تشير نتائج أغلب استطلاعات الرأي العام الأمريكي إلى فوز متوقع لبايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية ٢٠٢٠. الأمر ذاته قد حدث في انتخابات الرئاسة الأمريكية ٢٠١٦ ، حيث توقعت الاستطلاعات فوز هيلاري كلينتون فأذا بترامب يفوز، وهو ما يدفع الكثيرون اليوم للتشكيك في مصداقية بل وجدوى استطلاعات الرأي العام، ومن ثم يرون أن الأمر نفسه سيتكرر في انتخابات ٢٠٢٠ ليفوز ترامب في مواجهة بايدن . وفي هذا السياق قال ترامب أن الاستطلاعات أخطأت في المرة الماضية وهي خاطئة أكثر هذه المرة. والحقيقة أن التوقف عند ما حدث في الانتخابات الماضية للحكم على مصداقية وجدوى الاستطلاعات هو أمر لا يستند إلى أسس علمية أو موضوعية. فالاستطلاعات الرأي العام الأمريكي خاصة فيما يتصل بالانتخابات يقترب عمرها الآن من مائة عام وكان فشلها في توقع نتيجة الانتخابات هو الاستثناء وليس القاعدة، بل إن ذلك الفشل دائما ما كان دافعا لتطوير آليات ومنهاجيات الاستطلاعات لتفادي ما وقعت فيه من أخطاء وقاد إلى الفشل في توقع النتيجة، وهو ما قامت به مؤسسات استطلاعات الرأي منذ فشلها في توقع نتيجة انتخابات ٢٠١٦. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن استطلاعات الرأي العام لم تفشل بالكلية في انتخابات ٢٠١٦، فهيلاري كلينتون حصلت على المستوى الشعبي على أصوات أكثر من ترامب ولكن الفارق كان ضئيلا للغاية كما أن المجمع الانتخابي هو من حسم الفوز لصالح ترامب.
ومع ذلك فلا شك أنه السياق العام الذي جرت فيه انتخابات ٢٠١٦ والذي لم يكن مواتيا لترامب خاصة الإعلام الذي هاجم ترامب ووقف ضده بشكل عدائي لم يحدث من قبل لأي من المرشحين في الانتخابات الأمريكية السابقة مستخدما بشكل أو بأخر استطلاعات الرأي العام للطعن في أهلية ترامب للفوز بالانتخابات، وفي هذا الإطار يمكن فهم ذلك العداء العلني من جانب ترامب لوسائل الإعلام واستطلاعات الرأي العام خلال مدة فترته الرئاسية. هذا السياق ما زال مستمرا ومسيطرا على مشهد العملية الانتخابية ووفرت له جائحة كورونا ذخيرة إضافية لاستهداف ترامب وسياساته وحرمانه مما انجزه على المستويين الداخلي والخارجي. باختصار فإن السياق الحالي بالنسبة للرئيس يبدو أسوأ مما كان عليه في الانتخابات الماضية خاصة ما يتعلق منه بالإعلام وعدائه لترامب علاوة على استنفار الديموقراطيين لتعويض هزيمة ٢٠١٦، الى الدرجة التي تضع الولايات المتحدة امام احتمالات كبيرة لموجة من العنف اعتراضا على النتيجة فيما يراه البعض أو على الأقل يتخوف منه باعتباره يعيد إلى الأذهان الحرب الأهلية.
نتائج الاستطلاعات الأمريكية الكثيرة تشير إلى أن ثمة ثباتا ملحوظا في بايدن متفوقا على ترامب بما يتراوح 2 إلى 8 نقاط تقريبا، وهو الأمر الذي يدعم احتمال فوز بايدن بالانتخابات. وبعيدا عن تحليل نتائج الاستطلاعات فإن السؤال الأهم الأن هو هل يستفيد بايدن من نشر تلك الاستطلاعات بتلك الكثافة أم أنها يمكن أن تكون سببا من أسباب خسارته المعركة الانتخابية، وتكون تلك النتائج المعلن عنها كما النيران الصديقة؟
لمعرفة أثر نشر نتائج استطلاعات الرأي العام على حظوظ المرشحين في أية انتخابات يمكن تصور وجود احتمالين لذلك الأثر، وهما:
الاحتمال الأول: أن تؤثر تلك النتائج التي تنشر مؤكدة أفضلية أو تقدم أحد المرشحين على توجهات الناخبين المترددين أي الذين لم يحسموا موقفهم تجاه أي من المرشحين. إذ تشير أحد أهم النظريات التي تفسر تلك الحالة وهي النظرية المعروفة بـ “دوامة الصمت” Spiral of Silence أن الناخبين المترددين عادة ما يحسمون قرارهم لصالح الاتجاه الغالب الذي تشير إليه الاستطلاعات اعتقادا منهم أن رأي الأغلبية صحيحا وعادة ما يفضلون الانضمام إلى الرأي الذي يبدو أن ثمة إجماعا عليه أو ميلا عاما له. الاعتبار المهم في الانتخابات الأمريكية 2020 هو أن حالة الاستقطاب الشديدة التي تسود المجتمع الأمريكي قد قلصت كثيرا من نسبة المترددين على نحو ما تشير إلى النسبة المعلنة في غالبية استطلاعات الرأي العام. الأمر الذي يعني أن المرشح بادين الذي تشير النتائج إلى أنه صاحب الأفضلية لن يستفيد كثيرا من ذلك الإعلان المكثف لتلك النتائج بصرف النظر عن مدى صحتها.
الاحتمال الثاني: وهو ما يطلق عليه الأثر العكسي. فغالبا ما يؤدي نشر نتائج استطلاعات الرأي العام في جو الاستقطاب الحاد كما هو حادث حاليا في الولايات المتحدة، والتي تشير إلى تقدم مرشح أحد المعسكرين إلى استنفار أنصار المعسكر الآخر للدفاع عن مرشحهم وتأمين حظوظه في الفوز. بمعنى آخر فإن نشر نتائج الاستطلاع كما هو في حالة بادين يزيد من شعور الخوف لدى أنصار ترامب ومن ثم يحتشدون للتصويت له مقابل ما قد يحدث من تقاعس لدى أنصار بادين على اعتبار أن فوزه بات أمر محسوما طبقا للاستطلاعات. ومن الواضح أن معسكر الجمهوريين المعروف أن نسبة تصويته في الانتخابات أعلى عادة من الديمقراطيين يراهن على ذلك الأثر العكسي، وهو الأمر الذي يعززه قيام قناة فوكس نيوز المعروفة بولائها للرئيس ترامب بالمساهمة في تعزيز الانطباع باحتمال فوز بايدن، إذ أذاعت هي الأخرى استطلاعا تتوافق نتائجه مع نتائج الاستطلاع الأخرى في توقع فوز بايدن.
ومما لا شك فيه فقد كان لذلك الأثر العكسي لنشر نتائج الاستطلاعات دورا فيما حدث في انتخابات 2016 بفوز ترامب في مقابل هيلاري كلينتون، وعلى الرغم من بعض التغييرات المنهاجية التي أدخلها القائمون على استطلاعات الرأي العام لتفادي أخطاء انتخابات 2016 فإن الأثر العكسي لنشر نتائج الاستطلاعات ما زال مرشحا بقوة ليكون عاملا رئيسيا في توجيه دفة النتائج الفعلية للانتخابات باتجاه إعادة إنتاج لتجربة انتخابات 2016. حيث أعطت الاستطلاعات تقدما لهيلاري وبدا الإعلام الأمريكي كله تقريبا ضد ترامب وإذا بالنتائج الفعلية تدفع ترامب إلى البيت الأبيض.