تُعد أزمة الطاقة أحد أبرز التحديات التي تواجه القارة الأفريقية في مسيرتها نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، ففي العديد من دول القارة، لا يزال الوصول إلى الكهرباء محدودًا، خاصة في المناطق النائية والريفية، ما يعيق فرص النمو الصناعي ويؤثر سلبًا على مستويات المعيشة. ومع تزايد الطلب على الطاقة نتيجة للنمو السكاني السريع، يصبح من الضروري البحث عن حلول طاقة مستدامة، موثوقة ونظيفة، قادرة على تلبية احتياجات أفريقيا المتزايدة من الكهرباء.
مدخل:
تبرز محطات الطاقة النووية العائمة كأحد الحلول الواعدة لهذه الأزمة، فهي تُمثل تقنية مبتكرة يمكن نشرها بسرعة لتوفير الكهرباء في المناطق التي تفتقر للبنية التحتية اللازمة للطاقة. تعتمد هذه المحطات على مفاعلات نووية عائمة يمكن نشرها في السواحل أو الجزر أو المناطق النائية التي لا تتصل بالشبكة الوطنية، مما يُسهم في تأمين مصدر طاقة مستدام وآمن.
وفي ظل التوجه العالمي نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والحد من انبعاثات الكربون، تقدم محطات الطاقة النووية العائمة بديلًا بيئيًا فعالًا يمكن أن يُسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في أفريقيا.
ومع تزايد الاهتمام بهذه التقنية على مستوى العالم، تطرح هذه الدراسة سؤالًا مهمًا: هل يمكن أن تكون محطات الطاقة النووية العائمة الحل النهائي لأزمة الكهرباء في أفريقيا؟
بلغ إجمالي سعة الطاقة النووية المركبة على مستوى العالم ما يقرب من حوالي 400 جيجاوات وذلك في عام 2021، لتُمثل نحو حوالي 10 من قدرة توليد الكهرباء في العالم، مع توقعات استقرار السعة في العامين المقبلين، كما هو موضح في الشكل التالي.
إشكالية الكهرباء في القارة الأفريقية
يفتقر اثنان من بين كل 3 أشخاص في الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى لإمكان الحصول على خدمة الكهرباء، وهو أمر قد يُضاعف من الصعوبات التي تواجه الحكومات في القارة الأفريقية، بفعل الأزمات الصحية والاقتصادية المتلاحقة. حيث تُشكل الصعوبات الاقتصادية العديد من المخاطر أمام إحراز تقدم فيما يتعلق بزيادة إمكان الحصول على الكهرباء، وبالنظر إلى العدد الكبير والمتزايد للسكان في القارة الأفريقية، فمن المتوقع أن يتضاعف الطلب على الطاقة وذلك بحلول عام 2040. وعليه، وقعت خطط تعزيز مفهوم أمن الطاقة في القارة الأفريقية بمأزق، لا سيما أن القارة تضم أكبر معدلات عجز الوصول للكهرباء، رغم أن مستوى الطلب يأخذ منحنى صعوديًا، وبينما يقتصر رصد الواقع الأفريقي على معاناة 570 مليون مواطن مع عجز الوصول إلى إمدادات الكهرباء، باتت موارد الطاقة الهائلة مسار حديث لماذا لا يُستفاد منها بالقدر الكافي؟
هنا تجدر الإشارة إلى أن عدد الأشخاص المحرومين من الكهرباء، انخفض إلى حوالي 770 مليون شخص على الصعيد العالمي في 2020، وهو مستوى قياسي منخفض، بحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية، ولكن حوالي 75% من هؤلاء المحرومين من سبل الوصول لخدمة الكهرباء يعيشون حاليًا في الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى -أي إن أفريقيا تُعد بمثابة موطن لنحو ثلاثة أرباع الأشخاص حول العالم دون تيار- وهي نسبة ارتفعت في السنوات الأخيرة. ومن المرجح أن يكون الافتقار للكهرباء ذا تداعيات سلبية على آفاق الاقتصاد في القارة الأفريقية، كما هو موضح في الشكل التالي.
استنادًا إلى ما سبق، تُعد محطات الطاقة النووية العائمة حلًا واعدًا للتحديات المتعلقة بتوفير الكهرباء في أفريقيا، حيث تُعتبر أزمة الطاقة إحدى العوائق الرئيسية أمام تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة في العديد من دول القارة. ومن الممكن أن تُصبح هذه التقنية بديلًا مثاليًا للطاقة النووية التقليدية، التي لا تزال تواجه تحديات خطيرة، أبرزها إدارة النفايات الإشعاعية الناتجة عنها، بالإضافة إلى تكاليف إيقاف التشغيل.
قد تصبح محطات الطاقة النووية العائمة عنصرًا حاسمًا في تعزيز أمن الطاقة بالدول الأفريقية، من خلال تقليل اعتمادها على الغرب في تأمين وارداتها من المواد الهيدروكربونية. وتسعى دول القارة إلى إيجاد مصدر طاقة نظيف وموثوق وفعّال من حيث التكلفة، لتلبية احتياجاتها من الكهرباء الضرورية لدعم نهضتها التصنيعية، خصوصًا مع الزيادة المستمرة في الطلب على هذه الموارد الاستراتيجية. تضم القارة الأفريقية محطة نووية واحدة فقط، وتقع في جمهورية جنوب أفريقيا.
محطة أكاديميك لومونوسوف الروسية العائمة: نموذج واعد لتوفير الطاقة في المناطق النائية
تواجه أفريقيا تحديات كبيرة في قطاع الطاقة، خاصةً في المناطق النائية والساحلية التي يصعب الوصول إليها من خلال الشبكات الكهربائية الرئيسية. وقد جعل ذلك الحاجة إلى حلول طاقة مستدامة وموثوقة ونظيفة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، في وقت تواصل فيه دول القارة جهودها لتعزيز معدلات النمو الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة للسكان الذين يتزايد عددهم بشكل مستمر.
بشكل عام، محطة الطاقة العائمة هي وحدة يمكن نقلها إلى مدينة ساحلية، حيث يمكن ربطها بالشبكة الكهربائية الوطنية لدولة معينة. وتُستخدم هذه المحطات عندما يكون هناك حاجة لمصدر طاقة يوفر كميات متوسطة من الكهرباء. من هذا المنطلق، يقدم مفهوم محطات الطاقة النووية العائمة، الذي تجسد في نجاح أكاديميك لومونوسوف كأول وحدة طاقة نووية عائمة في العالم، حلولًا واعدة لهذه التحديات. تتمتع أكاديميك لومونوسوف بأبعاد ضخمة حيث يبلغ طولها حوالي 144 مترًا وعرضها حوالي 30 مترًا، وتزن حوالي 21.5 ألف طن. وهي مجهزة بمفاعلين من طراز “كيه إل تي-40 إس” بقدرة حوالي 70 ميجاوات لكل منهما. حاليًا، توفر هذه الوحدة الطاقة الكهربائية لأكثر من حوالي 50% من السكان في منطقة أوكروغ التابعة لدائرة تشوكوتكا ذات الحكم الذاتي شمال روسيا، كما هو موضح في الشكل التالي.
توفر أكبر محطة طاقة نووية عائمة في العالم الكهرباء لمشروعات تعدين الذهب، والشركات الجيولوجية، والموانئ البحرية، بالإضافة إلى منشآت البنية التحتية المدنية. عقب تشغيل أكاديميك لومونوسوف في عام 2020، شهدت محطات الطاقة النووية العائمة المصممة في روسيا زيادة كبيرة في الاهتمام. وبالتالي، أصبحت هذه الوحدة الأساس الذي انطلقت منه مجموعة كاملة من وحدات الطاقة العائمة.
استكمالًا لما سبق، بالمقارنة مع المحطات البرية المستخدمة لأغراض مشابهة، تتميز محطات الطاقة العائمة بسرعة أكبر في تشغيلها وتوفير الكهرباء، بفضل التكنولوجيا المتقدمة المطبقة فيها. ومن هنا تكتسب فكرة إنشاء هذه الوحدات في أفريقيا أهمية متزايدة، كما تُعتبر محطات الطاقة النووية العائمة مصدرًا للطاقة النظيفة، مقارنةً بالمحطات المتنقلة التي تعمل بالغاز المسال أو الديزل، حيث تساهم في تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وحماية البيئة المحلية من التلوث.
محطات الطاقة النووية العائمة: حلول مبتكرة للطاقة في أفريقيا
تُشكل محطات الطاقة النووية العائمة حلًا مبتكرًا لتلبية احتياجات الكهرباء في المناطق النائية والمعزولة في أفريقيا، وتُعد هذه التقنية مهمة بشكل خاص للمجتمعات الساحلية والجزرية في القارة، التي يمكنها الاستفادة من هذه المصادر المتنقلة للطاقة. كما يمكن نشر هذه الوحدات بسرعة في المناطق التي تشهد احتياجًا ملحًا للكهرباء، مما يلغي الحاجة إلى بناء البنية التحتية الضخمة والاستثمارات العالية المطلوبة لإنشاء محطات الكهرباء التقليدية. وتُزود محطات الطاقة النووية العائمة، مثل أكاديميك لومونوسوف، بمفاعلات توفر إمدادات كهرباء موثوقة، وهي ميزة أساسية للمشروعات التعدينية الكبرى، والمنشآت الصناعية التي تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء، بالإضافة إلى تلبية احتياجات المجتمعات المحلية.
بالنسبة لأفريقيا، لا تقتصر فائدة استخدام محطات الطاقة النووية العائمة على توفير كهرباء نظيفة وموثوقة فحسب، بل تسهم أيضًا في تحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة. كما توفر محطات الطاقة النووية العائمة من خلال اتفاقيات شراء الكهرباء القدرة على التنبؤ بأسعار الكهرباء على المدى الطويل، مما يعزز الاستقرار الاقتصادي ويحمي الاقتصادات الأفريقية من التقلبات المستمرة في أسعار الطاقة العالمية.
علاوة على ذلك، قد يُسهم نشر محطات الطاقة النووية العائمة في أفريقيا في تحفيز التصنيع، وتوفير فرص العمل، وبناء البنية التحتية، خاصةً في المناطق الغنية بالموارد الطبيعية التي تفتقر إلى البنية التحتية للطاقة. كما تزداد أهمية هذه المحطات في تنمية القارة بفضل قدرتها على تلبية احتياجات متنوعة، مثل تحلية مياه البحر.
تدعم الحاجة إلى نشر محطات الطاقة النووية العائمة في أفريقيا التوجه المتزايد لدى دول القارة نحو اعتماد حلول الطاقة المتجددة والمستدامة. لا تُمثل هذه التقنية مجرد رؤية مستقبلية، بل تقدم أيضًا خارطة طريق عملية لمستقبل الطاقة في أفريقيا، تجمع بين الابتكار، المعايير البيئية، وتحقيق النمو الاقتصادي.
محطات الطاقة النووية الصغيرة: الحل المرتقب لأزمة الكهرباء في أفريقيا
تُعد الطاقة النووية إحدى الحلول الرئيسية والمقترحة لمواجهة الزيادة الكبيرة في الطلب على الكهرباء، الذي شهد تضاعفًا على مدى ربع القرن الماضي. وعليه يمكن القول بإنه من الضروري إعطاء الطاقة النووية اهتمامًا أكبر، وذلك نظرًا لجدواها الاقتصادية في سد الفجوة في موارد الكهرباء، فضلًا عن مزاياها البيئية والصحية التي تحسنت بفضل تقنيات التصميم والتشغيل المتطورة. هذا ما دفع بعض الدول الأفريقية إلى دراسة هذه التقنية وتطويرها كخيار مستقبلي.
وتتمتع المفاعلات النووية الصغيرة بقدرة على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في الدول الأفريقية، حيث تنتج ما بين 100 إلى 300 ميجاوات، وهو ما يميزها عن محطات الطاقة النووية الكبيرة التي يمكن أن تنتج من 2000 إلى 4000 ميجاوات. تنقسم المفاعلات النووية الصغيرة إلى فئتين: الأولى تعتمد على الغاز لتبريد المفاعل، بينما تعتمد الثانية على الماء. ولذلك، يتم بناء المفاعلات المبردة بالماء بالقرب من مصادر مياه قوية، بينما يمكن بناء المفاعلات المبردة بالغاز في أي موقع، حيث لا يشكل نقل الوقود عقبة كبيرة. تستخدم المحطات النووية المعيارية الصغيرة حمولة شاحنة واحدة فقط من الوقود سنويًا، ويمكن نقل الوقود باستخدام طائرة هليكوبتر عند الحاجة. كما يمكن تخزين الوقود بكميات تكفي لتشغيل المحطة لمدة تصل إلى عامين.
تتميز هذه العملية بأنها لا تحتاج إلى أنظمة نقل معقدة مثل السيور الناقلة أو خطوط السكك الحديدية التي تعمل على مدار الساعة كما في محطات الفحم، أو خطوط أنابيب الغاز الطويلة. بالإضافة إلى ذلك، تشهد العديد من الدول الأفريقية عواصف مطرية غزيرة يمكن أن توفر كميات ضخمة من المياه في فترة قصيرة، مما يؤدي إلى فيضانات مفاجئة قد تضر بالطرق وخطوط السكك الحديدية. لذا، يصبح تأمين إمدادات الوقود أمرًا بالغ الأهمية لضمان استمرارية العمل.
يمكن لأي دولة أفريقية تشغيل عدد من المفاعلات النووية المعيارية الصغيرة بسهولة، حيث يمكن تركيب كل مفاعل في مساحة تعادل ملعب كرة قدم. تمتد شبكات التوصيل والإشعاع الخاصة بها على مسافة تتراوح بين 10 إلى 20 كم، ولا تتطلب الاتصال بشبكة كهرباء وطنية كبيرة.
إجمالًا لما سبق، تفاقمت أزمة الكهرباء في العديد من الدول والمناطق نتيجة لمشكلات متعددة، مثل موجة الصقيع في تكساس، وتعطل شبكة الكهرباء في جنوب أفريقيا، ونقص إمدادات الغاز في أوروبا، بالإضافة إلى تحديات أخرى. ومن المتوقع أن يتضاعف استهلاك الكهرباء في ربع القرن المقبل، مع توقعات بأن يشهد الاستهلاك في أفريقيا زيادة تفوق المعدلات العالمية.
علاوة على ذلك، تتميز أفريقيا بظروف اجتماعية وجغرافية فريدة تختلف عن أوروبا، حيث يعتمد نشطاء البيئة والمناخ في القارة الأوروبية على معطيات ورؤى قد لا تكون قابلة للتطبيق بشكل مباشر على باقي أنحاء العالم. لذلك، يُقترح تبني رؤية واقعية تناسب احتياجات القارة الأفريقية، عند التفكير في منظومات توليد الكهرباء. يجب أن تشمل هذه الرؤية تخطيطًا شاملًا لنقل الوقود، وإنشاء خطوط التغذية الكهربائية، مع مراعاة المسافات بين محطات التوليد والمستفيدين من الكهرباء.
مفهوم “الطاقة النووية البيئية” والأثر البيئي للمحطات النووية الصغيرة
يعتمد المنطق الأوروبي، الذي يركز بشكل مفرط على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، على مفهوم علمي غير دقيق يُسمى البصمة الكربونية. هذا المفهوم يخلط بين الكربون الذي هو عنصر في الفحم، و”ثاني أكسيد الكربون” الذي هو غاز ينتج عن احتراق الوقود الأحفوري. في الواقع، الكربون وثاني أكسيد الكربون هما عنصران كيميائيان مختلفان تمامًا، وبالتالي لا يمكن معالجتهما بنفس الطريقة. لذا، إن التركيز الأوروبي على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في سياق البصمة الكربونية يبتعد عن الاعتبارات البيئية والاقتصادية التي تختلف بشكل كبير من منطقة إلى أخرى. لذلك، من غير المنطقي تعميم هذا المفهوم على جميع دول العالم، خاصةً في القارة الأفريقية، حيث تختلف الأولويات والظروف الاقتصادية والبيئية بشكل جذري.
استكمالًا لما سبق، ما تنقله وسائل الإعلام عن حوادث المفاعلات النووية غالبًا ما يكون مشبعًا بالعواطف والهستيريا المضادة للطاقة النووية. على الرغم من ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه لم يُسجل أي إصابات أو وفيات نتيجة للإشعاع النووي في حادثة مفاعل فوكوشيما في اليابان. من جهة أخرى، أدركت كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى أن تحقيق أهدافها في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لا يمكن أن يتم إلا من خلال التوسع في استخدام الطاقة النووية على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. وعليه، قرر الاتحاد الأوروبي والكتل السياسية الأخرى أن الطاقة النووية تُعتبر طاقة خضراء من منظور خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ويُعد هذا تطورًا بالغ الأهمية، حيث يتيح لجميع الهيئات الحكومية، وصناديق الاستثمار البيئية، والبنوك، والمطورين دعم الطاقة النووية ماليًا.
من الجدير بالذكر أن مخططي الكهرباء في جنوب أفريقيا أدركوا، في أواخر القرن الماضي، الحاجة إلى تطوير المفاعلات النووية المعيارية الصغيرة لبناء محطات توليد كهرباء موثوقة في المناطق النائية، بعيدًا عن المحيط وحقول الفحم الحالية. أن عشرات الدول الأفريقية أعلنت عزمها على متابعة مستقبل الطاقة النووية، كما أدرك القادة الأفارقة، في أكثر من 50 دولة، حقيقة أن الطاقة النووية تمثل المفتاح الأساسي للتقدم الوطني وتوفير الكهرباء.
دراسات حالة: تجارب الطاقة النووية في بعض الدول الأفريقية
يمكن أن تلعب الطاقة النووية دورًا محوريًا في معالجة أزمة الكهرباء التي تعاني منها أفريقيا، خاصة في ظل تزايد الطلب على الطاقة والحاجة الملحة للتحول إلى مصادر توليد أنظف. كما يُتوقع زيادة الاستثمارات في التقنيات النووية الحديثة في المستقبل تُعد الكهرباء المنتجة من المحطات النووية واحدة من أكثر مصادر الطاقة منخفضة الكربون على مستوى العالم.
جنوب أفريقيا: محطة كويبيرغ للطاقة النوورية
تُعد جنوب أفريقيا حاليًا الدولة الوحيدة في أفريقيا التي تمتلك محطة طاقة نووية عاملة، حيث تساهم هذه المحطة بحوالي 5% من إجمالي استهلاك الكهرباء المحلي. وقد أعلنت حكومة جنوب أفريقيا عن خططها لزيادة القدرة النووية في البلاد إلى حوالي 10 آلاف ميجاوات في المستقبل. إن محطة كويبيرغ للطاقة النووية، التي تبلغ قدرتها حوالي 1940 ميجاوات والتي تمتلكها وتشغلها شركة إسكوم المملوكة للدولة، تحتاج إلى استثمارات عاجلة لضمان إطالة عمرها الافتراضي، وتُعد مصدرًا موثوقًا لإمدادات الكهرباء إلى منطقة ويسترن كاب، واحدة من أسرع المناطق نموًا في جنوب أفريقيا.
مصر: محطة الضبعة
بدأت مصر في منتصف عام 2022 أعمال بناء محطة الضبعة للطاقة النووية، ضمن إطار برنامجها النووي لبناء أربعة مفاعلات بالتعاون مع شركة روساتوم الروسية للتكنولوجيا النووية، في نوفمبر 2017، وقعت مصر اتفاقية نهائية مع روسيا لإنشاء محطة للطاقة النووية في منطقة الضبعة بقدرة إنتاجية تبلغ حوالي 4800 ميجاوات.
وفي ضوء هذه الاستراتيجية المتكاملة للطاقة، تهدف الدولة المصرية للتوسع في الاعتماد على الطاقة المتجددة، حيث تهدف استراتيجية الطاقة المستدامة لعام 2035 الى زيادة مساهمة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الكهربائية، حيث من المقرر أن يصل إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة إلى 42% من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة عام 2035، وإدخال الطاقة النووية بنسبة حوالي 3%، كما هو موضح في الشكل التالي.
في الوقت نفسه، توفر أفريقيا فرصة كبيرة للاستفادة من الأنظمة الحالية ومواردها الهائلة من اليورانيوم. فالقارة تضم حوالي 11 مفاعلًا بحثيًا موزعة على الجزائر ومصر وغانا وليبيا والمغرب ونيجيريا وجنوب أفريقيا، حيث تتنوع قدراتها بين حوالي 0.1 كيلووات و22 ميجاوات، كما حصلت رواندا على موافقة من شركة روساتوم الروسية لبناء مركز أبحاث نووي.
تحديات ومستقبل الطاقة النووية في أفريقيا
على الرغم من النمو الملحوظ في سوق الطاقة النووية في أفريقيا، إلا أن القارة لا تزال تواجه العديد من التحديات الجوهرية التي تعيق تطوير هذا القطاع. من أبرز هذه التحديات: نقص البنية التحتية المناسبة، محدودية الموارد البشرية المدربة، فضلًا عن غياب آليات التمويل الكافية. إضافة إلى ذلك، يشكل عدم الاستقرار السياسي في العديد من دول القارة أحد العوامل التي تعرقل التقدم، مما يزيد من تعقيد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المرتبطة بالطاقة النووية.
في هذا السياق، حددت رابطة الصناعة النووية في جنوب أفريقيا مجموعة من الحلول المحتملة لتمويل مشروعات الطاقة النووية، مثل التمويل الحكومي من الشركات المملوكة للدولة، وكذلك اللجوء إلى القروض الحكومية الدولية. يبشر المستقبل بعصر جديد من التنمية للطاقة النووية في أفريقيا، حيث يُتوقع أن تشهد السوق النووية في القارة نموًا غير مسبوق.
وفي هذا الإطار، تُعد الطاقة النووية من العناصر الأساسية في جهود إزالة الكربون من إنتاج الطاقة على مستوى العالم. فعلى سبيل المثال، توفر المحطات النووية العشر العاملة في روسيا حوالي 33% من احتياجات الكهرباء في أوروبا، وتساهم هذه المحطات مجتمعة في منع إطلاق نحو 200 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا.خلاصة القول، أمن الطاقة يُشكل الارتباط بين الأمن القومي وتوافر الموارد الطبيعية لاستهلاك الطاقة، حيث أصبح الوصول إلى الطاقة الرخيصة (نسبيًا) ضروريًا لتشغيل الاقتصاديات الحديثة. وفي ظل تزايد الطلب على الطاقة وتحديات الطاقة التقليدية، يُعد مستقبل الطاقة النووية في أفريقيا واعدًا، وذلك من خلال تبني تكنولوجيا المفاعلات النووية الصغيرة، والاستفادة من التجارب الدولية، وتجاوز التحديات المرتبطة بالتمويل والبنية التحتية، يمكن للقارة تحقيق استقلالية في مجال الطاقة وتوفير مصدر كهرباء مستدام وموثوق لدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.