عكست القراءة الأخيرة لمؤشر مديري المشتريات للقطاع الخاص غير النفطي (PMI) في مصر تحسنًا في أداء القطاع، وإن كانت القراءة لا تزال عند مستوى النقطة المحايدة 50، فوفقًا لقراءة المؤشر الصادرة عن مؤسسة S&P Global، فقد تخطى المؤشر النقطة المحايدة قليلًا ليرتفع إلى 50.7 في شهر يناير، مقارنة بمستوى 48.1 في ديسمبر 2024. وتعكس هذه القراءة تحسنًا في وضع الاقتصاد غير النفطي في مصر، وهي الأعلى منذ نوفمبر 2020 (أي قبل نحو أربع سنوات).
جدير بالذكر أن القراءة تخطت النقطة المحايدة مرة واحدة فقط خلال عام 2024، وتحديدًا في شهر أغسطس، حينما سجلت 50.4.
مؤشرات واعدة
في تقريرها عن مصر الصادر في فبراير الجاري، قالت المؤسسة: إن القطاع الخاص غير المنتج للنفط في مصر بدأ العام الجديد بزيادة في معدل النمو، وشهد أفضل توسع له منذ أكثر من أربع سنوات، مع ارتفاع حجم الإنتاج والمبيعات. وأشارت إلى أن النتائج الأولية تعكس انتعاشًا ملحوظًا في هذا القطاع بعد ركود طويل.
كما أشارت الشركات التي شاركت في الاستطلاع الخاص بالتقرير إلى تحسن ظروف السوق المحلية؛ مما أدى إلى ارتفاع المبيعات، وهو ما نتج عنه تراجع ضغوط التكلفة مع انخفاض أسعار بعض المواد. وقد أسهم ذلك في تخفيف معدل تضخم أسعار المنتجات ليصل إلى أدنى مستوى له في أربع سنوات ونصف.
مسار التضخم في مصر
وفقًا لآخر القراءات المعلنة من قبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تراجع معدل التضخم السنوي العام في ديسمبر إلى 24.1% مقارنة بمستوى 25.5% في نوفمبر. كما سجل معدل التغير الشهري في الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين في الحضر 0.2% خلال ديسمبر 2024، مقابل 1.4% في ديسمبر 2023، و0.5% في نوفمبر 2024. وعلى أساس سنوي، يعد هذا المستوى الأقل منذ سبتمبر.
في الوقت ذاته، تراجع معدل التضخم الأساسي، الذي يحتسبه البنك المركزي، إلى 23.2% في ديسمبر 2024، مقارنة بـ 23.7% في نوفمبر السابق عليه. وكان صندوق النقد الدولي قد توقع أن ينخفض التضخم في مصر إلى 16% بنهاية السنة المالية 2024/2025، التي تنتهي في يونيو المقبل.
ورغم تراجع التضخم خلال الأشهر القليلة الماضية، فإنه لا يزال بعيدًا عن مستهدفات البنك المركزي المصري؛ مما دفعه إلى تمديد آجال تحقيق هذه المستهدفات، مع الإبقاء عليها عند 7% (±2%) بنهاية 2026، و5% (±2%) بنهاية 2028.
تحسن في المؤشرات مع استقرار التوظيف
بالعودة إلى التقرير، أظهرت أربعة من المكونات الفرعية الخمسة لمؤشر مديري المشتريات اتجاهًا إيجابيًا للشركات في شهر يناير، إلا أن التوظيف كان الاستثناء الوحيد، حيث لم يشهد تغييرًا يُذكر.
وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى أنه بعد شهرين من خفض الوظائف، شهد معدل التوظيف الإجمالي في القطاع استقرارًا خلال يناير. وعلى الرغم من أن بعض الشركات قامت بالتوسع في العمالة استجابةً لارتفاع المبيعات، فإن ذلك قابله خفض في العمالة لدى شركات أخرى.
وتعقيبًا على نتائج التقرير، قال ديفيد أوين، الخبير الاقتصادي الأول في S&P Global Intelligence: إن القراءة الأخيرة تعكس تحسنًا ملحوظًا بعد معاناة القطاع الخاص غير النفطي في مصر خلال السنوات القليلة الماضية، والتي تأثرت بمعدلات التضخم المرتفعة والآثار الواسعة لحالة عدم الاستقرار الإقليمي. كما توقع أن يسهم وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في تعزيز الثقة في الأسواق.
انخفاض منتظر للتضخم
توقع ديفيد أوين أن يستمر التضخم في مصر في الانخفاض خلال الأشهر المقبلة، بالنظر إلى وتيرة قراءات التضخم في الفترة الأخيرة. ويدعم ذلك ما جاء في التقرير، حيث سجل ارتفاع أسعار المنتجات في الشركات غير المنتجة للنفط خلال يناير أبطأ وتيرة له في أربع سنوات ونصف؛ مما يعكس تراجع الضغوط التي تواجهها الشركات لرفع الأسعار في ظل بيئة أعمال أكثر استقرارًا.
كمؤشر على تحسن الظروف الاقتصادية وانحسار التضخم، يشير التقرير إلى أن إجمالي نشاط الأعمال والطلبات الجديدة سجل ارتفاعًا خلال شهر يناير، بمعدلات هي الأسرع في أربع سنوات. وفي هذا الصدد، أوضح التقرير أن انخفاض ضغوط التضخم منح العملاء ثقة أكبر في تقديم طلبات جديدة، لا سيما في قطاعات التصنيع والإنشاءات والجملة والتجزئة، في حين كانت الخدمات هي الفئة الوحيدة التي سجلت انخفاضًا في المبيعات. وبشكل عام، أدى الطلب المتزايد من العملاء إلى دفع الشركات نحو توسيع إنتاجها.
كما ارتفعت مشتريات مستلزمات الإنتاج؛ مما أسهم في تسجيل زيادة جديدة (وإن كانت طفيفة) في مخزونات مستلزمات الإنتاج. وأشار التقرير أيضًا إلى استقرار سلاسل التوريد؛ إذ لم تشهد فترات التسليم تغيرًا يُذكر منذ شهر ديسمبر.
نظرة عامة على نتائج التقرير
بشكل عام، أظهر التقرير أن القطاع الخاص غير النفطي في مصر شهد نموًا ملحوظًا خلال يناير، هو الأفضل خلال السنوات الأربع الماضية. كما أن هناك تحسنًا في ظروف السوق المحلية مع تراجع ضغوط التكلفة، نتيجة انخفاض أسعار بعض المواد؛ مما أدى إلى انخفاض معدل تضخم أسعار المنتجات إلى أدنى مستوى له خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديدًا منذ عام 2022.
وكان التضخم قد بدأ منذ ذلك الحين في تسجيل مستويات من رقمين بدلًا من رقم واحد، متأثرًا بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وما سببته من اضطراب في سلاسل الإمداد العالمية. وقد ظلت هذه المستويات تتذبذب بين الارتفاع والانخفاض منذ ذلك الحين.
الخلاصة
ما شهده القطاع الخاص غير النفطي في يناير يتماشى مع توجه الدولة نحو التصنيع المحلي وزيادة نمو قطاع الصناعة بما يزيد على 31% حتى العام المالي 2026/2027. كما أن المؤشرات الإيجابية يمكن البناء عليها واستغلالها من خلال توفير بيئة داعمة وجاذبة للاستثمار، وتوفير البدائل المحلية للمنتجات والخامات الأولية المستوردة، خاصة مع القوة الكبيرة التي من المتوقع أن يكتسبها الدولار خلال الفترة القليلة المقبلة وعلى المدى المتوسط والطويل؛ نظرًا للإجراءات الحمائية التي أصبحت واقعًا مؤخرًا بفرض رسوم جمركية على عدد من الدول.
مع إعلان التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء فيما يتعلق بالمراجعة الرابعة لبرنامج التسهيل الائتماني الممتد مع صندوق النقد الدولي، والذي يمول المرحلة الثانية من الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية لمصر بقيمة 8 مليارات دولار – قال الصندوق: إن أولويات الإصلاح بالنسبة لمصر خلال الفترة المقبلة هي تعزيز الإيرادات المحلية، وتطوير بيئة الأعمال، وتسريع وتيرة التخارج من بعض الأنشطة الاقتصادية وفقًا للخارطة الموضوعة بوثيقة ملكية الدولة، فضلًا عن تمكين القطاع الخاص مع تعزيز الحوكمة والشفافية.
وفي ذلك، تعهدت مصر -رغم جسامة الأحداث الإقليمية وتداعياتها- بتسريع وتيرة الإصلاحات لتحسين بيئة الأعمال، وضمان أن يصبح القطاع الخاص المحرك الرئيسي للنمو، مع بذل الجهود المطلوبة لتحقيق تكافؤ الفرص، وتقليل وجود الدولة في الاقتصاد، وزيادة ثقة القطاع الخاص للمساعدة في جذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير الإمكانات الاقتصادية الكاملة لمصر.
هذه التعهدات، مع المؤشرات الواعدة التي تعكسها قراءة مؤشر مديري المشتريات، تعكس واقعًا ومستقبلًا مفاده أن الاقتصاد المصري لديه فرصة قوية لتحقيق النمو رغم التحديات، وأنه يجب البناء على المؤشرات الإيجابية بالحفاظ عليها وتحسينها من خلال إجراءات حاسمة وجريئة تهدف إلى خلق بيئة مواتية لقطاع خاص يمتلك كافة المقومات التي تجعله قائدًا لنمو اقتصادي مستدام للبلاد، ربما يصل إلى مستويات أكبر وأكثر تفاؤلًا من المستهدفات الموضوعة سلفًا.
مصر بحاجة إلى تمكين القطاع الخاص، وفي الوقت نفسه تمتلك الدولة الأدوات والنفوذ التشريعي والإجرائي والرقابي الكفيل بحفظ حقوق جميع العاملين في المنظومة (أصحاب الأعمال – العاملين – الدولة) بما يجعلها صفقة رابحة لجميع الأطراف.