في خطوة تُعد الأولى منذ أربع سنوات بالنسبة للسندات، وعامين بالنسبة للصكوك الدولارية، أعلنت الحكومة المصرية منذ بداية يناير 2025 عزمها طرح سندات دولية بعد توقف دام أكثر من أربع سنوات. وكانت آخر مرة أصدرت فيها مصر سندات دولية في عام 2021، حيث جمعت حينها 6.75 مليارات دولار عبر إصدارين، وبالفعل، في يوم الأحد 2 فبراير 2025، نجحت مصر في بيع سندات دولية بقيمة ملياري دولار مقسمة إلى شريحتين:
- الشريحة الأولى: 1.25 مليار دولار بأجل خمس سنوات، وبعائد 8.625%.
- الشريحة الثانية: 750 مليون دولار بأجل ثماني سنوات، وبعائد 9.45%.
يأتي هذا الطرح ضمن استراتيجية الحكومة المصرية لسد الفجوة التمويلية المقدرة بنحو10 مليارات دولار خلال السنة المالية 2024-2025.
إقبال قوي رغم التحديات الاقتصادية
حظي الطرح المصري باهتمام واسع من المستثمرين الدوليين، حيث تجاوزت طلبات الشراء 10 مليارات دولار؛ مما يعني أن كل شريحة من السندات تمت تغطيتها بمعدل خمس مرات. ويعكس هذا الإقبال الكبير ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري، رغم التحديات الاقتصادية العالمية، مع ضمانهم الحصول على عوائد تنافسية. كما أسهمت هذه الخطوة في تهدئة سعر الدولار، الذي كان قد وصل إلى 51 جنيهًا في السوق الموازية.
يأتي هذا الإصدار بعد أن اقترضت مصر ملياري دولار يوم الجمعة 24 يناير 2025 من مجموعة مستثمرين إقليميين ودوليين، عقب سداد تسهيلات بقيمة 3 مليارات دولار في نوفمبر 2024، وقد أشرفت على إدارة الطرح مجموعة من البنوك والمؤسسات المالية العالمية، أبرزها؛ جي بي مورجان، سيتي جروب جلوبال ماركتس، جولدمان ساكس، إتش إس بي سي، ستاندرد تشارترد، إس إم بي سي، ومن المقرر إدراج السندات الجديدة في بورصة لندن.
نظرة على أدوات الدين المصرية
تصل قيمة السندات المصرية المطروحة في الأسواق الدولية والمقومة بالدولار إلى 30.6 مليار دولار. أما العائد على السندات المصرية المستحقة في نوفمبر 2030، فيبلغ 9.87%، وهو الأقرب لمستويات العائد على الطرح الجديد، فيما يبلغ العائد على السندات المستحقة في 2033 حوالي 9.75%، علاوة على ذلك، باع البنك المركزي المصري لصالح وزارة المالية، يوم الاثنين 3 فبراير 2025، أذون خزانة دولارية لأجل عام بقيمة 1.061 مليار دولار، بمتوسط عائد 4.25%، وتجدر الإشارة إلى أن أذون الخزانة تختلف عن السندات من حيث مدة الاستحقاق، حيث تُعتبر الأذون أدوات دين قصيرة الأجل تتراوح مدتها بين 3 أشهر إلى عام، بينما تمتد آجال السندات لعدة سنوات، في هذا الطرح، قبل البنك المركزي 17 عرضًا من إجمالي 27 عرضاً بقيمة 1.241 مليار دولار، مع تحديد سعر فائدة عند 4.25%، وهو أقل من بعض العروض التي تجاوزت 5.3%، ويُسمح للبنوك المحلية والمؤسسات الأجنبية بالاكتتاب في هذه الأذون، بشرط ألا يقل الحد الأدنى للاكتتاب عن 100 ألف دولار، ومضاعفاتها.
سندات وأذون الخزانة المطروحة بالجنيه المصري
ووفقًا لما تم نشره من قبل البنك المركزي المصري، فإن البنك قام بطرح سندات الخزانة لصالح وزارة المالية اليوم الاثنين 3 فبراير 2025، سندات خزانة ذات العائد الثابت بقيمة 10.5 مليارات جنيه، مقسمة على طرحين، الطرح الأول بقيمة 2.5 مليار جنيه لمدة عامين، والطرح الثاني 8 مليارات جنيه لمدة 3 سنوات.
ويسبق هذا الطرح، طرح آخر للسندات بالجنيه المصري، يوم الاثنين 27 يناير 2025 بقيمة 12.5 مليار جنيه، نيابة عن وزارة المالية لتمويل عجز الموازنة، وقد قُسِّم الطرح على شريحتين؛ الأولى بلغت قيمتها 2.5 مليار جنيه لأجل استحقاق عامين، فيما بلغت قيمة الشريحة الثانية نحو 10 مليارات جنيه لأجل استحقاق 3 سنوات.
وبخصوص أذون الخزانة، أعلن البنك المركزي المصري أنه قد قام بطرح أذون خزانة يوم الأحد 2 فبراير 2025 بقيمة 65 مليار جنيه، وبحسب موقع البنك المركزي، كانت قيمة الطرح الأول نحو 25 مليار جنيه لأجل 91 يومًا، فيما كانت قيمة الطرح الثاني 40 مليار جنيه لأجل 273 يومًا.
ويسبق هذا الطرح، طرح آخر قام به البنك المركزي يوم الخميس الموافق 30 يناير 2025 بقيمة 80 مليار جنيه، حيث كانت قيمة الطرح الأول نحو 35 مليار جنيه لأجل 182 يومًا، فيما بلغت قيمة الطرح الثاني 45 مليار جنيه لأجل 364 يومًا.
كما تم طرح آخر يوم الأحد 26 يناير 2025، جرى أيضًا عبر عطاءين؛ الأول: طرح أذون خزانة بأجل 91 يومًا وقيمته 20 مليار جنيه، أما العطاء الثاني: فكان لأذون خزانة بأجل 273 يومًا بقيمة 35 مليار جنيه.
وسبق ذلك آخر طرح بتاريخ 23 يناير 2025 بقيمة 80 مليار جنيه، عبر عطاءين؛ الأول: قيمته 40 مليار جنيه لأذون بأجل 182 يومًا، والثاني: قيمته 40 مليار جنيه لأذون أجلها 364 يومًا.
ما وراء إقبال المستثمرين على السندات المصرية؟
من المرجح أن يكون هناك خفض للفائدة من قبل البنوك المركزية عالميًا خلال عام 2025، وأولهم البنك الفيدرالي الأمريكي، الذي تُعد فائدته قاعدة حساب الفوائد لدى معظم البنوك المركزية. وبناءً عليه، فإن تسعير السندات المصرية عند هذا المستوى يُعد مناسبًا، بل وجذابًا أيضًا لسببين:
الأول: أن السندات المصرية الدولارية المتداولة حاليًا قبل هذا الإصدار تتداول بين 7% إلى 8%؛ مما يعني أن مشتري السندات في إصدارها الأخير يجني عائدًا أفضل.
والسبب الثاني: عند مقارنة نسب العائد على السندات المصدرة من الدول، نجد أن معظم السندات الدولية تتداول حول 5% أو أقل في بعض الإصدارات؛ مما جعل الطرح الجديد من الدولة المصرية أكثر جاذبية لمستثمري أدوات الدين والدخل الثابت.
أهمية الطرح لمصر:
“إعادة جدولة وسد فجوة تمويلية ضمن تحديات اقتصادية”
كما هو معلن، تُقدَّر الفجوة التمويلية لمصر خلال السنة المالية الحالية 2024-2025 بحوالي 10 مليارات دولار، وهو ما يتطلب تكثيف الجهود لسد هذا العجز. يأتي هذا الطرح ضمن خطة الحكومة لسد فجوة التمويل الخارجي وتعزيز الاحتياطيات النقدية من النقد الأجنبي؛ مما يدعم استقرار الاقتصاد المصري، حيث تواجه مصر احتياجات مالية ملحّة وسط تحديات دولية وإقليمية، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة التمويل.
إعادة جدولة
من المرجح، وسط الضغوط الحالية، أن تُوجِّه الحكومة المصرية حصيلة السندات لسداد استحقاقات سندات في النصف الأول من العام الجاري، وبالتالي ستدخل تلك السندات محل السندات بمتوسط عائد 5.149%. وحتى آخر إصدار لأذون خزانة بتاريخ 3/2/2025 لمدة عام، فقد وُجِّهت حصيلة هذا العطاء لسداد استحقاق عطاء سابق تم طرحه في 6 فبراير 2024، وسحب من خلاله المركزي 1.061 مليار دولار.
وقد صرح وزير المالية المصري، أحمد كجوك، في حديثٍ صحفي، أن الحكومة المصرية متفقة وملتزمة بعدم تجاوز سقف إصدارات الديون الدولية عند 4 مليارات دولار خلال هذه السنة المالية.
ختامًا، إن عودة مصر إلى الأسواق المالية الدولية بهذا الزخم والثقة ليست مجرد حدثٍ عابر، بل هي شهادة، في خضم التحديات الاقتصادية العالمية، تثبت مجددًا قدرة مصر على جذب الاستثمارات وتعزيز مكانتها كوجهة جاذبة لرءوس الأموال؛ حيث إن نجاح هذا الطرح لا يقتصر على سد الفجوة التمويلية أو تعزيز الاحتياطيات النقدية، بل يتعداه إلى إرسال رسالة طمأنينة إلى الأسواق العالمية، مفادها أن مصر تسير على الطريق الصحيح، وقادرة على سداد ما عليها من ديون في إطار جهود الإصلاح الاقتصادي. كما تؤكد قدرتها على تحقيق أهدافها التنموية، وبناء مستقبل اقتصادي مزدهر ومستقر.