بالرغم من أننا مازلنا نعيش فى قلب أزمة كورونا، إلا أنه من المهم بدء التفكير فى طريق العودة للحياة الطبيعية، ووضع السيناريوهات لهذا الأمر، مستفيدين من دروس وتجارب الدول التى سبقتنا فى هذا الطريق. أول هذه الدروس هو أن بدء طريق العودة لا يجب أن يكون قرار السياسيين وحدهم، ومن المهم أخذ رأى أهل العلم فى هذا القرار، ولنتذكر تصريح الرئيس ترامب برغبته فى عودة الحياة الطبيعية فى الولايات المتحدة بعد عيد الفصح (هذا الأسبوع)، ولكن خرج أهل العلم محذرين من هذا، لتخوفهم من انتشار موجة جديدة من العدوى، واضطر ترامب لتأجيل قراره. الأمر الثانى هو أن عودة الحياة الطبيعية سوف تكون بشكل تدريجى، وبنفس منطق الخطوات التصعيدية التدريجية التى تم تبنيها لمقاومة فيروس كورونا. ونتذكر هنا أيضا أن الرئيس الامريكى ترامب أعلن أن الحياة الطبيعية فى بلاده سوف تعود مرة واحدة وفى موجة كبيرة، فرد عليه مستشاره الطبى بأن الأمر ليس مثل مفتاح الكهرباء الذى نستخدمه فى فتح وغلق التيار فى خطوة واحدة، واضطر ترامب أيضا إلى تغيير تفكيره فى هذا الشأن.
بعض الدول مثل ألمانيا أعلنت أنها ليست مستعدة بعد لتخفيف الإجراءات المرتبطة بكورونا، ولكن دول أخرى مثل النمسا والدنمارك والنرويج بل إيطاليا بدأت فى طرح خريطة طريق لرفع القيود المفروضة على اقتصادها، والعودة بشكل تدريجى للحياة الطبيعية. والتوجه الرئيسى الذى يجمع بين هذه الدول هو أن استئناف العمل فى مواقع الإنتاج سيتم قبل وقت طويل من استئناف المدارس والمطاعم وقطاعات الخدمات المرتبطة بالتجمعات البشرية. على سبيل المثال، من المتوقع أن تحصل بعض المصانع التى أجبرت على الإغلاق فى إيطاليا على ضوء أخضر لتبدأ العمل فى الأسبوع المقبل، ولكن، وكما تشير التقارير الصحفية، قد يستغرق الأمر شهرًا آخر على الأقل قبل أن يُسمح للسكان بمغادرة منازلهم بحرية. أما فى النمسا (والتى بلغ عدد الإصابات بها حوالى ١٣ ألفا، والوفيات ٢٧٣ حالة) فقد أعلنت عن خطة تقوم على سياسة الخطوة خطوة لرفع القيود، ستبدأ بعودة المتاجر الصغيرة هذا الأسبوع يليها المتاجر الكبيرة فى أول مايو، فى حين ستنتظر المطاعم والفنادق حتى منتصف مايو، ولكن سيُطلب من العملاء ارتداء أقنعة الوجه والبقاء بعيدًا عن بعضهم البعض، ولم يتحدد بعد ماذا سيحدث مع دور العبادة والسينما والمنشآت الرياضية، والمتوقع أن تستمر القيود عليها حتى نهاية يونيو، والأغلب أن تظل المدارس مغلقة وتعود مع الفصل الدراسى الجديد فى سبتمبر القادم. وسيتاح للمواطنين السفر محليًا هذا الصيف، مع اقتراح عدم السماح بالسفر من وإلى النمسا إلا بعد توافر لقاح ضد كورونا، وهو أمر من المتوقع أن يستغرق ما بين ١٢ إلى ١٨ شهرًا. وأخيرا، ووفقا لباحثين بجامعة هارفارد، فإن الفيروس يمكن أن ينتشر بسهولة فى الخريف والشتاء القادمين، لذا قد نحتاج لفترات أطول من بعض إجراءات التباعد الاجتماعى، ويمكن تخفيفها فى أوائل أو منتصف ٢٠٢١، مع انتهاء خطر الوباء بحلول يوليو ٢٠٢٢.
باختصار، طريق العودة سيكون طويلا وبخطوات متدرجة، ومن المهم المتابعة والاستفادة من تجارب من سبقنا فى هذا الطريق، وبدون وجود مصل للمناعة ودواء لعلاج كورونا سيصبح علينا قبول قدر من التعايش مع الفيروس، والإدارة الجيدة لعودة الحياة الطبيعية.
نقلا عن صحيفة “المصري اليوم”، نشر بتاريخ ١٢ أبريل ٢٠٢٠.