أُسست شركة مصر للطيران في 7 مايو 1932 بموجب مرسوم ملكي، لتصبح أول شركة طيران في الشرق الأوسط وأفريقيا والسابعة على مستوى العالم. جاءت انطلاقتها بالشراكة بين الحكومة المصرية ورجل الأعمال البريطاني تشارلز كينغ، الذي أسهم بخبرته الفنية في الطيران المدني. بدأت الشركة عملها تحت الاسم التجاري “مصر إيرلاينز” كشراكة بين شركة مصر للغزل والنسيج وتشارلز كينغ.
اليوم، تُعد مصر للطيران مملوكة بالكامل للحكومة المصرية، وتُدار عبر الشركة القابضة لمصر للطيران التابعة لوزارة الطيران المدني. هذه الهيكلية تعكس رؤية الدولة لتعزيز مكانة الشركة كرمز وطني في مجال الطيران.
وفي 22 أبريل 1945، صدر مرسوم ملكي بإنشاء مصلحة الطيران المدني لتولي إدارة شئون الطيران المدني في مصر. لاحقًا، تحولت المصلحة إلى هيئة الطيران المدني بقرار تأسيسها في 3 يناير 1971، خلال عهد الرئيس الراحل أنور السادات، لتصبح الهيئة المشرفة على قطاع الطيران بالكامل.
في عام 2002، صدر القرار الجمهوري بتنظيم وزارة الطيران المدني، حيث تم فصل جهات وهيئات الطيران المدني عن وزارة النقل، وإنشاء وزارة مستقلة للطيران المدني. تتبع الوزارة الجهات التالية:
- الهيئة المصرية للرقابة على الطيران المدني
- هيئة ميناء القاهرة الجوي
- الهيئة العامة للأرصاد الجوية
- مؤسسة مصر للطيران
- المعهد القومي للتدريب على أعمال الطيران المدني
كما صدر القرار الجمهوري رقم 72 لسنة 2002 بإنشاء الشركة القابضة للطيران، والتي تتبعها:
- الشركة المصرية للمطارات
- الشركة الوطنية لخدمات الملاحة الجوية
لاحقًا، صدر قرار بتحويل مؤسسة مصر للطيران إلى شركة قابضة تُسمى “الشركة القابضة لمصر للطيران”، وتم إلغاء الهيئة المصرية للرقابة على الطيران المدني، لتئول اختصاصاتها إلى وزارة الطيران المدني.
كما تم تعديل اسم الشركة القابضة للطيران إلى “الشركة المصرية القابضة للمطارات والملاحة الجوية”. ثم صدر قرار آخر بتحويل هيئة ميناء القاهرة الجوي إلى شركة تابعة للشركة المصرية القابضة للمطارات والملاحة الجوية، تحت اسم “شركة ميناء القاهرة الجوي”.
دعم مستمر
منذ تأسيسها، حصلت شركة مصر للطيران على دعم حكومي متواصل للتغلب على التحديات التشغيلية والمالية التي واجهتها. على سبيل المثال، في عام 2021 (العام التالي لجائحة كورونا)، قدمت الحكومة دعمًا ماليًا للشركة يتراوح بين 5 و7 مليارات جنيه مصري (318 – 477 مليون دولار)، لمساعدتها في مواجهة التداعيات المالية الناتجة عن الجائحة.
كما خصصت الحكومة المصرية 20 مليار جنيه من الموازنة العامة للدولة لدعم وتمويل شركة مصر للطيران، وأطلقت مبادرات لتعزيز قطاع الطيران المدني. استهدفت تلك المبادرات زيادة عدد وجهات الشركة إلى 100 وجهة عالمية بحلول عام 2029، بالإضافة إلى رفع عدد الركاب السنوي من 11 مليونًا إلى 22 مليون راكب.
وفي إطار تنفيذ هذه الخطة، تتعاون الحكومة مع عدد من مؤسسات التمويل الدولية لتطوير المطارات المصرية، بهدف جذب 30 مليون سائح بحلول عام 2028.
الطلب على النقل الجوي
ربط الباحثون بين المؤشرات الاقتصادية الكلية وأوضاع قطاع الطيران، وبين الطلب على الرحلات الجوية. ويُعدّ أبسط وأهم هذه العوامل هو الناتج المحلي الإجمالي، ومستوى الدخل الشخصي، ومعدل التضخم. فكلما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي ومستوى الدخل الشخصي، زاد الطلب على خدمات الطيران. وفي المقابل، كلما ارتفع معدل التضخم، يتحول إنفاق المستهلكين نحو الخدمات الأساسية؛ مما يؤدي إلى تقليص الإنفاق على الخدمات الترفيهية مثل السفر والترفيه.
كان للأحداث التي مر بها الاقتصاد العالمي تأثير كبير في صناعة الطيران من خلال المتغيرات الثلاثة التي تم ذكرها سابقًا. فقد تسببت جائحة كورونا في تعطّل سلاسل التوريد وانكماش الطلب العالمي بنسبة 3.5%، وهو الانكماش الأكبر منذ الكساد الكبير. ثم نشبت الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، والتي أدت إلى ارتفاع حاد في أسعار الطاقة والحبوب والمعادن، وارتفاع في معدلات التضخم؛ مما رفع تكاليف الطيران (مثل الوقود والوجبات المقدمة على متن الطائرة).
كما تسببت زيادة أسعار الفائدة، التي تم تطبيقها لمكافحة التضخم، في رفع تكاليف التمويل بالاقتراض لشركات الطيران؛ مما أدى إلى تحول مراكزها المالية إلى خسائر.
أما عن منطقة الشرق الأوسط، فقد أدت الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023 إلى زيادة التوترات الجيوسياسية؛ مما أثر في ثقة المستهلكين والشركات في السفر الجوي.
تسببت هذه العوامل مجتمعة في تراجع الطلب على صناعة الطيران عالميًا، حيث انخفض عدد المسافرين بنسبة 20% في عام 2023 مقارنة بعام 2019؛ مما أسفر عن تأثيرات كبيرة في الصناعة بشكل ملحوظ. وفقًا للبنك المركزي المصري، شهدت مؤشرات الأداء الرئيسية للقطاع تراجعًا نتيجة لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع معدلات التضخم.
نقل الركاب جويًا في مصر:
منذ أوائل العقد الأول من الألفية الجديدة، تم تحسين خدمات المطارات من خلال تعزيز عملياتها وزيادة الاستثمارات في طاقتها الاستيعابية. وفي عام 2004، أطلقت الشركة القابضة للمطارات والملاحة الجوية خطة استثمارية لتطوير المطارات، حيث تم تخصيص أكثر من 75 مليون دولار أمريكي لزيادة طاقة استيعاب مطار القاهرة الدولي ومطار شرم الشيخ. وفي عام 2005، تم توقيع اتفاقيات مع مشغلين دوليين لإدارة المطارات الرئيسية في مصر، بما في ذلك مطار القاهرة الدولي.
حسب تقرير الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) لعام 2020، تدعم صناعة النقل الجوي في مصر حوالي 602,000 وظيفة. حيث يعمل في القطاع 97,000 شخص، ويؤثر بشكل غير مباشر في 102,000 وظيفة أخرى، إضافة إلى 20,000 وظيفة ناتجة عن التأثيرات المحفزة من زيادة الإنفاق الاستهلاكي بفضل أجور العاملين في القطاع. كما يسهم القطاع أيضًا في توفير 383,000 وظيفة أخرى نتيجة لإنفاق السياح الذين يصلون إلى مصر بالطيران.
يُقدّر أن قطاع النقل الجوي يسهم في الناتج المحلي الإجمالي لمصر بحوالي 7 مليارات دولار أمريكي، وهو ما يعادل 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي المصري، ويشمل ذلك إيرادات السياحة الدولية والنقل الجوي.
معدلات النمو:
يشهد سوق النقل الجوي في مصر نموًا كبيرًا، حيث أصبحت منطقة الشرق الأوسط أكبر سوق للمسافرين إلى مصر، حيث بلغ عدد الركاب القادمين من الشرق الأوسط 6.1 ملايين مسافر؛ مما يمثل 46.2% من إجمالي الركاب الدوليين إلى مصر. تليها أوروبا بـ 3.9 ملايين مسافر (29.3%)، ثم أفريقيا بـ 2.2 مليون مسافر (16.6%).
التحديات المالية
تواجه شركة مصر للطيران تحديات مالية كبيرة، حيث وصلت خسائر الشركة المرحلة وفقًا للمركز المالي لعام 2022/2023 إلى حوالي 22 مليار جنيه، بانخفاض عن رصيد الخسائر المرحلة السابق البالغ 30 مليار جنيه وفقًا لبيانات العام المالي 2021/2022. تلك الخسائر دفعت مجلس النواب المصري للموافقة على منح الشركة قرضًا بقيمة 5 مليارات جنيه من البنك المركزي لمواجهة التحديات المالية.
تم طرح العديد من الخطط لإعادة هيكلة الشركة لتقليل الخسائر وتحسين الأداء المالي. ففي مارس 2021، تم الإعلان عن خطة لإعادة هيكلة الشركة، تتضمن دمج الشركات التابعة وتقليص عددها من 9 إلى 3 شركات، بهدف تقليل النفقات وزيادة الكفاءة.
التحديات التشغيلية
أما بالنسبة للتحديات التشغيلية، فتواجه الشركة عقبات تتعلق بتحديث أسطولها، حيث يعرقل تراكم المديونيات عملية تحديث الطائرات لتحسين خدماتها وتوسيع شبكتها. كما تواجه الشركة صعوبات في تحسين الكفاءة التشغيلية. هذه العوامل أسهمت في خروج مصر للطيران من قائمة أفضل 100 شركة طيران عالميًا في يونيو 2023.
وفقًا لمنصة Plane Spotters المتخصصة في نشر معلومات عن شركات الطيران عالميًا، يتكون أسطول مصر للطيران حاليًا من 65 طائرة بمتوسط عمر يبلغ 11.7 عامًا. كما أن لدى الشركة خططًا لزيادة عدد طائراتها إلى 125 طائرة خلال خمس سنوات، مع التركيز على إضافة طائرات حديثة مثل إيرباص A220-300 وبوينغ 737 ماكس 8. تهدف هذه الخطط إلى تحسين كفاءة التشغيل؛ مما يسهم في تعزيز الربحية وتقديم خدمات متميزة للعملاء.
خطط التطوير
تسعى شركة مصر للطيران إلى تعزيز إيراداتها من خلال استراتيجيات متعددة تركز على توسيع الوجهات، وتحسين الخدمات، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية، وتطوير خدمات السفر العارض والشحن الجوي. حيث تعمل الشركة على زيادة عدد وجهاتها لتصل إلى 100 وجهة عالمية بحلول عام 2029، مع خطة لزيادة عدد الركاب من 11 إلى 22 مليون راكب سنويًا. كما تسعى الشركة إلى توسيع شبكة وجهاتها لتصل إلى 390 وجهة، مقارنة بـ 70 وجهة حاليًا؛ مما يتيح فرصًا كبيرة لزيادة الإيرادات.
لكن تحقيق ذلك يتطلب إشراك القطاع الخاص المحترف والقادر على إدارة مثل هذه المؤسسات. في هذا السياق، إذا تم بيع حصة تتراوح بين 20% و30% من أسهم شركة مصر للطيران أو الشركات التابعة لها (مثل الخدمات الأرضية أو الشحن الجوي) للقطاع الخاص مع إعطاء الأولوية لشركات الطيران العالمية أو المستثمرين الاستراتيجيين ذوي الخبرة في إدارة شركات الطيران، وطرح حصة صغيرة (10% – 15%) من الشركة في البورصة المصرية لتعزيز الشفافية وتحفيز مستثمرين محليين ودوليين على الاستثمار، مع منح المستثمرين الاستراتيجيين الحق في إدارة الشركة ضمن اتفاقيات طويلة الأجل تتضمن شروطًا تضمن الحفاظ على الهوية الوطنية للخطوط، والاستعانة بشركات استشارية عالمية لإعادة تصميم الهيكل التنظيمي والإشراف على عملية نقل الإدارة.
من المتوقع أن تستغرق خطة التطوير فترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات، حيث عادة ما يشمل العام الأول إعادة الهيكلة المالية للشركة، والتي تتضمن جدولة الديون بالتعاون مع البنوك المحلية والدولية، وإتمام اتفاقية بيع حصة أقلية للقطاع الخاص (20% – 40%) وطرح حصة في سوق الأوراق المالية المصري، وإعداد خطط تسعير تنافسية وتحسين هوامش الربح. كما يتضمن العام الأول خطة لتحسين العمليات، والتي تشمل دمج الشركات الفرعية لخفض التكاليف (تقليل العدد من 9 إلى 5 شركات فرعية)، وتبسيط العمليات وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا لتقليل الإجراءات الإدارية، بالإضافة إلى إطلاق صندوق تمويل للطوارئ لدعم مشروعات التحول والتحديث بالاعتماد على إيرادات الخصخصة.
أما العام الثاني، فسيكون عام التحسين التشغيلي، حيث سيتم استلام أول دفعة من الطائرات الحديثة بموجب عقود التأجير التمويلي، وتقاعد الطائرات القديمة ذات التكاليف التشغيلية العالية. كما سيتم تحسين خدمات العملاء من خلال تطوير المنصات الرقمية للحجز والدفع وتحسين خدمات الطيران مثل الأمتعة والمقاعد والخدمات الجوية، وتعزيز الشراكات من خلال توقيع اتفاقيات تحالف مع شركات طيران عالمية لتوسيع شبكة الوجهات، بالإضافة إلى الاستثمار في شراكات مع الشركات الأفريقية لدخول أسواق جديدة.
أما العام الثالث، فسيكون عام تحسين الإيرادات، والذي يشمل توسيع شبكة الرحلات من خلال إضافة 20 وجهة جديدة مع التركيز على أسواق أفريقيا والشرق الأوسط وتطوير خدمات السفر العارض (charter flights)، وتحسين الإيرادات غير المرتبطة بالطيران مثل تعزيز خدمات الشحن الجوي والتوسع في الأنشطة التجارية في الأسواق الحرة. كما سيتم خفض التكاليف التشغيلية من خلال تحسين استهلاك الوقود عبر إدارة أفضل للرحلات والأسطول واستخدام الطاقة المتجددة وتقليل النفقات غير الضرورية.
أما العامان الرابع والخامس، فسيكونان عامي تحقيق الاستدامة والربحية، حيث سيتم التركيز على زيادة الحصة السوقية من خلال رفع الحصة السوقية في خدمات الأرض بالمطارات إلى 80%، والوصول إلى 100 وجهة دولية، وزيادة عدد الركاب إلى 22 مليون سنويًا. كما سيتم رفع الإيرادات السنوية من الأنشطة التشغيلية وغير التشغيلية بنسبة لا تقل عن 10% سنويًا، وتخفيض نسبة الخسائر إلى أقل من 5% من الإيرادات، وزيادة الطرح العام لأسهم الشركة إلى 49% مع الحفاظ على حصة الأغلبية للحكومة.
ضمانات التنفيذ
لضمان نجاح خطة إعادة الهيكلة وتحقيق الأهداف المرجوة دون التأثير السلبي في مصالح الدولة أو العاملين، سيتم إنشاء آلية إشراف حكومي فعّالة لضمان الالتزام بالخطط المتفق عليها. تشمل هذه الآلية تشكيل لجنة عليا تضم ممثلين عن وزارة الطيران المدني، ومستثمرين من القطاع الخاص، وخبراء مستقلين، تتولى الإشراف على التنفيذ وتقييم الأداء بشكل دوري. كما سيتم وضع شروط واضحة في عقود الشراكة والإدارة مع القطاع الخاص تضمن الحفاظ على هوية الشركة الوطنية، وحماية حقوق العاملين، وتوفير الخدمات بجودة عالية.
إلى جانب ذلك، سيتم الاستعانة بجهات استشارية محايدة لمتابعة تقدم العمل وتقديم تقارير شفافة ودورية عن الأداء المالي والتشغيلي للشركة. لضمان استدامة التغيير، سيتم تصميم برامج تحفيزية للعاملين وربطها بتحقيق الأهداف، بالإضافة إلى التزام الدولة بدعم المشروعات التحويلية من خلال صندوق تمويل مخصص. كما ستعتمد الحكومة استراتيجية تواصل واضحة مع الجمهور لشرح مراحل التنفيذ وتعزيز الثقة في مستقبل الشركة.
نائب رئيس وحدة الاقتصاد ودراسات الطاقة