خضعت العلاقات السورية – الإسرائيلية في الجولان طول الفترة السابقة لاتفاقية فصل القوات لعام ١٩٧٤ التي سهّلت وقف إطلاق النار بعد حرب عام ١٩٧٣، وخفضت القوات على جانبي خط فض الاشتباك.
وعقب سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وانسحاب الجيش السوري توغلت القوات الإسرائيلية في هضبة الجولان، ودخلت المنطقة العازلة مع سوريا وانتشرت في مواقع رئيسية بما في ذلك جبل الشيخ وما لا يقل عن تسعة مواقع أخرى داخل منطقة الفصل وسلسلة المواقع المجاورة لها ومحافظتي القنيطرة وريف دمشق وموقع واحد شرق الخط برافو يُعرف باسم تلة الدبابات.
وهو ما يعد احتلالًا إضافيًا لأراضي سوريا بالمخالفة لاتفاقية فض الاشتباك المبرم بين دمشق وتل أبيب عام 1974 على الرغم من وجود قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (اوندوف)؛ الأمر الذي دعى تلك القوات إلى القول إن وجود الجيش الإسرائيلي في منطقة عملياتها في الجولان السوري أثر بشدة في حرية حركتها وقدرتها على القيام بأنشطتها العملياتية واللوجستية والإدارية، وأنها تواصل تنفيذ ولايتها المتمثلة في المراقبة والإبلاغ من مواقعها في جميع أنحاء منطقة الفصل، فإن حركتها لا تزال مقيدة بشدة في السياق الحالي.
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أن قواته استولت على أراضٍ على الجانب السوري من الحدود في هضبة الجولان وأن إسرائيل تدرس تعميق توغل الجيش الإسرائيلي داخل هضبة الجولان السورية بدعوى منع دخول قوات المتمردين إلى المنطقة، وأن مجلس الوزراء الإسرائيلي الأمني المصغر وافق بالإجماع على قرار احتلال المنطقة العازلة ونقاط المراقبة في هضبة الجولان على بعد بضعة كيلومترات من الحدود الإسرائيلية.
وهو ما أدى إلى قيام حكومة الاحتلال الإسرائيلية بإلغاء اتفاق (فك الاشتباك) بين تل أبيب ودمشق، وسيطرة الجيش الإسرائيلي على المنطقة العازلة في الجولان حيث تبلغ مساحة تلك المنطقة 200 كيلومتر مربع، من أصل 1800 كيلومتر هي المساحة الكاملة لهضبة الجولان، وتتمتع تلك المنطقة بأهمية استراتيجية عسكرية كبيرة بسبب وقوع قمة جبل الشيخ فيها، وتبلغ ارتفاعها 2500 متر فوق مستوى سطح البحر.
ويرجع إقدام قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ اللحظة الأولى لسقوط نظام بشار الأسد على ضم أجزاء جديدة من الجولان وإنهاء اتفاق الهدنة وفض الاشتباك بالنسبة للأراضي السورية إلى حالة الإنهاك التي تعيشه سوريا والتدخل الدولي فيها سواء من الجانب الشرقي أو من الجانب الغربي ودعم الولايات المتحدة لإسرائيل في خطواتها ضم الجولان. وهو ما يكرس لدولة الاحتلال الإسرائيلي أن سوريا ليست في وضع يسمح لها بأي عمل لاستعادة الجولان بالقوة.
فالواقع الدولي الحالي يغلب عليه طابع الفوضى في العلاقات الدولية؛ مما يعني عدم الاكتراث بقواعد القانون الدولي وأعرافه إلا في حدود محددة وذلك على عكس المنظور القانوني الذي يعزز دور المؤسسات الدولية القادرة على ضبط العلاقات الدولية السلمية وغير السلمية.
وتعد الجولان من أكثر المناطق اضطرابًا حيث أصدر الرئيس ترامب في أثناء فترة توليه الأولى قرارًا يصادق على اعترافه بضم إسرائيل للجولان المحتلة منذ سنة 1967، وبعودة الرئيس الأمريكي ترامب للحكم يعني ذلك إنهاءً فعليًا لأي بوادر سلام فعلي في الشرق الأوسط في الفترة الحالية نظرًا لكونه متخذًا قرارًا من قبل بسيادة دولة الاحتلال الإسرائيلي على الجولان.
وهو ما يعد انتهاكًا صارخًا للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة والتي تضمنت امتناع أعضاء الأمم المتحدة في علاقاتهم الدولية التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة.
وبنظرة على الساحة الدولية عمومًا وعلى الوضع في الشرق الأوسط
نرى أن هناك اختلالًا جسيمًا في ميزان القوى لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي حيث تعد الجولان إحدى المناطق المحتلة وبذلك ينطبق عليها قرار مجلس الأمن
رقم 242 بعدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة قرارات برفض السيادة الإسرائيلية على الجولان، كذلك قرار مجلس الأمن 497 لسنة 1981 يؤكد أن اكتساب الأراضي بالقوة غير جائز وأن قرارات إسرائيل بفرض قوانينها وولايتها على الجولان السوري المحتل ملغي وباطل وليس له أثر قانوني دولي.
يعد إقدام إسرائيل على ضم مناطق جديدة في الجولان وانتهاك اتفاق الهدنة من أخطر الجرائم الدولية التي ترتكبها قوات الاحتلال فكل تلك الخطوات أحادية الجانب ولا تحظى بأي ثقل في القانون الدولي للعمل على تغيير الوضع الدولي المستقر والمتعارف عليه في الأراضي المحتلة، فقوات الاحتلال الإسرائيلي هي قوة محتلة والمحتل لا يكتسب السيادة على الأراضي المحتلة، فالاحتلال والسيادة لا يجتمعان معًا، وتبقى السيادة حقًا للدولة المعتدي عليها وهي صاحبة الحق في إصدار التشريعات فالجولان جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية وتكتسب هضبة الجولان المحتلة أهمية استراتيجية وذلك لموقعها الجغرافي وتحكمها في الطرق المؤدية إلى دمشق.
فكافة الأراضي تحت الاحتلال في الجولان تخضع للقرارات الدولية واتفاقية لاهاي1907 واتفاقيات جنيف الأربعة 1949 وأهم تلك القرارات:
– الاحتلال لا ينقل السيادة إلى دولة الاحتلال، فلا يمنح المحتل أي حقوق على الإقليم المحتل ممها طال أمده.
– عدم جواز ضم الإقليم المحتل أو التصرف فيه أو إلحاق سكانه بدولة الاحتلال وأي إجراء في ذلك يعد باطلًا وليس له أثر قانوني.
الجدير بالذكر أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قد صادقت على اتفاقيات جنيف لعام 1949 لكنها تزعم بأن اتفاقية جنيف الرابعة لا تنطبق على الأراضي العربية المحتلة، مع العلم بأن القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومنها القراران رقم(242) ،(338) تَعدُّ الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية
وهضبة الجولان السورية أراضي محتلة، وتنطبق عليها اتفاقيات جنيـف وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية، وكذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمـر بـأن اتفاقيـة جنيف الرابعة لعام 1949 تشكل جزءًا من القانون الدولي العرفي، ومن ثَمّ لا بد أن تلتزم إسرائيل بـاحترام بنودها.
كذلك يظل اتفاق فض الاشتباك ساريًا طبقًا لقرار مجلس الأمن رقم 350 الصادر عام 1974 وطبقًا لقواعد القانون الدولي، ومن ثَمّ انتفاء تأثر الاتفاق بالتغيير السياسي الذي تشهده سوريا حاليًا.
وقد أكدت محكمة العدل الدولية على ما سبق ذكره في حكمها الصادر في 19 يوليو 2024، حيث أصدرت رأيها بشأن التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، وهي قضية غير مسبوقة حيث أدلت خلالها نحو اثنان وخمسون دولة بشهاداتها وهو ما يمكن القياس عليه في الممارسات نفسها التي تستخدمها قوات الاحتلال بالنسبة للجولان؛
حيث أكدت المحكمة أن إطالة أمد الاحتلال لا يغير وضعه القانوني بموجب القانون الدولي الإنساني، ويتكون الاحتلال من ممارسة الدولة لسيطرة فعلية على إقليم أجنبي وكذلك حظر الاستيلاء على الأراضي بالتهديد باستخدام القوة أو استخدامها.
كذلك أكدت أن السعي إلى اكتساب السيادة على أرض محتلة وهو المتمثل في الممارسات التي تعتمدها إسرائيل يتعارض مع حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية ومبدأها الطبيعي المتمثل في عدم الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
بناءً على كل ذلك فإن قرار إسرائيل بتطبيق قوانينها وإدارتها وولايتها على الجولان السورية المحتلة قرارات باطلة وليس لها قيمة قانونية، وهو ما ذهبت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة بجلستها 70 لسنة 2015، حيث قررت أن جميع التدابير والإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها أو ستتخذها إسرائيل وهي السلطة القائمة بالاحتلال بهدف تغيير طابع الجولان السوري المحتل ووضعه القانوني ملغية وباطلة وتشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي واتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب.
ومن خلال ما سبق يتضح أن تمسك إسرائيل بمرتفعات الجولان والسير قدمًا لضم أجزاء جديدة منها يرجع لعدة أهداف لقوات الاحتلال الإسرائيلية؛ حيث تعتبر الجولان بمثابة الضامن لاستمرار إسرائيل في الوجود كدولة تتوسع جغرافيًا بحكم الأمر الواقع وباستخدام القوة بين دول ترفض وجودها واكتسابها أراضي الغير بطرق غير شرعية.
ففي ظل الخلل الكبير في موازين القوى ورغبة قوات الاحتلال في المضي قدمًا بضم أجزاء جديدة من سوريا ستكون مآلات الوضع الحالي بالنسبة للجولان كالآتي:
- لجوء سوريا لمجلس الأمن ولكن سيقابل أي قرار تريد اتخاذه الدول الكبرى داخل مجلس الأمن بالفيتو الأمريكي؛ وذلك لأن أي قرار يرفض سيادة إسرائيل على الجولان سوف يتعارض مع سياسة الرئيس ترامب وقراره بشأن السيادة الإسرائيلية على الجولان من قبل.
- تقسيم سوريا ثم إجراء استفتاء بين سكان الجولان على حق تقرير المصير لهم وسوف يدخل في ذلك المستوطنون الإسرائيليون وهم يمثلون كتلة التصويت، وهو ما سيأخذ صورة طابع قانوني دولي والاستناد لحق تقرير المصير في المواثيق الدولية وهو ما يمكن أن تؤيده الولايات المتحدة وتعمل على تمرير قرار الحق في تقرير المصير في مجلس الأمن.
- جمود الموقف وثباته على ما هو عليه بين رفض قاطع لضم الجولان وبقاء دولة الاحتلال في الجولان وزيادة الاستيطان بما يعني جمود أي حل أو اتفاق في الأفق.
- استعادة الجولان بالقوة وهو خيار بعيد المنال بالنسبة لوضع سوريا حاليًا وعدم قدرتها على القيام بأي عمل عسكري في الوقت الحالي أو مستقبلًا.
دكتور القانون الدولي العام