جدد تنظيم الحوثي الدعوة في الأيام الماضية لاستهداف المملكة العربية السعودية، وهو المؤشر الذي يُنذر إلى جانب بعض المؤشرات الأخرى بأن التنظيم يلجأ في الفترة الأخيرة إلى تبني نهج تصعيدي على المستوى الخطابي وكذا العملياتي، وهو ما أثار تساؤلات عديدة بخصوص مآلات المشهد في اليمن، ومصير مسار التسوية الذي اعتبرت العديد من الدوائر في الأشهر الأخيرة أنه بات قريباً، خصوصاً مع التقدم المُحرز على مستوى التقارب السعودي الإيراني، إذ أن هذا التصعيد الحوثي قد يدفع باتجاه إعادة انتاج دورة الصراع في اليمن، وتهديد العديد من المكتسبات والسياقات التي تم خلقها في الأشهر الأخيرة.
مؤشرات التصعيد
عاد الحوثيون في الفترات الأخيرة إلى تبني خطاب ونهج عملياتي يغلب عليه التصعيد النسبي، ومن أبرز مؤشرات هذا التصعيد:
1- التهديد باستهداف السعودية: في مطلع يونيو الجاري هدد نائب رئيس حكومة الإنقاذ الوطني الحوثية جلال الرويشان باستهداف السعودية، بالقول بأن “صنعاء لديها القدرة على التحكم عسكرياً في الموانئ السعودية وتدفق رؤوس الأموال إليها وسبق للقوات المسلحة اليمنية تنفيذ عمليات بهذا الاتجاه” وفق تعبيره، مضيفاً: “نأمل أن تدرك السعودية أنه لا يمكن الجمع بين خطط التطوير الاقتصادي وبين غزو بلد مجاور” وفق تعبيره، معتبراً أن هذا التهديد يأتي في ضوء عدم حسم السعودية للملف الإنساني في المفاوضات بين الجانبين.
ولم يكن هذا التهديد هو الأول من نوعه على مستوى التصعيد الحوثي إزاء المملكة في الأيام الماضية، حيث ادعى نجيب العجي وزير الإرشاد والشؤون الدينية في حكومة الحوثيين أن “المملكة العربية السعودية والحكومة اليمنية وضعت العديد من الصعوبات والعراقيل أمام الحجاج اليمنيين مما أدى إلى تضاعف تكاليف الحج” وفق زعمه، معتبراً أن تعامل السعودية مع الحجاج اليمنيين يغلب عليه “التسييس”، ومتهماً السعودية بربط ملف الحج بعلاقاتها الإقليمية.
2- السعي لإحلال جهاز بنكي جديد في اليمن: في إطار التصعيد الحوثي في اليمن أكد رشاد العليمي رئيس مجلس الرئاسة اليمني، على هامش لقائه منذ يومين بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، في الرياض، أن الحوثيين “توسعوا في فرض القيود على حركة الأفراد والسلع، والإجراءات التعسفية بحق المصارف والغرف التجارية، وأنشطة القطاع الخاص”، معتبراً أن الهدف من ذلك “هو مصادرة كافة الفوائد المصرفية على مدى السنوات الماضية بأثر رجعي، وإحلال جهاز بنكي جديد تابع لهم على غرار حزب الله، والحرس الثوري الإيراني، وما يترتب على ذلك من أنشطة لغسل الأموال وتمويل الإرهاب”.
3- التصعيد العسكري قبالة سواحل اليمن: يراهن تنظيم الحوثي على تهديد الأمن البحري قبال سواحل اليمن وفي منطقة البحر الأحمر بشكل عام، كأحد أدوات الضغط على القوى الدولية والإقليمية التي تربطها مصالح كبيرة اقتصادية وأمنية واستراتيجية بهذه المنطقة، وفي هذا السياق قالت وكالة عمليات التجارة البحرية للمملكة المتحدة في أواخر أبريل الماضي إنها تلقت تقارير عن تعرض سفينة لهجوم في الجنوب من بلدة نشطون الساحلية اليمنية، ورغم أن الطرف البريطاني أو التقديرات الدولية لم تتهم الحوثيين بشكل مباشر بالوقوف وراء الحادث، إلا أن سنوات الصراع اليمني، وكذا كون هذه المنطقة ممراً للحوثيين للتزود بالسلاح الإيراني المهرب، أكدت أن التنظيم كان المسؤول عن كافة تهديدات الأمن البحري في هذه المنطقة الاستراتيجية.
4- استهداف المؤسسة القضائية اليمنية: لا تتوقف ميليشيا الحوثي عن السعي للسطوة على المؤسسة القضائية اليمنية خصوصاً عبر أدوات القمع والترهيب والقتل بحق القضاة، بما يضمن السيطرة على هذه المؤسسة المهمة وتوظيفها من أجل ضرب الخصوم، وقد حملت الأشهر الأخيرة العديد من المؤشرات على استمرار هذا النهج الحوثي خصوصاً بعد قرارات رئيس مجلس الرئاسة رشاد العليمي في مطلع أغسطس 2022 والتي شملت تغييرات هيكلية مهمة في المرفق القضائي، ففي 25 أغسطس 2022، قامت أجهزة الحوثي بإلقاء القبض على رئيس محكمة الحُشا الابتدائية محافظة إب وهو القاضي شمس الدين المليكي لمطالبته براتبه. وفي 30 أغسطس 2022، قام مسلحو الحوثي بمحاصرة منزل القاضي عبدالله الجابري رئيس محكمة جنوب غرب صنعاء. وفي 18 أغسطس 2022، أصدرت الجماعة الانقلابية قراراً يقضي بإيقاف 70 من القضاة وأعضاء النيابة لاستبدالهم بآخرين موالين لها.
5- اتهامات للحوثيين بالتصعيد الميداني: شهد شهر مايو المنصرم تصاعد الاتهامات التي وُجهت إلى ميليشيا الحوثي بتبني تحركات تصعيدية عسكرية تُشير إلى وجود استعدادات للحرب، فخلال لقائه بالسفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فاجن، أشار عضو مجلس الرئاسة اليمني عثمان مجلي إلى أن “الحوثيين يعملون على نقل كميات كبيرة من السلاح الثقيل بين الجبهات، وتجند الأطفال في المراكز الصيفية”، وأضاف أن “الميليشيا تعمل بوتيرة عالية على حفر خنادق مموهة وتستحدث مواقع عسكرية ومنصات لإطلاق الصواريخ لشن هجماتها العدوانية في الداخل والخارج، بما في ذلك استهداف ممر الملاحة البحرية”، معتبراً أن “الحوثيين يرون في السلام فرصة لإعادة بناء هياكلهم العسكرية، وترتيب أوضاعهم الميدانية”.
دلالات مهمة
يعكس التصعيد الحوثي في اليمن والذي كان التهديد باستهداف السعودية آخر حلقاته، جملة من الدلالات المهمة، وهو ما يمكن إبرازه على النحو التالي:
1- الخلاف حول ماهية الملف الإنساني: عكست تصريحات الجنرال الحوثي جلال الرويشان، والتي هدد فيها باستهداف السعودية، أن الملف الإنساني يقع على رأس الملفات الخلافية الحالية بين السعودية وميليشيا الحوثي، ويرتبط الخلاف في هذا الملف بالمنطلق والفلسفة التي تتعامل بها ميليشيا الحوثي مع المملكة، إذ تروج لأن المفاوضات مع المملكة يجب أن تنطلق من كون السعودية طرفاً في الصراع، وبالتالي يجب أن تتحمل جزءاً كبيراً من تكلفة إعادة الإعمار ودفع التعويضات، وهو ما يعكس منطقاً حوثياً براجماتياً يحاول من جانب إطالة أمد المباحثات مع السعودية برعاية عمانية بما يضمن إعادة التموضع عسكرياً على الأرض، ومن جانب آخر تحقيق أكبر قدر ممكن من الغنائم والمكاسب.
2- غياب اتفاقات سعودية إيرانية بخصوص اليمن: مع توقيع اتفاق عودة العلاقات السعودية الإيرانية في مارس الماضي برعاية صينية، سادت حالة من التفاؤل بين العديد من الأوساط السياسية في المنطقة بخصوص انعكاسات هذا الاتفاق على الملف اليمني، لكن حالة التصعيد الحوثي الحالية بغض النظر عن مدى جديتها وأهدافها التكتيكية أو الاستراتيجية، تعكس أن الجانبين السعودي والإيراني لم يتفقا حتى اللحظة على ضمانات والتزامات واضحة بخصوص التوسية في اليمن، بما يؤدي إلى إنهاء حالة الحرب.
3- تبني استراتيجية “التصعيد التكتيكي”: يُدرك المتابع للنهج الحوثي منذ اندلاع الحرب في اليمن، أن الرهان على السلام أو إحداث تسوية سياسية لم يكن خياراً استراتيجياً بالنسبة للحوثيين في أي مرحلة من المراحل، بمعنى أن الحوثيين قد ينخرطون بشكل تكتيكي في بعض الإجراءات الهادفة إلى تحقيق التسوية لبعض الملفات وهو ما تجسد في انخراطهم في صفقة إنجاز تبادل الأسرى في جنيف، وكذا المفاوضات التي جرت مع السعودية برعاية عمانية، إلا أنهم في الآن ذاته يتبنون عملياً إجراءات تصعيدية ميدانية، وهي الإجراءات التي تستهدف فرض واقع ميداني يصب في صالح الميليشيا ويتم توظيفه سياسياً بما يحقق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية، فضلاً عن استخدام هذه الإجراءات كأداة ضغط على الأطراف المنخرطة في عملية التسوية.
4- تعزيز القوة الاقتصادية للحوثيين: أحد المكتسبات التي تتحقق إثر انخراط الحوثيين في بعض المباحثات الخاصة بعملية التسوية، تتمثل في كسب الوقت اللازم لتحقيق جملة من المكاسب الاستراتيجية والميدانية، خصوصاً على مستوى السعي لتغيير توازنات القوى على الأرض، ومن أبرز هذه المساعي – إلى جانب التصعيد الميداني – هو تلك الإجراءات والتحركات الخاصة بتعزيز القوة الاقتصادية لميليشيا الحوثي، وهو ما يظهر في الإجراءات التي اتخذتها في فصل البنوك ومصادرة أموال المودعين، ومنع عبور الشاحنات من مناطق الشرعية إلى مناطقها بشكل عام، إضافة إلى تعز مؤخراً، وذلك بهدف الالتفاف على محاولات قوة الساحل الغربي لتخفيف هذا الحصار.
وفي الختام يمكن القول إن تلويح الحوثيين باستهداف المملكة العربية السعودية، هو حلقة من ضمن حلقات التصعيد التي تتبناها الميليشيا في الفترة الراهنة كجزء من استراتيجية التصعيد التكتيكي، وهي الاسراتيجية التي تستهدف الضغط على الأطراف المنخرطة في الأزمة، بالتزامن مع تبني إجراءات تصعيدية على الأرض بما يغير توازنات القوة لصالح الحوثيين.
باحث بوحدة الدراسات العربية والإقليمية