم أعمال تلك الفئات، كما خُصصت لهم مساحات محددة داخل حرم المنطقة لمزاولة أنشطتهم؛ مما أعاد الهدوء لمحيط الأهرام، ووفر ظروف ملائمة لاستمتاع السياح بجولتهم دون مضايقات أو إزعاج.
خطوات إضافية
يمكن التقدير بأن أرضية الأعمال أصبحت مهيئة لازدهار اقتصاد سياحي ضخم، لم تشهده محافظة الجيزة ولا مصر كلها على مدار التاريخ الحديث، فالبنية التحتية التي عوقت النشاط والتوسع السياحي من قبل يتم الآن العمل على تعزيزها بجملة مشروعات غير مسبوقة، كما أن المقاصد الأثرية والمتحفية الرئيسية جرى تهيئتها لاستقبال المزيد من الزائرين، بالتوازي مع تحسين مستوى الخدمة المقدمة لهم بتلك المقاصد، كي تكون زيارتهم لها ذات جودة مُرضية، لكن حركة التطوير لا تنتهي وهناك المزيد من الأمور التي يجب العمل عليها للوصول بالجيزة لمستوى أفضل المقاصد السياحية العالمية، ومنها مثالًا:
- الإسكان الفندقي
لم يزد عدد الغرف الفندقية في محافظة الجيزة برمتها في عام 2021 عن 18,800 غرفة فندقية، وهو ما مثل 9.63% فقط من إجمالي الغرف الفندقية المتوفرة بجمهورية مصر العربية، وهو ما لا يتناسب مع حجم الحركة السياحية المليونية المتوقعة للمحافظة، خاصة منطقة أهرام الجيزة وامتدادها الريفي الجنوبي السابق ذكره، لذلك هناك حاجة ماسة لزيادة أعداد الغرف الفندقية في النطاق الحضري من المحافظة.
هناك مشروعات حالية لدراسة إمكانية تشييد سلسلة من الفنادق الحديثة بمنطقة نزلة السمان القريبة من هضبة الأهرام، كما توفر هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة العديد من قطع الأراضي بمدنها الجديدة كالشيخ زايد وأكتوبر؛ لكي تبنى عليها المنشآت الفندقية، لكن مثل تلك المشروعات تستغرق سنوات قبل إتمامها، وهو ما سيحد من قدرة الجيزة على استقبال الملايين من السائحين المتشوقين لزيارتها.
لذلك سيكون من العملي أن تتبنى محافظة الجيزة بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار مبادرة هدفها تشجيع المواطنين المحليين على الاستثمار في تشغيل شقق الإجازات، التي وضعت الحكومة المصرية شروط تشغيلها في مايو الماضي 2025، كما يمكن التصريح لأصحاب العمارات السكنية الملائمة فنيًا وجغرافيًا بتحويلها إلى فنادق صغيرة منخفضة في الترتيب السياحي-فئة نجمة ونجمتين-، وهو ما سيزيد بسرعة من أعداد الغرف السياحية، وسيوفر بدائل فندقية ذات تنافسية سعرية تتلاقى مع مختلف شرائح السائحين.
- الطيران الداخلي والخارجي
يتكامل المقصِد السياحي بالجيزة مع المقاصد السياحية في الأقصر وأسوان في تقديم التجربة السياحية الغنية التي يرنوا إليها كل سائح ثقافي آتٍ إلى مصر بهدف مشاهدة معالمها التاريخية المجيدة، لذلك يعد تسهيل حركة التنقل بين تلك الوجهات من الأمور الفارقة في جذب مزيد السائحين نحو الجيزة. ولا ينكر أهل التخصص وجود رحلات جوية منتظمة بين مطار القاهرة الدولي ومطاري الأقصر وأسوان الدوليين، لكن من المفيد أن تضاف رحلات أخرى تابعة لشركات النقل الجوي منخفض الكُلفة، لتنطلق من مطار سفنكس نحو تلك المطارات الجنوبية، والعكس، ليتيح ذلك أمام السائحين بدائل نقل جوي متنوعة تتناسب مع قدراتهم المالية المختلفة.
كما قد يكون من المفيد أن يقوم مطار سفنكس بالتعاون مع عدد من خطوط الطيران العالمية منخفضة الكلفة في عمل برامج سياحية لهواة تتبع التراث القديم؛ مما سيسهل على مثل هؤلاء السائحين أن يتنقلوا خلال أيام معدودة بين اليونان وإيطاليا، بالإضافة إلى مصر، ليعطي ذلك دفعة إضافية لأعداد السائحين القادمين إلى مصر.
- المؤسسات الثقافية المناظرة
من الجيد أن يتم الاهتمام بالمتحف الكبير وهضبة الأهرام، لكن هناك متاحف وحدائق أخرى تستحق الحصول على نظرة الاهتمام من الجهات الحكومية، فمتحف محمود مختار مثلًا بما يحتويه من كنوز فنية وإبداعات معمارية، يستحق أن يتموضع فوق قلب الخريطة السياحية للجيزة، لا على الهامش كمتحف مغمور لا يعرفه الكثيرون.
كما يجب الاستفادة من التطويرات الجارية حاليًا بحديقة حيوان الجيزة، لتنسيق مواقع خاصة بحيوانات البيئة المصرية، التي عاصرت المصري القديم وعاشت إلى جواره، قبل أن يعاني بعضها اليوم من خطر الانقراض، لتتحول حديقة حيوان الجيزة بفضل ذلك إلى متحف حي، له دور ثقافي مُكمل لدور المتحف المصري الكبير، الذي يمتلك قطعًا أثرية ومزروعات نباتية من عهد مصر القديمة، لكنه لا يمتلك حيوانات حية يعود أسلافها إلى زمن تلك الحقبة، كي يتم شرح معلومات عن الطبيعة والمعتقدات الدينية التي كان بعض من تلك الحيوانات رمزًا دينيًا لها.
- المواصلات العامة
من المخطط أن يفتح مترو الخط الرابع أبوابه أمام الجمهور عام 2027، لكن الانتظار حتى بلوغ هذا العام دون مراعاة لصعوبة وصول الزائرين المرتجلين إلى البوابة الجديدة لمنطقة الأهرام على طريق الفيوم، ومدخل المتحف الكبير على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، يدفع إلى الاقتراح بتنظيم عدد من خطوط حافلات النقل العام للربط بين منطقتي المتحف والأهرام، وبين عدد من الميادين والمناطق الحيوية في الجيزة والقاهرة؛ مما سيدعم حركة الزيارات الوافدة لمقاصد الجيزة التراثية.
في الختام، يمكن الإيجاز بأن الجيزة أصبحت مهيأة لكي تكون مقصدًا سياحيًا مميزًا له مكانته على الخريطة السياحية الدولية، لكن هناك عدد من التحديات التي قد تتسبب في تعطيل مسيرة هذا الطموح، لكن بكثير من العزم وبقدر من الإبداعية يمكن تلافي تلك التحديات الهامشية، لنشهد بعد ذلك انطلاقة مبهرة للقطاع السياحي المحلي بمحافظة الجيزة.
باحث أول ببرنامج السياسات العامة






























