تمثل الثروة الحيوانية ركنا رئيسيا من أركان القطاع الزراعي، وتحقق الترابط والتكامل مع الإنتاج النباتي والحيواني، وتعتبر صناعة الدواجن في مصر واحدة من أهم الصناعات الغذائية، وتعد أحد المصادر الهامة والرخيصة نسبيا لتوفير البروتين الحيواني، كما إنها مصدر رئيسي لإنتاج البيض، وتسهم في مواجهة تحديات مشكلة نقص الغذاء.
وقد شهدت الفترة السابقة تحركات كبيرة في أسعار الدواجن بسبب أزمة الأعلاف التي تراكمت في الموانئ فتم إغلاق عدد كبير من مزارع الإنتاج الداجني فانخفض المعروض منها وارتفعت أسعارها. ومع توجه بعض الافراد لشراء الدواجن المجمدة المستوردة زادت المخاوف من تأثير توفر السلع البديلة المستوردة على الصناعة المحلية. وعلى الرغم من تأثير أزمة الأعلاف على صناعة الدواجن في مصر، وتأثير المنتج المستورد على الصناعة المحلية، إلا أن المعضلة الأكبر تكمن في توقيت تلك الأزمة وتأثيرها على المستهلك والأسر المصرية، الأمر الذي يتطلب حلول فورية لتخفيف العب على المستهلك في المدى القصير، ومواجهة أزمة الأعلاف في المدى المتوسط، والعمل على توطين صناعة الدواجن المحلية في المدى الطويل.
وفيما يتعلق بالإنتاج المحلي من الدواجن، فوفقا لأحدث بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء اشارت النشرة السنوية لإحصاءات الثروة الحيوانية عام 2020، أن كميـة لحوم الطيـور والـدواجن المذبوحة بلغت 2.2 مليـون طـن (وزن قائـــم) عـام 2020 مقابــل 1.8 مليـون طـــن (وزن قـــائـم) عـام 2019 بنســبة زيــادة قدرهـــا 23.4%. كما بلغ المحصول السنوي من البيض 15.1 مليار بيضة عام 2020 مقابل 13.5 مليار بيضة عام 2019 بنسبة زيادة قدرها 11.5%.
تطور أعداد مذبوحات الدواجن بالمليون خلال الفترة (2016- 2020)
تطور أزمة الاعلاف والدواجن الراهنة
يرجع الجميع مسببات ارتفاع أسعار الدواجن المحلية إلى أزمة الاعلاف والتي نشأت نتيجة تداعيات الصراع الروسي الاوكراني واضطراب الأوضاع الاقتصادية العالمية وارتفاع معدلات التضخم العالمية، ودخول الاقتصاد العالمي في مرحلة الدورة الفائقة فقام البنك الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة وتبعه في ذلك البنوك المركزية الأخرى في غالبية الدول بداية من مارس 2022، الأمر الذي ترتب عليه خروج النقد الأجنبي من مصر في اتجاه أسعار الفائدة الأعلى، مما أدى إلى تراجع كبير في الاحتياطي من النقد الأجنبي.

تطور صافي الاحتياطيات الدولية بالمليار دولار
ومع تراجع صافي الاحتياطيات من النقد الأجنبي تأثرت كافة أوجه النفقات الدولارية وعلى رأسها الواردات فتراكمت المنتجات المستوردة بالموانئ، ومن بينها الأعلاف والتي تعد أحد المستلزمات الرئيسية للإنتاج الداجني، وقد أشارت التصريحات الصحفية لاتحاد منتجي الدواجن في نوفمبر 2022 أن هناك 2 مليون و700 ألف طن من الأعلاف محتجزة في الموانئ، وتنقسم تلك الكميات إلى مليون و800 ألف طن من الذرة و900 ألف طن من فول الصويا، في حين تبلغ احتياجات السوق المصري من العلاف نحو 900 ألف طن شهريا. ومع وجود عجز في الأسواق ظهرت سوق سوداء للأعلاف وارتفع سعرها بما يفوق قدرات صغار المربين الذين يعتمدون على التربية المنزلية.
ومع تعدد السلع التي واجهت التحديات ذاتها، اولت الدولة أهمية خاصة بالأعلاف، ففي ديسمبر 2022 تم إعلان خطة الافراج عن الأعلاف، وقد تم بالفعل الافراج عن 2.883 مليون طن من الأعلاف منهم 2.044مليون طن ذرة، 839 ألف طن فول صويا وإضافات أعلاف، وذلك بإجمالي مبلغ 1.434مليار دولار خلال الفترة 16 أكتوبر 2022 وحتى 2 مارس 2023. كما تم تشكيل لجان من البنك المركزي ومجلس النواب ووزارة الزراعة لمتابعة الإفراج عن الأعلاف وإيصالها للمستوردين، وكذلك تشكيل لجان اخرى من حماية المستهلك ومجلس النواب ووزارة التموين وبعض المستثمرين لبحث أسباب استمرار ارتفاع أسعار الدواجن والأعلاف رغم الإفراج عن كميات كبيرة من الأعلاف أكثر من المطلوب في السوق، مع توجيه جهاز حماية المستهلك والجهات الرقابية بتشديد متابعة الأسواق.
الدواجن المستوردة والصناعة المحلية
بالمتابعة اليومية لأسعار الدواجن يلاحظ استمرار ارتفاع أسعارها بالرغم من العمل على سرعة الافراج عن الاعلاف المحتجزة بالموانئ، الأمر الذي يمكن إرجاعه إلى عدة أسباب منها ارتفاع المستوى العام لأسعار كافة السلع بالأسواق مع تراجع قيمة الجنية المصري أمام الدولار بما أدى الى ارتفاع أسعار الاعلاف المستوردة، فضلا عن زيادة طلب الأفراد على الشراء خوفا من زيادة حدة الأزمة، بالإضافة إلى جشع الموردين وضعف الرقابة على الأسواق، وكذلك خروج بعض منتجي الدواجن من الأسواق مع بداية الأزمة فانخفض المعروض.
وكغيرها من السلع، وفي ظل حرية التجارة، يتواجد بالسوق المحلي عدة اصناف من الدواجن المحلية والمستوردة، وقد بلغت قيمة الدواجن المستوردة نحو 155.3 مليون دولار عام 2017 وتراجعت إلى 94.6 مليون دولار عام 2021. ويتفق هذا التراجع مع ارتفاع الإنتاج المحلي، بما يعني زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من الدواجن محليا. وقد ساعد على ذلك تراجع الدولة عن قرارا إلغاء التعريفة الجمركية على الدواجن المجمدة والمقدرة بنسبة 30% والذي كان تم تطبيقه أواخر عام 2016، لدعم الصناعة المحلية والعاملين بها.
صادرات مصر من الطيور بالمليون دولار
وتتعدد الدول الموردة للدواجن إلى مصر يأتي على رأسهم تايلاند والبرازيل، ويوضح الشكل التالي التوزيع الجغرافي لموردي الطيور لمصر خلال عام 2021.
وينظر البعض إلى أن تلك المنافسة تؤدي إلى تهديد للصناعة الوطنية خاصة في ظل انخفاض سعر الدواجن المستورة عن المحلية، ومع حقيقة ذلك التوقع، إلا إنه من وجهة نظر المستهلك فإن منع دخول السلع المستوردة إلى الأسواق يزيد من قوة المُنتِج المحلي على حساب المستهلك الذي يضطر للخضوع لكافة قرارات البائع فيما يتعلق بمواصفات وسعر السلع المباعة. ومع التنبيه بأن منع دخول السلع للسوق المحلية يخضع لضوابط ويجب أن يكون مسببا، إلا إنه ليس في مصلحة المستهلك النهائي؛ إذ يفترض أن تؤدي تلك المنافسة إلى بذل مزيد من الجهود لتطوير المنتج المحلي مع العمل على تراجع سعره لجذب الشريحة الأكبر من المستهلكين.
وعلى صعيد اخر، فقد اتجه البعض إلى المناداة بضرورة مقاطعة شراء الدواجن في ظل ارتفاع سعرها، وتعد تلك الآلية فعالة لمواجهة جشع التجار في فرض أسعار مبالغ فيها، إلا إنها قد تدفع بالمنتجين خارج الأسواق وتزيد من حدة الأزمة في حالة ارتفاع الأسعار الناتج عن ارتفاع تكلفة الإنتاج.
اخيرا، فإن تلك الازمة تستدعي ضرورة إعادة تقدير الأهمية النسبية لكافة لصناعات ومواجهة تحديات توطينها والعمل على استدامة تأمين الإمدادات منها، ففي حين ينادي الكثير بضرورة توجيه تكلفة استيراد الدجاج إلى استيراد الأعلاف، نجد أن الأجدى هو تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأعلاف والأدوية واللقاحات اللازمة لصناعة الدواجن بدلا من استيرادها.
ومن جهة أخرى، يلاحظ أن توفير جزء كبير من الإنتاج الداجني يأتي من الوحدات الصغيرة غير الرسمية أدى الى صعوبة حصر كافة التحديات التي تواجه تلك الصناعة وبحث فرص مواجهاتها، الأمر الذي يتطلب ضرورة العمل على دمج وحدات القطاع غير الرسمي بالقطاع الرسمي والاهتمام بالقطاعات الإنتاجية التي تتركز في الريف والعمل على تطويرها لإمداد سلاسل الإنتاج المحلية بالمستلزمات اللازمة لتأمين إمدادات السلع الزراعية والاستراتيجية.
وختاما فانه تجدر الإشارة الى أهمية توطين الصناعة المحلية من كافة السلع والمنتجات خاصة الاستراتيجية وتذليل كافة الصعوبات التي تواجه المنتجين مع ضرورة تشديد الرقابة على الأسواق خاصة في فترات الأزمات.