في خطوة كانت متوقعة منذ أشهر، قامت دولُ “الترويكا” الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) يوم 28 أغسطس 2025 بإطلاق الخطوة الأولى في سبيل تفعيل “آلية الزناد” ضد إيران؛ حيث بعثت برسالة إلى مجلس الأمن الدولي تُخطره بعزمها إعادة جميع العقوبات الأممية التي كانت مفروضة على إيران قبل التوصل إلى اتفاق عام 2015 النووي والتي رُفعت بموجب القرار رقم (2231) الذي نصّ آنذاك على “إنهاء العمل بأحكام قرارات مجلس الأمن السابقة بشأن القضية النووية الإيرانية، ووضع القيود المحددة التي تسري على جميع الدول دون استثناء، وإلزام الدول الأعضاء وفق المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها”.
وقد أتت هذه الخطوة الأوروبية ردًا على “التصعيد النووي” من جانب إيران، حسبما أوضح وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، في إعلانه تفعيل بلاده ولندن وبرلين لهذه الآلية. حيث عزا بارو هذه الخطوة إلى أنه “لا ينبغي المضي قدمًا في التصعيد النووي”، موضحًا في الوقت نفسه أن “هذا الإجراء لا يعني انتهاء الدبلوماسية، فنحن مصممون على الاستقادة من فترة الثلاثين يومًا التي تفتح الباب للحوار مع إيران”.
وتزامن الإعلان عن تفعيل “آلية الزناد” مع فشل توصل إيران مع الأطراف الأوروبية إلى حل ناجع لملفها النووي وعدم استئناف المحادثات ذات الصلة كذلك مع الولايات المتحدة، وذلك بعد انخراط الأخيرة في عمليات عسكرية قصفت خلالها منشآت نووية كبرى في إيران خلال حرب الـ 12 يومًا بين إيران وإسرائيل (13 – 24 يونيو 2025).
ورسميًا، نددت طهران وأدانت بشكل رسمي اتخاذ أوروبا هذا القرار؛ حيث حذّر وزير الخارجية، عباس عراقجي، في اليوم التالي من الرسالة الأوروبية إلى مجلس الأمن الدولي من أن “قرار الترويكا الأوروبية سيؤثر سلبًا على الجهود الدبلوماسية وسوف يقوّض الحوار مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، ووصف عراقجي الخطوة الأوروبية بأنها “غير مبررة وغير قانونية”، قائلًا أيضًا: إن “هذا التصرف جاء بالنيابة عن إسرائيل والولايات المتحدة”، على حد تعبيره؛ مما يشير إلى موجة جديدة من التصعيد بين الجمهورية الإسلامية والغرب.
ومع ذلك، فعلى الناحية الأخرى غير الرسمية، نجد أن خطوة تفعيل “آلية الزناد” أوروبيًا ضد إيران قد أحدثت تفاعلات مهمة داخل الأطر السياسية في إيران، خاصة ما بين التيارين الرئيسيين في البلاد المتمثلين في الإصلاحية (المسيطرين في الوقت الراهن على مؤسسة الرئاسة) والمتشددين (المسيطرين على البرلمان والأجهزة الأمنية)، وذلك على النحو التالي:
أولًا- ماذا يعني تفعيل “آلية الزناد” ضد إيران؟
نصَّ القرارُ رقم (2231) الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 20 يوليو 2015 على إلغاء العقوبات المفروضة على إيران خلال السنوات السابقة لذلك والتي كانت تتصل بشكل رئيسي بالملف النووي الإيراني، وذلك في إطار إقراره لخطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة اختصارًا باسم (GCPOA). فقد أنهى القرارُ الأممي العمل بأحكام القرارات الصادرة مسبقًا عن المجلس ضد إيران خلال الفترة ما بين عامي (2006 – 2015)، إلا أنه في الوقت ذاته أكد على أن “مجلس الأمن، وفي غضون 30 يومًا من تلقّي إخطار من دولة مشاركة في خطة العمل تبلغ فيه بمسألة ترى أنها تشكل إخلالًا كبيرًا بالالتزامات المنصوص عليها في خطة العمل، سيصوت على مشروع قرار بشأن استمرار سريان إنهاء الأحكام المنصوص عليها المبينة في قرارات مجلس الأمن السابقة”.
وشدد القرار (2231) على أنه “إذا لم يتخذ مجلس الأمن قرارًا يقضي باستمرار سريان إنهاء الأحكام المنصوص عليها في القرارات السابقة، فإنه اعتبارًا من منتصف الليل بتوقيت جرينتش عقب اليوم الثلاثين من إخطار مجلس الأمن، يسري مفعولُ جميع القرارات التي أُنهي العملُ بها وتطبق بالطريقة نفسها التي كانت تطبق بها قبل اتخاذ القرار 2231”.
لذا؛ فإن ما قامت به الدول الأوروبية الثلاث يوم 28 أغسطس 2025 هي الخطوة الأولى في سبيل إعادة جميع العقوبات الأممية التي كانت مفروضة على إيران قبل التوصل إلى الاتفاق النووي في عام 2015، بحيث إن القرار يمنح إيران 30 يومًا للعودة إلى الالتزامات وإلا فسوف يتم تطبيق هذه العقوبات، وهو ما يعنيه تفعيل “آلية الزناد”.
وقد جاءت هذه الخطوة الأوروبية قبل حوالي شهرين تقريبًا من انتهاء سريان خطة العمل الشاملة المشتركة طبقًا للقرار (2231) في 18 أكتوبر المقبل؛ مما يعني أن الدول الأوروبية استبقت تاريخ الانتهاء بوقت قليل لفرض العقوبات الأممية على إيران إما لإجبارها على العودة للمفاوضات النووية مرة أخرى أو لثنيها عن المضي قدمًا في عمليات التخصيب النووي.
ثانيًا- كيف يتفاعل الداخل الإيراني؟
يمكن تقسيم مشهد التفاعل الداخلي الإيراني مع مسألة تفعيل أوروبا “آلية الزناد” ضد طهران إلى قسمين، الأول ما قبل قرار “الترويكا” بإرسال رسالتها إلى مجلس الأمن الدولي، والثاني بعدها، وذلك على النحو التالي:
- انقسام حاد داخل الأطر السياسية الإيرانية:
قبل إقدام الدول الأوربية الثلاث على تنفيذ الخطوة الأولى لتفعيل “آلية الزناد” –أو ما تُعرف أيضًا باسم “سناب باك”– شهدت الأطر والأوساط السياسية الإيرانية انقسامًا حادًا للغاية بين معسكر إصلاحي كان يحث الدولة على تجنب فرض الدول الغربية لهذه الآلية ومعسكر آخر متشدد يقلل من حجم وتداعيات هذه الخطوة المستقبلية على البلاد.
فقد حذّرت الأحزاب والائتلافات والشخصيات الإصلاحية البارزة في إيران خلال الأشهر القليلة الماضية -التي بدا خلالها أن تفعيل “آلية الزناد” قد اقترب- من التداعيات الواسعة لتفعيل الآلية على الجوانب الاقتصادية للدولة على وجه الخصوص، ودعت إلى الانخراط في مفاوضات جادة مع الدول الغربية سوف تستفيد منها إيران اقتصاديًا إلى حدٍ كبير وتمنع انزلاق البلاد إلى مرحلة جديدة مزدحمة بالأزمات.
وفي هذا الصدد، كان بيان “جبهة الإصلاحات” في إيران أبرز دليل على تفاقم الانقسامات في إيران بسبب سياسات “الدولة العميقة” التي تقود البلاد إلى الصدام مع الغرب عبر تفعيل “آلية الزناد”. فقد أصدرت هذه الجبهة بيانًا مهمًا يوم 17 أغسطس 2025 دعت فيه الدولة الإيرانية إلى تجنب تفعيل الدول الأوروبية الثلاث لـ “آلية الزناد”، قائلة: إن ذلك ممكن عن طريق الانخراط في مفاوضات نووية “مباشرة” مع الولايات المتحدة و”الإعلان عن الاستعداد للتعليق الطوعي لتخصيب اليورانيوم وقبول إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك في مقابل رفع العقوبات بشكل كامل”، حسبما جاء في البيان.
وتطرق البيان إلى نقاط مهمة أخرى تعتبرها المؤسسات الأخرى الإيرانية حساسة للغاية مثل “تقييد دور الحرس الثوري في الشئون العسكرية” و”إعادة النظر في السياسة الأمنية الداخلية وحفظ قوة الدفاع الرادع”، و”تعزيز حرية الرأي”، و”إصلاح السياسة الخارجية الإيرانية”، و”التعاون مع دول المنطقة من أجل السلام، خاصة مع المملكة العربية السعودية”.
وواجه هذا البيان الإصلاحي موجة انتقادات واسعة من جانب التيارات المحافظة في إيران؛ حيث وصفها البعض منهم بأنه “استسلام للأعداء”، قائلين: إن مثل هذه المبادرة الإصلاحية “تُضعف من مبادئ الثورة الإسلامية”.

(تغريدة رئيسة “جبهة الإصلاحات” في إيران، آذر منصوري، حول معارضة توجهات النظام فيما يخص برنامج البلاد النووي)
وقد عادت رئيسة “جبهة الإصلاحات” في إيران، آذر منصوري، للتأكيد على هذه الأهداف مرة أخرى قبل يوم واحد من تفعيل الدول الأوربية لـ “آلية الزناد”، وذلك حينما قالت في 27 أغسطس 2025: “إن احتمالية تفعيل آلية الزناد يُعد جرس إنذار خطير لعودة عقوبات مجلس الأمن الدولي. إن الطريق الوحيد لتجنب ذلك هو العمل الدبلوماسي النشط والعودة النسبية إلى الالتزامات الواردة في اتفاق 2015 النووي ورقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إطار القانون الدولي. إن هذه العقوبات لن تخاطر فقط باقتصاد إيران، بل بحياتها”.
وقد تكررت هذه النداءات من جانب الشخصيات ووسائل الإعلام الإصلاحية الأخرى، مثل صحيفة “شرق” و”اعتماد” وموقع “عصر ايران”، الذي حذّر في تقرير له يوم 23 أغسطس 2025 تحت عنوان “تفعيل آلية الزناد سوف يُزيد من التوترات” من أن عودة هذه العقوبات المعنية سوف تفاقم ليس فقط أزمات إيران الاقتصادية، بل والعسكرية أيضًا.
أما المحافظون الإيرانيون، فقد كانوا يكيلون الاتهامات للإصلاحيين بسبب دعواتهم تلك لتجنب تفعيل “آلية الزناد” عبر الدخول في حوار جاد مع الولايات المتحدة حول ملف البلاد النووي. وعبر المحافظون ووسائلُ إعلامهم المتعددة في إيران عن معارضة شديدة لطرح الإصلاحيين بشأن الدخول في مفاوضات جادة مع الولايات المتحدة وأوروبا لتجنب تفعيل “آلية الزناد”، ووصف بعضهم الإصلاحيين بأنهم “عملاء” وزعم البعض الآخر أنهم “يتسقون مع فكر الموساد”.

(تقرير موقع “مشرق نيوز” المقرب من الاستخبارات الإيرانية الذي اتهم فيه بيان “جبهة الإصلاحات بأنه “بيان الموساد”)
وعلى سبيل المثال، وصف موقع “مشرق نيوز” المقرب من أجهزة الاستخبارات في إيران يوم 29 أغسطس 2025 في تقرير له تحت عنوان “الموساد وبيان جبهة الإصلاحات” بيان “جبهة الإصلاحات” بأنه “بيان الموساد الإسرائيلي” وأنه “مقتبس من كتاب انهض واقتل أولًا”. وشدد الموقع على أن “دولة مثل إيران لو كانت تريد صنع قنبلة نووية لنجحت في ذلك، وبعبارة أخرى فإن هذا البرنامج النوويسوف يتوقف في حالتين فقط، إما تغيير طريقة التفكير أو تغيير الهُوية على المستوى السياسي”.
وقبل ذلك، شنت صحيفة “كيهان” المحافظة المقربة من المرشد الأعلى، علي خامنئي، هجومًا واسعًا ضد بيان الجبهة الإصلاحية في عددها الصادر يوم 18 أغسطس 2025 تحت عنوان “بيان جبهة الإصلاحات أم ترجمة فارسية لخطاب نتنياهو ؟!”؛ حيث وصفت الصحيفة البيان بأنه “استعراضي وللاستهلاك”، قائلة أيضًا: إن “نصوص ومحتوى ودلالات بيانات جبهة الإصلاحة تتوافق وتنسجم مع مطامع الجبهة الغربية المتمثلة في أوروبا وأمريكا وإسرائيل”، على حد تعبيرها.
وإلى جانب هذه الاتهامات للإصلاحيين في إيران، ذهب السياسيون ووسائل الإعلام المحافظة في إيران إلى إلقاء المسئولية على الدول الأوروبية والولايات المتحدة فيما يتعلق بـ “مَنْ نقض العهد في الاتفاق النووي، إيران أم الدول الغربية؟”؛ حيث قالوا: ألقوا بالمسئولية على الطرف الآخر.
وعليه، فقد صنع ملف تفعيل “آلية الزناد” انقسامًا حادًا للغاية في الأوساط السياسية الإيرانية حتى قبل أن تتخذ الدول الأوروبية خطوتها الأولى في سبيل ذلك في أغسطس 2025، وذلك إلى الحد الذي لم نشهد معه انقسامًا مماثلًا بارزًا في المشهد السياسي الداخلي لإيران فيما يخص قضية خارجية على هذا النحو.
- تحميل المسئولية للمحافظين:
تطورت تفاعلات المشهد السياسي الداخلي في إيران بعد خطوة الدول الأوروبية الأخيرة الرامية لتفعيل “آلية الزناد” وإرسالها خطابًا إلى مجلس الأمن الدولي يوم 28 أغسطس 2025. فقد اتسعت الخلافات بشكل أكبر بين الإصلاحيين والمحافظين، إلا أن التيار الأول بدا أكثر هجومًا على النقيض من فترة ما قبل تفعيل الآلية. إذ تتسم سمات المشهد الحالي الداخلي في إيران بما يلي:
- اتساع نطاق وحِدّة الانقسامات الداخلية:
منذ إطلاق “الترويكا” الأوروبية لـ “آلية الزناد”، بدا أن الانقسامات السياسية في إيران تتزايد بعمقٍ. فقد أكد الإصلاحيون على ضرورة تغيير مسار السياسة الخارجية الإيرانية في الوقت الراهن واستغلال فترة الـ 30 يومًا القانونية التي يمنحها القرار الأممي رقم (2231) للانخراط الجاد في محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة والأوروبيين من أجل إيجاد حلٍ للأزمة الجارية وتجنب الوصول إلى اليوم الـ 31 الذي سيتم فيه عودة جميع العقوبات الأممية على إيران. وشدد الإصلاحيون في ذلك على ضرورة اتخاذ هذه القرارات بشكل عاجل.

(مقابلة صحيفة “آرمان ملي” الإصلاحية الإيرانية مع ساداتيان التي انتقد فيها توجهات وزارة الخارجية في طهران بشأن كيفية إدارة الملف النووي)
وعلى سبيل المثال، أجرت صحيفة “آرمان ملي” الإيرانية مقابلة مع السياسي المعتدل “سيد جلال ساداتيان” في عددها الصادر يوم 30 أغسطس 2025 تحت عنوان “يجب إضافة محمد جواد ظريف إلى فريق التفاوض” انتقد فيه ساداتيان أداء موظفي وزارة الخارجية الإيرانية، قائلًا: “يدير وزارة خارجيتنا اليوم مستشارون لا يُبدون ميلًا كبيرًا إلى حل القضايا عن طريق الحوار، وهو ما يجعلهم يرون من الوجهة القانونية أن أمريكا وأوروبا هما سبب الوضع القائم وأن المفاوضات لا فائدة منها”.
وشدد ساداتيان على أنه لم يكن ينبغي الوصول بإيران إلى هذه النقطة التي “يضغط” فيها الآخرون على البلاد بهذا الشكل، مؤكدًا على ضرورة استغلال فترة الـ 30 يومًا لحل الأزمة.
- التداعيات المحتملة:
حمّل الإصلاحيون أصحاب التيار الأصولي في البلاد مسئولية بدء أوروبا خطوات تفعيل “آلية الزناد”، وكذلك التداعيات المحتملة على إيران جرّاء ذلك. وأبدى الإصلاحيون في ذلك انتقادات شديدة للمحافظين في البلاد، وذلك مثلما حمّل الكاتب “عباس عبدي” في مقالة له بصحيفة “اعتماد” الإصلاحية يوم 30 أغسطس 2025 تحت عنوان “لا يجب أن نكون أسرى للماضي”، المسئولين في البلاد مسئولية تفعيل “آلية الزناد”؛ حيث اتهمهم رعاية مصالح المواطنين وأنهم يطالبون الناس فقط بـ “الصمود”، قائلًا “بعد الحرب الأخيرة، تم إنتاج نصوص متنوعة حتى يتم تعليم الناس كيف يصمدون ويقومون بحفظها” و”كيف لا تتم هزيمتهم”.
- الدعوة للانسحاب من معاهدة حظر الانتشار وإغلاق مضيق هرمز:
تعمل وسائل الإعلام المحافظة في إيران في الوقت الحالي بعد بدء أولى خطوات تفعيل “آلية الزناد” على حشد الداخل الإيراني من أجل الاستعداد لحرب محتملة أو على الأقل اتخاذ إجراءات صارمة للرد على الخطوة الأوروبية. ويبرز هذا التوجه كأهم رد فعل من جانب هذا التيار على تلك الخطوة الغربية. ويأتي خروج إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) كأبرز خيار تطرحه مختلف منافذ الإعلام والسياسيين المحافظين في إيران منذ يوم 28 أغسطس 2025، إلى جانب إغلاق مضيق هرمز وتعليق التعاون بشكل كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

(عدد صحيفة “كيهان” المحافظة الصادر يوم 29 أغسطس 2025 تحت عنوان “انهيار الدبلوماسية والتفاوض، أمريكا عن طريق القنابل وأوروبا باستخدام آلية الزناد”)
وعلى سبيل المثال، علّقت صحيفة “كيهان” المحافظة في تقرير لها تحت عنوان “انهيار الدبلوماسية والتفاوض، أمريكا عن طريق القنابل وأوروبا باستخدام آلية الزناد” يوم 29 أغسطس 2025 على الخطوة الأوروبية بالقول: إن “تفعيل أوروبا آلية الزناد يمثل آخر مسمار في نعش الاتفاق النووي لعام 2015″، مشددة بقوة على أن “رد إيران الوحيد سيكون جملة واحدة وهي الخروج من معاهدة حظر الانتشار النوويNPT “. وأضافت الصحيفة أن “هذا القرار الإيراني، ضربة قوية لن تغير فقط من الحسابات الأمريكية والأوروبية، بل ستغير كل معادلات القوى في المنطقة”.
- الدعوة للتهدئة مع الخارج وضرورة الوحدة الوطنية:
على النقيض من المحافظين، يبدو الإصلاحيون في إيران أقل انفعالًا أو تشددًا فيما يخص الموقف الحالي. إذ يدعو الإصلاحيون ومختلف المنافذ الإعلامية التابعة لهم إلى ضرورة “اغتنام فرصة الـ 30 يومًا المصيرية”، حسب تعبير صحيفة “اعتماد” على سبيل المثال، وتشدد على ضرورة تغيير مسار السياسة الخارجية الإيرانية، خاصة فيما يتعلق بالملف النووي والتوجه لعقد حوار نووي جاد مع الغرب قبل انتهاء مدة الشهر من أجل تجنب فرض العقوبات الأممية من جديد.
ويُبرز السياسيون الإصلاحيون معارضة في الوقت نفسه لدعوات المحافظين الرامية إلى اتخاذ إجراءات مضادة للغرب مثل إغلاق مضيق هرمز أو الخروج من معاهدة حظر الانتشار. إذ يدعو الإصلاحيون إلى التهدئة وعدم اتخاذ الحكومة خطوات استفزازية للخارج قد تقود إلى نتائج عكسية.
وعلى سبيل المثال، انتقد المحلل السياسي الإصلاحي الإيراني الشهير “حشمت الله فلاحت بيشه” هذه الدعوات المحافظة في إيران في تقرير نشره موقع “اصلاحات نيوز” تحت عنوان “الخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي وإغلاق مضيق هرمز لا يختلف مع أطروحات نتنياهو” يوم 30 أغسطس 2025. حيث قال فلاحت بيشه: إن “أطروحات مثل الخروج من NPT وإغلاق مضيق هرمز لا تختلف مع أطروحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورفاقه”، مضيفًا أنه “لا يجب أن ننسى أن النفط الذي يعبر مضيق هرمز في الوقت الراهن 84% منه إما من الصين أو من دول شرق آسيا، كما أن 7 ملايين برميل نفط يمر منه ويذهبون إلى الهند والصين اللتين تدين لهما إيران بالعضوية في منظمتي بريكس وشنغهاي”.
وتحث المنافذ الإصلاحية أيضًا على ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية في إيران في الوقت الحالي؛ نظرًا لحاجة الدولة له في ظل التحديات الداخلية والخارجية، وذلك حسبما أكدت صحيفة “آرمان ملي” الإصلاحية في تقريرها الرئيس المنشور في عددها يوم 31 أغسطس 2025.
ختاما، أحدثت عملية تفعيل الدول الأوروبية “آلية الزناد” ضد إيران انقسامًا حادًا في الداخل السياسي الإيراني ينذر بمواجهة النظام لتحديات متفاقمة في الداخل خلال الفترة المقبلة، لعل من بينها ازدياد التوترات ما بين مؤسسة الرئاسة الإصلاحية والبرلمان المحافظ في البلاد، وذلك في الوقت الذي تحتاج فيه إيران إلى لم الشمل من أجل مواجهة التحديات الخارجية الأخرى. وفي الوقت نفسه، نستنتج من استعراض توجهات الداخل الإيراني بشأن تفعيل أوروبا “آلية الزناد” أن إيران تضع عدة خيارات محتملة للرد على هذا التفعيل يأتي على رأسها الخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وتعليق التعاون بشكل كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإغلاق مضيق هرمز الدولي، ورفع مستوى تخصيب اليورانيوم.
وانطلاقًا من ذلك، يمكن القول إن سيناريو الخروج من معاهدة (NPT) يُعد مرجحًا بشكل كبير؛ بالنظر إلى طرحه بشكل واسع النطاق في الداخل؛ حيث إنه قد يكون أول رد فعل إيراني على تفعيل أوروبا “آلية الزناد” ضد طهران، كما يأتي في المرتبة الثانية خيارُ تعليق التعاون بشكل كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.